الأزمة اللبنانية بعد المبادرة العربية والاحتمالات المفتوحة
29 ذو القعدة 1427

أول نعي للمبادرة العربية ، كان على لسان رئيس الوزراء اللبناني فؤاد السنيورة الذي قال لصحيفة فايننشيال تايمز إن المظاهرات في الشارع لن "تؤدي إلى نتيجة" مضيفا "هم يعرفون المخاطر وهناك خطوط حمراء في لبنان... لن يتمكنوا من تولي السلطة". هذا الكلام الذي جاء عقب دعوة عمرو موسى جميع الأطراف عدم التصعيد ريثما يعود إلى بيروت في الأسبوع القادم. <BR>قد لا نحتاج إلى عمق في التحليل حتى نؤكد على فشل المبادرة العربية حتى الآن على الرغم من محاولة عمرو موسى بدبلوماسيته الهادئة واللبقة أن يوحي بأن تقدم حصل على أكثر من صعيد ، إلا أنه لم يرد أن يتفاءل أكثر مما يسمح به المشهد المعقد في الواقع اللبناني فاختار كلمة "التشاؤل" عوضاً عن استعمال أي كلمة أخرى تجعل الجامعة العربية ومبادرتها على المحك. فقد كانت العقبات التي واجهت عمرو موسى تمثلت في أولويات كل من المعارضة والحكومة فأولويات الحكومة هي تباعا: إنجاز تشكيل المحكمة ذات الطابع الدولي، انتخاب رئيس جديد للجمهورية، حكومة وحدة وطنية، قانون جديد للانتخابات وانتخابات مبكرة.أما أولويات المعارضة فهي تباعا: تشكيل حكومة وحدة وطنية بإضافة وزراء إلى الحكومة الحالية ليكون للمعارضة ثلث الأعضاء زائد واحد ، قانون جديد للانتخابات، إجراء انتخابات نيابية مبكرة، وصولا إلى الانتخاب المبكر لرئيس الجمهورية.هذه العقبات في الأولويات كانت كافية لإجهاض مبادرة موسى وبالتالي توجيه الأنظار نحو موسكو على حد تعبير عاطف مجدلاني النائب عن كتلة تيار المستقبل والتي منها تتشكل قوى 14 آذار .<BR><BR>رحلة السنيورة إلى موسكو ، هذه الزيارة تحمل عدة دلالات وخصوصاً أنه أعقبتها رحلة للرئيس السوري بشار الأسد إلى موسكو. فالسنيورة يريد أن يخرج من العزلة التي حاولت المعارضة فرضها على السراي الحكومي من خلال اعتصامها الحاشد منذ أسبوعين وخطاباتها وأضواؤها التي لا تنقطع ليلاً ولا نهاراً من إزعاج المتواجدين في السراي من الوزراء. فمن خلال هذه الزيارة يريد السنيورة أن يوجه رسالة حادة إلى المعارضة بأن حكومته لا زالت شرعية خصوصاً أنه سيقابل خلالها الرئيس بوتين، باعتباره رئيس الحكومة اللبنانية.<BR><BR>والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا إصرار الحكومة على إقرار المحكمة الدولية أولاً في حين إصرار المعارضة على حكومة وحدة وطنية تضمن لها "الثلث المعطل" في أي مبادرة؟<BR><font color="#ff0000"> المحكمة الدولية.</font><BR><BR><BR>كما أنه من دلالات هذه الزيارة أن السنيورة يعلم تماماً أن المعارضة المتمثلة بحزب الله وحركة أمل والتي يتهمها بأنها تتلقى أوامر من سوريا وإيران لن تقبل بحال من ألأحوال بأن تُقر المحكمة الدولية عبر مجلس النواب بعد رد الرئيس لحود للمشروع إلى مجلس الوزراء لدراسته من جديد على اعتبار أن لحود يرى أن الحكومة في حُكم المستقيلة. فقوى 14 آذار على رأس أولوياتها إقرار المحكمة الدولية وبما أنهم على علم بأن المعارضة لن تسمح بإقرارها من خلال مجلس النواب التي يترأسه نبيه بري فإنه لا بد من إقرار المحكمة ووضعها تحت الفصل السابع من الأمم المتحدة بحيث يخرج الأمر من يد اللبنانيين جميعاً موالاة ومعارضة. وقد كانت قوى 14 آذار تلقت تطمينات من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا بإقرار المحكمة ولو تحت الفصل السابع .هذا ما أكّد عليه أحد أقطاب 14 آذار وهو سمير جعجع في أن المحكمة الدولية ستُقر ولو تحت البند السابع.<BR><BR>فمن المعروف أن مجلس الأمن يستخدم عادة "الفصل السابع" تحت عنوان "التحرك أو استخدام ‏القوة في حال تهديد الأمن والسلم الدوليين أو القيام بأعمال عدائية". ولهذا فمن الممكن أن ‏يعتبر المجلس أن اغتيال الرئيس الحريري (والاغتيالات الأخرى) وذيول هذا الحدث يهددان الأمن ‏الإقليمي الذي هو جزء من الأمن الدولي، وبإمكانه بالتالي أن يتخذ قراراً بإنشاء "محكمة ‏دولية خاصة بلبنان في ظل إجراءات جديدة"، بموجب "الفصل السابع" ـ وليس "البند ‏السابع" من ميثاق الأمم المتحدة الذي ينص على أجهزة المنظمة مثل مجلس الأمن ـ الجمعية ‏العمومية ـ المجلس الاقتصادي الاجتماعي وسواها ـ المؤلف من 13 بنداً (من البند 39 إلى ‏‏51).‏ ويتطلب إنشاء هذه المحكمة موافقة الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن، أما في حال ‏مارست أي دولة من هذه الدول حق النقض «الفيتو» فان القرار يسقط ولا يتخذ.‏ <BR>من هنا تأتي زيارة الرئيس السنيورة إلى موسكو وفي صحبة وزير العدل في ظل غياب بعض سفراء الدول الكبرى في لبنان في هذه الفترة الحرجة والذين استدعوا إلى بلدانهم على ما يبدو للتشاور حول احتمال أن يبت مجلس الأمن المحكمة الدولية من دون موافقة لبنان كما هو الحال بالنسبة إلى السفير الروسي سيرغي بوكين، المتواجد الآن في موسكو.<BR>يعلم السنيورة بأن روسيا التي تربطها صداقة قديمة مع كل من إيران وسوريا سوف تستخدم حق النقض"القيتو" في مجلس الأمن في حال طُرحت المحكمة الدولية على مجلس الأمن لوضعها تحت "الفصل السابع" ولذلك يحاول من خلال اصطحابه وزير العدل شرح الموقف وبالتالي إقناع موسكو بضرورة التصويت على إقرار المحكمة في مجلس الأمن إذا استمرت الأمور على هذه الحالة من التأزم.<BR>كما أنه من المرجح أن روسيا قامت بالطلب من كل من السنيورة والأسد بزيارة إلى موسكو للتشاور وذلك رغبة في إقامة وساطة بين الطرفين تقوم على تسوية "لا غالب ولا مغلوب" وذلك رغبة من روسيا بعودة دبلوماسيتها إلى الشرق الأوسط بعد أن تراجع نفوذها لصالح الولايات المتحدة بعد انهيار الإتحاد السوفييتي من جانب وبالتالي من خلال عدم رغبتها في إحراج المحور الإيراني السوري الذي ترى به أملاً في مواجهة النفوذ الغربي بشقيه الأمريكي-الأوروبي على منطقة الشرق الأوسط ما يُسهل لها دور فاعل في المنطقة.<BR>وهذا ما أشار إليه النائب مجدلاني من قوى 14 آذار في حديث إلى وكالة الأنباء الروسية بقوله: "من المعروف أن موسكو تقيم علاقات وثيقة مع دمشق وطهران، وبإمكانها عبر هذه العلاقات التأثير على موقف الفصائل اللبنانية القريبة من سوريا وإيران". <BR><font color="#ff0000"> الحكومة والمعارضة واستباق الأحداث حول المحكمة. </font><BR><BR><BR> بما أن الحكومة اللبنانية تريد أن تُقر المحكمة الدولية وذلك قبل نهاية ولاية الرئيس الفرنسي جاك شيراك الداعم بقوة للحكومة اللبنانية والتي تربطه علاقات شخصية مع آل الحريري وكذلك قبل نهاية ولاية بوش في عام 2008 خوفاً من تبدل السياسات الخارجية لهاتين الدولتين بعد انتهاء مدة رئاسيتيهما. وهذا ما تراهن عليه المعارضة اللبنانية وتماطل في إقرار المحكمة وذلك طمعاً في أي متغير دولي أو إقليمي يبعد هذا الكابوس عن حزب الله المتخوف من تداعيات هذه المحكمة ، وبالتالي تحاول أن تعمل على نزع سلاح حزب الله وجعله في مواجهة مع الداخل اللبناني من معظم الطوائف اللبنانية المعارضة لبقاء هذا السلاح في يد حزب الله أو على الأقل حصر المقاومة في الطائفة الشيعية فقط.<BR>كما أن حزب الله يريد أن يحمي النظام السوري من أن يطاله أي مكروه من خلال هذه المحكمة لاعتبارات عديدة نذكر منها:<BR>1- النظام السوري حما المقاومة خلال وجوده في لبنان وبالتالي فإن حزب الله من باب رد الاعتبار يريد أن يكافئ النظام السوري على طريقة المعاملة بالمثل.<BR>2- سوريا سهلت لحزب الله التواصل عبرها مع إيران وبالتالي لا يريد أن يقطع هذا التواصل باتباع أي سياسة تزعج النظام السوري.<BR>3- أن وجود المقاومة اللبنانية وشوكتها مرتبط بوجود النظام السوري الحالي والحليف مع إيران وإن أي تغيير في النظام السوري يعني جعل حزب الله في حرج في الداخل اللبناني وفي عزلة وانقطاع مع إيران حيث أن أي نظام بديل سيأتي في سوريا قطعاً سيكون لصالح الطائفة السنية في سوريا.<BR>4- يعتقد حزب الله أن وجوده ونفوذه مرتبط ببقاء وقوة المحور الإيراني السوري وأن أي شرخ أو ضعف في هذا المحور سيرتد سلباً على حزب الله ولذلك هو لم ولن يتردد في جر لبنان إلى أي مكان سيكون لصالح هذا المحور طالما أنه مرتبط به .<BR>5- يعتقد حزب الله أن المحكمة الدولية يدفع بها المحور الأمريكي المعادي والمنافس للمحور الإيراني في المنطقة وهو يعتقد جازماً ان الحكومة اللبنانية جزء من هذا المحور ، ولذلك يُصر حزب الله على الحصول على ضمانات تحميه وتبعد لبنان عن هذا المحور وبما أن لبنان بلد متنوع الطوائف والمذاهب ويُحكم بتوازنات عديدة فلا سبيل أمام حزب الله سوى المطلبة بـ"لثلث المعطل" داخل الحكومة والذي من صلاحيات من بيده "الثلث المعطل" إقالة الحكومة في حال استقالته منها كما أنه يستطيع أن يُشكل عائقاً أمام رغبة الحكومة لملأ الرئاسة الأولى في حال لم يتم التوافق على رئيس لها. وبالتالي فهو قادر على عرقلة أي قرار تتخذه الحكومة لا يتفق مع أجندته أو تطلعاته السياسية.<BR><BR><font color="#ff0000"> في حال فشل المبادرة العربية تماما وكذلك الوساطة الروسية</font><BR><BR><BR>يبدو أن العارضة قد أخفقت في إسقاط الحكومة عن طريق الاعتصامات والنصر الذي وعد به نصر الله أنصاره في معركته الداخلية مع الحكومة تأخر كثيراً، حيث إن قوى 14 آذار استطاعت حتى الآن أن تتجاهل الاعتصامات وتتعامل معها كأمر عارض بل بادرت إلى الهجوم من خلال إقامة المهرجانات الداعمة للحكومة .<BR>لقد استطاعت الحكومة اللبنانية أن تستوعب الصدمة التي سببها اعتصام المعارضة ثم بادرت إلى المفاجأة والمباغتة كما استوعب حزب الله الصدمة التي سببتها إسرائيل ثم بادر بالمباغتة في حرب تموز .<BR>في ظل هذه الأوضاع التي تتلقى فيه الحكومة يوماً بعد يوم الدعم الدولي والعربي باستثناء سوريا ، وقدرتها على استلام زمام المبادرة يزداد أيضاً وفي ظل الإحراج الذي يعيشه حزب الله حتى الآن من سير الأوضاع وبما أنه على ما يبدو لن يقدم على تسوية تنتقص من نفوذه أو تزيد من مخاوفه فإنه حتماً ستتجه الأمور نحو التصعيد في الأيام القادمة ويبدو أن الهدنة التي دعا إليها عمرو موسى لم تلق صدى لا عند المعارضة ولا الحكومة فالحرب الإعلامية والشحن الطائفي على أوجه.<BR>إذا لم بحدث أي تغيير على الساحة الداخلية أو الساحة الدولية ، فإن المعارضة ستتجه إلى خيارات أخرى كالعصيان المدني من امتناع الموظفين الموالين للمعارضة عن أداء عملهم ومن قطع للطرقات كقطع طريق المطار التي عليها غالبية شيعية.وبالتالي الأمر سيزداد تأزماً حيث أن الحكومة ومن ورائها دول عربية وغربية لن تقف على الحياد ما يجعل الوضع مفتوح على احتمالات عديدة أقلها سيعرض لبنان إلى اقتتال داخلي لا سمح الله.<BR><font color="#ff0000"> الاحتمالات القادمة<BR></font><BR><BR><BR>1. الاحتمال الأول: توجه المعارضة في حال لم تحل الأزمة إلى تشكيل حكومة ثانية من خلال دعوة الرئيس لحود النواب إلى جلسات استشارية بشأن تشكيل حكومة ثانية طالما انه لا يقر بوجود شرعية هذه الحكومة، وبالرغم من أن لحود أكّد أنه لن يسمح بتشكيل حكومة ثانية إلا أن تغير الظروف وتبدل الأحوال قد تضعه تحت هذا الخيار وخصوصاً أننا نرى أن كثير من الأمور تتحكم بحركة الشارع في لبنان وقد شهدنا مؤخراً كيف أن اغتيال بيار جميل زاد من تأزم الأمور، ففي رأي لا سمح الله أن اغتيال رجل من قوى 8 آذار هذه المرة-إذا سلمنا جدلاً بوجود أيد خارجية خلف هذه الاغتيالات – قد يدفع بالرئيس لحود إلى هذا الخيار كما دفع اغتيال جبران تويني الحكومة إلى الموافقة على إقرار المحكمة الدولية بغياب الوزراء الشيعة. وكان عون قد استشهد بتجربتي صربيا وأوكرانيا في إسقاط حكومتيهما عامي 2000 و2005على التوالي وما يتيحه الدستور الأميركي لإسقاط ما يعتبرها حكومات غير كفوءة. وقال إن الحكم الذي لم ينتج إلا الدين لا يستحق أن يبقى ساعة بعد الآن. معتبراً أن الحكومة فاسدة بكل المقاييس بسبب "التلاعب والهدر"، ومؤكدا أن الفريق الحاكم يخاف من الإصلاح لأنه يكشف الفساد داخل الحكومة.فعندما يطلق عون مثل هذه التصريحات ويذكر بتجربتي أوكرانيا وصربيا وهو نفسه الذي شكل حكومة عسكرية في ظل حكومة شرعية حتى أُزيح عنها عام 1990م يعني أن هذا الاحتمال مطروح وبقوة لدى فريق في المعارضة.<BR>2. الاحتمال الثاني: انفلات أمني كبير ، وبالتالي عدم قدرة الأطراف على ضبط الوضع مما يجعل بوابة الجنوب مفتوحة من جديد، وبالتالي تنشيط الخلايا الإسلامية الجهادية السنية المتواجدة على الأرض اللبنانية مثل "فتح الإسلام" و"القاعدة" في فتح مواجهة مع القوات الدولية وربما الوصول إلى إسرائيل، ما يستتبع تدخل إسرائيلي لضبط الوضع في شمالها وبالتالي تصفية حساباتها من جديد مع حزب الله بعد هزيمتها المشينة في حرب تموز. أما بالنسبة للقوات الدولية في هذه الحالة فإن مجلس الأمن أمام خيارين إما أن يفعل دور القوات الدولية بوضعها تحت البند السابع مما يخولها بالمبادرة بالهجوم وهذا ربما لن تسمح به إسرائيل وإما أن يعمد مجلس الأمن إلى سحب القوات الدولية من لبنان وترك لبنان في مهب التجاذبات الدولية وهذا هو الاحتمال الأقرب مع هذا السيناريو ، وبالتالي عودته إلى ساحة مفتوحة للدول والأحزاب المتصارعة .<BR>3. الاحتمال الثالث: عودة إلى تسوية وتنازل من قبل المعارضة عن بعض مطالبها على قاعدة"لا غالب ولا مغلوب" وهذا وارد في ظل تسوية ما إذا توفرت النية لذلك من قبل الأفرقاء اللبنانيين وكذلك الدول المؤثرة على الساحة اللبنانية.<BR>4. استمرار الأزمة كما هي ، وبالتالي ترك الأمر للجيش في قيادة البلد على اعتبار حياديته من النزاع الحاصل وما يستتبع ذلك من تغيرات داخلية!<BR><BR>يقيناً أن أي تصعيد غير سلمي من جانب المعارضة، لن يكون في صفها، حيث إن ذلك سيوجد تعاطفاً من قبل بعض الأطراف السنية في المعارضة مع الحكومة وبالتالي سيقضي على قوتها ويظهرها كمعارضة طائفية ضد الطائفة السنية ، وهذا ما لاحظناه في تصريح النائب السابق ورئيس جبهة العمل الإسلامي فتحي يكن بقوله: إن اقتحام السراي خط أحمر وإنه لن يكون مع أي خطوة على طريق تشكيل حكومة ثانية وهو يؤكد على معارضته إسقاط الحكومة بالشارع وإنما يدعو إلى توسيعها.<BR><br>