معرض الرياض.. فسح جميع الكتب.. ونفاذ الكتب الحمراء
23 صفر 1428

دعاني فضولي الصحفي للذهاب إلى معرض الكتاب الدولي المقام في العاصمة السعودية الرياض، وقد كنت زرت عدة دول عربية، وتشكلت عندي بعض التصورات المسبقة عن بعض دور النشر التجارية، وبعض الكتاب الممنوعين، وبعض الكتب الحمراء... ورحت أسأل نفسي.. إلى أي مدى ذهبت الحرية بمنظمي معرض الرياض؟ وكيف تعامل الناشرون والزائرون معها؟<BR>في البداية استوقفتني محاضرة ثقافية في قسم المحاضرات المرافقة للمعرض، فدخلت استمع إلى بعض ما يقوله الضيوف، وأثارت دهشتي تطرق أحد المحاضرين للكاتب عبدالرحمن منيف، الذي قدمه المحاضر على أنه صاحب أفضل الكتب بيوعاً وانتشاراً. رغم أنه هو من كتب رواية "مدن الملح" التي شن فيها هجوماً شرساً على المملكة العربية السعودية، ووصف بصفات سيئة. ولم تكن دهشتي أقل منها حينما سمعا محاضرة أخرى ألقاها فنان تشكيلي عن أغلفة الكتب، سمى خلال المحاضرة نبتة "دوار الشمس" بنبتة "عبّاد الشمس" على ما بها من مخالفة شرعية واضحة.. فساورني شعور أكيد بأن أوراق المحاضرات التي ألقاها ضيوف المملكة لم تمر على أي رقابة شرعية أو فكرية.<BR>على أن دهشتي السابقة تضاءلت وتلاشت وأنا أجوب في المعرض، بين الكتب ودور النشر والزوار، فقلت في نفسي: "ما ألقاه المحاضرون من مخالفات ذهبت أدراج الرياح، أما هذه الكتب المباعة فإنها ستذهب أدراج المكتبات والمنازل.. وهذا أصعب، وأثره أبلغ".<BR><BR><font color="#ff0000">كتب الإلحاد ودار النشر اللبنانية: </font><BR>بدأت أسأل عن بعض الكتب التي كانت ممنوعة منذ سنوات طويلة في المملكة، وبعض الكتاب المحظورين، فعثرت على عشرات العناوين لكتب حمراء.. لم يكن أحد ليحلم يوماً أن يجدها على أرض المملكة.<BR>وإن أراد القارئ مثالاً مروّعاً، فسأحيله إلى كتب لأحد الكتاب العرب، الذين كتبوا عدة مؤلفات ادعوا فيها أن الأديان السماوية جميعها عبارة عن امتداد لحضارات وأفكار إغريقية، فكذّب الرسل، واستخف بالنبي المصطفى _صلى الله عليه وسلم_ وقال: "إن الديانات اخترعها البعض لحاجة الناس لوجود قوة عظمى تتوعدهم بالجزاء والثبور، والنار والنور".. وثبّت في كل كتبه أن لا وجود لله عز وجل، وأن لا وجود لأي من مخلوقاته الأخرى (كالملائكة والجن والشيطان وغيرهم).. وقد انتشرت تلك الكتب في بلاد عربية وإسلامية عديدة.. وبلغ مداها أن صارت بعض الكتب مثاراً للنقاش.. فبرز أتباع له، وكثر مريدوه.<BR>وقلت في نفسي: "هل سأجد عناوين لهذا الكاتب؟" وكان سؤالٌ مثيرٌ في الواقع، ذلك أني كنت أبحث عن كتاباته وأنا شبه مطمئن إلى أنه سيكون آخر من تعرض له السعودية على أرضها التي خرجت منه أنوار الهدى والإسلام.. ولكن المفاجئة كانت شديدة.. حين وجدت كتبه معلقة في عدة مكتبات.. وقد احتلت مساحة واسعة من إحدى دور النشر.. وبمجموعة كتب كبيرة ربما لا تنشر بنفس الكثافة في مكتبات بلاده.. وكانت العناوين الإلحادية واضحة للعيان تماماً.. يقرأها الداخل والخارج. فسألت صاحب الدار "كيف أدخلتم هذه الكتب إلى السعودية؟" فقال لي "هذه السنة سمحوا لكل الكتب أن تدخل، ولم يفتشوا أي كتاب".<BR>استغربت مقولته، وعقدت العزم على أن أبحث في ذلك، لعلي أصل لنتيجة أكيدة.<BR><BR>فكرت أن استبق استطلاعي بالبحث عن دار نشر لبنانية، كانت محظورة تماماً في السعودية، لكتاباتها المخالفة للشرع والشريعة، وللإثارة الجنسية التي تمتاز بها.. وكانت الصدمة أني وجدتها في طليعة المكتبات اللبنانية، وفي بداية الجناح اللبناني أيضاً.. وقد احتلت مكاناً جعل منها هدفاً سهلاً للباحثين عنها وعن كتبها.. فدخلتها، وقلبت صفحات الكتب التي فيها.. وطلبت من صاحبها أن أجري معه حواراً.. فأبدى تحفظاً كبيراً، على خلاف ما أبداه الآخرون.. ولكنني طمأنته أن الأسئلة ستكون عن رأيه في المعرض فقط.. وفي ثنايا الأسئلة، سألته عن مشاركته فأكد لي أنها المشاركة الأولى له في السعودية، وسألته "لماذا؟" فرد أنه لم يشأ من قبل المشاركة، وأنه فكر أن يشترك هذا العام فقط (!!).. وقد خفي عليه أنني كنت أعلم طبيعة داره، وسبب حظره في المملكة. فسألته عن الحرية المتاحة في هذا المعرض، فأشاد فيها، وقال "إن ذلك شجعه على إحضار كتب عامة وخاصة، وإنه سيكون أكثر انفتاحاً في السنوات اللاحقة" (!!). وحين سألته عن الكتب الحمراء التي كانت ممنوعة في السابق وتم فسحها هذا العام، أكد أن الغالبية العظمى من تلك الكتب تم بيعها كاملة في المعرض، وأن الناس كانت شغوفة بمطالعتها واقتناءها!!<BR>توجهت إلى مكتبة العبيكان السعودية، وسألت المسؤول عن قسمها في المعرض الأستاذ عبدالعزيز زكريا عن دار النشر اللبنانية التي فسح لها المجال للمرة الأولى فقال لي: "وجود هذه المكتبة كان مفاجأة كبيرة لنا.. فنحن لم نكن لنتوقع أن نجدها في يوم من الأيام هنا". وعن الحرية المتاحة في هذا المعرض قال: "ساعدت الحرية هذا العام في إدخال كتب كثيرة كانت محظورة في السابقة، وهذا ربما شكل أبرز ملامح معرض هذا العام، لذلك فقد كان الإقبال كبيراً، وكانت المبيعات أكثر".<BR><BR><font color="#ff0000">آلاف الكتب مرّت دون تفتيش: </font><BR>أجمع كل أصحاب دور النشر التي أجريت معهم لقاءات على أن الرقابة سمحت هذا العام بإدخال جميع الكتب إلى المعرض، ولم يتم حظر أو مصادرة أي منها... رغم اعترافهم بوجود العديد من الكتب المخالفة للعقيدة أو للأخلاق أو للقيم الإسلامية بشكل عام.<BR>وقد أبدى معظم أصحاب دور النشر سعادتهم بهذه الحرية (!!)، ذلك أنها وفرت لهم جواً مناسباً لبيع الكتب التي كانت محظورة سابقاً، والتي كان الإقبال عليها كبيراً.. وهو ما رفع نسبة المبيعات بشكل ملفت للنظر.<BR><BR>صافي علاء الدين من دار نشر كنعان السورية يقول: "في هذا العام توجد مساحة حرية أكبر من ناحية الفسح والرقابة والتنظيم"، وفي إشارته إلى الرقابة المفروضة في الدول الأخرى يقول "لا توجد دولة لا توجد فيها رقابة، كل الدول تمتلك رقابة معينة على بعض الكتب التي تمس سيادة البلد، أو تتعلق بمواضيع غير مرغوب فيها، ولكن في هذا العام وجدنا في السعودية حرية أكبر وأوسع".<BR>ويقول عن الكتب الحمراء"الإقبال كان كبيراً على تلك الكتب، خاصة الكتب التي لم تكن موجودة في السابق، فالناس تبحث دائماً عن الكتب الممنوعة".<BR><BR>لقمان عمر الأشقر من دار النفائس الأردنية أكد أنه هذه المشاركة السادسة له في معرض الرياض، ونتيجة الخبرة بالمعارض السابقة فهو يرى أن هذا المعرض يعتبر من أنجح المعارض التي زارها، والسبب كما يقول " إقبال الناس الكبير والمنقطع النظير على الكتاب"، مضيفاً بالقول: " يوجد اهتمام من قبل الزوار بالكتاب.. وخاصة الحرية حيث لا يوجد رقابة نهائياً على المعرض، وهذا أهم ما شجّع الناس على زيارة المعرض."<BR>ويشير إلى سبب تقييم دور النشر لهذا المعرض بأنه الأنجح، بالقول:"لا توجد كتب حمراء هنا، فقد سُمِحَ بإدخال جميع الكتب.. ويمكن أن أقول بكل وضوح أنه أكثر معرض عربي أتاح لدور النشر حرية لم نجدها في أي بلد أو معرض آخر... فجميع الدول التي شاركنا فيها كان فيها نوع من الرقابة، كتفتيش الكتب والكراتين والعناوين وغيرها، أما في هذا المعرض فلم نجد أي رقابة علينا.. وقد أدخلنا 95 كرتونة، لم يتم تفتيش أي كرتونة كتب منها".<BR>ويضيف قائلاً: "هناك العديد من دور النشر التي استفادت من هذه الحرية، وأدخلت كتب عديدة كانت محظورة في السابق، وباعتها للناس..وكان الإقبال كبيراً على مبدأ "كل ممنوع مرغوب".. ولكن هناك سلبيات لهذه الحرية.. فبعض الكتب يجب أن لا تعرض في دولة كالسعودية، كالكتب المخالفة للعقيدة، وكتب تعلم السحر والروايات الإباحية وغيرها، والتي تجدها معروضة في الكثير من دور النشر.. ويجب أن تكون هناك رقابة ولو في أدنى الحدود.. ولا يمكن ترك الحبل على الغارب هكذا".<BR><BR>علاء الدين أحمد عليوة من دار الصميعي للنشر والتوزيع في السعودية يقول: "يمتاز معرض هذا العام بأن اللجنة المنظمة سمحت بدخول كتب لم تكن موجودة في السابق، ولم تكن هناك رقابة عليها" ويضيف "من السلبيات أنه تم إدخال كتب مخالفة للعقيدة والسنة وغيرها، وكذلك الاختلاط الواضح الذي تجده هنا، وقد كان الإقبال على الكتب المخالفة والممنوعة كبيراً من مبدأ "كل ممنوع مرغوب"، والناس تبحث عن الكتب الممنوعة بشكل عام".<BR><BR><font color="#ff0000">الكتب الحمراء.. الأكثر مبيعاً: </font><BR>محمد جعيد (وهو مدير إحدى الدور اللبنانية المحظورة سابقاً)، قال: "لم نكن نشارك في السابق في معارض الرياض.. ولكن بشكل عام فإن المعرض ممتاز جداً.. وكتجربة أولى لم أجد أي مشكلة في إدخال كتب إلى السعودية، وجميع الكتب التي أدخلتها سمحت الرقابة ببيعها، أما أكثر الكتب التي بيعت فهي الكتب السياسية والأدبية وشعر محمود درويش.."<BR><BR>أما فادي فولدكار من دار المعرفة اللبنانية أكد كذلك كبر مساحة الحرية المتاحة لدور النشر، وقال: "بدون أي شك كانت أهم ميزة لهذا السنة هي مساحة الحرية الكبيرة التي تم تأمينها لنا لإدخال الكتب إلى المعرض.. ولم نحس بأي مشكلة من الرقابة.. فقط تعبنا في إدارة المعرض.."، وعن الكتب الحمراء يضيف "الكتب الحمراء كان عليها إقبال كبير جداً.. و70% من سوقي هو سوق الخليج"، وعن إمكانية إدخاله لكتب حمراء في الأعوام القادمة نسبة للحرية التي وجدها هذا العام، يقول فولدكار "لا توجد لدي كتب تحت طاولة في المعرض، ولكنني سأتمدد حسب الحرية التي تتيحها لي اللجنة المنظمة"، مضيفاً أن الكتاب المحظور سابقاً الذي أدخله هذا العام هو كتاب (حتمية التغيير على الشرق الأوسط الكبير)، مؤكداً أن الكتاب يحتوي على كلمة عن النظام السعودي بشكل سلبي، ويقول" وهذا الكتاب رغم ذلك سمحوا بإدخاله.. وقد ابتاع الزائرون هذا الكتاب بطريقة سريعة جداً خلال المعرض"!<BR><BR>عادل فهمي نصر مدير مبيعات دار غريب المصرية "منذ عشر سنوات وأنا أحضر المعارض.. وكل سنة نشهد تحسن عن السنة التي قبلها، ولكن كان في هذا العام طفرة في الحرية المتاحة للناشرين ودور النشر..".. <BR>ويبرر نصر من وجهة نظره الحرية المتاحة هذا العام في السعودية بالقول: " الانترنت فسح مجالاً لكل من يرغب في الإطلاع على أي كتاب أن يقرأه أو يحمّله من الشبكة العنكبوتية. فعلى سبيل المثال مكتبة الكونغرس الأمريكي تحتوي على كل إصدارات العالم، ومكتبة أكسفورد يمكن أن نجد فيها أي نشرة صادرة من جميع أنحاء العالم، وبالتالي فإن الرقابة لم تعد مجدية أمام هذا الانفتاح الإعلامي". وبلهجته المصرية يتابع "شوف.. بصراحة ومن الآخر كده.. العملية بدأت تفك"! مضيفاً أن "ما قد تمنعه عن الشاب الصغير قراءة.. سوف يطلع عليه صوت وصورة". <BR>إلا أنه يؤكد على أن لكل بلد عاداته وتقاليده التي لابد أن تحترم والتي يجب ألا يتم التعدي عليها، كذلك بالنسبة للكتب المخالفة لسياسة الدولة أو أمن الدولة أو تلك الكتب المخالفة للعقيدة.<BR>ويضيف بالقول: "القائم على المعرض هذا العام هي وزارة الثقافة والإعلام.. وهي تعلم مسبقاً بالكتب التي سوف تدخل، وتعرف تقييمها".<BR><BR>محمد بلال عيون من مكتبة دار البيان سورية يقول "منذ 8 سنوات نشارك في المعرض.. وأهم ميزة أن هذا العام دخلت جميع الكتب والعناوين إلى المعرض دون رقابة.. وبدأ التخفيف على الرقابة منذ العام الماضي.. وأرى أن السبب في ذلك يعود إلى رعاية وزارة الثقافة والإعلام على المعرض.."، ويتابع بالقول: " هذه الحرية انعكست على دور النشر بشكل إيجابي وقد استفادت بعض هذه الدور جداً من الكتب الممنوعة هذا العام... حيث كان الإقبال عليها كبيراً".<BR><BR><font color="#ff0000">الرأي الرسمي في المعروض والمحظور: </font><BR>حاولت استقراء آراء بعض الجهات الرسمية القائمة على المعرض، والتقيت الأستاذ خالد الفهيد (أحد موظفي وزارة الثقافة والإعلام والمتواجد في المعرض)، وسألته عن معرض هذا العام فقال: "كان الإقبال كبيراً والمشاركة واسعة من الجميع"، وحين سألته عن سبب اختلاف معرض هذا العام عن المعارض السابقة، أكد أن هذا العام أقيم المعرض بتنظيم من وزارة الثقافة والإعلام، وأنه كان في السابق يقام بتنظيم من الجامعات السعودية.<BR>وحين سألته عن الكتب المحظورة التي سمحت الوزارة بإدخالها، أكد أنه لا يملك أي إجابة حول ذلك، وطلب أن أسأل المسؤولين في الوزارة عن ذلك.<BR><BR>أحد الموظفين التابعين للجامعات السعودية التي كانت تنظم المعارض من قبل، كان متواجداً في القسم الخاص، سألته عن الاختلاف الحاصل هذا العام، فأكد أن انتقال التنظيم من الجامعات السعودية إلى وزارة الثقافة والإعلام ليس السبب في فسح الكتب الممنوعة، وقال: " دائرة الرقابة التابعة لوزارة الثقافة والإعلام هي التي كانت تقوم بفسح الكتب منذ سنوات، وهي التي فسحت الكتب هذا العام.. فجهة الرقابة ذاتها، لذلك لا يمكن القول أن تنظيم الوزارة هذا العام هو الذي أدى إلى نشر الكتب المحظورة".<BR><BR>على باب الخروج، شاهدت أحد أعضاء هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، آثرت سؤاله عن دورهم في المعرض، وهم يرون الكتب المحظورة، فقال لي: "دورنا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، وقد كنت شاهدتهم وهم يدعون الناس لإغلاق معارضهم والتوجه للصلاة.. ومنع السفور وغيره.. فسألته عن دورهم الأهم.. وهو معارضة وجود الكتب المخالفة للشريعة في السعودية، فقال: "لقد قام أعضاء الهيئة بمصادرة مئات الكتب المخالفة في المعرض، وتوجد غرفة مليئة بالكتب المخالفة".. فقلت له: "عجيب.. هناك الآلاف من الكتب الممنوعة الموجودة في المعرض الآن.. وقد أكد كثير من أصحاب دور النشر أن الحرية كانت في أوجها".. فطلب مني أن أخبره بتلك الكتب.. وبدور النشر التي تعرضها.. فاعتذرت له .. فليس هذا دوري .<BR>وسألته"كيف أتيح لهم إدخال هذه الكتب إلى المعرض".. وابتسمت وأنا أستمع إلى قوله يؤكد بثقة "لقد تم إدخالها خلسة.. هربوها تهريباً"، قلت له: "كيف هربوها.. إذ لم يكن عليهم من رقيب؟" فقال: "لا لا .. لقد هربوها.. أدخلوها خلسة إلى المعرض"!!!<BR><BR><BR><BR><br>