الغرب ومهام شبكة العلمانيين المرتدين الجدد
4 ربيع الأول 1429

البذاءات وعبارات الكفر التي تفوهت بها العلوية "وفاء سلطان" على شاشة برنامج واسع الانتشار بفضائية الجزيرة والتي سبق أن قالت عنها في مؤتمر لمنظمة أقباط الولايات المتحدة الأمريكية التي يرأسها مايكل منير" الجزيرة قدمتني للعالم على طبق من ذهب "، لم تكن تلك التفوهات سوى حلقة من عقائد شبكة العلمانيين المرتدين الجدد، والتي يستثمرها اليهود والنصارى في محاربة الإسلام والمسلمين.
وقد ساعد على تفوهات تلك السيدة أنها كانت عبر الأقمار الصناعية من لوس أنجلوس، إذ لو كانت وجهاً لوجه داخل الاستوديوهات القطرية لأخذت الحلقة مسار حواري مختلف.
فهذه السيدة ليست بساذجة أو مختلة عقلية، ولكنها تؤمن بما قالته فعلياً فطبيعي أن تدافع عن يهودية زوجها "ديفيد" باعتراضها على الآية القرآنية " وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ" المائدة الآية 64.

أيضاًَ من غير المستغرب في ظل الحماية الكنسية الأمريكية المصحوبة بدولارات الإعاشة والترفيه أن تعترض على ما وصفته بأنه تأذي للنصارى عند سماعهم لميكروفونات المساجد يعلوا منها صوت الإمام بالآية القرآنية (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) المائدة الآية 17.
وهذا الإلحاد المعلن يشاركها فيه باقي أعضاء الشبكة العلمانية المرتدة المولودة في ديار الإسلام، والتي ترفع شعار " نحو علمانية إسلامية".
وهؤلاء بإلحادهم قد ساروا على درب ملحدي القرن العشرين الذين قال عنهم محمد فريد وجدي رحمه الله ( لقد اتصل الشرق الإسلامي بالغرب منذ أكثر من مئة سنة فأخذ يرتشف ويقتبس من مدنيته المادية، فوقف فيما وقف عليه على عالم الميتولوجيا "الأساطير"، ووجد دينه ماثلاً فيها فلم ينبس بكلمة لأنه رأى الأمر أكبر من أن يحاوره؛ ولكنه استبطن الإلحاد وتمسك به متيقناً أنه مصير إخوانه كافة متى وصلوا إلى درجته العلمية. وقد نبغ في البلاد الإسلامية كتاباً وشعراء وقفوا على هذه البحوث فسحرتهم فأخذوا يهيئون الأذهان لقبولها دساً في مقالاتهم وقصائدهم غير مصارحين بها غير أمثالهم، تفادياً من أن يقاطعوا أو ينفوا من الأرض" . (أنظر موقف العقل والعلم والعالم من رب العالمين وعباده المرسلين للشيخ مصطفى صبري رحمه الله ج 4 صـ4).

والشبكة العلمانية المرتدة الجديدة أطروحاتها البذيئة متفرقة في الكتب، المقالات وأبحاث المؤتمرات الملوثة بالدولارات واليورهات الصهيونية والنصرانية، وكلها تتسم بالكراهية الشديدة والهجوم الحاد والعنيف على الإسلام والمسلمين، كما أنها تتناول كتاب الله وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبهتان والاستهزاء، وتدعو إلى إخضاعهما للنقد والحذف والإقصاء تعالى الله عما يصفون.
وهذه الشبكة استجمعت أطروحاتها وصاغتها في مؤتمر عقد بسانت بيترسبرج بولاية فلوريدا- بأمريكا في الخامس من مارس العام 2007 مـ والذي أسفر عن بيان عرف ببيان مؤتمر فلوريدا للعلمانية الإسلامية وقد وقع عليه عدداً من هؤلاء المرتدين ومنهم " وفاء سلطان- مجدي علام- شاكر نابلسي- نوني درويش – حسن محمود- توفيق حامد وغيرهم " ومما جاء في هذا البيان:
( نحن العلمانيين المسلمين، والأشخاص العلمانيين من المجتمعات المسلمة؛ نحن مزيج من المؤمنين والمتشككين وغير المؤمنين، اجتمعنا من أجل صراع هائل ليس بين الإسلام والغرب، ولكن بين الأحرار وغير الأحرار.

نحن لا نرى أي استعمار أو اضطهاد أو "إسلاموفوبيا" عند التعرض للممارسات الإسلامية بالنقد أو الرفض عندما تتعارض مع المنطق أو الحقوق الإنسانية.
إننا ندعو حكومات العالم إلى:
• رفض تحكيم الشريعة الإسلامية.
• الاعتراض على كل العقوبات التي تجرم انتهاك المقدسات أو الارتداد عن الدين، وذلك بما يتفق مع المادة 18 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
• إننا نقول للمسيحيين واليهود والبوذيين والبهائيين وكل المنتمين للمجتمعات غير المسلمة: إننا نساندكم كمواطنين أحرار ومتساوين.
• ونقول لغير المؤمنين إننا ندافع عن حريتكم غير المشروطة في التساؤل والمعارضة.
وقبل أن يكون أيّ منا فرداً في الأمة، أو جسد المسيح، أو من شعب الله المختار، فإننا جميعاً أعضاء في مجتمع يتحرك وفقاً للعقل، أناس يجب أن يختاروا لأنفسهم).

هذا هو ما يعلنه المرتدون بكل تبجح واجتراء، وما كانت جرأتهم هذه إلا للضعف والذل والمهانة التي يتسم بها حال الأمة الإسلامية، ذلك الذل الذي سلطه الله علينا بعد أن بعدنا عن شرعته ومنهاجه فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم" حديث صحيح، صحيح أبي داود- رقم: 3462.

هذه مكاشفة يجب أن نكون متفقين عليها ابتداء قبل طرح أية رؤى تحليلية للفعل ورد الفعل.
إن هذا الفريق المرتد يشكل أهمية خاصة لليهود والنصارى في توظيفهم لمحاولة خلخلة العقيدة الإسلامية في نفوس المسلمين.
فهذا تقرير لمؤسسة راند الأمريكية والمقربة من مواضع صنع القرار والذي حمل عنوان الإسلام المدني الديمقراطي، والذي تناول آليات التوظيف وذلك بالصورة التالية ( على الصعيد الفكري يعتبر العلمانيون أنصار الحداثة الوسيلة الأكثر مصداقية لقيادة ونقل الإسلام الديمقراطي، ولكن في الوضع الراهن يعملون تحت العديد من العقبات التي تحد من فاعليتهم.
وإن العقبة الرئيسية التي تعترضهم، وتعترض الآخرين غيرهم، هي المال والعقبة الثانية التي تواجههم هي سياسية، حيث أنهم يعيشون في بيئات إما متطرفة أو تقليدية، وينشطون سياسياً بعيداً عن أي دعم، كما أن وضعهم يعرضهم للمخاطر. وقد يتم اتهامهم بالردة، وربما يحاكمون بطرق مختلفة، وقد يحكم عليهم بالإعدام أيضاً- مثال الكاتبة المصرية نوال السعداوي، التي واجهت مضايقات متكررة في المحاكم بتهم دينية مختلفة- وهؤلاء سيظلون ضعفاء ما داموا يعملون في شكل أفراد متفرقين، ولكن مع حصولهم على الدعم والعمل كحركة، يمكن الاستفادة منهم.)

وعن طرائق دعم هؤلاء المرتدين يدعو تقرير راند سالف الذكر إلى استخدام الأساليب التالية:
• طباعة كتاباتهم مقابل تكاليف مدعومة.
• تشجيعهم على الكتابة للعديد من القراء والشباب.
• طرح وجهات نظرهم في المناهج الدراسية الإسلامية.
• إعطائهم برنامجاً سياسياً يعملون من خلاله.
• طرح وجهات نظرهم وأحكامهم حول المسائل الرئيسية للتفسيرات الدينية وجعلها في متناول القراء والمتلقين بشكل عام وذلك لمنافسة وجهات نظر -ما وصفه التقرير- بالمتشددين والتقليدين الذين يمتلكون مواقع في الانترنت ودور النشر والمدارس والمعاهد، والعديد من الوسائل الأخرى لنشر وجهات نظرهم.
• تسهيل وتشجيع وعيهم لخلفيتهم التاريخية والثقافية الغير إسلامية في وسائل الإعلام وفي المناهج الدراسية في الدول المعنية.
• المساعدة في بناء منظمات مستقلة للمجتمع المدني ( المقابل للمؤسسات الإسلامية) وذلك من أجل تشجيع الثقافة المدنية ومنح المواطنين العاديين المجال لتثقيف أنفسهم حول العملية السياسية، والتعبير عن وجهة نظرهم).

لكن! وبعيداً عن التراتيب الشرعية والردود العقدية على الفساد العقدي للمرتدين الجدد، هل ثمة استفادة يمكن أن نتحصل عليها من طرح وفاء سلطان وشركائها؟.
نقول؛ إذا كان طرح الفريق العلماني المرتد هذا واضح الكراهية للدين الإسلامي، ويدعو صراحة إلى التلاعب بآيات القران الكريم ومتن الأحاديث النبوية الصحيحة، والاستسلام التام للغرب الصهيوني والنصراني، ودعواتهم تلك غير قابلة للتأويل أو اعتبارها زلات لسان كما برر بعض العرب من قبل وصف بوش للحرب على العالم الإسلامي بأنها حروب صليبية.
وإذا كان ما يعبر عنه هؤلاء هو مرآة عاكسة لما يضمره الغرب تارة ويصرح به تارات نحو الإسلام والمسلمين، والمعزز بتوظيف الغرب لذلك الفريق المرتد، بل وتبني الدفاع عنهم وكفالتهم وتوفير كافة السبل للعب في ديار الإسلامية.
ألا يدعونا كل ذلك لإعادة النظر في بعض الأمور المرتبطة بالحوار مع الغرب والتي منها:
1- مسألة حوار الأديان ( فما يذكره فريق المرتدين أنه إذا كان ثمة حوار فيجب إخضاع القرآن للنقد البشري يتقاطع مع ما ذكره "جان لويس توران"، المسئول المختص بشئون الإسلام في الفاتيكان: إنه من الصعب إجراء حوار ديني حقيقي مع المسلمين؛ "لأنهم يعتبرون أن القرآن الكلام النصي لله" فهل المؤسسات الإسلامية المعنية بحوار الأديان على استعداد للدخول في معترك هذا الحوار وهي خاضعة القران للنقد؟)

2- مسألة الحوار الهادئ مع من يسيئون للإسلام باعتبارهم يجهلون الإسلام مما يستدعي التعريف الصحيح بالإسلام.
هل يشك دعاة الحوار المسلمين بعد أطروحات الغرب والمرتدين أنهم لا يفهمون الإسلام ولا يدركون هدفهم التحريفي؟
يجيب عن هذه النقطة العلامة محمود شاكر في كتابه القيم رسالة في الطريق إلى ثقافتنا صـ 61 ( إن كتب " الاستشراق" ومقالاته ودراساته كلها مكتوبة أصلاً للمثقف الأوربي وحده لا لغيره، وأنها كتبت له لهدف معين، في زمن معين، وبأسلوب معين، لا يراد به الوصول إلى الحقيقة المجردة، بل الوصول الموفق إلى حماية عقل هذا الأوربي المثقف من أن يتحرك في جهة مخالفة للجهة التي يستقبلها زحف المسيحية الشمالية على دار الإسلام في الجنوب).
إن الحوار مع الغرب يجب أن يكون من ميزان القوة، فهؤلاء لا يعترفون إلا بمنطق القوة، وهم مهما تمادينا في التنازل لهم فلن يرضوا إلا بالارتداد عن دين الله كما فعل فريق العلمانيين المرتدين الجدد يقول تعالى " وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ" البقرة –الآية 120.