"حزب الله" و"إسرائيل".. وقابلية التفاوض
7 شوال 1428

[email protected] <BR><BR>الصفقة التي جرت منذ أيام بين "إسرائيل" و"حزب الله" الشيعي اللبناني، والتي أُطلق بموجبها سراح سجين لبناني كان يحتجزه الكيان الصهيوني، وسلم جثتي عنصرين من حزب الله، مقابل رفات "إسرائيلي" كان بحوزة "حزب الله" قد تعني لدى البعض قدرة عالية على التفاوض يملكها "حزب الله" اللبناني، لكنها قد تعني لدى آخرين أمراً آخر.<BR>فقد يكون منطقياً أن تمضي تلك الصفقة بين "إسرائيل" والحزب على اعتبار أنها عملية تبادلية إجرائية عادية لا يمكن التأسيس عليها في رسم صورة ذات أبعاد دولية وإقليمية واسعة؛ فـ"إسرائيل" لم تعد كونها قد سلمت جثتي مقاتلين لـ"حزب الله" في حين سلمها الحزب الشيعي جثة مستوطن يهودي إثيوبي كان قد لقي حتفه غرقا، والتقطها الحزب الشيعي من مياه البحر، وهو ما قد لا يجعل كثيرين يحفلون بمثل هذه العملية التبادلية المحدودة، غير أن ما تقاطر ذكره بعد ذلك عن كون هذه العملية بمثابة عربون يعبر عن "حسن النية"، تمهيدا لعملية تبادل أخرى تشمل الجنديين "الإسرائيليين" اللذين يحتجزهما الحزب منذ 12 يوليو 2006، واللذين قد أدى أسرهما إلى اندلاع حرب عدوانية صهيونية على لبنان في الشهر ذاته، حسبما أكدت وكالة الأنباء الفرنسية أمس، وتوقعت صحيفة الشرق الأوسط في عددها الصادر أمس أن يتم الإفراج عنهما قريباً في إطار صفقة تبادلية أخرى بوساطة ألمانية، بعدما تم نقلهما إلى إيران.. كل ذلك يكشف عما هو أكثر من عملية روتينية اعتاد عليها الجنوب اللبناني..<BR>التوقيت والظرف الدولي، ودقتهما، يلمحان إلى كون العملية التبادلية محض إرهاص لما أكثر مفاجأة من هذه الصفقة، ويؤشران إلى إمكانية عقد صفقة أكثر شمولية من تلك العملية المحدودة، وهذا كله مأخوذ بحسبان المراقبين، إلا أن الأكثر ملاحظة في هذه الصفقة هو أن باب التفاوض لم يكن يوماً موصداً بين الحزب والكيان الصهيوني؛ فكلاهما لديه فاعلية وقابلية التفاوض مع الآخر، بعكس أطراف أخرى في الصراع، ربما منها على سبيل المثال حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، والتي تتعثر مفاوضاتها دوماً بشأن الأسرى أو المحتجزين لديها، وتنتهي في الأخير إلى قتل الأسير إن بيد الآسرين أم بأيدي "المنقذين" الافتراضيين من الجيش الصهيوني، وبمطالعة تقرير صادر عن مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات الفلسطيني نهاية العام الماضي يمكن الخلوص إلى أن جميع عمليات أسر الجنود الصهاينة على أيدي الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) قد انتهت إلى مقتل الأسرى من دون أن تستثمر في عمليات تفاوضية تؤدي إلى تبادل أسرى بين الجانبين، بل أدت جميعها إلى حملات شرسة وقمعية ضد قادة الحركة وأنصارها سواء أكان ذلك قبل مقتل الأسرى أم بعدهم؛ فقد بدأت حماس مبكراً مساعيها لأسر الجنود الصهاينة؛ فأقدمت خلية قسامية في 3/2/1989 على أسر الجندي آفي سبورتاس لكنها لم تلق استعداداً لدى الكيان الصهيوني لمبادلته مع أسرى فلسطينيين فقتلته، والشيء ذاته فعلته في 3/5/1989 عندما أسرت الجندي إيلان سعدون، وحينها اضطرت أيضاً إلى قتله بعدما رفضت "إسرائيل" التفاوض بشأنه أو مبادلته، وكانت حصيلة العمليتين مزيداً من الأسرى والأحكام القاسية ضد حماس وقادتها، وفي مقدمهم الشهيد الشيخ أحمد ياسين الذي حكم عليه بمؤبدين زائد 15 عاماً بعد اعتقاله مع المئات من أنصار الحركة. <BR>"وفي 13/12/1992 قامت حماس باختطاف الرقيب أول نسيم توليدانو، وطالبت بإطلاق الشيخ أحمد ياسين مقابل إطلاق سراح توليدانو، وعندما رفض الإسرائيليون إطلاقه قامت حماس بقتله. وقد تلا ذلك حملة اعتقالات إسرائيلية شملت 1300 من أعضاء حماس وأنصارها، وتم إبعاد 415 شخصا معظمهم من حماس إلى جنوب لبنان.<BR>وقامت حماس في الأول من يوليو 1993 باحتجاز حافلة إسرائيلية في القدس تقل أربعين راكبا، وطالبت مقابل ذلك بالإفراج عن الشيخ أحمد ياسين وعن خمسين من كتائب القسام وخمسين آخرين من الفصائل الفلسطينية الأخرى (فتح، والجهاد، والشعبية، والديمقراطية والقيادة العامة) وعن عبد الكريم عبيد من حزب الله.<BR>غير أن الجيش الإسرائيلي أنهى العملية نهاية دموية باقتحام الحافلة فاستشهد اثنان من كتائب القسام بعد مطاردتهما، وجرح الثالث بجراح خطيرة في أثناء الاقتحام بينما قتل إسرائيليان وجرح ثلاثة آخرون".<BR>ووفقاً لصحيفة الوقت البحرينية في 15/7/2006؛ فإن "العملية النوعية الأبرز كانت في أكتوبر 1994 في خضم مفاوضات توسيع اتفاقات أوسلو، فقد أسر مقاومون من كتائب القسام الذراع العسكري لحماس الرقيب ناشون واكسمان واحتجزوه في منزل بقرية بيت نيالا بالضفة الغربية لعدة أيام. ووزع منفذو العملية وهم صلاح جاد الله وعبد الكريم بدر وحسن تيسير النتشة شريط فيديو يظهر الجندي في الأسر، وطالبوا رئيس الوزراء آنذاك إسحق رابين بالإفراج عن مؤسس حماس الشيخ أحمد ياسين الذي كان معتقلا وقتها في إسرائيل والذي اغتاله الاحتلال قبل عامين. لكن رابين رفض التفاوض وأرسل وحدة خاصة اقتحمت المبنى، ما أسفر عن مقتل الجندي واستشهاد عناصر القسام الثلاثة"، ويضيف التقرير السابق أنه قد أسفرت العملية عن مقتل قائد الوحدة المقتحمة وجرح 12 جنديا إسرائيليا" بالإضافة لما "وفي صيف 1996 قتلت خلية صوريف القسامية الجندي شارون أدري وأخفت جثته".<BR>وما جرى بشأن صفقة الأسير الصهيوني جلعاد شاليط المتعثرة لحد الآن لا يحيي الأمل بشأن الإفراج عن أسرى فلسطينيين في مقابل إطلاق سراحه.<BR><BR>في مقابل ذلك؛ فإن "حزب الله" قد أنجز عدة صفقات بينه والكيان الصهيوني أفادته سياسياً بما لم يتوافر لحماس، وقد برز من بين الصفقات مع الكيان الصهيوني خمس، بدأها الحزب في العام 1996 حين أعاد لـ"إسرائيل" رفات جنديين هما يوسف فينك ورحاميم اليشيخ، وكانا قد أسرهما الحزب في فبراير 1986، و25 جندياً لبنانياً "لحدياً" موالين لـ"إسرائيل" في مقابل إعادة عدد مماثل من الأسرى اللبنانيين في معتقل الخيام إضافة إلى رفات 123 لبنانياً.<BR>ثم توالت صفقات الحزب بعد ذلك، ففي العام 1998 تحصل الحزب على 60 من الأسرى اللبنانيين وجثث 40 من أعضائه من بينهم جثة هادي نصر الله نجل الأمين العام للحزب في نظير إعادة جثة الجندي "الإسرائيلي" إيتمار إيليا.<BR>وفي العام 1999 أفرجت "إسرائيل" عن خمسة من عناصر "حزب الله" من دون أن يتوافر لدينا معلومات عن أسباب ذلك. <BR>وفي العام 2003 أفرجت " إسرائيل " عن رفات عنصرين من "حزب الله" مقابل السماح للوسيط الألماني بزيارة (العقيد إلحنان تانينباوم) المحتجز لديه.<BR>وفي العام 2004 نفذت أكبر صفقة بين "حزب الله" والكيان الصهيوني، تم بموجبها الإفراج عن 23 أسيرا لبنانيا أبرزهم القياديان الشيعيان عبد الكريم عبيد ومصطفى الديراني و12 أسيراً عربياً و431 فلسطيني (معظمهم قربت مدة محكومياتهم على الانتهاء) ورفات 59 من "حزب الله" في نظير الإفراج عن العقيد السالف ذكره، وجثث ثلاثة جنود صهاينة. <BR><BR>وهذا كله كان من شأنه أن يفي لعمليات الأسر التي تنفذها ميليشيا "حزب الله" بقدر من النجاح في أهدافها الرامية إلى تحقيق نجاحات سياسية وميدانية على الأرض، يمكن البناء عليها على عدة أصعدة، منها الإعلامي والسياسي والدعائي العسكري القاصد إلى زعزعة الثقة العسكرية "الإسرائيلية"، وهو ما لا يتوافر بحال في الجانب المقاوم الفلسطيني الخاص بحركة المقاومة الإسلامية (حماس) فيما عدا مسألة الثقة هذه برغم كون حماس قد تحصلت على الشرعية بعد تشكيلها حكومة منتخبة، وبخلاف ذلك؛ فما يبدو هو أن هناك إصرار "إسرائيلي" على حرمان حماس من أي مزية تفرضها عملية الأسر، فيما لا تجد كبير تحفظ على منح "حزب الله" قدراً من "المكافأة" التي تحرص الدول الغربية وكذا "إسرائيل" دوماً على حرمان "الإرهابيين" منه، وهذا من شأنه أن يطرح لغزاً لا يجيب عنه بالضرورة اختلاف حماس عن "حزب الله" في القوة، ولا في طبيعة الميدان الجغرافية، ولا في كون الأولى حركة في الداخل الفلسطيني والحزب ليس كذلك، ولا لأن الحزب قد نجح في لي ذراع "إسرائيل" ومنعها من تحقيق نصر كامل في الحرب الأخيرة، فما يمكن اعتبار أن الحزب قد حققه في الحرب الأخيرة، يمكن تلمس نظيره أو ما يفوقه معنوياً على الأقل في قطاع غزة الذي تمكنت فيه حماس من طرد القوات الصهيونية وإجبارها على الانسحاب أول الأمر، ثم طرد أذناب الاحتلال من بعده، كما أن الحرب الأخيرة، وما تخلف عنها لا تفسر هذا التاريخ برمته من الإخفاق المزمن لحماس في تبادل الأسرى، في مقابل نجاح الحزب في عقد صفقات تبادلية عديدة. <BR>اللغز إذن مطروحاً حتى اللحظة وبحاجة ربما إلى إجابة منصفة، وقد تكون هذه الإجابة مفتاحاً لتفسير العديد من الألغاز المتوازية في العلاقات بين "حزب الله" و"إسرائيل".. <BR><BR><br>