التجربة الأمريكية في إنقاذ انهيار سوق الأسهم
7 محرم 1428

أثارت أخبار إفلاس وخسائر عدد كبير من السعوديين نتيجة انهيارات سوق الأسهم المتواصلة، استهجان الكثيرين واستيائهم، وعبّرت عن آمالهم في نهاية "إصلاحية" لهذه الأسواق التي يأكل فيها المؤشر الأحمر، الأخضر واليابس، كان آخرها خبر نشرته صحيفة (الحياة) اللندنية الصادرة صباح الأحد 6 يناير 2007، عن مديرة فرع نسائي لأحد البنوك السعودية، خسرت وظيفتها وأموالها بسبب الأسهم، قبل أن تتحول إلى "متسولة" تجوب الشوارع بحثاً عن لقمة عيشها يضن بها عليها المارة وسائقي السيارات.<BR>في السعودية، تلحظ باستمرار الشكاوى التي يعلنها كثير من أصحاب المؤسسات التجارية، على اختلاف أنواعها، حول إفلاسهم أو خسائرهم التي لا تقدر بثمن بسبب انهيار سوق الأسهم المتواصل، وتباطؤ عجلة الإصلاحات، وسط مخاوف من تناقص الإنفاق التجاري بسبب ارتفاع الأسعار بشكل عام، وهو ما يؤثر بدوره على الشركات التي قد تؤدي خسائرها إلى تناقص أسعار أسهمها، وتصعيد خسائر المستثمرين فيها. فتكون العملية الاقتصادية برمتها قد دخلت في دائرة من الانحدار نحو الهاوية.<BR><BR>يعترف الجميع أن مستثمري أسواق الأسهم في السعودية هم حديثي عهد بها، وليس لهم خبرات سابقة في عمليات البيع والشراء، ومتى يمكن أن تصبح الأسعار مناسبة للبيع، وكيف يحافظ المستثمر على قيمة أسهم مع انخفاض أسعار الأسهم.. فالغالبية العظمى منهم دخلوا هذا السوق من باب المغامرة أولاً، ومن باب البحث عن الريح السريع ثانياً، محاولين استدراك ما فاتهم من أرباح جناها مستثمرون أوليون في سوق الأسهم خلال الفترة الأولى من طرحها في السوق.<BR>وربما لم تكن البنية التحتية لهذا السوق مهيئة لمثل هذا الانهيار الواسع والمستمر، كما لم تكن الحكومة قد اتخذت برامج مسبقة للتعامل مع مثل هذه الأحداث التي كان الكثيرين يتوقعون لها الانهيار.. لسبب بسيط جداً، هو أن الناس كانت تبيع وتشتري أسهماً بأثمان "وهمية" لم تكن حقيقية أبداً، وكان المتتبع لمؤشرات سوق الأسهم في السعودية يلاحظ الفرق واسعاً عندما يشاهد بورصات عالمية وإقليمية تتحرك بذبذبة لا تتجاوز الـ 0.5% في حين كانت أسهم الأسواق السعودية تتجاوز معدلات ارتفاعها الـ 5% أحياناً. <BR><BR>ولعلاقة سوق الأسهم بالكثير من المعطيات الاقتصادية في البيئة المحلية _وأحياناً العالمية إن كانت شديدة الوطأة_ فإن أسواقاً عالمية عديدة سبق لها أن دخلت في أزمات اقتصادية شبيهة تقريباً بما حدث ويحدث في السعودية، ورغم اختلاف أسباب الأزمات، إلا أن معظم الدول الغربية، ومن بينها الولايات المتحدة، قامت باتخاذ خطوات "إصلاحية" للسيطرة على سوق الأسهم، ومنع حدوث تقلبات تؤدي إلى خسائر فادحة.<BR><BR>الإصلاحات الأمريكية جاءت في أعقاب انهيار سوق الأسهم الشهير عام 1987، فضلاً عن الانهيار الأشهر الذي أدخل البلاد في كساد اقتصادي كبير عام 1929، أثرت على معظم مناحي الحياة، هناك، وعلى مدى عدة سنوات، حاول المشرعون الأمريكيون إنجاز قوانين تنقذ الاقتصاد أولاً من ركوده، وتعيد _ثانياً_ الثقة لسوق الأسهم من خلال قوانين تحد من تقلباته وتأثره الشديد بالأحداث الداخلية.<BR><BR><font color="#0000FF">لمحة عن سوق الأسهم الأمريكية: </font><BR><BR>تعتبر أسواق الأسهم في الولايات المتحدة من أهم المناحي الاقتصادية ضمن عجلة الاقتصاد الأمريكية، والتي تعتبر معياراً شديد الحساسية للحالة الأمنية والسياسية والعسكرية، والاقتصادية بطبيعة الحال.<BR>وتتأثر بشكل مباشر بالركود الاقتصادي، أو التضخم، أو البطالة، أو بزيادة أو شح الإنفاق الاستهلاكي والمدخرات الشخصية، كما ترتبط بشكل مباشر بالسياسية الأمريكية الداخلية والخارجية.<BR><BR>وتعتبر أسواق الأسهم جزءً أساسياً من أسواق الرساميل في الولايات المتحدة، هذا السوق الذي يعتبر مصدر حياة النظام الرأسمالي، إذ تلجأ الشركات إلى هذه الأسواق لتأمين الأموال اللازمة لبناء المصانع، ومباني المكاتب، والطائرات، والقطارات، والبواخر، وخطوط الهاتف وغيرها من المنشآت؛ وكذلك لتمويل أنشطة الأبحاث والتطوير، ولمساندة عدد كبير من الأنشطة الأخرى الضرورية لها. حيث أن مصدر الكثير من هذه الأموال هو مؤسسات كبرى مثل صناديق التقاعد، وشركات التأمين، والمصارف، والمؤسسات الخيرية، والكليات، والجامعات. كما أن مساهمة الأفراد فيها تزداد باستمرار، حيث تبلغ نسبة الأسر الأمريكية التي تملك منذ منتصف التسعينات أسهماً عادية في الشركات؛ أكثر من 40 بالمئة.<BR>وقلّما يُقبِل المستثمرون على شراء أسهم في شركة ما إن لم يتأكدوا من إمكانية بيعها لاحقاً إذا احتاجوا إلى المال لشأن آخر، وتسمح أسواق الأسهم وأسواق الرساميل الأخرى للمستثمرين بشراء وبيع الأسهم باستمرار.<BR><BR>يقول جورج كلارك (مؤلف كتاب موجز الاقتصاد الأمريكي): إن الأسواق تحتاج إلى استمرار التدفق الحر للمعلومات من أجل أن تعمل بفعالية، إذ لا يمكن للمستثمرين أن يتابعوا التطورات المتعلقة بأسهمهم، أو أن يقدّروا قيمتها الحقيقية بأفضل ما هو متوفر لهم من قدرات، لكن هناك مصادر عديدة تمكّن المستثمرين من متابعة وضع السوق يومياً، وساعة بساعة، وحتى دقيقة بدقيقة. <BR>ولأجل ذلك، يفرض القانون الأمريكي، على الشركات إصدار تقارير عن أرباحها كل ثلاثة أشهر، وتقارير سنوية أكثر تفصيلاً، بالإضافة إلى بيانات لإعلام المساهمين عن وضعيتها علاوة على ذلك فإن المستثمرين يمكنهم الاطلاع من الصفحات الاقتصادية للصحف على الأسهم المعيّنة التي تم تداولها في الجلسة السابقة للسوق، كما يمكنهم مراجعة المؤشرات المختلفة التي تُظهر الوتيرة الإجمالية لنشاط السوق، وأشهرها مؤشر داو جونز للأسهم الصناعية الذي يتتبع أسعار 30 سهماً بارزاً، وكذلك يمكن للمستثمرين الاطلاع على المجلات والنشرات المتخصصة بتحليل أسهم أو أسواق معينة كما أن بعض البرامج التلفزيونية توفر سيلاً مستمراً من الأخبار المتعلقة بتحركات أسعار الأسهم، ويستطيع المستثمرون أيضاً استعمال شبكة الإنترنت للحصول على آخر المعلومات عن أسهم معينة، والقيام بشراء وبيع الأسهم.<BR><BR><font color="#0000FF">تاريخ أسواق الأسهم الأمريكية: </font><BR><BR>هناك الآلاف من الأسهم في الولايات المتحدة، لكن أسهم أكبر وأشهر الشركات وأكثرها تداولاً تسجل عادة في سوق أسهم نيويورك (NYSE). ويعود تاريخ هذه السوق إلى عام 1792، عندما اجتمع عدد من وسطاء الأوراق المالية في "وال ستريت" في مدينة نيويورك للاتفاق على قواعد تحكم عمليات شراء وبيع الأسهم، وفي أواخر التسعينات أصبحت سوق نيويورك تتضمن أسهم حوالي 3600 شركة مختلفة، كما يشتمل على 1366 عضواً أو "مقعداً"، وهذه الأخيرة تشتريها بيوتات الوساطة المالية بأسعار باهظة وتستخدم لشراء وبيع الأسهم للجمهور. تُنقل المعلومات إلكترونياً بين مكاتب الوساطة وسوق الأسهم، وهو ما يستلزم 200 ميل (320 كيلو متراً) من كابلات الألياف البصرية و8000 خط هاتفي لمناولة الأسعار وطلبات بيع أو شراء الأسهم.<BR><BR>تعمل سوق الأسهم الأمريكية (ASE) الأصغر حجماً، والتي تضم عدداً كبيراً من أسهم صناعات الطاقة، بالطريقة ذاتها، كما أنها تقع في منطقة "وول ستريت" ذاتها التي توجد فيها سوق أسهم نيويورك، وهناك العديد من أسواق الأسهم المحلية الأصغر حجماً قائم في مدن أمريكية كبيرة أخرى.<BR>أما أكبر عدد من الأسهم والسندات فيتم التداول به عبر "ناسداك" أو نظام التسعير الآلي للاتحاد القومي لوسطاء الأوراق المالية، وهذه السوق المسماة مجازاً "الأقل رسمية أو تنظيمية" أو سوق الأسهم غير المسجلة في أسواق الأسهم، والتي يجري تداول حوالي 5240 سهماً فيها، لا تقع فعلياً في مكان محدد بل إنها شبكة إلكترونية تربط وسطاء الأسهم أو السندات يقوم الاتحاد القومي لوسطاء الأوراق المالية بالإشراف على سوق "ناسداك"، ويحق له فصل شركات أو وسطاء ممن يعتبرهم غير شرفاء أو متعسرين مالياً، ويعتبر الاستثمار في سوق "ناسداك" أكثر مخاطرة من الاستثمار في أي من السوقين الأخريين، لأن الشركات المسجلة فيها هي أصغر وأقل استقراراً لكنها توفر فرصاً كثيرة للمستثمرين، حيث إنها أصحبت تتضمن في التسعينات أسهم شركات التقنيات العالية الأكثر نمواً.<BR><BR>أثناء التسعينات أدى الرواج غير المسبوق في سوق الأسهم، والذي ترافق مع سهولة الاستثمار فيها إلى ازدياد حاد في مشاركة الجمهور في أسواق الأوراق المالية، فقد ارتفع حجم التداول في سوق نيويورك أو ما يسمى "لوحة الأسعار الكبرى" من 11.400 مليون سهم في 1980 إلى 196.000 مليون سهم في عام 1998، وارتفعت بين 1989 و 1995 نسبة الأُسر الأمريكية التي تملك أسهماً، إما مباشرة أو من خلال وسطاء مثل صناديق التقاعد، من 31 إلى 41 بالمئة.<BR>وقد ازدادت أعداد صناديق الاستثمار الإجمالية من 524 عام 1980 إلى 7300 أواخر 1998.<BR>واستثمر الأمريكيون مقادير وافرة من الأموال في صناديق الاستثمار حيث اجتذبتهم مجالات واسعة من الخيارات المتوفرة فيها، ففي أواخر التسعينات تملكوا 5.4 تريليون دولار في صناديق الاستثمار المشتركة.<BR><BR><font color="#ff0000">استراتيجيات السوق: </font><BR><BR>خلال القسم الأكبر من القرن العشرين استطاع المستثمرون أن يكسبوا من استثماراتهم بالأسهم أكثر مما كسبوا من أي نوع من أنواع الاستثمارات المالية الأخرى – شرط استعدادهم للاحتفاظ بالأسهم في الأمد الطويل، على حد تأكيد الأخصائيين الاقتصاديين والبيانات الإحصائية الاقتصادية بأمريكا.<BR>ففي الأمد القصير من الممكن لأسعار الأسهم أن تكون شديدة التقلب، ومن السهل للمستثمرين غير الصبورين الذين يبيعون أسهمهم في فترات هبوط السوق أن يتكبدوا الخسائر، على سبل المثال، فقد أشار بيتر لينش، المدير الأسبق الشهير لأحد أكبر صناديق الاستثمار المشتركة بالأسهم، إلى أن القيمة الإجمالية للأسهم انخفضت في 20 من أصل 72 سنة سابقة. ويقول لينش: " أنه كان على المستثمرين الانتظار 15 سنة بعد انهيار سوق الأسهم عام 1929 لاستعادة قيمة أسهمهم، لكن أولئك الذين احتفظوا بها لفترة 20 سنة، أو أكثر، لم يخسروا مطلقاً".<BR>وتقول دراسة تحليلية قام بإعدادها للكونغرس الأمريكي ديوان المحاسبة العام للحكومة: "إنه خلال أسوأ فترة 20 سنة منذ عام 1926 ارتفعت أسعار الأسهم 3 بالمئة، بينما ارتفعت 17 بالمئة خلال أفضل عقدين. وبالمقابل، فإن مردود السندات التي تستحق خلال 20 سنة، وهي بديل شائع للاستثمار بالأسهم، قد تراوح بين 1 و10 بالمئة".<BR><BR>ويستنتج الاقتصاديون من تحليلات مماثلة أنه من الأفضل لصغار المستثمرين أن يوظفوا أموالهم في محفظة استثمارية متنوعة الأسهم، وأن يحتفظوا بها للأمد الطويل لكن بعض المستثمرين يكونون مستعدين للمخاطرة على أمل تحقيق أرباح أكبر في الأمد القصير، وقد ابتكروا وسائل استراتيجية متعددة للقيام بذلك.<BR><BR><font color="#0000FF">الهيئات التنظيمية الأمريكية وتعاملها مع السوق: </font><BR><BR>وسط الانهيارات المتكررة، والخسائر الفادحة التي مني بها الملايين هناك، قررت الحكومة الأمريكية التدخل بصورة تشريعية، للحد من التأثر السريع لأسواق الأسهم، والحد من انهيارات مماثلة قد تؤدي لتفاقم في الأزمة الاقتصادية، وهو ما أوجد فيما بعد وكالات فيدرالية مهمتها الأساسية مراقبة الأسواق، وتحديد كميات الأسهم المباعة أحياناً، أو تحديد نسبة التذبذب المالي لها، والترخيص أو إلغاء رخص المبادلات، وغيرها.<BR><BR>تعد "وكالة مراقبة الأوراق المالية وأسواقها" (SEC) التي تم إنشاؤها عام 1934، الهيئة التنظيمية الرئيسية لأسواق الأوراق المالية في الولايات المتحدة، وكانت كل ولاية، قبل عام 1929، تقوم تنظيم عمليات الأوراق المالية فيها. لكن انهيار سوق الأسهم في ذلك العام، وهو ما أطلق الكساد الاقتصادي الكبير، أظهر عدم فعالية هذا التنظيم. وقد أعطى إصدار قانون الأوراق المالية عام 1933 وقانون أسواق الأوراق المالية عام 1934، الحكومة الفدرالية دوراً رئيسياً في حماية صغار المستثمرين من الاحتيال وفي تسهيل فهمهم التقارير المالية للشركات المساهمة.<BR>ويتابع كتاب "موجز الاقتصاد الأمريكي" بالقول: إن الوكالة تفرض مجموعة من القوانين لتحقيق أهدافها فهي تفرض على الشركات التي تصدر أسهما وسندات وأوراقاً مالية أخرى، أن تقدم بيانات مالية مفصلة عند تسجيل تلك الإصدارات بحيث يجري الإعلان عنها للجمهور. وتقوم الوكالة بتقدير ما إذا كانت هذه المعلومات التي تكشفها الشركات كاملة ومتوازنة بحيث توفر للمستثمرين المعلومات اللازمة وتسمح لهم بالتقييم الواقعي للأوراق المالية المختلفة. علاوة على ذلك، تشرف الوكالة على التداول في الأسهم وتتولى إدارة تنفيذ القواعد التي تمنع التلاعب بأسعارها. ولهذه الغاية يتوجب على الوسطاء والوكلاء في أسواق الأسهم، وخارجها، التسجيل لدى وكالة مراقبة الأوراق المالية وأسواقها (SEC). كما تفرض الوكالة على الشركات إعلام الجمهور عندما يقوم المسؤولون في الشركات بشراء أو بيع أسهمهم لأن الوكالة تعد أن "أصحاب المعلومات الداخلية" يملكون معلومات خاصة عن شركاتهم بحيث من الممكن أن تعكس عملياتهم مدى ثقتهم بمستقبل شركاتهم.<BR><BR>وتسعى الوكالة لمنع "أصحاب المعلومات الداخلية" من التداول بالأسهم على أساس المعلومات التي لم تصبح معروفة عموماً بعد. وفي أواخر الثمانينات، بدأت الوكالة بالتركيز ليس فقط على مدراء الشركات وأعضاء مجالس إدارتها، بل أيضاً على الموظفين الأدنى رتبة، وحتى على أشخاص من خارج الشركات، كالمحامين الذين يمكن أن يحصلوا على معلومات داخلية مهمة عن الشركة قبل معرفة الجمهور بها.<BR>للوكالة خمسة مفوضين يعيّنهم الرئيس الأمريكي. ومن غير المسموح أن ينتمي أكثر من ثلاثة منهم إلى حزب سياسي واحد؛ وتنتهي كل سنة فترة ولاية أحدهم الممتدة لخمس سنوات.<BR><BR>كما تقوم "وكالة مراقبة مبادلات السلع المستقبلية" (CFTC) بالإشراف على أسواق السلع، وهي تشدد بشكل خاص على ردع المبادلات التي تجري خارج السوق، ولا ترخص عادة إلا للمبادلات التي تتم في الأسواق الرسمية، لكنها تعد على العموم أقل تشدداً من وكالة مراقبة أسواق الأوراق المالية (SEC). ومن حين لآخر كان بعض رؤساء الوكالة الأكثر تشدداً يصرّون على لعب دور أكثر نشاطاً في تنظيم أعمال المبادلات المستقبلية بالسلع.<BR><BR><font color="#0000FF">مزيد من الخسائر.. مزيد من القوانين: </font><BR><BR>نهار الاثنين في 9 أكتوبر 1987، انهارت قيمة الأسهم في أسواق العالم بشكل عام، وفي سوق الأسهم الأمريكية بشكل خاص، حيث هبط مؤشر "داو جونز" الصناعي 22 بالمئة ليقفل على 1.738.42 وهو أكبر هبوط في يوم واحد منذ عام 1914، وفاق بدرجات انهيار أكتوبر 1929 المشهور.<BR>وعزت لجنة برادلي (لجنة رئاسية أُنشئت للتحقيق في الهبوط)، ووكالة مراقبة أسواق الأوراق المالية (SEC)، وغيرها، انهيار 1987 لعدة أسباب. شملت هذه الأسباب الاتجاهات السلبية في نفسية المستثمرين وقلقهم من العجز في موازنة الحكومة وفي ميزان التجارة الخارجية، وكذلك فشل متخصصي الأسهم في سوق أسهم نيويورك في تأدية واجبهم بأن يوفروا الملاذ الأخير لشراء الأسهم، إضافة إلى "التبادل المبرمج" (عمليات الشراء والبيع المبرمجة) والتي تعني برمجة أجهزة الكمبيوتر لإطلاق بيع أو شراء كميات ضخمة من الأسهم عند حصول حدث معين في السوق.<BR><BR>وقد اتُخذت لاحقاً إجراءات وقائية في سوق الأسهم، إذ تم تقييد المبادلات المبرمجة عند هبوط مؤشر "داو جونز" الصناعي 50 نقطة في يوم واحد، وكذلك تم إنشاء آلية "لقطع التيار" بحيث تتوقف جميع المبادلات مؤقتاً عندما ينخفض المؤشر 250 نقطة. وقد جرى تعديل هذه الآليات الطارئة لاحقاً لتعكس الارتفاع الكبير في مؤشر داو جونز، ففي أواخر عام 1998 أصبح الارتفاع أو الهبوط بنسبة 2 بالمئة في المؤشر هو التبدل الذي يطلق تقييد المبادلات المبرمجة، وفي أواخر 1999 أصبحت هذه الصيغة تعني أن المبادلات المبرمجة سوف تتوقف عند هبوط المؤشر بواقع 210 نقاط. وقد رفعت القواعد الجديدة لحدود إيقاف جميع المبادلات، إذ أصبحت في الربع الأخير من عام 1999، تعمل عند انخفاض بواقع 1050 نقطة في مؤشر داو جونز.<BR><BR>يقول كتاب "موجز الاقتصاد الأمريكي": إنه من الممكن أن تكون هذه الإصلاحات قد ساعدت على استعادة الثقة في السوق، لكن الأداء القوي للاقتصاد كان هو الأكثر أهمية على الأرجح، وخلافاً لما فعله عام 1929، أوضح الاحتياط الفدرالي (المصرف المركزي) في 1987 أنه سوف يسهّل شروط التسليف ليتمكن المستثمرون من تغطية طلبات تغطية هامش الدين على الأسهم والاستمرار في نشاطاتهم، ولهذا السبب جزئياً، محيت آثار انهيار 1987 بسرعة وعادت السوق إلى الاندفاع نحو الأعلى ووصلت إلى مستويات عليا جديدة، ففي أوائل التسعينات تجاوز نؤشر داو جونز الصناعي مستوى 3000 نقطة، وخلال عام 1999 فاق مستوى 11000 نقطة، علاوة على ذلك، ارتفع حجم المبادلات بشكل هائل، ففي الستينات كان يعتبر وصول حجم المبادلات إلى 5 ملايين سهم خلال يوم واحد في سوق أسهم نيويورك أمراً ضاغطاً، لكن في سنتي 1997 و1998 أصبح من الطبيعي أن يتم التبادل بأكثر من ألف مليون سهم في بعض الأيام. وبحلول 1998 أصبح التبادل بهذه الكميات من الأسهم يومياً في سوق "ناسداك" أمراً عادياً.<BR>نتج جزء كبير من هذه الزيادة في المبادلات عن زيادة المتاجرين اليوميين، الذين يقومون عادة ببيع وشراء السهم ذاته عدة مرات في اليوم على أمل تحقيق أرباح نتيجة تقلبات الأسعار القصيرة الأجل، وكان هؤلاء المتاجرون من بين الجحافل المتكاثرة لمستخدمي الإنترنت لتنفيذ عمليات الشراء والبيع، ففي أوائل 1999 أصبحت نسبة 25 بالمئة من جميع العمليات في الأوراق المالية الفردية، على جميع أنواعها، تتم عبر الإنترنت.<BR><BR>ومع ازدياد حجم التبادل زادت التقلبات إذ أصبحت الترجحات البالغة 100 نقطة في اليوم الواحد تحدق بوتيرة أعلى. وقد تم إطلاق آلية "قطع – التيار" (لإيقاف المبادلات) في أكتوبر 1997، عندما انخفض مؤشر "داو جونز" 554.26 نقطة، كما حدث انخفاض كبير آخر قدره 512.61 في 31 أغسطس 1998، لكن بحلول ذلك التاريخ كان الارتفاع في القيمة الإجمالية للأسهم قد وصل إلى مستويات عالية جداً فلم يُشكل ذلك الانخفاض أكثر من 7 بالمئة من قيمتها، فحافظ المستثمرون على مراكزهم في السوق التي عادت إلى الارتفاع بسرعة.<BR><BR>ويأمل السعوديون اليوم أن تتحرك الحكومة سريعاً لإقرار تشريعات وقوانين وإقامة جهات حكومية متخصصة، تهدف إلى تمكين الملايين منهم العمل تحت مظلة آمنة قدر المستطاع، وتحدث الإصلاحات المرجوة التي قد لا ترجع لهم خسائرهم الفادحة، لكن على الأقل تعد بمستقبل أكثر ثقة وأكثر ثباتاً لهذا السوق الرائج، الذي أصبح جزءاً من الحياة اليومية لمئات الآلاف من السعوديين، وأصبح جزءاً لا يستهان به من الحركة الاقتصادية اليومية.<BR><br>