لماذا اعتقل مشرف عبد القدير خان؟
12 رمضان 1428

الجنرال برفيز مشرف لم يوافق على اعتقال الدكتور عبد القدير خان (رائد البرنامج النووي الباكستاني) إلا بعد أن عقد صفقة سرية مع ريتشارد أرميتاج (نائب وزير الخارجية الأمريكية) في عام 2004، والتي تنص ضمن أشياء كثيرة على أنه لن يتم التعرض لجنرالات الجيش الباكستاني المتورطين إلى أخمص أقدامهم في التجارة النووية غير القانونية وإن كان لمصالحهم الذاتية وخلافا لدوافع الدكتور خان الذي كان يبحث عن سبل كفيلة بدعم وتطوير القنبلة النووية الباكستانية رغم سنوات الرقابة والضغوط الأمريكية والغربية، كما وتضمن اتفاق مشرف – أرميتاج ما هو أهم من ذلك وهو أن الولايات المتحدة ستقبل بأن يحكم مشرف بالبزة العسكرية.<BR> تفاصيل ذلك جاءت في كتاب بعنوان "الخداع: باكستان والولايات المتحدة والتجارة بالأسلحة النووية: برنامج باكستان النووي" بقلم كل من أدريان ليفي وكاثرين سكوت – كلارك والذي يتضمن مزاعم بأن باكستان لا زالت مشغولة ببيع الأسرار النووية في السوق العالمية وأن مشرف على علم بالصفقات السرية التي تقوم بها شبكة عبد القدير خان المحظورة رسميا. ويقول الكتاب بأن "برنامج باكستان النووي يشكل تهديدًا ضخمًا للأمن في جميع أنحاء العالم وذلك لأنه قد يقع بأيدي "الإرهابيين الإسلاميين" – على حد وصف الكتاب - في أي وقت".<BR> صحيفة الصنداي تايمز نشرت مقاطع من الكتاب والتي تكشف عن أن اجتماع مشرف – أرميتاج الذي عقد في إسلام آباد في ديسمبر 2004م قد أدى إلى توصل الجانبين إلى اتفاق ينص على أنه سيتم اعتقال الدكتور عبد القدير خان وجميع مساعديه وتوجيه اللوم لهم بالتورط والقيام بنشر الأسرار النووية بصفة خاصة وشخصية.<BR> أما صفوة جنرالات وقيادات الجيش الذين قاموا برعاية عمل الدكتور عبد القدير وشجعوا عمليات بيع أسرار التقنيات النووية التي كان يقوم بها بهدف خفض اعتمادهم على الدعم الأمريكي، فإنهم تُركوا بدون أي مسائلة ولم يمسهم أحد. وبعد اجتماع مشرف أرميتاج هذا قرر الأمريكيون دعم حكم مشرف بالبزة العسكرية وقام مشرف بإرغام الدكتور عبد القدير خان على الاعتراف "بجرائمه" – كما يقول الكتاب - على التلفاز الرسمي.<BR> وكجزء من صفقة مشرف – أرميتاج فإن جنرالات الجيش الذين كانوا قلبا وقالبا شركاء في ما يسمى بـ"شبكة الدكتور عبد القدير خان السوداء" فإنهم لم يمسسهم شيئ.<BR> ويزعم الكتاب الذي وصل إلى المكتبات بتاريخ 13 سبتمبر بأن الرئيس مشرف كان على علم بالتجارة غير القانونية لهذه الشبكة قبل أن يتم إطلاعه عليها من جانب جورج تيننت مدير وكالة الاستخبارات الأمريكية خلال إحدى زيارات مشرف للولايات المتحدة. ويفيد الكتاب بأن الرئيس مشرف لم يدشن حملته ضد الدكتور عبد القدير خان إلا بعد أن ضمن حصوله على الدعم السياسي الأمريكي للبقاء في الحكم ببزته العسكرية في السنوات القادمة وأنه لن يتم المساس مطلقا بجنرالات جيشه. ويقول الكتاب "لقد تفاجأ الجنرال مشرف. فإن آخر شيء كان يتوقعه الرئيس الباكستاني خلال زيارته لنيويورك لحضوره اجتماع الجمعية العمومية للأمم المتحدة أن يواجه بأدلة على تورط بلاده في بيع سري لتقنيات ومعدات القنبلة النووية، ولمن، لأعضاء في محور الشر". والأنكى من ذلك أن جورج تيننت (مدير وكالة الاستخبارات الأمريكية) قد وضع على الطاولة في جناح الرئيس مشرف بالفندق صحيفة مليئة بأدلة الاتهام. "كانت هناك رسوما توضيحية لماكينات الطرد المركزي الباكستانية لتخصيب اليورانيوم من طراز P-1 وعليها أرقام الأجزاء وتواريخها والتوقيعات. وكانت هناك تفاصيل لأنشطة الدكتور عبد القدير خان الذي يسمى والد البرنامج النووي: زياراته في أنحاء العالم، وتفاصيل حساباته البنكية، وحتى أوراقا تتضمن ما عرضته منظمته للبيع ولأي من الدول".<BR> أحد مرافقي الرئيس وصف تلك اللحظات بأنها أكثر اللحظات حيرة بحياة الرئيس مشرف – ليس بسبب كثرة الأدلة ولكن لأن باكستان وقعت في معضلة في الوقت الذي كانت فيه جزءا متكاملاً من الحرب الأمريكية على الإرهاب. وجاء ذلك الكشف الذي قام به مدير وكالة الاستخبارات الأمريكية بعد فقط ثلاثة شهور من قيام الرئيس الأمريكي جورج بوش بإلغاء ديون باكستانية بقيمة مليار دولار وتحدث عن دعم عسكري واقتصادي بقيمة 3 مليارات دولار لباكستان، إلا أن مشرف تغلب على الصدمة والمفاجأة ووافق على التعايش معها طالما أنه سيبقى بأمان وستظل باكستان بأمان كذلك. ولكنه لم يقبل الاعتراف بكل شيء: "فقد تظاهر بالصمم لحين ان تأكد مما تعرفه الولايات المتحدة وإلى من يمكن توجيه اللائمة". <BR>وعمد الجنرال مشرف إلى اختلاق نوع من عدم الاكتراث وعدم معرفته بكل هذه الأشياء، إلا أن كل من كان بالغرفة وحضر تلك المواجهة قبل أربعة سنوات كان يدرك أنهم متورطون وأن الإنكار لا يعدو كونه نوع من الألغاز؛ فالمسئولون الأمريكيون يعلمون أن الجنرال مشرف كان على دراية بالتجارة النووية منذ مدة طويلة، وواشنطون كانت هي الأخرى على دراية بمشروع القنبلة النووية الباكستانية وعمدت إلى غض الطرف عنها – مرغمة - لسنوات طويلة لأسباب جيوسياسية قوية، وحتى عندما بدأت باكستان في المقايضة بتقنياتها النووية، فقد كانت هناك أدلة كثيرة بحلول عام 2003م والتي تفيد بأن زبائن باكستان يضمون الآن كوريا الشمالية وإيران وليبيا وربما دولا وأفراد آخرين كذلك.<BR> بريطانيا كانت تطلع الولايات المتحدة على ضرورة مطالبة مشرف بوقف عمليات البيع السرية تلك. فقد كشف جهاز M16 في عام 2003 شحنة نووية باكستانية متوجهة على سفينة إلى ليبيا. ولكن الإجماع حينها في واشنطون كان ضرورة العمل على حماية رئيس باكستان المعرض للخطر (والذي لا يقدر بثمن أيضًا بالنسبة للمصالح الأمريكية)، فهذه الحماية أهم بكثير من محاكمة المذنبين. وأفاد مسئول بارز بوزارة الخارجية الأمريكية بأنه "تم التوصل إلى تسوية في إطار السياسة الواقعية العالمية بأنه من الضروري بمكان جعل مشرف يقوم بوضع الطريقة التي يرغب من خلالها في البقاء بالحكم ونحن نقوم بدعمه لتنفيذها، وسيظل الأمر كذلك حتى مع أن هذه الصفقات "القذرة" سارية المفعول".<BR> تفاصيل ذلك تم بحثها بين مشرف وأرميتاج خلال اجتماعهما في إسلام اباد. وتم الحصول على وعد جازم من مشرف بأنه سيغلق السوق النووية السوداء مقابل استمرارية حصوله على الدعم الأمريكي للبقاء في الحكم بدون انتخابات. وتم إرغام د. خان على الاعتراف "بأنشطته غير المخولة" على شاشة التلفزيون الرسمي. و يرى واضعو الكتاب أن الرئيس بوش اقتنع بهذا الخداع وصرح قائلا: "اعترف خان بجرائمه وأصبح هو وشركاه خارج نطاق العمل. الرئيس مشرف وعد بأن يتقاسم معنا جميع المعلومات التي يحصل عليها عن شبكة خان، وأكد لنا أيضًا على أن بلاده لن تكن مرة أخرى مصدرًا للانتشار النووي". وحقيقة الأمر هي أن مشرف كان يركز على دور عبدالقدير خان في التجارة النووية ويقوم أيضًا بدفعه باتجاه التقاعد الرسمي، فالتجارة النووية وكذلك البرنامج النووي يخضعان ولا زالا لسيطرة الحكومة العسكرية. والانتشار النووي لم يتوقف على الإطلاق. والسبب الذي يدعو واشنطون للاحتفاظ بمشرف بالسلطة هو أن البديل أقل جاذبية منه. ذلك أن كبار قيادات الجيش وصفوة المتقاعدين من الجيش مليئون بالأفكار الإسلامية وهي تركة خلفها الجنرال ضياء الحق، ذلك الجنرال الذي يصفه الكتاب بالمتعصب الذي قام بتدعيم البرنامج النووي ومنح الجيش صبغة ومهمة إسلامية عندما كان رئيسا لباكستان في الفترة من 1978 إلى 1988م. <BR>أضحت ترسانة باكستان النووية غير الآمنة كما يراها واضعو الكتاب وبشكل متزايد أكثر عرضة لأن يكسبها الإرهابيون إذا وضعوا أقدامهم في إسلام أباد. واتضح طبقًا للإحصائية التي أجراها كلا من المركز الأمريكي للتقدم ومعهد هبة كارنيجي وكلاهما في واشنطون، والتي تم إجراؤها على شريحة مكونة من 100 من كبار خبراء السياسة الخارجية الأمريكية أن البرنامج النووي الباكستاني أصبح تهديد لكل العالم. والأسوأ من ذلك هو أن تقارير أجهزة الاستخبارات تؤكد أن عملية الانتشار النووي لم تتوقف. فقد قام جهاز الاستخبارات الألماني في العام الماضي بإصدار 55 ورقة من المعلومات بالغة السرية عنونها باسم "تحذير مبكر" والتي تتحدث عن تلقيها لمجموعة من المعلومات حول الانتشار النووي الباكستاني من جواسيس بريطانيين وفرنسيين وبلجيكيين. وأشار كاتبوا التقرير الاستخباراتي إلى أن باكستان لا زالت تنتج كميات من مكونات القنبلة النووية أكثر بكثير مما تحتاجه باكستان أساسا لبرنامجها النووي المحلي.<BR> أحد كتاب التقرير قال: "إنهم يشترون ليبيعون ويقوم علماء نوويون بعقد الصفقات والعقود". وتضمن التقرير ما مفاده أن مختبرات خان للأبحاث وهي منشأة الدكتور خان القديمة قد استمرت في التنسيق مع برنامج البيع الباكستاني وتقوم الآن بإدارة شبكة من الشركات الأمامية في أوروبا، وفي الخليج وفي جنوب شرق آسيا وتقوم بالاعتماد على الخدع القديمة وهي: إخفاء شهادات الهوية الخاصة بالمستفيد النهائي من السلعة. ويفيد الكتاب بأن علاقات باكستان مع كوريا الشمالية لا زالت منتعشة وقوية، فقد تمكنت باكستان من إدخال كوريا الشمالية في شبكتها النووية من خلال أنشطتها في أوروبا الغربية وتشترى لها معدات الطرد المركزي اللازمة.<BR>ويصر المؤلفان على القول بأن الأمر المثير للذعر هو أن مئات الآلاف من الأدوات والمعدات التي كان الدكتور عبد القدير يجمعها قد تلاشت منذ أن تم إبعاده عن شبكة الانتشار النووي. وهذا يعني أن باكستان لا زالت مستمرة في بيع تقنية الأسلحة النووية ( لزبائن معروفين وغير معروفين ) حتى وإن كان مشرف ينفي ذلك – وهذا قد يدل على أن عمليات البيع تتم بمباركة سرية من الرئيس مشرف أو أنه لم يعد يحتفظ بأي سيطرة على البرنامج النووي الباكستاني أكثر مما يسيطر على التنظيمات الجهادية التي تقض مضجعه. وهناك عدد من جنرالات الجيش الباكستاني ممن لا يخشون من مغبة بيع المعلومات والمواد التقنية النووية لشعورهم بأنه لا يمكن المساس بهم لأنهم حلفاء لواشنطون في حربها ضد الإرهاب.<BR><BR><br>