أسباب فوز حزب العدالة والتنمية في تركيا
28 شعبان 1428

في بلاد عرفت بتعدديتها الحزبية جاءت الانتخابات التشريعية التركية التي جرت في الثاني والعشرين من تموز/يوليو الماضي لتنهي حالة الصراع السياسي بين حزب العدالة والتنمية الحاكم والنخبة العلمانية الممثلة بحزب الشعب الجمهوري والمؤسسة العسكرية التي انتابت البلاد في الأشهر الثلاثة الماضية.<BR><BR>ولأول مرة منذ 50 عاما في الحياة السياسية التركية يتمكن حزب سياسي واحد من تشكيل حكومة منفردا مرتين لقد شكل حزب العدالة والتنمية الإسلامي المعتدل الحكومة وذلك بعد فوزه الساحق في الانتخابات الأخيرة.والحقيقة التي أجمعت عليها كافة استطلاعات الرأي العام التركي قبل الانتخابات العامة أن حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه رجب طيب إردوغان سيحصل على المرتبة الأولى في الانتخابات ولم يكن أحد يتوقع أن يحصل الحزب على هذه النسبة العالية فقد حصل حزب العدالة والتنمية على نسبة 47% من الأصوات أي 341 مقعدا في البرلمان في حين تلاه في المرتبة الثانية حزب الشعب الجمهوري بنسبة 21% أي 111 نائبا في البرلمان.هذا في الوقت الذي طلب فيه حزب الشعب الجمهوري بقيادة دنيز بايكال من الناخبين أن يسلموه السلطة بمفرده فسلموه المعارضة بمفرده.<BR><BR><font color="#0000FF">كيف فاز حزب العدالة والتنمية ؟</font><BR>لقد جمع حزب العدالة والتنمية لوحده في الانتخابات الأخيرة التي جرت في تركيا ما يقرب نصف عدد الأصوات.والسؤال الآن؛؛ ما هو سر النجاح في ذلك؟..البعض كان يستخف باستطلاعات الرأي العام التي كانت تؤكد تفوق هذا الحزب بفارق كبير على منافسيه.. حتى حزب العدالة والتنمية نفسه لم يكن ليحلم بمثل هذه النتيجة التي لم تكن من نصيب أي حزب آخر منذ عهد (رئيس الوزراء الراحل) عدنان مندريس أي قبل 53 عاما.. بل حزب العدالة والتنمية أيضا نجح في أن يكون الاستثناء الوحيد في قاعدة السياسة التركية المعروفة من أن الحزب لا يمكنه أن يضاعف أصواته وهو في الحكم ليتولى السلطة مرتين على التوالي بأرقام قياسية. لقد استطاع حزب العدالة والتنمية من رفع من أسهمه الشعبية في عام 2007 إلى 47.8 بالمئة عن تلك التي حصل عليها في انتخابات عام 2002 وكانت 34.28 ما يعني أن الارتفاع كان بمعدل 10.848 خلال أربع سنوات ونصف من حكمه البلاد إلى جانب أصوات ستة ملايين أضيفت إلى رصيده السياسي.. لكن كيف حصل ذلك؟ ولماذا لم يخسر مع أن المشاكل الداخلية والخارجية كانت قد تفحلت لدرجة غير مسبوقة؟؟. سؤال يمكن أن نجد له بسهولة الآلاف الأجوبة لكننا سنذكر بعضها فقط : <BR><BR><font color="#0000FF">مذكرة الجيش في الـ 27 أبريل 2007: </font><BR>مذكرة الجيش التي صدرت في منتصف ليل 27 أبريل بعد الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية التي رشح فيها حزب العدالة والتنمية عبد الله غول لمنصب رئاسة الجمهورية رفعت من أسهم حزب العدالة والتنمية أكثر من 10% وانقلبت هذه المذكرة التي ظن البعض بأنها الضربة القاضية لحزب العدالة على العلمانيين وكانت لصالح حكومة حزب العدالة والتنمية لأنها وضعتها بصورة "الضحية والمظلومة" لكن مع ذلك استعان الحزب بالقوة من هذا الضعف ورد فورا ببيان أقوى على الجيش عندما صرح المتحدث باسم الحكومة جميل تشيشك في صباح اليوم نفسه من أن -رئاسة الأركان هي مؤسسة تابعة وخاضعة لرئاسة الوزراء)- لقد كانت المرة الأولى في تاريخ الجمهورية التركية التي تجرؤ فيه حكومة على انتقاد الجيش بهذا الشكل العلني. <BR><BR><font color="#0000FF">قرار المحكمة الدستورية:<BR>قرار المحكمة الدستورية بشأن الـ367 من أجل الرئاسة كانت نقطة في صالح حزب العدالة والتنمية حيث كان القرار غير قانوني بل سياسي لعرقلة وصول غول إلى منصب الرئاسة.<BR><BR><font color="#0000FF">الوعود الخيالية للأحزاب السياسية: </font><BR>شهدت الانتخابات التشريعية الأخيرة حالة من التنافس بين الأحزاب السياسية وإطلاق الوعود الخيالية باستثناء حزب العدالة والتنمية والشعب التركي بدوره لم ير أي بديل قوي عن حزب العدالة والتنمية الذي لم يتعهد بأكثر من الحدود والإمكانيات المتوفرة لديه.. حتى زعيم حزب الشعب الجمهوري دنيز بايكال الذي كان العلمانيون يراهنون عليه ويستبشرون فيه خيرا أن يلزم الجدية أكثر فإن وعوده الاقتصادية كانت أكثر من خيالية مثل خفض سعر المازوت إلى ليرة تركية، إلغاء الامتحانات الجامعية وضرائب الدولة، وتخصيص راتب محترم لكل ربة بيت الخ.. <BR><BR><font color="#0000FF">ملف تركيا والاتحاد الأوروبي: </font><BR>لأول مرة منذ 40 عاما تتخذ تركيا خطوات فعلية في مغامراتها مع الاتحاد الأوروبي حيث ربحت حق التفاوض الرسمي مع الاتحاد الأوروبي وكان ذلك في ظل عهد حكومة حزب العدالة والتنمية؟<BR><BR><font color="#0000FF">مذكرة الأول من مارس عام 2003: </font><BR>من حظ الحكومة أن البرلمان لم يصادق على مذكرة الواحد من مارس قبل حرب العراق.. فهذا الحزب الأول في تاريخ تركيا الذي يقول "لا" للولايات المتحدة علنا..<BR>وأيضا من الأسباب المهمة التي رفعت من أسهم الحزب الشعبية هو الاستقرار الاقتصادي وخفضه الفوائد ونسبة التضخم وزيادة في الدخل القومي.. فلأول مرة في تاريخ تركيا يسجل في عهد حزب العدالة والتنمية نموا مضطردا في الاقتصاد على عشرين مرحلة متتالية.. <BR>ولكن السبب الأهم:<BR><BR><font color="#0000FF">عنصر رجب طيب إردوغان: </font><BR>طبعا، لا يمكن تجاهل دور إردوغان الخطيب السياسي المدهش وتأثيره القوي على الشعب.. فهو كان دائما يتقدم في نظر الشعب على أصوات حزبه ومهما كان ينتهج في بعض الأحيان أسلوبا وصفه البعض بأنه "همجيا" لكن الشعب كان يترجمه على أنه واحد منهم ويتحدث بلسانهم..باختصار أن لقب "قاسم باشلي" (وهي الحارة الشعبية التي ولد فيها) كان العلامة الفارقة لإردوغان التي ميزته عن غيره من السياسيين.. وبذكائه كان يدرس نقاط الضعف عند منافسيه جيدا فينزل الضربة القاضية عليهم.ويبدو أن إردوغان قد تعلم من دروس الماضي حيث خسر الإسلاميون المواجهات مع الجيش التركي لذلك حرص منذ البداية على تأكيد التزامه وحزبه بالعلمانية وتقديم حزبه على إنه حزب إصلاحي معتدل يسعى للمصالحة بين الإسلام والعلمانية.حزب العدالة والتنمية حرص على ترتيب أموره مع المؤسسة العسكرية حارسة الزمرة العلمانية الذي حاول خلال السنوات الأربع الماضية من تقليم أظافرها بحيث غير إردوغان خطابه السياسي تغييرا دراماتيكيا وهو الذي كان قد قال عام 1995 مشحونا بأوهام الخلافة الإسلامية التي ضاعت من تركيا" ليس بالإمكان أن نكون إسلاميين وعلمانيين في الوقت نفس أن مسلمي العالم البالغ تعدادهم 5.1 مليار نسمة ينتظرون من الشعب التركي أن ينهض وسننهض وبإذن الله ستبدأ الثورة" وحينذاك حكمت عليه محكمة أمن الدولة بالحظر السياسي والسجن عام 1998.أما بعد انتخابه فقال "أنا لست إسلاميا، وطوال حياتي السياسية لم ارفع شعار إنني إسلامي، وحزب العدالة والتنمية ليس حزبا دينيا، ولكنه حزب يتوجه لتحقيق سعادة الشعب".<BR><BR><font color="#0000FF">وخلاصة الحديث.... </font><BR>الفوز الكاسح الذي حققه "حزب العدالة والتنمية" التركي في الانتخابات البرلمانية للمرة الثانية له أهمية ودلالة خاصة تتعدى الانتخابات السابقة وتبرهن على نجاح الحزب في تجربته في الحكم خلال السنوات الأربع السابقة،لقد أسفرت الانتخابات في ظاهرها عن فوز كبير للإسلاميين المتمثلين في حزب إردوغان لكن الحقيقة التي غابت عن الكثيرين <BR>تؤكد أن أصل الفوز تحقق أيضا بفعل الدعم الذي قدمته شرائح غير دينية للائحة العدالة والتنمية الذي يتزعمه رئيس الوزراء رجب طيب إردوغان.<BR><BR><br>