معاني تثبيت الحكم على الرئيس صدام حسين
9 ذو الحجه 1427

[email protected] <BR><BR>لعل أكثر المتشائمين بشأن محاكمة الرئيس العراقي صدام حسين لم يكن يتصور أن قاطرة محكمة التمييز في قضية الدجيل ستندفع بهذه السرعة الجنونية لتثبيت الحكم بالإعدام على الرئيس الأسير. <BR>ولعل المتفائلين قد جنحوا إلى تصور يفضي منطقياً إلى أن التريث سيد في إصدار هذا التصديق لاعتبارات قد طرأت على ساحة الاحتلال ذاته، قد تدفعه إلى التلويح في وجه إيران بورقة الرئيس العراقي واحتمال عودته مجدداً للحكم بأي صيغة كانت. <BR>ولا غرو أن يتخذ البعض منحى وسطياً يعالج الصورة في المنطقة الرمادية الجامعة ما بين "التهور الرسمي العراقي" و"التريث الواقعي الأمريكي"، إذ ربما مساحة المشهد تسمح بتصور إطلاق يد المحكمة الموتورة المأخوذة بطائفيتها، وإمساك يد السجان الأمريكي بصيده الثمين محتفظاً به لآخر لحظة يمكن فيها أن يجني من بقائه حياً فائدة سياسية. <BR>بيد أنه، وعلى أية حالٍ بعيدةٍ عن هذه الحسابات، ثمة ما يمكن طرحه هنا عن معانٍ شديدة الأهمية فيما يتعلق بالمناخ الذي نطق فيه مستشار الأمن القومي العراقي موفق الربيعي بالحكم، قبل أن يجري على لسان القضاة. <BR>• فهناك معنى يتعلق بنظرة الأمريكيين للسنة في العراق، والتي يبدو أنها لم تتبدل مع حلول الديمقراطيين في المقدمة بالكونجرس مكان الجمهوريين على خلفية الفشل الأمريكي الواضح في العراق والذي تكمن إحدى ملامحه في التعامل الأخرق مع الفريق السني في العراق وإخراجه جزئياً من المعادلة السياسية، فرغم أن الرئيس العراقي ليس فاعلاً ـ بحكم الأسر وغيره ـ بدرجة كبيرة فيما يخص الحالة العسكرية الراهنة التي هي مشدودة بأطرافها أكثر نحو اللاعبين الأبرز في ساحة الصراع وهم : تحالف الاحتلال ـ إيران وأشياعها والميليشيات ـ المقاومة التي لم يعد أحد ينسب القسط الأوفر من عملياتها لأنصار الرئيس العراقي، لكن فريقاً كبيراً من السنة لا ينظر بارتياح لهذا البطش المستبد بالرجل لما يمثله من قيمة رمزية لدى العشائر العراقية العربية الأبية، برغم اختلافهم مع سياسته. <BR>وثمة من قد راهنوا على احتمال إعادة الولايات المتحدة الأمريكية النظر في سياستها إزاء العراق بوجه عام والسنة بوجه خاص، بعدما تبدت إيران المتحدية للولايات المتحدة الأمريكية نووياً، وفي لبنان سياسياً وعسكرياً، كقوة صاعدة خارجة عن الطوق العالمي، أو بما تمثله لدى البعض كنواة لمشروع استقطابي للحانقين على التفرد الأمريكي بقيادة العالم. <BR>أيضاً، هناك من استبعدوا أن يصدر حكم كهذا بعد التصريحات الإيرانية "الآمرة" للعالم أن يقبلها كما هي.. دولة نووية!! <BR>غير أن كل هذه الحسابات قد طاشت بصدور هذا الحكم في ذلك التوقيت بالذات، ليبوح من وراء حجاب بأن المنظرين الجدد كـ(جيتس ـ جيريجيان) المعروفين بتعاطفهم مع علاقة أفضل مع الإيرانيين والسوريين سيكونون أكثر حميمية في علاقاتهم بإيران من أسلافهم من فريق المحافظين الجدد، وأن التعاون أو لنقل تقاسم الكعكة العراقية ماضٍ بسبيله، ولا غضاضة في أن يُقدَّم الرئيس العراقي قرباناً لهذا التعاون، وحافزاً على الاستمرار، بعد صدور تصريحات أمريكية وبريطانية (وحتى "إسرائيلية" مؤخراً) عديدة تحبذ تعاوناً أكبر مع إيران وسوريا في حل الأزمة العراقية. <BR>• هذا التوقيت يعني كذلك أن الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءها في العراق لم يروا بأساً في قصر حظ الانتقام من الرئيس العراقي صدام حسين على الإيرانيين وأشياعهم في العراق من دون الآخرين كالأكراد والكويتيين، حيث حلت الدجيل بـ"ضحاياها" الافتراضيين المحدودين بـ142 شخصاً أو يزيدون محل مأساة بحجم حلبجة (على فرض مسؤولية الرئيس العراقي عن أي منهما) التي راح ضحيتها نحو خمسة آلاف قتيل، أو بحجم دولة أكبر كثيراً من قرية الدجيل، وهي الكويت برغم النحيب الأمريكي المتواصل عليها إبان احتلالها، فالأولون ذهب الحكم الواجب النفاذ الآن بأهمية إتمام محاكمة الرئيس بشأنهم، والآخرون لم يلتفت لطلبهم إجراء محاكمة من الأساس.<BR>وهنا يكمن السر الأمريكي في التعامل مع الآخرين، حيث الأهمية مبذولة للأقوياء، أما الضعفاء ـ ولو كانوا أصدقاء وحلفاء ـ فإن قيمتهم لا تعدو منحهم برقية عزاء على ضحاياهم.<BR>• أتى النطق بالحكم مجدداً في "أعياد الكريسماس" ليكون بمثابة هدية الرئيس الأمريكي المعتز دوماً برابطة عنقه "النويلية" الحمراء، ليزرع البسمة في شفاه من وافقوه على إطلاق شعار "الحرب الصليبية" على عدوانه على العراق وأفغانستان، حيث يسعى كثيرون إلى النأي عن الدافع الديني لاحتلال العراق إلا جورج بوش الثاني الذي يحرص بقوة على التذكير بشعاره الأخاذ لدى المتطرفين، تارة بالتصريح، وأخرى بالتلويح، وثالثة بالإشارة، والشعوب بالإشارة تفهم!! <BR>• وهذا المعنى الأخير نحاول مراراً إزاحته عن أذهاننا، لكن يؤسفنا أن نقول إنه على الدوام متجذر في العقل الجمعي للمحافظين الجدد الذين قرعوا طبول الحرب ودمروا العراق وفقاً لرؤية توراتية تخشى من الرئيس العراقي صدام حسين ونسله أن يحرقوا نصف "مملكة الرب/إسرائيل"؛ ولذا فالقوم ماضون إلى قتله، ولو كان محيداً بالأسر عن الفعل، ولو كانوا سيصنعون من قتله شهيداً، ولو كان الإبقاء على حياته أقرب للعقل والمنطق، إذ المنطق والسياسة يذهبان إلى غير ما تجري به الأحداث، وهو ما فعلوه مسبقاً مع نجليه الذين استنكفوا أن يأسروهما لحاجة في نفوس محافظة مريضة، مع سهولة أسرهما بعد انكشاف مكانهما.. وقد كنا حيارى في استيعاب حماسهم المتهور في قتلهما وفي السرعة التي تم بها التصديق على الحكم، لولا أننا نعلم هذا النص التوراتي الذي يؤمن به بوش ومحافظوه حقيقة كالشمس بازغة ترى في صدام خطراً بذاته ولو كان أعزل من كل سلاح وذريته كذلك : "لا تفرحي يا كلّ فلسطين، لأن القضيب الذي ضربك قد انكسر. فانه من أصل تلك الأفعى (صدام في عقل المحافظين الجدد) يخرج أُفعوان، وذريّته تكون ثعبانا سامّا طيّارا … ولول أيّها الباب، ونوحي أيّتها المدينة، ذوبي خوفا يا فلسطين قاطبة، لأن جيشا مُدرّبا قد زحف نحوك من الشمال ... ".[أشعياء 14: 29]!!<BR><BR><BR><br>