مصر والحوار الفلسطيني آفاق النجاح والفشل
4 رمضان 1429
د. محمد مورو

الحوار الذي استضافته مصر على أرضها، بهدف إعادة توحيد الصف الفلسطيني، ونزع فتيل الصدام بين فتح وحماس، هذا الحوار ضرورة وطنية فلسطينية، لأن استمرار انقسام الوضع الفلسطيني يعطي لـ"إسرائيل" وأمريكا الفرصة في التنصل من أي مسئوليات تجاه القضية بحجة أن الطرف الفلسطيني منقسم ولا يمكن بالتالي التوصل إلى اتفاق بين السلطة و"إسرائيل"، لأن السلطة لا تستطيع تنفيذ أي اتفاق طالما أنها لا تمثل كل الشعب الفلسطيني، وبديهي أن هذا الأمر يقلق السلطة أكثر مما يقلق حماس، باعتبار أن السلطة هي التي راهنت وتراهن على التفاوض مع إسرائيل، وبنت كل استراتيجياتها على هذا التفاوض، ولكن في المقابل فإن حماس معنية باتفاق مع فتح لوقف الاستنزاف الفلسطيني ووضع حد لممارسات الحصار، لأن هذا الحصار بدوره يستند إلى مقولة أن حماس سيطرت بالقوة وبالانقلاب – على غزة وأن الحصار أمر ضروري لمنع استفراد حماس بغزة وتشكيل قاعدة للتطرف المزعوم الذي يزعج أمريكا و"إسرائيل" ودول إقليمية أخرى . الاتفاق أيضاً ضرورة مصرية، لأن مصر ترى نفسها الطرف العربي الأكبر، واستمرار ذرائع الحصار يضع على مصر أعباء ضخمة، ويحرجها لأنها الطرف المقابل في معبر رفح، والرأي العام العربي لا يتفهم لماذا لا تفتح مصر معبر رفح لتخفيف معاناة الشعب الفلسطيني، وهي بدورها لديها التزامات مزعومة أو حقيقية أمام المجتمع الدولي عموماً وأمريكا خصوصاً، بالإضافة إلى ذلك فإن الحكومة المصرية التي نجحت في تحقيق اتفاق للتهدئة بين حماس وفتح وتوحيد الصف الفلسطيني، والحكومة المصرية أبلغت من ثم كل الأطراف بأنها حين تستضيف حواراً على أرضها بهذا الغرض

فإنها لن تقبل بأي حال من الأحوال أن يفشل هذا الحوار وأن من يتسبب في فشل هذا الحوار من الإقصائيين في رام الله أو غزة فإن عليه أن يتحمل الغضب المصري وتبعات ذلك أيضاً أمام الرأي العام الفلسطيني . والحكومة المصرية بداهة تريد أن تثبت أنها لا تزال قوة إقليمية فاعلة في المحيط العربي على الأقل بالنسبة للقضية العربية الأولى – القضية الفلسطينية – وأنها لا تزال تمتلك أوراقاً هامة في المسائل الإقليمية، ولم تخرج من الساحة تماماً وتتركها لإيران أو تركيا اللتان تعودان بقوة لامتلاك مبادرات وأوراق ضغط . مصر أيضاً حريصة على نجاح المصالحة، لأن استمرار الأوضاع المتردية بالنسبة للشعب الفلسطيني عموماً، وأهالي غزة خصوصاً، يضع قنبلة زمنية على رأس مصر يمكن أن تنفجر في أي لحظة . ولا يمكن ساعتها لأي طرف وقف تداعياتها السلبية، فضلاً عن أن قضية فلسطين في عمومها هي قضية أمن قومي لمصر .

وهكذا فإن كثيراً من العوامل الضاغطة والمشجعة دفعت الحكومة المصرية لاستضافة هذا الحوار، خصوصاً بعد الأحداث المؤسفة في غزة بين حماس وعائلة حلس، وزيادة مساحة وقوة التوتر بين حماس وفتح، وتبادل الاعتقالات وغيرها من الأمور، ومصر تعتمد هنا على أن كل من فتح وحماس بات يدرك أن أحداً لن يحقق انتصاراً كاملاً على الآخر، وأن الأوضاع غير قابلة للاستمرار على ما هي عليه، والتكتيك المصري في هذا الصدد يعتمد على إطلاق حوار مع كل الفصائل الفلسطينية على حدة، الجهاد الفلسطيني والجبهة الشعبية ثم فتح وحماس ثم حواراً بين كل الأطراف الفلسطينية، والحوار بدأ بين الدبلوماسية المصرية والجهاد الفلسطيني، وهو الطرف الأقرب إلى مصر من ناحية، وهو الذي يمتلك رؤية محددة وخطة للمصالحة وهو أيضاً يمتلك علاقات مع كل الأطراف إن لم تكن علاقات حميمة فهي علاقات على الأقل متزنة وغير متوترة، وتسعى مصر لجعل الجهاد الفلسطيني الطرف الأقدر على لم شمل الاخوة الأعداء في حماس وفتح، وتنفيذ أو مراقبة تنفيذ ما يتم الاتفاق عليه، أو أن تكون الطرف الذي يستلم ويسلم المقرات الأمنية في غزة مثلاً حتى يتم تحقيق حكومة وحدة وطنية، والمبادرة المصرية – الجهادية تقوم على إخلاء المقرات الأمنية في غزة من حماس، والإفراج عن كل المعتقلين بين فتح وحماس، وإعادة المقرات المصادرة من هذا الطرف وذاك في كل من الضفة وغزة، وتوسيع وإصلاح منظمة التحرير الفلسطينية، لتضم جميع الفصائل وفقاً للوزن النسبي الحقيقي لكل الأطراف على الأرض، واعتبارها المرجعية العليا للشعب الفلسطيني ومن ثم اتخاذ القرار الفلسطيني، وإقامة حكومة وحدة وطنية فلسطينية تضم حماس وفتح وباقي الفصائل التي ترغب في ذلك، مع الإعداد لانتخابات رئاسية فلسطينية في العام المقبل . وكلها أهداف صعبة بالطبع، وداخلها الكثير من التفصيلات التي يكمن فيها الشيطان كما يقال عادة . على أي حال فإن الجهد المصري في هذا الصدد مشكور، وإذا كانت الحكومة المصرية تمتلك أوراق ضغط على كل من حماس وفتح، وجوائز يمكنها أن تقدمها لحماس في حالة المرونة في تحقيق اتفاق مثل فتح معبر رفح، فإن الشعب الفلسطيني كان يرغب في ألا تربط مصر فتح معبر رفح بهذا الاتفاق، لأن فتح معبر رفح يخص معاناة كل الشعب الفلسطيني في غزة، ولا يخص حماس وحدها، حتى ولو كانت هي السلطة على الأرض في غزة، ولا ننسى في هذا الصدد أن نقول أن عوامل النجاح لهذا الاتفاق برعاية مصرية موجودة بالفعل تتمثل في قدرة مصر وثقل مصر، وعلاقاتها القوية بأطراف في غزة بالتحديد غير حماس . وكذلك وصول موضوع التسوية عن طريق التفاوض بين السلطة وإسرائيل كما تعهدت بذلك الولايات المتحدة إلى طريق مسدود، خاصة بعد الاضطراب السياسي في إسرائيل والاحتمالات غير المحددة لرحيل رئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود أولمرت، واكتشاف أطراف السلطة بأن كل جولات وزير الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس إلى فلسطين لم تقدم شيئاً جديداً، وأن الوعد الأمريكي بحل للقضية قبل رحيل بوش لم يكن إلا نوعاً من الأوهام ليس إلا، وإدراك حماس من طرف ثان بأن وضعها بهذه الطريقة يحمل مخاطر جمة لها ولغيرها، ثم الجهد المشكور الذي تقوم به حركة الجهاد الفلسطينية لتقريب وجهات النظر، إلا أن تلك العوامل المشجعة تجد في المقابل ما يعطلها، ولعل تزامن زيارة وزير الدفاع الإسرائيلي ايهود باراك إلى مصر، وكذلك زيارة وزيرة الخارجية الإسرائيلية إلى كل من القدس ورام الله كانتا تستهدفان إفشال الحوار، أو إبلاغ الرئيس الفلسطيني محمود عباس بأن أمريكا لا ترغب في توصل السلطة إلى اتفاق مع حماس، وكذلك إبلاغ السلطة المصرية عن طريق باراك بمجموعة من المطالب الإسرائيلية من حماس مقابل عدم تعطيل الاتفاق المستخدم بين حماس وفتح ومنها إطلاق سراج الجندي الإسرائيلي المأسور لدى حماس "جلعاد شاليط "، أكثر من هذا فإن الدلالات الرمزية في إطلاق سراح حوالي 200 معتقل فلسطيني من السجون الإسرائيلية في الأيام الأولى لبدء الحوار الفلسطيني في القاهرة، واقتصار هؤلاء على مسجوني فتح دون مسجوني حماس وهو أمر غير معتاد في صفقات تبادل الأسرى عادة، كان نوعاً من زيادة الشكوك والغضب والمرارة لدى حماس تجاه فتح مما يعطل الاتفاق، ونرجو ألا يكون لزيارة رايس أو إطلاق الأسرى بهذه الطريقة أو مطالب باراك أي أثر على التقارب الفلسطيني – الفلسطيني – وأن يرتفع جميع الفلسطينيين إلى مستوى المسئولية التاريخية وأن يتم إنهاء هذا الفصام بين فتح وحماس .