التورط الأثيوبي في الصومالي وتبعاته
11 ذو القعدة 1428

الأخبار الواردة من الصومال تفيد بأن قوات الاحتلال الأثيوبية تواجه صعوبات كبيرة وأوقات عسيرة, فمن الاشتباكات العنيفة إلى الكمائن العسكرية وقصف المعسكرات إلى سحل جثث الجنود في العاصمة والذي تكرر أكثر من مرة وكان آخرها ما حصل من أيام لسبع جنود أثيوبيين قتلوا إثر اشتباكات عنيفة في مقديشو, وهو ما يعيد للأذهان ما حصل للجنود الأمريكيين عام 1993 والذي أدى إلى التعجيل بالانسحاب الأمريكي من البلد الغارق والمُغرق في الصراعات والحروب. تصاعد عمليات المقاومة الصومالية وردود فعل القوات الاحتلال الأثيوبية عليها من بطش بالمدنيين وفتح النار على العزل يظهر عمق المأزق الذي تعانيه القوات الأثيوبية والتي تورطت بغزو الصومال والدخول في رماله المتحركة مطيحة بحكم المحاكم الإسلامية والتي شهدت البلاد في عهدها القصير استقرارا أمنيا افتقدته لأكثر من عقد ونيف, ليعود الاحتلال بالصومال لدوامات العنف والحروب. <BR> الوضع المضطرب في الصومال دفع الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون للقول بأن إرسال قوة حفظ سلام للمنظمة الدولية إلى الصومال ليس خيارا واقعيا. وقال في تقرير إلى مجلس الأمن: "في ظل الوضع السياسي والأمني السائد اعتقد أن عملية للأمم المتحدة لحفظ السلام لا يمكن اعتبارها خيارا واقعيا قابلا للتنفيذ"., مضيفا أنه لا يمكن حتى إرسال فريق تقييم فني إلى الصومال بسبب الوضع الأمني. <BR>من الثابت أن الغزو الأثيوبي تم بتوكيل وتحريض أمريكي, فقبيل الغزو الأثيوبي للصومال تدفقت المساعدات الأمريكية للحكومة الأثيوبية كما زار وفد أمريكي برئاسة السناتور روس فينغولد أديس أبابا والتقى رئيس الوزراء ملس زيناوي والذي قال وقتها بأن التعاون بين بلاده والولايات المتحدة لمحاربة الإرهاب في تطور مستمر أكثر من أي وقت مضى وأن التعاون القوي المشترك بين البلدين سيحمي منطقة القرن الأفريقي من الهجمات الإرهابية. السناتور فينغولد فقد أشاد من جهته بدور إثيوبيا تجاه الأزمة في الصومال، وقال إن الولايات المتحدة تدعم الجهود التي تبذلها حكومة أديس أبابا لحل المشكلة الصومالية بالطرق السلمية!!! <BR>هزيمة الجيش الأثيوبي وانسحابه من الصومال, إن تم وهو ما يُرجح, لن يكون كالانسحاب الأمريكي من هناك, بل ستكون له تداعيات كبيرة ستصل آثارها إلى أديس بابا. فإذا كانت قوات ملس زيناوي قد اختارت توقيت وكيفية الدخول للصومال فإن سبيلها للخروج من المستنقع الصومالي يبدو ملبدا بغيوم الغموض وضباب المفاجآت. فعلى الصعيد الداخلي يواجه زيناوي معارضة داخلية شككت في شرعية فوز ائتلاف «الجبهة الديمقراطية لشعوب أثيوبيا» بزعامته في الانتخابات التشريعية الأخيرة والتي جرت في مايو 2005 واتُهمت حكومته حينها بالتلاعب في نتائجها وأدت احتجاجات المعارضة وقتها لسقوط عشرات القتلى. مراقبو الاتحاد الأوروبي وصفوا الانتخابات ألتي فاز بها -حليف الولايات المتحدة الاستراتيجي- بأنها «مخالفة للمعايير الدولية اللازمة لإجراء انتخابات ديمقراطية نزيهة». وأكد تقرير وضعته مديرة بعثة الاتحاد الأوروبي آنا غوميز أنه "جرى التوصل إلى هذا التقييم، بسبب التلاعب في النتيجة، خلال عملية فرز الأصوات عقب ظهور مؤشرات إلى انتصار المعارضة بفارق واسع على الحزب الحاكم".<BR>العلاقات الأثيوبية-الارترية متفجرة ومتوترة, فارتريا الجار اللدود تطالب أثيوبيا بترسيم الحدود بمقتضى نتائج اتفاق سلام في عام 2002، والذي قبلته اريتريا ورفضته أديس أبابا. فبعد الحرب الحدودية الأولى (1998 ـ 2000) والتي سقط فيها أكثر من 80 ألف قتيل وانتهت بتوقيع اتفاق السلام الأثيوبي ـ الاريتري في الجزائر عام 2000 والذي نص على وقف الحرب و«ترسيم نهائي وإلزامي» لحدود البلدين من قبل لجنة مستقلة نفذت مهمتها في 2002، بعدما تعهد البلدان مسبقاً باحترام قراراتها. ومن بعد أعلنت اللجنة في نهاية حكمها تبعية الأراضي المتنازع عليها إلى اريتريا, غير أن أثيوبيا رفضت القرار رغم تعهدها المسبق للجنة الدولية بالموافقة على قراراتها. <BR>الأستاذ هارون آدم مدير مركز البحر الأحمر بالخرطوم توقع في ورقة نشرها مركزه, اندلاع الحرب بين البلدين قريبا مما سيؤدي إلى المزيد من الدمار وتعقيد مشكلة الحدود وربما تنتهي الحرب برأيه بسقوط أحد النظامين إذا استمرت المعركة بمنأى عن التدخل الأمريكي.. واستعرضت الورقة العوامل المؤدية لقرب اندلاع الحرب والتي تمثلت في استعدادات الطرف الإرتري للمواجهة بحملات التجنيد الإجباري والقيام بمناوشات عبر المعارضة الإثيوبية متوقعاً أن يؤدي ذلك إلى اشتعال الحرب بصورة مفاجئة..<BR>الغزو الأثيوبي للصومال وما رافقه من استهداف للمدنيين العزل وانتهاكات واعتداءات مستمرة بحق المواطنين والممتلكات والتي كان من أبرزها اتهامات الشيخ عبد الوهاب خليفة، زعيم إحدى القبائل الصومالية, في يناير الماضي للقوات الأثيوبية بارتكاب اعتداءات جنسية بحق فتيات صوماليات, أضافت للعلاقات الصومالية-الأثيوبية المتوترة منذ عقود مزيدا من الضغائن والعداوات وشحنت صدور الصوماليين بالرغبة العارمة بالثأر والانتقام. فالصوماليون تاريخيا يتهمون أثيوبيا -على اختلاف أنظمة الحكم فيها- بالطمع في بلادهم. ولا يزالون يتذكرون الخطاب الذي ألقاه الإمبراطور هيلاسلاسى في مدينة "قبرِ دَهرّي" الصومالية عام 1956م ردّا على تطلعات الوحدة والاستقلال التي بدأت ملامحها تتبلور آنذاك، عندما قال بأن "الشعب الصومالي جزء من العائلة الإثيوبية الكبيرة وأن مستقبل تقدم الصوماليين مرتبط بأن يكونوا مع إثيوبيا".<BR>إقليم أوجادين الحدودي والذي تسيطر عليه أثيوبيا يشكل بؤرة مشتعلة ولغما قابلا للانفجار في أي وقت. فالإقليم الذي تقطنه قبائل صومالية تتكلم باللغة الصومالية فقد ضم إلى إثيوبيا منذ 1954م وكان مسرحا لحربين طاحنتين بين أثيوبيا والصومال: الأولى استمرت ما بين 1964 إلى 1967 والثانية من عام 1977 إلى 1978 . تتصدر المقاومة المسلحة فيه الجبهة الوطنية لتحرير إقليم أوجادين والتي أعلن رئيسها محمد عمر عثمان مطلع العام الجاري عن استعداده للتحالف مع قوات المحاكم الإسلامية في الصومال إذا رغبت المحاكم بذلك. وقد حفزت التطورات في الصومال مقاتلي أوجادين على تصعيد عملياتهم, من نحو أسبوعين أعلنت الجبهة مقتل 140 جنديا أثيوبيا في هجوم قال مقاتلو الجبهة إنهم شنوه على موكب لمسؤول كبير بالقرب من الحدود مع الصومال, فيما أنكرت السلطات الأثيوبية وقوع الحادث. وكانت الجبهة قد شنت في أبريل هجوما على موقع لاستخراج البترول تديره شركة صينية أسفر عن سقوط 74 قتيلا.<BR>تراجع الجيش الأثيوبي وهزيمته في الصومال سيشجع الكثير من معارضيه ومقاوميه داخليا وخارجيا على التحرك ضد حكومة زيناوي, وقد يحفز على اندلاع حروب جديدة في المنطقة الملتهبة, وربما إلى سقوط حكومة رجل أمريكا في القرن ألإفريقي ملس زيناوي, مما يضيف فشلا جديدا وإخفاقا أضافيا للسياسة الأمريكية في المنطقة.<BR><br>