شراكة صينية أفريقية حقيقية في مواجهة الغرب أم شراكة وهمية !
27 شوال 1427

انعقدت في بكين في المدة من 3 ـ 5/11/2006م ، القمة الصينية الأفريقية بحضور ممثلين عن 48 دولة أفريقية كأكبر تظاهرة أفريقية تنعقد في الخارج، وهذا دليل على متانة العلاقات الصينية الأفريقية ، ورغبة كل فريق في تطويرها وتنميتها ، بعد أن أخذت هذه العلاقة طابعاً آخر غير الطابع التقليدي إبّان الثورة الشيوعية والحركات الاشتراكية في القارة . و استطاعت الصين أن تحافظ عليها وتنميها على مدار عقود حتى وصلت إلى ما وصلت إليه اليوم . وقال الرئيس : " هو جينتاو " في افتتاح القمة : إن "الصين ستكون صديقا وشريكا وأخا جيدا لأفريقيا وأن التاريخ سيحتفظ بالحدث في سجلاته ".<BR><font color="#0000FF">المنتدى التعاوني الصيني الأفريقي : </font><BR>وهذا المنتدى التعاوني الصيني الأفريقي تأسس عام 2000م لتجعل منه بكين آلية للحوار والتعاون مع القارة الأفريقية ، ومن خلاله يتم تبادل السلع وتجد حظها من ثروات أفريقيا ، حيث يتوقع الخبراء أن تزداد حاجة الصين لاستيراد النفط لتصل إلى 45% بعد نحو أربعين عاما ، لذلك تسعى الصين ومن خلال استثمار ما قدره تسعمائة مليون دولار في مشاريع متعددة في القارة ، و تكملة النقص في احتياجاتها من البترول الأفريقي ! وفي إطار تمديد وتقوية هذه العلاقة صدرت بيانات : بيان بكين لمنتدى التعاون الصيني الأفريقي ، ومنهاج تعاون الصين وأفريقيا في التنمية الاقتصادية والاجتماعية ، وخطة عمل أديس أبابا للتعاون الأفريقي الصيني ، والهدف من كل تلك البيانات تعزيز التعاون بين المنتدى و"خطة الشراكة الجديدة للتنمية في أفريقيا (نيباد) "، وتغيير اتجاه المعاملات التجارية بين الشمال والجنوب إلى دول الجنوب فيما بينها .<BR> ولعل اتجاه الدول الأفريقية إلى التعاون والتعامل مع الدول الآسيوية ، وخاصة الصين ، هي نتيجة طبيعية لتلك الممارسات البغيضة التي قامت بها وما زالت تقوم بها الدول الغربية من استهلاك للإنسان الأفريقي ونهب لثرواته ، ونتيجة طبيعية لعدد من المؤتمرات الدولية التي أقامتها الدول الغربية لدعم الدول الأفريقية والتي لم تراوح مكانها ، وأصبحت حبراً على الورق ، كالاجتماع الأخير لمجموعة الثمان والذي انعقد في "جلين إيلجز" بأسكتلندا في 7/7/2005م، وقد تعهد القادة في ختام قمتهم آنذاك بتخصيص 50 مليار دولار لمساعدة أفريقيا، وإلغاء ديون 14 دولة أفريقية ! إلا أن شيئاً من هذه التعهدات لم ينفذ كسابقاتها وخاصة قمة عام 1996م . ولكن الصين كانت عكس هذه الدول فأوفت بالكثير من التزاماتها ، وألغت ديونا بقيمة 1.36 مليار دولار عن 31 دولة أفريقية. و قدمت مساعدات اقتصادية لـ53 دولة أفريقية ، وهذا ما لم تفعله الدول الغربية واليابان ، بل قدمت هذه الدول بعض القروض بفوائد كبيرة ، حتى تتراكم الفوائد وتكون عقبة في سبيل نهضة وتنمية هذه الدول .<BR><font color="#0000FF">تفاؤل وسط فساد مستشري : </font><BR>واستطاعت القارة الأفريقية، وبعد سنوات من الاستقرار النسبي في بعض دولها أن تحقق نموا بسيطاً في التنمية الاقتصادية ، وتحقق نسبة نمو بلغت 4 ـ5&#1642; . كما أن بعض الإصلاحات التي تجرى على قدم وثاق في بعض الدول الأفريقية أحدثت تغييراً جزئياً في البنية الاقتصادية . وقد تمكنت 5 دول أفريقية من تحقيق معدل نمو تجاوز الـ 7&#1642; عام 2003، وهو المعدل اللازم لخفض معدل الفقر إلى النصف بحلول عام 2015 حسب منظور بعض الخبراء الاقتصاديين، وتلك الدول هي: بوركينا فاسو، تشاد، غينيا، موزمبيق ، أنغولا.(1)<BR><font color="#0000FF">عوائق التنمية في أفريقيا وسبل العلاج : </font><BR> إن الجدول التالي يبين لنا احتياطي الثروات والموارد الطبيعية التي تمتلكها القارة ، حيث تسهم بحوالي 30&#1642; من الإنتاج العالمي للثروات المعدنية . والتي من أجلها تتكالب جميع القوى عليها دون أن تستفيد هي منها الاستفادة المرجوة :<BR>م الصنف احتياطي القارة من إجمالي الناتج العالمي<BR>1 النفط 8%<BR>2 الغاز 5%<BR>3 الكروم 87%<BR>4 اليوارنيوم 30%<BR>5 الذهب 55%<BR>6 الفسفور 70%<BR>7 الكوبالت 42%<BR>8 المنجنيز 57%<BR>9 الماس 95%<BR>10 الكاكاو 70%<BR>11 البلاتينيوم 90%<BR>ومع وفرة هذه الموارد بالإضافة إلى الأنهر والبحيرات والأراضي الخصبة، فإن عوائق التنمية في القارة متعددة ، ومنها : <BR><font color="#ff0000">ـ الحروب الأهلية </font>التي تلقي بظلالها الثقيلة على القارة السمراء .<BR><font color="#ff0000">ـ الفساد الإداري</font> في أغلب دولها ، وغالباً ما تحتل نسبة كبيرة في ترتيب الدول الأكثر فساداً في العالم ، وفي التقرير الأخير الصادر من منظمة الشفافية 2006، كان لبعض دول القارة نصيب الأسد فيها باعتبار أنها الأكثر فساداً في العالم . ومن بين 49 دولة هي الأقل نمواً في العالم -حسب تصنيف الأمم المتحدة عام 2001- هناك 34 دولة أفريقية .<BR><font color="#ff0000">ـ العوامل البيئية والصحية ، حيث تكثر الأمراض الوبائية في كثير من دولها .</font><BR><font color="#ff0000">ـ مشكلة الفقر</font> ، حيث بلغ عدد فقراء القارة 300 مليوناً . و يحصد الفقر آلاف الأطفال كل عام ، وقد ازدادت خلال العقد المنصرم مشكلة الفقر عن معدل 43&#1642;، وبعض التقارير تشير إلى أن 50&#1642; من سكان القارة ما زالوا يعيشون في فقر مدقع .<BR><font color="#ff0000">ـ عدم القدرة</font> على استغلال الموارد الاستغلال الأمثل .<BR><font color="#ff0000">ـ الأطماع الغربية</font> والقوى الخارجية وزعزعتها للأمن والاستقرار في سبيل السيطرة على هذه الثروات . <BR><font color="#ff0000">ـ وهناك عامل </font>من العوامل التي تؤثر في التنمية الأفريقية أيضاً وهي قلة أو فقدان التعاون التجاري فيما بين دول القارة ، فالمعاملات التجارية البينية لا تمثل إلا جزءاً يسيراً لا تتعدى 11% من الصادرات و11% من الواردات ، بينما الصادرات والواردات مع القارات الأخرى تأخذ الحيز الأكبر ، مع وجود منظمات كالاتحاد الأفريقي، ونيباد ، والمنظمة الاقتصادية لدول شرق أفريقيا ، والمنظمة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا وغيرها من المنظمات الاقتصادية الأفريقية .<BR><font color="#0000FF"> الصراع الغربي الصيني على الثروات الأفريقية : </font><BR>أعلن "والتر كانستينر"، مساعد وزير الخارجية الأمريكي للشئون الأفريقية الأسبق في فبراير 2002 : في حديثه عن النفط الأفريقي وما يمثله من أهمية لأمريكا: " إن هذا النفط الأفريقي أصبح مصلحة إستراتيجية قومية لأمريكا ". وهو ما أشارت إليها مجلة الايكونوميست البريطانية أيضاً في عددها الصادر في أغسطس عام 2002م إلى أن " النفط هو الغاية الأمريكية الوحيدة في أفريقيا ". <BR>ويعتبر النفط إحدى أهم الثروات الطبيعية في القارة السمراء، حيث نجد أن أفريقيا تمتلك 8&#1642; من احتياطي العالم، ففي عام 2002 ارتفع الإنتاج إلى 2.1 مليون برميل يومياً في نيجيريا، والى 900 ألف برميل في أنغولا، و283 ألف برميل في كونغو برازافيل، و265 ألف برميل في غينيا الاستوائية، و247 ألف برميل في الغابون، و227 ألف برميل في السودان، و75 ألف برميل في الكاميرون، و28 ألف برميل في إفريقيا الجنوبية، و25 ألف برميل في الكونغو الديمقراطية، و11 ألف برميل في كوت ديفوار ( ساحل العاج ) .(2)<BR>وتستورد الولايات المتحدة وحدها 1.5&#1642; مليون برميل يومياً من إفريقيا الغربية، وهي كمية مماثلة لما تستورده من المملكة العربية السعودية، وتشير الدراسات إلى أن هناك مستقبلاً زاهراً للقارة الإفريقية في المجال البترولي يصل إلى 15&#1642; من الإنتاج العالمي للبترول .<BR>ومع ارتفاع أسعار النفط العالمية في المدة الأخيرة حيث تجاوزت السبعين دولارا للبرميل، بدأ الاهتمام الغربي وخاصة الأمريكي بمناطق الثروة والطاقة في القارة تعود من جديد بصورة أشد مما كان عليها في السابق ، ودليل ذلك ما ذكرنا من تصريح "والتر كانستينر ، وكذلك الأعمال التي تقوم بها أمريكا في القارة للهيمنة على النفظ وغيرها من الثروات المعدنية ، وبدأ التنافس غير الحميم فيما بين الدول الغربية وإشعال الفتن الداخلية في القارة بإثارة الحروب والنعرات القبلية فيما بين سكان الدولة الواحدة للهيمنة على ما تبقى من الثروات كالحالة العاجية مصدرة الكاكاو الأولى في العالم ، والحالة الليبيرية والسيريالونية للهيمنة على اليوارنيوم والماس ، والحالة السودانية والمتمثلة في أزمة دارفور للهيمنة على منابع النفط واليورانيوم في دارفور . و اتخذت أمريكا تدابير جديدة أيضاً لفرض هيمنتها ، وذلك بإنشاء شركات آسيوية ماليزية وهندية وكورية ، ترفع شعار آسيا وتنفذ السياسات الأمريكية كبتروناس الماليزية والمتخصصة في مجال النفط ، والتي تستثمر في السودان وتشاد وفي مناطق أخرى في القارة ، وكذلك الشركات الكورية الجنوبية والتي تعمل في مجال الذهب في تشاد . وذلك لمراعاة شعور العداء المتنامي لأمريكا وللدول الغربية في القارة .<BR>وقد أحسنت الصين والهند واليابان استثمار هذه الثغرة وبدأت تدخل غمار المنافسة على تلك الثروات . حيث نجد الصين تسعى ومنذ سنوات لتعزيز تعاونها مع دول القارة في العديد من المجالات، بما يضمن تأمين احتياجاتها النفطية المتزايدة، حيث تمثل وارداتها النفطية من دول القارة نحو 25% من استهلاكها .<BR>واتخذت الصين سياسات قريبة في بعضها من السياسات الغربية باعتمادها القاعدة الغربية " الغاية تسوغ الوسيلة " بدعم الحكومات بالأسلحة أو دعم حركات المعارضة بالعتاد والسلاح ، كالحالة التشادية حيث أدركت الحكومة التشادية أن إعادة العلاقات مع الصين تتيح لها إغلاق منفذ من منافذ السلاح على المتمردين ، وفعلاً استطاعت الحكومة أن تغلق أو بالأحرى تقلل من كميات الأسلحة المتدفقة من الصين للمعارضة وضحَّت في سبيل ذلك بعلاقاتها مع تايوان . وهكذا ، فإن الصين ومن خلال علاقاتها مع كافة القوى سواء في الحكومة أو المعارضة تتيح لها توظيف هذه العلاقات لخدمة مصالحها النفطية .<BR> وقد صدر عن البنك الدولي في 16/9/2006م كتاب بعنوان : " طريق الحرير لأفريقيا " ، يفيد أن هناك تزايداً ملحوظاً في الشركات الصينية والآسيوية العاملة في القارة الأفريقية ، وأن اهتمامها تعدى مجرد تعقب الموارد الطبيعية !<BR> وبين الكتاب كذلك أن الصادرات الأفريقية إلى آسيا زادت ثلاثة أمثالها في السنوات الخمس الماضية لتجعل آسيا بذلك ثالث أكبر شريك تجاري (27 في المئة) بعد الاتحاد الأوروبي (32 في المئة) والولايات المتحدة (29 في المئة). وبلغ إجمالي هذه الاستثمارات من الصين 1.18 بليون دولار أمريكي حتى منتصف عام 2006. <BR>ويقول " هاري برودمان " المستشار الاقتصادي بالبنك الدولي : إن البيانات الجديدة تشير إلى أن الشركات الآسيوية بدأت في تنويع أنشطتها بعيداً عن النفط والغاز الطبيعي لتشمل مجموعة واسعة التنوع من الصناعات، وهو اتجاه قد يؤدي إلى إنتاج سلع أكثر تقدماً في أفريقيا ويساعد القارة السمراء على زيادة مشاركتها في التجارة العالمية. و "إذا أخذت لمحة سريعة عما يجري اليوم، تجد القدر الأكبر من الصادرات هو الغاز الطبيعي. لكن الجديد الآن هناك أنه ليس مجرد الموارد الطبيعية هي ما يجري الاستثمار فيها، وهذا الأمر يمثل أهمية للنمو وتخفيض أعداد الفقراء في أفريقيا لأن تجارة أفريقيا ظلت لسنوات طويلة مركزة في السلع الأولية والموارد الطبيعية." وفي حين أن التجارة والاستثمارات الآسيوية المتنامية تمثلان مصدراً للتفاؤل، يحذر برودمان من وجود تباينات ضخمة في العلاقات الاقتصادية بين المنطقتين. وتمنع الرسوم الجمركية المرتفعة نسبياً والتي تفرضها الصين على الصادرات الأفريقية الرئيسية – ذات القيمة الأعلى- القارة السمراء من الاستفادة من هذه الأسواق استفادة كاملة. ولا تشكل صادرات أفريقيا سوى 1.6 في المئة مما تتلقاه آسيا من الصادرات من مناطق العالم الأخرى .(3)<BR>إنَّ العلاقات الصينية الأفريقية في تطور مضطرد ، وأن حجم المعاملات التجارية بين الجانبين في ازدهار مضطرد ، فمنذ عقد القمة التأسيسية لهذا المنتدى عام 2000م ، فإن حجم التجارة بين الصين وأفريقيا تجاوز في نفس العام أكثر من عشرة مليار دولار ، وارتفع هذه النسبة عام 2002 إلى أكثر من اثني عشر مليار دولار ، وفي عام 2003 بلغت النسبة قرابة الثلاثة عشر مليار دولار ونصف المليار . وفي عام 2003بلغت حداً كبيراً حيث بلغ الحجم الإجمالي نحو ثلاثين مليار دولار أي بنسبة زيادة بلغت قرابة الـ60%. (4)<BR>ويعتقد مايكل كلين، المسؤول عن تنمية القطاع الخاص في البنك الدولي أن فرص الإصلاح والتنمية قد تزداد في المدة القادمة في القارة إذا ما ظلت الحكومات على مسارها الحالي، فيعتقد أن نمو الناتج المحلي الإجمالي في أفريقيا قد يصل إلى 9 في المئة خلال عقد أو ما يقارب ذلك ! <BR> ولكن ستظل الصورة الكالحة للفساد الإداري عقبة كؤودة في التقدم الاقتصادي في دول القارة ، فقد تستغل الصين الفساد المنتشر في كثير من دول القارة ، فتغزو الأسواق الأفريقية ببضائعها وتكون سبباً في القضاء على المنتجات المحلية ، إن لم تدارك هذه الدول بسياسات اقتصادية علمية تأخذ في الاعتبار الحفاظ من خلالها على السوق المحلي ، وإلا فإن الشراكة الصينية الأفريقية تتحول إلى شراكة وهمية المستفيد الأول والأخير فيها هي الصين . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ<BR>(1) انظر موقع البنك الدولي على الشبكة الدولية .<BR>(2) تقرير لمنظمة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا . <BR>(3) موقع البنك الدولي على الشبكة الدولية .<BR>(4) موقع قناة الجزيرة القطرية .<BR><BR><BR><br>