الاتحاد من أجل المتوسط: تحالف ثالوث الصهيونية والاستدمار والاستبداد
14 رجب 1429
عبد الباقي خليفة

مشاريع غير متربطة بجدول زمني، وغير محددة بأرقام مالية، وغير مرتبطة بمرجعية تمويلية 

ليس كل من "شارك" في إقامة ما سمي بـ "الاتحاد من أجل المتوسط" ينتمي للثالوث الأبرز في منظومته، الاحتلال الصهيوني، والاستدمار الأوروبي، والاستبداد العربي، فهناك من دفعه الطمع في جني مكاسب سياسية أو اقتصادية،من خلال الانضمام لهذا الاتحاد،الذي أعلن عنه مؤخرا في باريس، وحضره رؤساء ورؤساء وزراء 43 دولة. وكما يلاحظ فإن الأهداف المعلنة لهذا الاتحاد، تؤكد على وجود أجندة سرية غير معلنة، فكل هذا الحشد وكل هذا التسويق الإعلامي، لا يمكن أن يكون لمجرد الالتقاء على جملة من المشاريع المعممة دون تفاصيل لتلك المشاريع .
وفي الحقيقة فإن المشروع المعلن عنه ليس مشروعا متوسطيا مائة في المائة فقد ضم دولا ليست من حوض البحر الأبيض المتوسط مثل موريتانيا والأردن، والبوسنة وكرواتيا (التي منعت قافلة إغاثية من المرور إلى غزة تزامنا مع المؤتمر) والجبل الأسود . كما أنه وكما يبدو ليس مشروعا اقتصاديا، بمعنى، يهدف لتنمية دول الجنوب، فقد تم الاستغناء عن أهم ما ورد فيه بهذا الخصوص وهو "بنك الاستثمار المتوسطي" والحديث عن مشاريع تنموية بعد ذلك مجرد هراء وكلام غير مؤسس على آليات علمية. وهو أيضا ليس حلف فضول لمناصرة حقوق الانسان وحق الشعوب في تقرير المصير، فقد انتقدت منظمة العفو الدولية الاتحاد وقالت إنه يضحي بحقوق الانسان لصالح الأعمال. ودعت في رسالة إلى الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي (البولندي الأصل) الذي ترأس بلاده الاتحاد الاوروبي إلى تأكيد الالتزام الاوروبي بمبادئ حقوق الانسان التي تحكم العلاقات الخارجية للاتحاد الاوروبي . ولكن حديثك يا هذا في النافخات زمراّ!
وهناك عدة معطيات تطرح الكثير من الأسئلة، منها، السؤال عن سر جعل رئاسة الاتحاد ثنائية، ولمدة سنتين (بدأتها فرنسا وحسني مبارك) دولة أوروبية وأخرى جنوبية (عربية) بينما الاتحادات ومن بينها الاتحاد الاوروبي، والمنظمات الدولية التابعة للامم المتحدة وغيرها تتم فيها الرئاسة بشكل دوري وتسند فيها لدولة واحدة، وليس من الصعوبة بمكان، معرفة (السر) فأوربا ترفض أن ترأسها دولة عربية استبدادية، حتى وإن استخدمتها واستخدمت مثلها في خدمة مصالح شعوبها الاوروبية، حيث تزول الانظمة في أوربا وتزول الشعوب (مجازا) في الجنوب العربي. وتتباحث أوربا الموحدة مع كل قطر عربي على حدا، فهم (يفاوضون(نا) ككتلة واحدة وتفاوض أنظمة الحكم العربية أوربا منفردة. وهي (مرتاحة) و(منسجمة مع نفسها) فحكم عدة آلاف من الكيلوكترات وعدة ملايين من البشر بصفة منفردة (بالنسبة إليها وفق مصالحها الشخصية جدا) أفضل من تقاسم الآراء مع مستبدين آخرين فضلا عن شعوبها. وهذا ما يكشف جرما آخر يتمثل في تشتيت العرب وفقا لأهواء هذا الحاكم أوذاك وقراءته لخارطة المصالح الشخصية والاولويات الذاتية. وهناك ميل أوروبي لتكريس الاستبداد في ساحتنا مقابل خدمات سياسية واقتصادية وثقافية وتنازلات تقدمها النخب الحاكمة على حساب شعوبناوأمتنا وأحلامنا المشروعة في الحرية والسيادة والتقدم. تلك التنازلات التي تمهد للتخلف والتغريب والصراعات الطائفية والإقليمية، وتهيئ المنطقة لهيمنة صهيونية أوروبية مشتركة .
إن النتائج الاستراتيجية لمشروع "الاتحاد من أجل المتوسط " ضد مصالح شعوب الدول العربية سواء كانت منضوية تحت لواء الاتحاد أو غير ذلك،وإنما هي في صالح ثلاث أطراف، أولا (إسرائيل) ثانيا أوربا وثقافتها واقتصادها، وثالثا النخب الحاكمة التي تطرح نفسها (حاميا) لأوربا، وسدا منيعا - بزعمها - ضد كل من يهدد أمنها، بينما هي التهديد الحقيقي للشمال والجنوب على حد سواء،وعلى المدى المتوسط والبعيد . وهذا ما ورد على لسان الرئيس المصري حسني مبارك، وهو في الثمانينات من عمره، دون أن يفكر في مستقبل بلاده وأمته وآخرته حيث الله سائله عما يفعل ويقول "كلنا نعرف أن أمن حوض المتوسط والشرق الأوسط مرتبط بأمن أوروبا". وهو تناغم واضح مع رئيس المفوضية الأوروبية – أو العكس - الذي اعتبر "منطقة المتوسط حساسة جدا بالنسبة لأمن أوروبا"، وبالتالي فإن الاتحاد في حقيقته "تحالف أمني "ضد المقاومة وضد الشعوب العربية التائقة للديقراطية وللحرية والانعتاق من ربق الاحتلال والهيمنة والاستبداد.
لذلك لم يتطرق البيان الختامي لمؤتمر الاعلان عن قيام "الاتحاد من أجل المتوسط" لما يجري في غزة. ولم يتطرق إلى القضية الفلسطينية بشكل واضح، حيث ترك الأمر للمفاوضات بدون تحديد المرجعيات، بما في ذلك ما يسمى بالمبادرة العربية التي لا يزال الكيان الصهيوني يرفضها رفضا قاطعا. وكان على الدول العربية المشاركة، رفض الجلوس مع ممثلي الكيان الصهيوني حتى يقبل – على الأقل – بتلك المبادرة العتيدة. وهذا ما يفرضه منطق "الواقعية" وعلى طريقتهم تحديدا. لكن اللهث وراء إرضاء القوى الدولية،بحثا عن شرعية خارجية، أعمى أبصار المشاركين العرب في هذا الاتحاد المسخ. مما يجعل قضية فلسطين خارج مهام هذا الاتحاد، ويجعل التطبيع مع الكيان الصهيوني أحد أبرز الأهداف الإستراتيجية للاتحاد، بقطع النظر عن مآلات قضية القدس وحق العودة والمستوطنات. فقداكتفى البيان الختامي بتأكيد دعم الوفود المشاركة لما أسماها عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية. أي إخراج القضية من طابعها العربي الإسلامي وحصرها في (خلافات) فلسطينية (إسرائيلية). وبخصوص القضية الفلسطينية أيضا فإن ماأشار إليه عضو المكتب السياسي لحركة المقاومة الاسلامية حماس محمد نزال كان دقيقا في بيان بعض أهم أهداف ما يسمى بالاتحاد من أجل المتوسط "الاتحاد من أجل المتوسط مجرد محاولة تقوم بها(إسرائيل) للدخول من النافذة للمزيد من التطبيع، ولإدخال (إسرائيل) في نسيج المنطقة من النافذةبعد أن فشلت كل محاولات إقحامها عبر الأبواب". وقال "نحن نعلم أنه منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد لمتسفر محاولات (الإسرائيليين) للدخول إلى نسيج المنطقة، عن نتائج ميدانية،وبقي الجسم (الإسرائيلي) مرفوضًا، وبالتالي ما يجري اليوم هو محاولة تحت عنوان الاتحاد من أجلالمتوسط لإقحام (إسرائيل) في المنطقة"، وهذا يلتقي مع رغبة فرنسية بأن يكون لفرنسانفوذ وتأثير مستغلة ومستفيدة من تراجع الدور الأمريكي والكراهية الشديدةلسياساتها في المنطقة، ومن هنا فللاتحاد من أجل المتوسط هدفان: هدف يتصل بمصالحفرنسا وطموحها (للتغلغل في المنطقة أكثر) للعودة إلى المنطقة، وهدف (إسرائيلي) للدخول إلى المنطقة عبرالنافذة ". وهو ما حذرت منه الجزائر رغم حضورها فقد دعا وزير خارجية الجزائر مراد مدلسي إلى توضيح تبعات وجود (إسرائيل) في اتحادٍ "يجب أن لا يطبع العلاقات بين الدول العربية وبين (إسرائيل)، وهو ما فشل فيه مسار برشلونة", وذكر بأن الدول التي ليس لها علاقات مع (إسرائيل)"يجب أن لا يفرض عليها أن تكون جزءا من مشاريع مشتركة" في الاتحاد المتوسطي.
ويعتقد الكثيرون أن تحريك المفاوضات بين سوريا والكيان الصهيوني، مجرد لعبة هدفها إبعاد سوريا عن ايران، وتهدئة الجبهة اللبنانية وتجميدها، في حال تم ضرب ايران. وفي المقابل تصفية القضية الفلسطينية اقليميا بعد تصفيتها عربيا من خلال التطبيع مع الدول العربية المشاركة في اتحاد المتوسط. وهذا ما جعل محمود عباس يستفسر من ألمرت الذي وعده – وعد عرقوب – بأن المفاوضات مع سوريا لن تؤثر على المسار الفلسطيني .. وقد جاء الترحيب بالمفاوضات غير المباشرة بين دمشق وتل أبيب، في بيان الاتحاد، بعد تجاوز المبادرة العربية حيث لم يتم في البيان الاشارة إلى حدود 67 . مما يدل على أن المشاركين العرب لم تعد تهمهم مبادرتهم، طالما أن ألمرت رفضها، فهم يتعاملون بسياسة الاستجداء والمستجدي ينصرف إذ ما تم نهره، وهو ما حدث .
ومن القضايا المهمة ولكنها عولجت بشكل معكوس، يؤكد على حرص الجانب الاوروبي على استفحال الأزمات الاقتصادية والاجتماعية في دول الجنوب العربية، ليتمكن من التحكم في عملية التنمية والتطوير وفي الموقف السياسي العربي المرتهن للخارج، والفاقد للشعبية والشرعية في الداخل. فقد أثبتت الاحداث التي شهدتها وتشهدها كل من مصر والمغرب والجزائر وتونس أن أسلوب التنمية المتبع فاشل ويؤكد فشله كل يوم. كانت أزمة الخبز في مصر وأحداث سيدي ليفني، في المغرب، والتحولات الدراماتيكية المفزعة في الجزائر، وأحداث الحوض المنجمي ومنطقة الجنوب التونسي التي تكاد تعلن فيها المجاعة، أدلة قاطعة على فشل مسارات التنمية المرتبطة بالخارج، والتي عشش فيها الفساد والمحسوبية والجهوية، وعطل حركة التنمية، وهدد السلم الغذائي والأهلي في ربوعها. وكان من المنطقي في ظل (اتحاد) متوسطي أن تكون حرية التنقل والعمل مكفولة لمواطني دوله، بيد أننا رأينا العكس، فقد أشار البيان الختامي إلى محاربة، ما وصفها بالهجرة غير الشرعية. وسبق ذلك قوانين أوروبية مشددة ضد المهاجرين بل ضد طالبي اللجوء السياسي. وتم التغاضي عن دور الأنظمة الاستبدادية المنضوية تحت لواء (الاتحاد من أجل المتوسط) في تفاقم ظاهرة البطالة والفقر وبالتالي الهجرة غير الشرعية .
وعندما يكون الكيان الصهيوني، أهم أعمدة هذا الاتحاد، فإن محاربة الإرهاب، كما جاء في البيان الختامي ينصرف إلى المقاومة داخل فلسطين المحتلة، وفي أي مكان يحارب فيه الاحتلال، مما يجعل من الاتحاد قاعدة لمحاربة المقاومة، تمهيدا لغزو شامل سياسي وثقافي وإعلامي، وليس مستبعدا غزوا عسكريا. ويبقى الحديث عن منطقة شرق أوسطية خالية من الأسلحة، و تنظيف البحر أو حتى، تبليطه، بتعبير المشارقة من التوابل الضرورية لبلع السكين، كما يقلون .
وفي الوقت الذي يدخل فيه (الإسرائيلي) إلى الدول الأوروبية بدون أي مشاكل أو عقبات، بل إن ذلك وإن حدث يعد غنيمة، حيث يوصم من يمس (إسرائيلي) بسوء معاديا للسامية، وتدفع من خزائن الدول التعويضات الكبيرة، بينما يهان العربي على يد جلاوزة النخب المستبدة الحاكمة، وفي أوربا وفي كل مكان طالما أنه مهان في بلده . وعلى المستوى الدولي هناك تعاون عسكري واقتصادي كبير بين الدول الأوروبية مجتمعة والكيان الصهيوني،وهناك أفضلية تجارية للسلع الصهيونية، بينما تسد الأبوب أمام العرب وتجارتهم في أوربا،في حين تمثل بلداننا سوقا مفتوحة لبضائعهم المختلفة .
كما قرر أعضاء الاتحاد الجديد تعزيز المواصلات البحرية بين ضفتي المتوسط وتعبيد طرق شاطئية وتحديث خط السكك الحديدية العابر للمغرب العربي، بالإضافة إلى تكثيف التعاون في مجال التعليم العالي ودعم المقاولات الصغيرة والمتوسطة في المنطقة. وهي كلمات فضفاضة عن مشاريع غير متربطة بجدول زمني، وغير محددة بأرقام مالية، وغير مرتبطة بمرجعية تمويلية . مثلها مثل الاشارة إلى " تعهد محررو الوثيقة بالعمل على جعل الشرق الأوسط منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل " دون ذكر آليات التنفيذ . لكنهم شددوا عمليا على التزامهم بمحاربة الهجرة غير القانونية والتصدي لما سموه "الإرهاب بكل أشكاله". وهذا كما أشرنا سابقا أحد أهم أهداف الاتحاد والبقية ذر للرماد في العيون. مثل الرفض المطلق "لمحاولات إلصاق الإرهاب بأي دين أو أي ثقافة مهما كانت". ولم نكن الوحيدين الذين يرون بأن الاتحاد هو أمني لخدمة مشروع الكيان الصهيوني، المغلف بالخشية على الأمن الأوروبي، لتبرير تمويل الاستبداد والمحافظة عليه في البلاد العربية أمام الرأي العام الاوروبي. وهو ما جعل الكثيرين من لاوروبيين مثل الباحث في مركز دراسات السياسات الأوروبية في بروكسل مايكل إيمرسون إلى الاستغراب من ماهية لاتحاد فهو" صمم وعرض بشكل سيئ و"المادة السياسية فيه غامضة لدرجة تكاد تكون منعدمة".