بعد 84 عاما "علمانية".. هل يرأس تركيا "إسلامي"؟
4 ربيع الثاني 1428

ظلت معادلة العلاقة الصعبة بين قيادات الجيش التركية (العلمانية ) والتيارات الإسلامية تنتهي دوما – منذ إلغاء الخلافة الإسلامية عام 1924 – بقيام الجيش بانقلاب عسكري ( كما حدث أعوام 1960، 1971، 1980) بمجرد ظهور أي بوادر انتعاش أو ظهور للإسلاميين في الحكومات التركية المتعاقبة .<BR>ومع أن هذه المعادلة تحسنت نسبيا منذ انتخابات 1996 عقب وصول حزب (الرفاه) الإسلامي للسلطة وتولي نجم الدين أربكان رئاسة الوزراء لأول مرة ، وتحسنت أكثر وأكثر عقب وصول حزب (العدالة) ذي التوجه الإسلامي للسلطة عام 2002 ، وقيامه بتعديلات دستورية – بدعم من الاتحاد الأوروبي – لتقليص سلطة الجيش ضمن خطوات الانتقال للديمقراطية ، فقد عاد الجدال مرة أخري وعادت الشكوك بشأن انقلاب قادة الجيش العلمانيين على الحياة السياسية مع اقتراب تولي أول رئيس جمهورية من حزب العدالة زوجته محجبة !<BR>فالرئيس التركي العلماني الحالي احمد نجدت سيزر الذي تنتهي مدة رئاسته في 16 مايو ، بادر بالتحريض ضد ترشيح رجب اردوجان قائلا أن "النظام العلماني في تركيا يواجه اكبر خطر منذ تأسيس الجمهورية عام 1923 " ، وحرض الجيش التركي صراحة بقوله - في كلمة بالأكاديمية الحربية انه يعتقد أن هناك حملة مستمرة للإضرار بالقوات المسلحة" !؟ .<BR> وجاء تحذيره بعد يوم واحد من دفاع قائد الجيش القوي عن العلمانية وتوجيه الجنرال "يشار بويوكانيت" تحذيراً مغلفاً لحزب العدالة والتنمية الحاكم 12 أبريل قال فيه أن الرئيس القادم "يجب أن يكون مؤيدا قويا للنظام العلماني في تركيا" ، بعدما ملأ العلمانيون تركيا صراخاً بالتحذير من أن الانتخابات الرئاسية المقررة الشهر المقبل قد تسفر "عن انتخاب أول رئيس له جذور إسلامية لتركيا" .<BR>إذ تشعر النخبة العلمانية في تركيا التي تضم بشكل أساسي الجنرالات والقضاة بالقلق من أن يتولى اردوغان - وهو إسلامي سابق - المنصب ويقوض الفصل الصارم بين الدين والدولة ، رغم أنه (أردوغان) حرص على إرضاء العلمانيين والقيام بتصريحات تخدم توجهاتهم ، بل والتوقيع على قرارات بفصل ضباط وعسكريين تتهم قيادة الجيش بالتدين أو أن لهم توجه إسلامي !<BR>ومع أن أردوغان نفسه لم يؤكد نيته في قبول ترشيح حزبه له - لأن حزب العدالة يتمتع بأغلبية كبيرة في البرلمان ومن حقه ترشيح الرئيس المقبل وضمان الموافقة عليه في البرلمان – فلا يزال عدداً متزايداً من أعضاء حزبه يقولون: إنهم يريدونه رئيساً للبلاد ، ولا يزال الصراع محتدماً .<BR><font color="#ff0000">"جانكايا" محظور على المشايخ والإخوان !؟ </font><BR>والغريب أن (رئيس الوزراء التركي) رجب طيب أردوغان قال علناً: إن فكرة تولي الرئاسة لا تستحوذ على تفكيره‏ ، ونقلت عنه صحيفة (إراديكال) قوله :" لست مصرا على قصر الرئاسة‏‏ ولست مصرا على أن أصبح رئيسا‏ " ، فقد نظمت القوي العلمانية مظاهرة ضخمة 14 أبريل ضمت مئات الآلاف من كافة أنحاء تركيا في أنقرة للتعبير عن رفضهم لاحتمال ترشح (رئيس الوزراء) رجب طيب اردوغان، وحمل المتظاهرون أعلاما تركية وصوراً لمؤسس تركيا الحديثة مصطفى كمال أتاتورك وأطلقوا شعارات مناهضة للإسلاميين، بهدف الضغط على اردوغان للتنازل وعدم الترشح للرئاسة .<BR>وشارك في التظاهرة دينيز بايكال زعيم "حزب الشعب الجمهوري" الاشتراكي الديمقراطي، إضافة إلى زكي سيزر رئيس "حزب اليسار الديمقراطي" ، وهتف المتظاهرون "تركيا علمانية وستظل علمانية" ورفعوا شعارات تقول "الديمقراطية لا تعني تحمل الرجعية" و"جانكايا (قصر الرئاسة التركي) لن يكون موطنا للمشايخ والإخوان" . <BR><font color="#ff0000">لا للحجاب ..ليس لأردوغان ! </font><BR>والأكثر غرابة أن نقد معارضي اردوجان انصب على "الرموز الإسلامية" وليس رفض اردوغان نفسه كشخص لعلمهم أنه قدم تساهلات كثيرة في أمور الدين، ومنها مسألة حجاب الموظفات والطالبات التي لم يستطع أن يفرضها على الجيش أو الرئاسة ليستمر حرمان المحجبات من دخول المدارس والجامعات علماً بأن الحجاب محظور في الوظائف العامة والجامعات (!) .<BR>والرمز الذي احتج عليه العلمانيون هنا هو الحجاب ، إذ أعلن الرافضون لأردوغان أنهم يرفضون أن تحصل (أيمين) زوجة أردوغان، التي ترتدي الحجاب الذي يعده معظم العلمانيين رمزا لتدخل الدين في السياسة، على لقب السيدة الأولى في تركيا . <BR>فزوجته ترتدي الحجاب كسواها من زوجات غالبية كوادر الحزب علماً بأن الحجاب محظور في الوظائف العامة والجامعات ويعده المؤيدون للعلمانية إشارة إلى دعم الإسلامي السياسي، وسبق للرئيس التركي الحالي أن أعلن غضبه على حضور زوجات وزراء حزب العدالة بحجابهن إلى قصر الرئاسة في المناسبات القومية المختلفة ، وبلغ به الأمر حد تحديد الدعوات بالرجال فقط أحيانا لعدم حضور الزوجات ، أو عدم إحضار وزراء العدالة زوجاتهم المحجبات لهذه المناسبات تفادياً لتفجر صراعات مع رئيس الدولة .<BR>وربما هم لا ينسون لاردوغان أيضا أنه قد سجن أربعة أشهر لتلاوته شعراً ذي توجه إسلامي قبل أن يؤسس حزب العدالة والتنمية في العام 2001م ، ولذلك يعترضون على فكرة أن يصبح اردوجان هو الرئيس الحادي عشر للدولة التركية خشية أن يتوج بذلك طموحاته لأسلمه تركيا سراً من خلال الاستيلاء على آخر حصن للعلمانية كما يقولون !.<BR><font color="#ff0000">مرشح رئاسي أخر .. إسلامي ! </font><BR>وما لا يدركه معارضي أردوغان العلمانيين هو أنه لو تنازل أردوغان عن الرئاسة فسوف يرشح حزب العدالة بديلا عنه للرئاسة من الحزب أيضا ، والأوفر حظا هو (وزير الخارجية) عبد الله جول الذي يعد ذراعه اليمنى نظرياً ، ولكنه هو المحرك الفعلي للفكر ذي التوجه الإسلامي في الحزب وصاحب نظرية التغيير الهادئ ، وأنهم بذلك يعطون حزب العدالة ميزتين : الأولي هي وصول زعيم منه للرئاسة ، وعدم خسارة الحزب لاردوجان الذي سيقود بذلك حزبه إلى الانتخابات التشريعية المرتقبة في نوفمبر المقبل ، بعدما حقق في أخر انتخابات جرت في 3 نوفمبر من العام 2002م تقدمًا كبيرًا بالفوز بـ 363 مقعدًا في الانتخابات التي من أصل 550 مقعدًا، بينما تلاه حزب الشعب الجمهوري بزعامة دينيز بايكال على 178 مقعدًا فقط.<BR>وحينئذ سيصل إلى سدة الحكم رئيس "إسلامي" أو على الأقل ليس علمانيا لأول مرة منذ الانقلاب العلماني قبل 84 عاما .<BR><font color="#ff0000">صراع ذكي بين الجيش والعدالة</font><BR>والحقيقة أن ما يميز حزب العدالة عن غيره من الأحزاب التركية الأخرى أنه يسعى لإمساك العصا من المنتصف لقناعته أن الجيش جاهز للتدخل في أي لحظة بانقلاب عسكري ، كما يستخدم أدوات سياسية ذكية لهزيمة الجيش تدريجيا ، أبرزها العضوية في الاتحاد الأوروبي ، فلا يوجد تركي إلا ويحلم بالانضمام للاتحاد الأوروبي بما فيهم قادة الجيش .<BR>ولأن أوروبا تفرض شروطا على تركيا أو أي دولة لقبول عضويتها خصوصا تطبيق القواعد الديمقراطية والحريات ، فقد لعب حزب العدالة على فكرة الحريات والديمقراطية لتقليص دور الجيش تدريجيا ، مثل استخدام قيم العلمانية نفسها عن الحريات لتخفيف قبضة الجيش عن المؤسسات الدينية نسبيا !. <BR>ولكن الملفت في الأزمة الأخيرة الخاصة بترشيح أردوغان رئيسا أن الجيش سعي بدوره لاستخدام أسلحة خبيثة لمحاربة وإرهاب حزب العدالة ، مثل تصعيد أزمة الحدود والأكراد مع العراق وحشد القوات التركية والتهديد بالتدخل في شمال العراق ، بهدف إعادة الجيش للساحة السياسية واستحضار المارد الكردي والمخاوف من أعمال إرهابية ، لجلب تعاطف الشعب التركي مع الجيش ، وفي الوقت نفسه صدرت تصريحات قادة الجيش التي تنتقد العدالة وتلمح لرفض تولي اردوغان الرئاسة !<BR>فلا شك أن قادة الجيش يسعون بكافة السبل للانتقام من قادة حزب العدالة ، ويترصدون له لأنه أحدث (ثورة) بمعني الكلمة لم يكن أحد يتوقعها ضد العملاق العسكري وسعي لتحجيمه بقوانين يطالب بها الاتحاد الأوروبي ويصعب رفضها ، ما أدي لتحجيم ولجم قيادة الجيش العلماني ، والسماح للحكومة بالتحرك في تغيير وتطوير تركيا بحرية دون خشية من مطرقة الجيش واعتراضاته التي كانت سببا في عرقلة أي تقدم .<BR>الأزمة الحالية بين حزب العدالة والجيش ، والتي يسعى كل طرف فيها لجذب الشعب التركي لصفه ، ليست أزمة خاصة برفض تولي أردوغان تحديدا للرئاسة التركية ، وإنما هي جزء من الصراع بين الجيش وأي تيار أو حزب يضم إسلاميين سابقين كما هو الحال في حزب العدالة ، خشية المساس بالقيم العلمانية الأتاتوركية وتحويل دفة تركيا نحو الإسلام تدريجيا وتحطيم الأصنام الأتاتوركية .<BR>وما يزيد قيادات الجيش كمدا وغضبا أن قادة العدالة أكثر ذكاء من القوي المعارضة التي سبق أن دك الجيش التركي العلماني عظامها، فهم يظهرون الولاء للقيم العلمانية الأتاتوركية علنا ، ولكنهم يسعون لتغليفها بقيم الحريات والعدالة والمساواة الغربية بما يسمح للقوي أو الأنشطة أو المظاهر الإسلامية أن تتحرر من قبضة التمييز العسكري ضدها ، ويتحركون بهدوء ويقدمون إنجازات اقتصادية للأتراك في بلد اشتهر بالفساد السياسي والاقتصادي ، تثير إعجاب الشعب الذي أعطاهم في الانتخابات البلدية عام 2004 أصوتا أعلي من تلك التي جاءوا بها للحكم في الانتخابات التشريعية 2002 ، ما فتح الطريق أمامهم للوصول لأعلي سلطة وهي الرئاسة !.<BR>فهل تركيا على موعد مع أول رئيس "غير علماني" ولن نقول ذا جذور إسلامية بعد 84 سنة علمانية ؟ وهل هناك شك في أن أي وزير أو مسؤول من حزب العدالة سيصل لقصر "جانكايا" الرئاسي سيكون أقل عداء للمظاهر الإسلامية وأكثر قدرة على تغيير وتحطيم "بعض" الثوابت العلمانية القديمة ؟!.<BR>أيا كان المرشح وأياً كانت هويته – حتى لو كان مستقلاً-فيجب أن نتذكر أنه سيفوز بأصوات أغلبية نواب العدالة في البرلمان !<BR><BR><BR><br>