بعد لبنان .. "إسرائيل" تأكل نفسها !
2 شعبان 1427

ماذا تفعل تل أبيب عندما لا تجد ما تأكله آلتها الحربية في لبنان سوي أن تأكل نفسها ؟ .. وماذا سيفعل صقور الكيان الصهيوني الذين لم يعد بينهم جنرالات "الدولة" الصهيونية المؤسسين الأوائل بعدما دخل آخرهم شارون غرفة الإنعاش ، لحسم الصراع بينهم علي زعامة هذه الدولة المهتزة داخليا سوي أن يشعلوا نيران معارك داخلية تنذر أن يأكل الكيان الصهيوني نفسه !.<BR>فمنذ الهزيمة الصهيونية في لبنان علي يد "حزب الله" ، وفي فلسطين المحتلة التي لم يمنعهم اعتقال ربع حكومة وبرلمان فلسطين واحتلال غالبية أراضيها من انهمار صواريخ القسام يوميا علي رؤوسهم ، وهناك حالة من التخبط والصراع الداخلي بين المستويات السياسية من جهة والمستويات العسكرية والجميع يسعي لتحميل الطرف الآخر المسؤولية .<BR>بل إن هذا الصراع انتقل لداخل كل مستوي علي حدة ، فالعسكريون يتحدثون عن فشل قادتهم ويتهمون رئيس الأركان دان حلتوس بالفشل ويطالبون بإقالته ، والسياسيون يتحدثون عن فشل اولمرت وضرورة استقالته أيضا باعتبار أنه أعطي الجيش أوامر سياسية مترددة وخائفة جعلته يقدم رجلا ويؤخر الأخرى في جنوب لبنان بدلا من أن ينطلق كالقطار في جنوب لبنان ولا يتوقف إلا عند نهر الليطاني !!.<BR>ولهذا لا يوجد حديث في "إسرائيل" الآن سوي عن الزلزال الداخلي،والأيام العصيبة، بعدما بدأت عملية المحاسبة للسياسيين وللعسكريين علي حد سواء، الذين أقدموا علي هذه المغامرة دون أن يحسبوا عواقبها، ودون أن يملكوا المعلومات الاستخبارية الصحيحة عن قدرة الخصم، العسكرية والسياسية، وأثار هذه الحرب علي الداخل الصهيوني والتي لم تتوقف آثارها علي هدم نظرية الأمن الصهيونية بعدما انتقلت الحرب للداخل لأول مرة ، ولكنها خلفت آثارا نفسية مدمرة علي الجنود و"المدنيين" وأدت لموجة هجرة عكسية لأوروبا بعدما انهارت فكرة الدولة الآمنة عسكريا .<BR>أيهود أولمرت وحزبه كاديما ربما يكون أول "ضحايا" الزلزال الذي ضرب الكيان الصهيوني هذا، وكذلك قادة المؤسسة العسكرية، فالرأي العام "الإسرائيلي" الذي كان ينام مطمئناً إلي قدرة جيشه وتفوقه، ويضع ثقته بعمليته السياسية الديمقراطية وإفرازاتها لقادة اقوياء، بات في حال من الارتباك والخوف علي مستقبله غير مسبوقة منذ قيام كيانه .<BR>والأثر النفسي لهذه الهزيمة "الإسرائيلية" ربما يكون هو الأعمق والأكثر خطورة بالنسبة لآباء المشروع الصهيوني، والداعمين له، في فلسطين المحتلة والخارج ، وأكثر ما أزعج هؤلاء الصهاينة هو تراص أعداد كبيرة من اليهود علي سفارات الدول الغربية لطلب تأشيرات خروج من "إسرائيل" خصوصا لسكان المدن الشمالية الصهيونية .<BR>فالعامل الأساسي الذي قامت عليه "إسرائيل"، وهو توفير الأمن لليهود، من خلال جيش قوي، قد تعرض لهزة كبيرة بعد العدوان علي لبنان وتداعياته، سبقتها هزة، تمثلت في العمليات الاستشهادية ونجاح المقاومة الفلسطينية في تطوير صواريخ، وان كانت بدائية، تصل إلى العمق "الإسرائيلي" وتعطي ثمارها النفسية ، ولا تزال ، حتى إن البعض بدأ يتحدث عن احتمالات متضاربة : إما تصعيد الضربات ضد الفلسطينيين لتعويض هزيمة لبنان ، وإما تقديم تنازلات والسعي لحل المشكلة بالتعاون مع الأمريكان الذين يواجهون الفشل ذاته داخليا ويجري تصعيد كبير للهجوم علي الرئيس بوش من جانب الجناح اليمني المتطرف الذي بدأ بوش يختلف معه وينصرف عن نصائحه التي ورطته في "فيتنام العراق" .<BR><font color="#ff0000">صمت المدافع يعمق خلافاتهم</font><BR>وقد عكست الصحف الصهيونية الصادرة منذ وقف إطلاق النار في لبنان معالم هذه الأزمة التي لخصها بعض المراسلين من القدس بقوله أن "صمت المدافع سيعمق خلافات الإسرائيليين" لأنه ببساطة ستحين ساعة المحاسبة وفتح الملفات خصوصا بعدما أمرت الحكومة بتشكيل لجنة تحقيق عسكرية في إخفاقات الجيش .<BR>وفي حين ظهر من مواقف ايهود اولمرت أنه يدعم حلا سياسيا للازمة بعد فشله عسكريا ، فان الأصوات المعارضة بدأت تظهر، وذكرت (يديعوت احرنوت) أن الجنود الذين وصفتهم بأنهم متمترسين في مواقعهم في لبنان، ابدوا غضبا تجاه ما وصفوها بالمواقف المتأرجحة لحكومتهم، وأكدوا أنهم على استعداد تام للاستمرار في المعارك حتى تحقيق أهداف الحرب المعلنة على لبنان، ونقلت الصحيفة عن هؤلاء قولهم بان الحكومة لا تأخذ مواقف حاسمة، وهي حكومة مترددة، مما يؤثر على سير المعارك.<BR>وذهبت صحيفة (هارتس) إلى أبعد من ذلك في الحديث عن خلافات بين المستويين السياسي والعسكري، وانفردت بمعلومات حول موقف دان حالوتس رئيس هيئة الأركان، المعارض لموقف الحكومة حول موافقة أولمرت علي قرار الأمم المتحدة رقم 1701 ، وأن هيئة الأركان كانت تريد إعطائها الفرصة لإنهاء الحرب بالطريقة المرجوة، وأنها واثقة من تحقيق النصر !.<BR>والخلافات لم تقتصر بين المستويين السياسي والعسكري، ولكنها وصلت إلى معسكر السياسيين، وتحدثت صحيفتا يديعوت أحرونوت ومعاريف، عن الخلافات بين اولمرت، و(وزيرة خارجيته) تيسبي ليفني، التي حزمت حقائبها للسفر إلى نيويورك، وهاتفته قبل سفرها أثناء بحث مجلس الأمن قرار وقف النار ، ولكنها فوجئت به يمنعها من السفر ويطلب منها البقاء في "إسرائيل" ثم عودة تل أبيب وقبولها القرار .<BR>بل وتحدثت الصحف الصهيونية عن الورطة التي ورطتهم إدارة بوش فيها وتحثوا عن أن استمرار الحرب كانت رغبة أمريكية أكثر منها "إسرائيلية" خصوصا بعدما ظهرت قوة "حزب الله" وقدرته علي ضرب العمق الصهيوني ، وقالت الصحف إن أمريكا ضغطت لاستمرار الحرب لكي يحارب الصهاينة معركتها في لبنان ضمن مخطط إعادة تشكيل وبناء شرق أوسط جديد خال من "المقاومة". <BR>أيضا استعد بنيامين نتنياهو، زعيم حزب الليكود والمعارضة، إلى جولة جديدة من الصراع السياسي مع اولمرت، بعد أن قدم له الولاء خلال الحرب ، حيث وجه نتنياهو انتقادات حادة للحكومة، لدعمها لمشروع قرار وقف إطلاق النار، قائلا بأنه قرار سيء يتخذ بدون أن تحقق "إسرائيل" أهدافها من الحرب .<BR>ووصف القطب الليكودي ووزير الخارجية "الإسرائيلية" السابق سيلفان شالوم، اتفاق وقف إطلاق النار ، بأنه من أسوأ الاتفاقات التي عرضت على "إسرائيل" خلال عقود، مشيرا إلى أن قبول هذا الاتفاق سيكون له عواقب وخيمة على المدى البعيد إذ انه يفرغ قرار مجلس الأمن رقم 1559 من مضمونه.<BR>واعتبر شالوم أن عدم تجريد "حزب الله" من سلاحه "سيكون بمثابة مكافأة للمتطرفين وضربة قاصمة للمعتدلين"، وأكد انه إذا قبلت الحكومة بالاتفاق فان حزب الليكود سيعود إلى ممارسة نشاطه كمعارضة بعد أن علق هذا النشاط بسبب الحرب.<BR><font color="#ff0000">الجنود : ليس لدينا هدف واضح</font><BR>والأكثر خطورة أن الصهاينة باتوا ينعون صيت قواتهم الجوية وجيشهم الذي كان لا يقهر ويقولون إن الضربات الجوية ضد "حزب الله" لم يكن لها أي أثر وأنها فشلت ، كما أن هيبة الجيش الصهيوني تمرغت في التراب وأصبحت صورته ضعيفة مما سوف يؤدي لتجرأ المقاومة الفلسطينية أيضا وينهي أسطورة هذا الجيش .<BR>وقد نشرت صحيفة هارتس استطلاعا أبان عن أن 20% فقط من "الإسرائيليين" يعتقدون أن بلادهم كسبت الحرب، وعبر 73% عن استيائهم من الطريقة التي تعاملت بها حكومتهم مع "السكان" في الشمال ، أما استطلاع يديعوت فجاء فيه أن 90% من "الإسرائيليين" يعتقدون أن الحرب كانت مبررة، وأيد 48% تأييدهم لإجراء مفاوضات مع حماس لإطلاق سراح الجندي الأسير لديها، وكانت النسبة اقل المؤيدة للتفاوض مع حزب الله حول الجنديين الأسيرين حيث بلغت 38%.<BR>وكتب الصحافي اللامع اري شافيت في صحيفة "هآرتس" مقالا هجوميا نشر على الصفحة الأولى تحت عنوان "على اولمرت أن يستقيل" ، وجاء في المقال "لا يوجد خطأ واحد إلا ارتكبه ايهود أولمرت.. لقد دخل بغطرسة الحرب بدون التفكير في العواقب (...) وبعد أن تسرع في النزاع قام بإدارته بتردد".<BR> من جانبها أفردت صحيفة "يديعوت أحرونوت" واسعة الانتشار مساحة كبيرة لتساؤلات الجنود المشاركين في الهجوم على جنوب لبنان ونقلت عن الكابتن الاحتياط للصحيفة "أنهم لا يحددون لنا أي هدف واضح.. ليس لدى الجنود أدنى فكرة عما يتوقع منهم لهذا فان الشائعات تسرى مثل النار في الهشيم.. ففي يوم يتعلق الأمر بالهجوم على صور ويوم آخر في دخول منزل". ويضيف "الأشد قسوة هو عدم وضوح الرؤية" في إشارة إلى الضوء الأخضر الذي أعلنته الحكومة لتوسيع الهجوم والذي لم يتبعه أي إجراء عملي حتى توقفت الحرب .<BR>وانتقدوا مراهنة رئيس الأركان مخطئاً علي العملية الجوية وتأخره بشكل مثير للاستغراب عن تنفيذ العملية البرية ولم يخرج الخطة العسكرية الأصلية التي أعدها الجيش "الإسرائيلي" إلى حيّز التنفيذ والتي كانت محكمة أكثر بكثير من هذه التي تم تنفيذها ، ودور أولمرت الذي أهمل الجبهة الداخلية وتخلي عن سكان الشمال وفشل فشلا ذريعا في إدارة المعركة السياسية .<BR><font color="#ff0000">نتائج وفضائح ما بعد الحرب</font><BR>أيضا يتداول الصهاينة مخاوف أخري تتعلق بأن "انتصار المقاومة اللبنانية والفلسطينية" أسقط خيار المفاوضات مع "إسرائيل" ، ولم يعد العرب يخشون القوة العسكرية الصهيونية ، ومن ثم يرفضون شروط التفاوض المذلة ، حيث كانت عقيدة هذا الجيش الصهيوني ولا تزال في مواجهة الدول العربية هي قهر هذه الدول وتصعيد التدمير العسكري وضمان تفوق جوي وبري على الجيوش العربية بغرض تحطيم النفسية العسكرية العربية وإقناعها بالتخلي عن الحرب أو المقاومة والقبول بالتفاوض فقط ، وبما هو معروض عليها .<BR>وفي هذا الصدد يرى محللون إن صمود "حزب الله" خلال حربه مع "إسرائيل" في الجنوب اللبناني 33 يوما سيعزز مواقف الفلسطينيين الداعين إلى المقاومة والذين يرفضون التفاوض مع "إسرائيل" ، ويقولون أن تجربة لبنان الأخيرة زادت قناعة الشعوب العربية بأسلوب المقاومة على حساب أسلوب المفاوضات مع الجانب "الإسرائيلي" ، وأن لا داع للقبول بعد ذلك بما هو معروض من فتات علي موائد التفاوض .<BR>وبمحازاة ذاك بدأت تظهر فضائح أخري ، حيث يواجه الرئيس "الإسرائيلي" كاتساف فضيحة جنسية ، ووزير العدل استقال بعد مزاعم باختلاسه قبلة ، ورئيس الوزراء تطارده صفقة شراء عقار ، واكبر جنرال (رئيس الأركان) يتعرض لانتقادات حادة لبيعه اسهما في البورصة في اليوم الأول للحرب.<BR>فمع سريان الهدنة من العمليات القتالية الضارية بين "إسرائيل" و"حزب الله" ،سلطت وسائل الإعلام "الإسرائيلية" الضوء على سلسلة من الفضائح ساهم في تعظميها الصراع الدائر حاليا الذي يسعى خلاله كل طرف لأكل الطرف الآخر .<BR>حيث أكدت اكبر هيئة رقابية في "إسرائيل" أنها تفحص بنود شراء رئيس الوزراء ايهود أولمرت لشقة في القدس مقابل مبلغ 1.2 مليون دولار في عام 2004 ،وقال مكتب مراقب الدولة: إنه لم ينته بعد من النظر في القضية .<BR>وكتب (المعلق السياسي) اري شافيت عن الخلاف المتعلق بالعقار في صحيفة هارتس ذات التوجهات اليسارية في الأسبوع الماضي أن "الدلالة واضحة: على الصعيد السياسي أولمرت رجل ميت يمشي" (على قدمين).<BR>واعترف دان حالوتس (رئيس أركان الجيش "الإسرائيلي") ببيع اسهمه بعد ساعات من خطف مسلحين من حزب الله جنديين "إسرائيليين" في غارة عبر الحدود في 12 يوليو الذي أشعل فتيل الحرب اللبنانية ما أظهر أن هدفه هو الربح المادي ولو علي حساب الحرب ، وهو ما دعا عدة أعضاء في البرلمان ومعلقون إلى استقالة حالوتس متهمين إياه بالعجرفة وانضموا بأصواتهم إلى الانتقادات العامة الكثيرة بشان اعتماد الطيار الحربي السابق على القوة الجوية بدلا من التوغل الأرضي في المراحل الأولى.<BR>فهل تأكل "إسرائيل" نفسها بعدما فشلت في أكل غيرها ؟ وهل ينتهي الأمر بظهور صقور أكثر أم حمائم أكثر ؟ وهل تستفيد الحكومات العربية من المأزق الصهيوني الحالي وتوحد جهودها كي تواجه هذا العدو الصهيوني وهو يترنح ، أم تترك خلافاتها تقوي وتعطي فرصة الشفاء للجريح الصهيوني ليعود ويتجبر ويفرض وصايته على المنطقة مرة أخرى ؟<BR><br>