مجزرة بيت حانون .. الأسباب والتوقيت والمعنى
18 شوال 1427

المجازر التي يقوم بارتكابها العدو الصهيوني ، والتي بدأت تتصاعد وتيرتها في رمضان الماضي ، تقف في أكثر بقعها سوادا المجزرة الأخيرة في قرية بيت حانون الفلسطينية المحتلة ، وهى جرائم لا تستهدف كما أعلن العدو نفسه ، وكما يعلم الجميع إعادة احتلال القطاع ، ولا تستهدف القضاء على المقاومة التي يعرف العدو قبل الصديق أنه لا يستطيع اقتلاعها بالعمل العسكري، بل هو يعرف أيضا أن هذه الأعمال العنيفة تقويها وترفع من درجة مصداقيتها، ويؤكد هذا الزعم تركيز آليات العدو ونيرانه ضد المدنيين من النساء والأطفال والمسنين .. وتأتى هذه المجازر بعد مرحلة من الشقاق والاقتتال الفلسطيني/ الفلسطيني الذي خطط له ودعمه ودفع بكل قوى عملائه في الداخل الفلسطيني وفى المنطقة العربية والعالم لتصعيده وتأجيجه، إلى درجة تدريب وتسليح عناصر من بعض الفصائل لمواجهة الحكومة، وحصر الدعم المالي على قناة واحدة " قناة الرئاسة " ، وتسريب الأخبار في عمليات مخابراتية لكشف اتفاقات العدو مع بعض القادة، بهدف جر حماس إلى مواجهة تمتلك أسبابها المنطقية حتى وإن كانت على حساب المصلحة الفلسطينية العليا .. وكاد العدو يفلح لولا رحمة من الله وبعض العقلاء والشرفاء الذين أنار الله بصيرتهم.<BR>يعلم العدو أيضا أن عيون الكاميرات المفتوحة مهما بلغت دقة الحصار، ومهما بذل من جهد لمنعها، تصل بصورة ما يحدث إلى كل مكان في العالم، وهو وإن كان يعرف أن موقفا رسميا قويا وحاسما ـ لما يسمى بالمجتمع الدولي والمؤسسات الدولية ـ من جرائمه هو أمر غير مطروح، فهو يعلم أيضا أن صورة بهذه البشاعة لممارساته لابد وأن تضطر حتى حلفاءه لطرح بعض الانتقادات، كما قد تخلق جبهة مناهضة لجرائمه، وهى تحرج بالقطع أصدقاءه العاملين في المنطقة ضمن استراتيجيته.. فإذا كان الحال كذلك فلماذا إذن يقوم العدو الصهيوني بهذه المجزرة، وهو الذي نعرف عنه في جميع أعماله التخطيط المسبق المحدد الهدف ، والمحسوب التكلفة والعائد ، خاصة بعد هزيمته المؤلمة في لبنان؟!<BR><BR><font color="#0000FF"> انتخاب حماس .. اختيار لمنهج المقاومة </font><BR>جاء انتخاب حماس في عملية انتخابات حرة وشفافة ليثبت انهيار استراتيجية الخيار السلمي والوحيد كحل للصراع مع الكيان الصهيوني والمشروع "الاستعماري"، والذي عملت لتسييده كل قوى الغرب "الاستعماري" منذ مؤتمر جنيف ثم كامب دافيد ومدريد و وادي عربة وأسلو ، ثم بيروت .. ثم جاءت الخيبة الأمريكية في العراق وأفغانستان لتثبت للشعوب والقوى الحية في المجتمعات العربية والإسلامية أن خط المقاومة، خاصة المسلحة بالعقيدة الجهادية الإسلامية ، قادر على مواجهة الهجمة ودحرها.<BR>وهكذا عادت إلى أجندة العمل الوطني الفلسطيني بنود كانت قد طويت.. تحرير كامل التراب.. عودة اللاجئين.. القدس بشقيها عاصمة لفلسطين، ورغم الوهن في الإرادة العربية الرسمية السياسية، وتجفيف روافد الدعم للمقاومة الفلسطينية، إلا أن المقاومة استطاعت أن تطور بإبداعاتها قدراتها، وتنوع من تكتيكاتها وتحركاتها، وحققت بأسر الصهيوني " جلعاد " نقلة نوعية أزعجت العدو الصهيوني وأربكته، وجاءت هزيمة الكيان الصهيوني العسكرية في لبنان بعد فشل تحقيق التغيرات المطلوبة فيه بالفوضى الأمريكية الخلاقة بالاستعانة بالقوى العميلة الداخلية، وتكرر الفشل في الساحة الفلسطينية، وأثبت الشعب الفلسطيني أن اختياره لحماس كان يمثل قناعة حقيقية وثابتة باستراتيجية المقاومة بديلا عن الحلم الذي تحول إلى كابوس "حلم الحل السلمي" .<BR>الوضع العام المساند للصهاينة في المنطقة إذن في تراجع، والحليف الأمريكي يمنى بالهزيمة تلو الأخرى، حتى ظهرت بعض الأصوات في أمريكا تنادى بإعادة النظر في تكلفة المشروع الصهيوني بشكل عام. والانسحاب الأمريكي القريب من العراق سيخلق حالة من الصعود والتنامي للروح الجهادية. <BR>الوقت يسير في غير صالح الكيان الصهيوني والقوى المحلية المتعاونة والحليفة والعميلة.<BR>هكذا يصبح تأزيم الأوضاع وإثارة صرخات العالم، هو أفضل سبيل لتحريك الحالة، والدفع بكل الجهود في اتجاه تسوية تقوم على أساس توازنات القوى الحالية، وهى في الوقت نفسه تقدم لأصحاب منهج التسوية فرصة ليبدون حريصين على أرواح الشعب ودمائه ـ صرح صائب عريقات في تعليقه على المجازر ( بعد رطانة الشجب والاستنكار ) أن الشعب الفلسطيني شعب أعزل ولا طاقة له بمواجهة هذه الآلة العسكرية الجبارة بدباباتها وطائراتها وصواريخها، وأن على هؤلاء الذين يطلقون الوعيد بتصعيد العمليات والانتقام من جرائم العدو أن يصمتوا ولا يعطوا للعدو مزيدا من الذرائع، وأن على الفلسطينيين أن يضعوا خطة لتفعيل المقررات الدولية ( يقصد خارطة الطريق الأمريكية ) وإقرار السلام الشامل والدائم ـ هكذا وبكل بساطة يتحول من يمنعون المساعدات عن الشعب الفلسطيني وهو يتضور جوعا إلى ملائكة رحمة وأمناء على دمائه وأرواح بنيه.<BR>بيت حانون ليست المذبحة الأولى، ولن تكون الأخيرة، وقد شجب وندد العالم والقادة والزعماء في كل المذابح السابقة، ولكن الحديث هذه المرة يربط الشجب والتنديد بضرورة التحرك الدولى لإقرار الحل النهائي للصراع.<BR>بل ولعل المجزرة الصهيونية تكون المقدمة اللازمة لدفع مبادرة الجامعة العربية الجديدة، وحصار الأصوات التي عادت لتنادى بالمقاومة والجهاد لتحرير الأرض، وهى أيضا تأتى لإرباك أجندة عمل القوى الفلسطينية المجاهدة الخاصة بإصلاح الأوضاع التنظيمية في الداخل الفلسطيني على المستويين السياسي والاقتصادي، والأهم هو البعد التام عن المطالبة بإعادة هيكلة منظمة التحرير الفلسطينية بشكل يعكس القوى الحقيقية على الساحة الفلسطينية.. وهنا لابد من الإشارة أن هذا الهدف يتفق عليه أطراف كثيرة في الداخل الفلسطيني والمنطقة العربية مع العدو الصهيوني.. فهو يعنى في جوهره إعادة الطابع النضالي لمنظمة التحرير، وبالتالي هو يضع العديد من الدول والقوى في مأزق تاريخي. <BR>لقد أحيت المقاومة خط المقاومة والجهاد، وهذه المجازر إنما تهدف لإحياء خط التسوية في ظروف نموذجية للعدو، بينما يسير منحنى عناصر قوته في اتجاه هابط في المدى المتوسط والبعيد.<BR>إنها أزمة ابتدعها العدو .. لإدارة الأزمة.. <BR> <BR><br>