من المستفيد من تفجير لبنان من شماله لجنوبه؟
15 جمادى الثانية 1428

لا شك أن شهر حزيران الجاري كان بامتياز شهر التفجير في الشرق الأوسط ، فالاستقطاب الحاد بين المحاور المتصارعة على أشده ، محور إيراني– سوري يقابله محور أمريكي –"إسرائيلي"، كلما اشتد الصراع بين المحورين تمزقت الجبهة العربية أكثر وانكشفت أكثر، تيارات وحركات مناضلة (حماس-"حزب الله") تُتهم بتنفيذ أجندة إيرانية في لبنان وفلسطين كان آخرها تصريح مدير الاستخبارات الفلسطينية توفيق الطيراوي من أن المعلومات التي بحوزة حركة فتح تفيد أن لإيران وسوريا دور كبير فيما جرى بغزة سواء في التمويل أو التنفيذ ، أنظمة وحكومات عربية توصف بـ"محور الاعتدال" تتخوف من ولادة امبرطورية إيرانية يسال لعابها على خيرات جيرانها العرب ، أضف ما أشارت إليه مصر من إنّ إيران تهدّد أمنَها الوطني بعد ما حدث في غزة. وبين هذا وذاك يغرق لبنان المنطقة الرخوة في خاصرة العرب في دوامة من المجهول ويزداد غرقه كلما ازداد تمزق الصف العربي بين محاور وجبهات .<BR><BR><font color="#ff0000">لبنان الأرض الخصبة للصراع</font><BR><BR>فالأزمة السياسية التي يعيشها لبنان منذ اغتيال الحريري لا تزال تتفاقم وتتزايد تعقيدا وتشعباً وتتجذر في جميع المؤسسات اللبنانية يوما بعد يوم . فلا خروج الجيش السوري من لبنان ساعد لبنان على الوقوف على قدميه ولا تشكيل حكومة ثورة الأرز المرغوبة من قبل واشنطن استطاعت أن تحد من النفوذ السوري فيه ولا الدعم العربي للبنان نآى به عن الصراعات الإقليمية ، ولا انتشار الجيش اللبناني وتمركز القوات الدولية في الجنوب حال دون تدهور الوضع الأمني جنوباً بعد أن انهار شمالا ، حتى بات لبنان يغلي في كل متر مربع بالصراعات وتصفية الحسابات .<BR><BR>ثم إن المبادرات العربية المتواصلة التي لم تُظهر أي تقدم في حلّ الأزمة السياسية ، أثبتت انه ليس هنالك بين اللبنانيين من هو سيد نفسه فعلا، ، بل بات واضحاً أن قرار المصير اللبناني كان ولا يزال في أيدي قوى متصارعة خارج لبنان حيث إن اللبنانيين يتصرفون كطوائف متعسكرة كل واحدة منها ملتحمة بمحور من المحاور الدولية أو الإقليمية، كما أن الأمين العام لجامعة الدول العربية الذي سجل رقماً قياسياً في عقد أكثر من خمس وثلاثين جولة محادثات خلال ثمان وأربعين ساعة في بيروت، عاد أدراجه بخفي حنين دون أن يُحمّل أي فريق مسئولية العرقلة ويبدو أن المسئول الوحيد عن هذه الأزمة هو حال المثل اللبناني "الحق دايما على الطليان" .<BR><BR>الأخطر في الموضوع هو انفجار الوضعُ شمالاً في مخيم نهر البارد وأحياء طرابلس بين تنظيم "فتح الإسلام" وبين الجيش والقوى الأمنية اللبنانية، الذي واكبه شبه تدمير كامل للمخيم وتهجير عشرات الآلاف منه ، واستمرار مسلسل الاغتيالات السياسية التي كان آخرها اغتيال أحد صقور تيار المستقبل النائب "وليد عيدو" ، وانتشار التفجيرات المتنقلة في الوسط ، ببيروت والجبل، واستهداف قوات الطوارئ الدولية بمفخخة ، وقبلها إطلاق صورايخ كاتيوشا من جنوب لبنان على الأراضي الفلسطينية المحتلة جنوباً رغم وجود الجيش اللبناني والقوات الدولية المنتشرة هناك بعشرات الآلاف .. <BR><BR><font color="#ff0000">التفجير لنسف معطيات ام لتعديل مهام </font><BR><BR>استهداف القوات الدولية في جنوب لبنان لم يكن مفاجئاً ، وخصوصاً بعد صدور عدة مؤشرات تقوي هذا الاحتمال، لكن الأبرز في الموضوع أن هذا الاستهداف الذي واكب تحولات وتطورات إقليمية تمثلت في تعثر الحوار الإيراني الأمريكي ، وتفجر الوضع في غزة والضغط نحو مزيد من العزلة على سوريا تزامن أيضاً مع عدة معطيات محلية أبرزها: <BR>• وقع عقب فشل مبادرة موسى الثانية ونعي كل من الموالاة والمعارضة للمبادرة.<BR>• حصوله قبل يومين من موعد تسلم مجلس الأمن التقرير المتعلق بتنفيذ القرار 1701.<BR>• جاء قبيل تقدم الحكومة اللبنانية لطلب التجديد لـ"اليونيفيل" من مجلس الأمن مع اقتراب هذه المهلة من الانتهاء في آب المقبل.<BR>• متزامناً مع دعوة فرنسا أقطاب المعارضة والموالاة لمؤتمر حوار في منتصف تموز المقبل بفرنسا في محاولة منها لوقف استمرار الأزمة.<BR>• استباق الحدث بإطلاق صاروخي "الكاتيوشا" المجهولي الهوية من أحد الأودية ، في القطاع الجغرافي نفسه، باتجاه مستوطنة كريات شمونة شمال فلسطين ، قبل أسبوع من الانفجار.<BR>• وقوع الانفجار بعد ساعات من تمكن الجيش من تصفية خلية مسلحة في محلة أبي سمرا بطرابلس ومنعه إقامة بؤرة أمنية جديدة تعمل هذه "الخلايا النائمة" على تفجيرها تباعاً.<BR><BR>الأمر الذي يطرح رزمة تساؤلات حول من المستفيد من التفجير وأي معطيات يخدم هذا التفجير.<BR><BR><font color="#ff0000">المستفيدون كثر </font><BR><BR>إذا كانت القاعدة هي المتهم الأول بالوقوف وراء هذا العمل ، فذلك لأن القاعدة توعدت استهداف اليونفيل ببياناتها بعد أن دعا الرجل الثاني في التنظيم أيمن الظواهري أنصاره عام 2006 للتوجه إلى لبنان لفتح جبهة شمال فلسطين ويبدو أن دعوته لاقت تجاوباً لدى أنصاره حيث أن المعارك المتنقلة بين الجيش اللبناني والخلايا الإسلامية المتشددة في طرابلس والمخيم والبقاع تشير لوجود جديد للقاعدة في لبنان ، فضلاً عن تصريحات عديدة صدرت عن تنظيم "فتح الإسلام" المتشدد تتوعد فيه القوات الدولية بعد اتهامها مشاركة الجيش اللبناني في قصفه لمخيم نهر البارد ثم إن اعترافات موقوفين من "فتح الإسلام" بأنهم كانوا يحضّرون لمهاجمة "اليونيفيل" ، وضبط سيارات من قبل أجهزة الأمن اللبناني في الشمال والبقاع أعدت من قبل خلايا مرتبطة بالقاعدة. <BR><BR>في المقابل فإن أصابع الاتهام لا تستطيع أن تتجاهل سوريا التي لا تخفي استياءها من سياسة الحكومة اللبنانية الحالية التي تراها تعرقل أي علاقة جيدة وجدية معها ، فضلاً أن فيها أطرافاً يستهدفون الأمن القومي السوري. وبحسب الموالاة فإن التحقيقات المسربة من الأجهزة الأمنية اللبنانية تفيد أن منفذي جريمة "عين علق" دخلوا لبنان عبر سوريا ، وان الموقوف "احمد مرعي" المتهم بأنه جهاز الربط بين "تنظيم القاعدة" و "فتح الإسلام" تؤكد التحقيقات معه ارتباطه بمسؤول رفيع جداً في المخابرات السورية ، أضف أن التقنيات المستعملة في التفجير الذي استهدف القوات الدولية هي نفسها التقنيات المستعملة في الاغتيالات السياسية التي تتهم بها الموالاة النظام السوري. وتعلل الموالاة اتهام سوريا بان تفجير الوضع الأمني في لبنان يفيدها لناحية إقناع العالم بأن الأمن في لبنان لا يمكن أن يوجده سوى النظام السوري سواء بممارسة نفوذه أو ببقاء قواته داخل لبنان . <BR><BR>أما في الداخل ، فهناك أطياف عديدة داخل المعارضة كما داخل الموالاة قد تستفيد من تفجير الوضع في جنوب لبنان ، فالضغط على اليونفيل قد يكون ذريعة لتعديل مهامها التي تنحصر حالياً بمراقبة الحدود اللبنانية "الإسرائيلية" كما أنه سيدخل بطبيعة الحال تعديلاً جوهرياً على التقرير الدولي الذي يتحدث في مضامينه عن تعزيزات عسكرية جنوب الليطاني وشماله، كما سيتناول موضوع الحدود اللبنانية – السورية. <BR><BR>قد يقول قائل: إن "حزب الله" وحده القادر على الوصول للقوات الدولية لا سيما أن عدد الحواجز والرقابة المشددة من قبل الجيش اللبناني من الشمال للجنوب تجعل من العسير جداً لأحد ان يتسلل للجنوب من خارجه دون المرور على العشرات من الحواجز . لكن ما يلفت أيضاً أن كثيراً من عملاء "أنطوان لحد" في جنوب لبنان قد عادوا لقراهم الجنوبية من "إسرائيل" وهم يمارسون حياتهم الطبيعية دون رقابة أو متابعة ، ثم إن إعلان "إسرائيل" بعد عشر دقائق من طلاق صاروخي الكاتيوشا على قراها الشمالية أن منظمة فلسطينية قريبة من سوريا وراء تلك الصواريخ يلقي بظلال الشك حول دور "إسرائيل" في الموضوع .<BR><BR>فـ"إسرائيل" من مصلحتها تعزيز وجود القوات الدولية في لبنان وتعديل مهمتها ودورها . وهي لا تخفي رغبتها في الدفع باتجاه إغلاق الحدود اللبنانية مع سوريا والاستعاضة عنها بفتح طريق ترانزيت للبضائع اللبنانية يكون بديلاً للمعابر الحدودية بين لبنان وسوريا "عبر طريق الجولان المحتل وتحت سيطرة قوات الاحتلال "الإسرائيلي" لمباشرة علاقات مع الدولة العبرية، بذريعة الاستعاضة عن العبور من سوريا بالترانزيت إلى العقبة وبتغطية أميركية – دولية – عربية".<BR><BR> فضلاً عن أنها تريد ان تركب الموجة هي الأخرى في استعداء الأنظمة العربية ضد حركة المقاومة حماس عبر تصوير ما يحدث في غزة ومخيم نهر البارد وحالياً استهداف القوات الدولية في جنوب لبنان هجمة سورية إيرانية للسيطرة على المنطقة وقلب أنظمتها وتحويلها إلى إمارات إسلامية على شاكلة إمارة طالبان ، زاعمة أنها تُنفذ بيد "حزب الله" في لبنان وحماس في غزة والإخوان المسلمون في مصر والقاعدة في العراق . وقد زاد من قوة حجتها دعوة أيمن الظواهري حماس للتعاون مع الجهاديين في فلسطين والعالم ضد الهجمة الغربية على أرض الإسلام ، والتي ترجمت فوراً بدعوة "تنظيم القاعدة في أرض الكنانة " ضرب المصالح "الصهيو- أمريكية" في مصر.<BR><br>