"بلاك وتر" تفضح "السيادة العراقية" في ظل الاحتلال !
8 رمضان 1428

رغم أنها ليست الجريمة الأولى التي يقوم بها المرتزقة الأجانب في العراق ، فقد فتحت حادثة إطلاق مرتزقة من شركة "بلاك وتر" الأمريكية التي تعمل في العراق بموجب عقد مع وزارة الخارجية الأميركية ، النار عشوائيا على المواطنين العراقيين وقتل 11 منهم أثناء مرافقتهم لموكب دبلوماسي أمريكي لمجرد سماعهم دوي انفجار بعيد ، باب الجدال أشرع واسعا مرة أخرى حول أنشطة هذه الشركات في العراق ، كما كشفت عن هشاشة "سيادة" حكومة العراق الموالية للاحتلال !<BR>ففي أعقاب الحادث مباشرة أمر وزير الداخلية العراقي بسحب ترخيص شركة بلاك وتر للحمايات الأمنية على خلفية جريمة "ساحة النسور" في بغداد ، ما يعني طردها من العراق ، والحقيقة أن قرار وزير الداخلية ضد الشركة أثار علامات تعجب كبيرة بالنظر لكون هذه الشركة ليست مجرد شركة صغيرة عادية وإنما هيكل ضخم يجمع بين العمل العسكري والاستخباري والاقتصادي ويتمثل في مجلس إداراتها أو أنشطتها كبار مسؤولي الحكومة الأمريكية ، ومن ثم يصعب تصديق أن ينجح وزير عراقي مغمور في إخراجها من العراق ، أو تنفيذ هذا القرار بسحب رخصة الشركة التي تمثل بحد ذاتها تمثل حكومة داخل الحكومة العراقية !<BR>ولهذا لم يتأخر رد الفعل ، ولم يمض 24 ساعة حتى تراجع رئيس الحكومة العراقية عن قرار وزير داخليته، وقال متحدث باسم الحكومة العراقية أنها قررت "وقف" ترخيص شركة بلاك ووتر الأمنية الخاصة بعد أن كانت أعلنت إلغاءه إثر مجزرة بغداد ، وربط مراقبون التراجع في موقف حكومة نوري المالكي بمكالمة هاتفية تلقاها من (وزيرة الخارجية الأمريكية) كوندوليزا رايس قدمت فيها اعتذارا شخصيا وليس رسميا بخصوص الهجوم .<BR>ولو تصورنا أن هؤلاء المرتزقة هم من يقدمون الحماية لكافة أعضاء الحكومة العراقية وعلى رأسهم رئيس الوزراء المالكي نفسه، فضلا عن حمايتها للبعثات الدبلوماسية الأجنبية ومصالح شركات النفط الأمريكية وغيرها ، لأدركنا أن قرار تراجع حكومة العراق عن "إلغاء" ترخيص شركة بلاك ووتر – أي إنهاء عملها هناك – وتحويله لقرار "وقف" مؤقت لن يؤثر على استمرار أنشطتها ، كان أمراً متوقعاً، وأنه يصعب أن تصدر الحكومة هناك مثل هذا القرار بإبعاد هذه الشركة نهائياً .<BR><BR><font color="#ff0000">سفارة أمريكا تحكم العراق</font><BR>والأكثر جرأة وغرابة أن شركة بلاك ووتر رفضت الأوامر الصادرة إليها من حكومة المالكي بحجة أنها ملزمة بأوامر السفارة الأميركية لا الحكومة العراقية (!) ، ووصل الأمر بها لإصدار بيان يسخر من وزير الداخلية العراقي الذي أمر في البداية بإلغاء ترخيص عملها في العراق ، حيث أعلنت الشركة أنها موجودة بالعراق قبل تشكيل وزارة الداخلية، وأن العقد أُبرم مع السفارة الأمريكية في العراق لا مع الحكومة العراقية أو وزارة الداخلية ، وأنها ملزمة بأوامر السفارة الأميركية لا الحكومة العراقية !!<BR>بل وكشف النقيب "علي خلف" في استخبارات وزارة الداخلية العراقية ببغداد لصحف أجنبية إن الشركة ما تزال تعمل حتى هذه الساعة في شوارع بغداد دون أن تكترث بقرار حكومة العراق متذرعة أن أي قرار رسمي لم يصل إليها بعد، ومشترطة أن تكون الأوامر صادرة إليها من السفارة الأميركية وليس من وزارة الداخلية، كون الشركة موجودة بالعراق قبل تشكيل وزارة الداخلية، وأن العقد أُبرم مع السفارة لا مع الحكومة العراقية .<BR>ولهذا اضطر رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي لـ "حثَّ" السلطات الأميركية في بغداد على استبدال شركة بلاك ووتر للحماية الأمنية بشركة أمنيَّة أخرى بعد أن رفضت الشركة الأوامر الصادرة إليها من حكومته .<BR>والحقيقة أنه لولا حالة الغضب التي عمت الشارع العراقي ومطالبة غالبية القوى السياسية بطرد هذه الشركة المرتزقة وغيرها من الشركات العاملة في العراق وزيادة الشعور المناهض للأميركيين في العراق ورفض الشركة نفسها الانصياع لقرار المالكي ، لما قرر المالكي تخفيف القرار من المنع الكلي لـ"الوقف" المؤقت لعمل الشركة ، لأن سيادة العراق الحقيقة هي بيد قوات الاحتلال وشركات المرتزقة التي يفوق تعدادها تعداد قوات الاحتلال نفسها !<BR>فوفقاً لـ "دوج بروكس" رئيس الرابطة الدولية لعمليات السلام التي تضم مجموعة من الشركات الخاصة العاملة في الأمن والإمداد والتمويل ، يبلغ عدد المرتزقة ممن يطلق عليهم اسم "المتعاقدين" في العراق وحده نحو 180 ألف متعاقد ، وهو عدد يزيد على عدد القوات الأميركية في العراق والتي تقدر حاليا بنحو 167500 جندي !!<BR>كما أن بلاك ووتر هي إحدى ثلاث شركات تتولى حماية موظفي وزارة الخارجية الأميركية في العراق في مقابل عشرات ملايين الدولارات سنويا، وفي ظل غياب رقم إجمالي، كشف مسؤولون بوزارة الدفاع الأمريكية أن لدى الوزارة 7300 عنصر امن متعاقدين للعمل في العراق من أصل إجمالي 137 ألفا يعملون بعقود للقيام بكل أنواع المهمات .<BR><font color="#ff0000">لا يخضعون للمحاكمة</font><BR>والذي لا يعلمه كثيرون هو أن هذه الشركات المرتزقة العاملة في العراق تعمل وفق مرسوم وضعه الحاكم الأمريكي للعراق عقب احتلاله بول بريمر، فوفقا للعقود المبرمة معها واستنادا كذلك إلى المرسوم الذي أصدره الحاكم الأميركي السابق في العراق بول بريمر عام 2004 والمسمي "القاعدة 17"، فإن "القوات الأميركية والمتعددة الجنسيات ورعايا هذه الدول المقيمين في العراق والشركات الأمنية الخاصة "معفون من أي مساءلة قانونية أمام المحاكم العراقية ولا يشملهم القانون العراقي" !<BR>وبالتالي فليس للحكومة العراقية الحالية أي سلطة علي هؤلاء المرتزقة وليس لهم أي سند قانوني يخولهم سحب ترخيص بلاك ووتر، أو أي من الشركات الأمنية الخاصة، بل ولا تستطيع الحكومة - قانونا - محاكمة أي مجرم من هذه الشركات ارتكب مجازر بحق المدنيين ، لأن هذه الشركات الأمنية الخاصة في العراق تتمتع نظريا بحصانة دبلوماسية وتتوقف الملاحقات القضائية المحتملة ضدها على القرار السياسي .<BR>وربما لهذا عهد الاحتلال الأمريكي إلي هذه الشركة الأمنية - التي تعمل بسرية بالغة – بكل العمل القذر في العراق وتصفية وقتل العراقيين وتعميق الصراع بين السنة والشيعة ، لأن مثل هذه الشركات ومرتزقتها لا تتحمل أي عواقب أو متابعات قانونية إذا ما أكتشف عملها الإجرامي ، وسيسهل على الاحتلال الأمريكي نفي صلته بهذه الأعمال والزعم أنها من قبل "إرهابيين" ! <font color="#ff0000">حقيقة بلاك ووتر </font><BR>وقد تأسست بلاك ووتر عام 1996-1997 من قبل "إريك برنس" الذي كان أحد أغنى الأغنياء الذي خدم في القوة البحرية الأمريكية الخاصة كـ "نيفي سيل" .<BR>وعندما أسس إيريك برنس شركة بلاك وتر ، مستفيدا من جمعه بين خبرات سياسية ودينية وعسكرية ، ضم معه عدة رجال من القوات الخاصة السابقين من ذات اليمين المسيحي المتطرف ، بهدف بيع الخدمات الأمنية والتدريب العسكري ، ولهذا نجحت علاقات غالبية هؤلاء المتعاونين معه ومع إدارة بوش اليمينية في تأمين عمل ضخم لهذه الشركة جعلها من كبري شركات المرتزقة رغم أنها ليست الأولي العاملة في هذا لمجال .<BR>فمن المتنفذين الأقوياء في شركة بلاك ووتر شخص اسمه "جاي كوفر بلاك" الذي عمل كمسؤول كبير في إدارة بوش والذي عمل سابقا لمدة ثلاثون عاما في جهاز المخابرات المركزية الأمريكية. وكان كوفر بلاك أحد مسئولي المخابرات المركزية الرئيسين في أفريقيا خلال العقدين السابع والثامن من القرن الماضي ووصل إلى السودان في أوائل التسعينيات متنكرا تحت غطاء دبلوماسي لمتابعة فعاليات واصطياد الإرهابي العالمي " كارلوس " .<BR>ومن مخضرمي شركة المرتزقة "بلاك ووتر" أيضا "روبوت ريتشر" وهو عضو في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية أيضا ، وبمساعدة إيرك برنس أسسا شركة جديدة ضمن بلاك ووتر تدعى "توتال إنتيليجينس سوليوشن" لخصخصة الحصول على المعلومات الاستخبارية. وتمتلك شركة بلاك ووتر أسطول جوي متكون من أكثر من 20 طائرة نقل قسما منها مشابهة للطائرات التي استعملت في عملية الـ "إكسترا أوردينيري ريندشن" وطائرات عمودية تعمل في العراق أيضا لنقل الجنود والمرتزقة والقيام بعمليات عسكرية وأمنية لقتل العراقيين خارج نطاق فعاليات الجيش النظامي الأمريكي وبعيدا عن النظم والقوانين التي تتحكم بالعمليات العسكرية النظامية أو حتى المدنية منها .<BR>ويعتبر عمل هذه الشركة في العراق هو الفرخة التي تبيض ذهبا لها، فقد تسلّمت شركة بلاك ووتر 505 مليون دولار على شكل عقود خاصة من الحكومة الأمريكية منذ عام 2000 ، ونجحت في بناء قاعدة لجيش خاص من المرتزقة في أماكن تواجدها، مزودة بطائرة بوينغ 727 وطائرات هليو كبتر ومدرعات، مع جيش يضم 20 ألفاً من المرتزقة. <BR>أما أخطر ما في هذه الشركة فهو أن نشأتها الصليبية وسعيها للمزاوجة بين الدين وبين العمل السياسي والعسكري ينعكس علي طريقة أداء مرتزقتها في المناطق العربية والمسلمة ، والدليل ظهر بوضوح في الفلوجة حينما تعمدوا قصف وتدمير قباب المساجد وتدمير المنازل علي أهلها ولم يسلم منهم لا طفل ولا شيخ وكأنهم يقلدون الصليبيين القدامي في قتلهم الشيوخ والعجائز في القدس !.<BR>حادثة بلاك ووتر الأخيرة في العراق كشفت بالتالي ضمن ما كشفت مأساة العراق وكيف أن هذه الشركة تحدت سلطة رئيس الوزراء نفسه ورفض قرارات حكومته لأنها الحاكم الفعلي في العراق وليس حكومة المالكي ولا وزارة داخليته !<BR><br>