اضطراب البيوت ونتاج تلميع النساء العلمانيات
25 جمادى الأول 1429
د.ليلى بيومي

كانت صديقتي على وفاق مع زوجها، وقد أنجبت منه أربعة أطفال، وشأن غالبية أسرنا عندما ينشأ أي خلاف بين الزوجين لا يطرح موضوع الطلاق أبدًا على قائمة حل الخلافات، ولظروف سفر الزوج اضطر للزواج بأخرى، لكن الزوجة الأولى أرغمته بشتى الطرق على العودة من سفره وطلاق الثانية، واعتبرت أن الزواج بأخرى ذنب لا يُغتفر، وأسرت هذا في نفسها، ودبّت الخلافات لأتفه الأسباب، وما أن صدر قانون الخلع حتى أخذتها العزة بالإثم، ورغم حبها لزوجها لكنها اعتقدت أن سيف الخلع ستسلطه على الزوج المعتز جدًّا بكرامته، وأنها بذلك تنتقم هي الأخرى لكرامتها، رغم أن الزوج لم يرد هذا الطلاق، وعندما خلعت الزوجة نفسها منه، ترك الزوج لها البيت والأولاد واستقل بسكن خاص به.

لكنها ما لبثت بعد عدة شهور أن أدركت حجم الكارثة، فمشاكل الأولاد تتزايد، وهي لن تستطيع أن تأتي بأي رجل في العالم ليكون أبًا لأولادها، وفي نفس الوقت زوجًا لها.

حاولت بعد ذلك أن تستعيد زوجها، لكنه رفض أن يعود لامرأة خلعت نفسها منه، وارتضت أن تكون بعد ذلك زوجة ثانية ولو ليوم واحد في الأسبوع، لكن لم تجد من يتحمل أربعة أطفال وأمهم.

هذه القصة متكررة الآن وبظروف وملابسات متباينة، لكن يربطها دائمًا مع بعضها البعض خيوط عامة، وهي أن المرأة تسير دائمًا وراء عواطفها ولا تخضع أحيانًا للأحكام الشرعية إن لم تكن على هواها، ثم في النهاية يقع الضرر عليها أولاً وعلى أولادها، ومجتمعها بعد ذلك. وهذا ما بُنِيَت عليه خيوط المؤامرة وخطط المتآمرين، الذين تآمروا على كل ما يخص قضايا الأسرة التي هي نواة المجتمع المسلم.

وحقيقة المؤامرة تقطع بها حقائق التاريخ وأحداث الواقع المؤلم الذي نعيشه اليوم، فالحالة التي وصلنا إليها الآن من انتشار العنوسة، والزواج العرفي، وارتفاع معدلات الطلاق لدرجة أصبحت خطرًا جسيمًا يهدد كيان كثير من الأسر المسلمة، هي نتيجة طبيعية لسلسلة من المؤامرات التي تحاك ضد الأسرة المسلمة في الداخل والخارج.

ولنعد سويًّا إلى الماضي القريب، عندما تم التقاط كل من هدى شعراوي وصفية زغلول لحضور مؤتمر نسائي دولي بأوربا للمطالبة بحقوق المرأة ما بين 6- 12 يونيه 1920، ولم يتمكنا من الحضور هذه المرة، لكن بعد خلعهما للحجاب عام 1921 عند عودة سعد زغلول من المنفى أسست هدى شعراوي الاتحاد النسائي في مارس 1923 وسافرت في نفس العام لحضور مؤتمر روما ومعها سيزا نبراوي وريجينا خياط وويصا واصف، وطالبن في هذا المؤتمر الدولي بطرح القضايا الاجتماعية في مصر، ومنها تعدد الزوجات، وتقدمن بأصل القانون المصري المستمد من القانون الفرنسي، متحدثات باللغة الفرنسية ومعلنات عن أفكارهن التغريبية. وقد أوصى المؤتمر في مجلته الصادرة بضرورة إلغاء تعدد الزوجات؛ لأن كرامة المجتمع الإسلامي أصبحت تأبى أن تبقى فيه مثل هذه العادة.

وتوالت بعد ذلك المؤتمرات، ففي عام 1924 عقد مؤتمر «جراتر» بالنمسا وخطبت فيه هدى شعراوي بالفرنسية أيضًا، أما عام 1926 في مؤتمر باريس فقد طالبت كافة عضوات الاتحاد النسائي بعرض قضايا الطلاق، والطاعة، وإعطاء المرأة مزيد من الصلاحيات القانونية في هذا الأمر، وكذلك منع تعدد الزوجات.

وتوالت المؤتمرات عامًا بعد عام، معلنة الحرب على الشرعية الإسلامية، ومطالبة بتغيير قوانين الأحوال الشخصية.

وإذا كانت تلك الأحداث معروفة تاريخيًّا وتم إلقاء الضوء الإعلامي على نشاطات تلك المجموعات النسائية، والتي لم تكن تعبر مطلقًا عن جهور الأسر المسلمة، لكن تم بقصد وسوء نية، مراعاة تلك الأفكار والتوجهات على كل المستويات، والدأب على نشرها وتمويل ورعاية القائمين والقائمات عليها، في حين تم تثبيط وحصار الأفكار المناهضة التي تمثل الرؤية والحكم الشرعي الإسلامي، فكثير من الإعلاميين والكتاب اللادينيين يرددون مثلاً موقف سعد زغلول تجاه الحجاب عام 1921 الذي قال لزوجته: "هذه ثورة.. ارفعي حجابك" .. حيث كان عائدًا من منفاه وحوله جموع من المصريين، في حين أن وكيل وزارة الحقانية إسماعيل باشا صبري قال: «الحجاب للمرأة سعادة وسيادة، وأنفس حلي للمرأة الراقية»، وكذلك محمد فريد وجدي الصحفي والأزهري البارز الذي اتهم قاسم أمين بالكفر والإلحاد وأحل سفك دمه.

وإذا كانت هدى شعراوي وصفية زغلول ومن على سار شاكلتهن مازالت تتردد أسماؤهن في وسائل الإعلام والسينما والكتب، ويشار إلى دورهن الذي كان مناهضًا للفكرة الإسلامية، ولم يكن معبرًا بأي حال على جموع الشعب المصري المسلم، إلا أن هناك شخصية نسائية مهمة مثل الشاعرة ملك حفني ناصف الملقبة بباحثة البادية، قامت بتأليف العديد من الكتب، وألقت العديد من المحاضرات في الجامعات، طالبت فيها بتعليم البنات الدين الصحيح، وجعل التعليم الابتدائي للبنات إجباريًّا، ورأت ضرورة التركيز على تعليم التدبير المنزلي، وقانون الصحة، وتربية الطفل، والإسعافات الأولية، ودعت إلى تخصيص عدد من البنات لتعلم الطب ثم القيام بتدريسه للنساء، وطالبت أيضًا باتباع الطرق الشرعية في الخطبة، وضرورة منع النساء من المشي في الجنازات نهائيًّا، ومن الاجتماع للندب واللطم والصراخ والتعديد؛ لأنها منافية للأخلاق وضد الدين، وضرورة الإبقاء على الحجاب، وطالبت الجمعيات الخيرية في ذاك الوقت وأغنياء الأمة، بتوجيه أموالهم لتعليم الفتيات الفقيرات؛ لأن هذا يساعد على ترقية الأمة.

فلماذا لا تسلط الأضواء على أفكار ونشاط النساء من أمثال ملك حفني ناصف، ولبيبة أحمد، وجمعيات ومعاهد الأخوات المسلمات، والعديد من الجمعيات النسائية والخيرية الأخرى الكثيرة، والتي اجتهدت في الرد على تلك الهجمات الشرسة، والعودة بالمرأة إلى الإسلام؟ المؤكد أنه كانت هناك مخالب تحكم سيطرتها بشتى الطرق وعلى مستويات عدة للخوض في مسائل الزواج والطلاق وتعدد الزوجات والحجاب، وكان الاتجاه السائد في أوائل ومنتصف القرن التاسع عشر هو المحافظة على الزواج والحيلولة دون حدوث الطلاق، كما تؤكد الإحصائيات والبحوث الاجتماعية في تلك الآونة، لكن رويدًا رويدًا تمت المطالبة بالاختلاط بين الجنسين، وتأخير سن الزواج، وتغيير قوانين الأحوال الشخصية بما يسمح للمرأة بتطليق نفسها، وأن تكون العصمة في يدها، وإذا حدث وطلق الزوج زوجته، فإن عليه أن يدفع لها تعويضًا ماليًا مناسبًا.

ومن خلال اطّلاعي على مجمل الإصدارات الصحفية والدوريات الثقافية منذ عام 1910 وحتى ثورة يوليو 1952، والتي كانت تتابع وتشجع تلك الجمعيات النسائية العلمانية والتي مازالت تواصل مخططاتها؛ وجدت أن قاسم أمين مثلاً بعد دعوته للسفور يطالب بتحريم تعدد الزوجات، لأنه يدل في رأيه على فساد الأخلاق، أمَّا هدى شعراوي فطالبت من خلال اتحادها النسائي بوضع قانون للأسرة يستخدمه المسلمون والأقباط، ويكون حق الطلاق فيه مباحًا للذكر والأنثى، بمعنى أنه لو كره الرجل زوجته طلقها ولو كرهته هي طلقته أو طلقت نفسها منه.

إن هناك تطابقًا كبيرًا بين هذه الأقوال التي طرحت في الماضي القريب وبين ما يقال الآن في نفس التجمعات النسائية العلمانية، لكن الفرق هو أن مردود هذا الكلام في الماضي لم يكن قد وصل إلى عمق المجتمع، وكانت هناك قوى اجتماعية محافظة تساهم في التوازن الاجتماعي، لكن رويدًا رويدًا، تسلل السم في العسل، وتم تغريب قطاع كبير من النساء المسلمات ببطء شديد، وصدق اللَّـه العظيم: [إن اللَّـه لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم].