الرابط بين دهب ـ غزة: فرضية أمنية أم مسألة سياسية ؟
4 جمادى الأول 1427

كشفت وزارة الداخلية المصرية في بيان رسمي عن أن "متشدداً ينتمي إلى مجموعة أصولية تقف وراء تفجيرات المنتجعات السياحية في سيناء تلقى تدريباً على استعمال السلاح في المناطق الفلسطينية المحتلة، وخاصة قطاع غزة."<BR>قراءة ما بين السطور لهذا البيان الذي جاء مفاجئا بالنسبة إلى توقيت صدوره، والنتائج التي يمكن أن تترتب عليه علي صعيد العلاقات الفلسطينية المصرية، وبين السلطات المصرية والجماعات الإسلامية الفلسطينية على وجه الخصوص. يوحي بأنه جاء متسقا لحالة التوتر وعدم الارتياح في العلاقة بين السلطات المصرية وحركة المقاومة الإسلامية حماس ، وهي ليست بالعلاقات الجيدة أصلا قبل تشكيل الأخيرة للحكومة الفلسطينية. ولا شك أن ذلك قد انعكس بكل جلاء في أكثر من مناسبة وموقف ليس آخرها الاستقبال الفاتر الذي حظي به محمود الزهار (وزير الخارجية الفلسطيني) من قبل نظيره المصري أحمد أبو الغيط أثناء زيارته الأخيرة إلى القاهرة، وهو اللقاء الذي تأجل عدة مرات.<BR>اللافت في بيان وزارة الداخلية المصرية الاتهام الذي وجهته السلطات المصرية لأول مرة لعناصر فلسطينية بالتورط في تفجيرات على أرض مصر (وكانت تفجيرات دهب المنتجع السياحي بجنوب سيناء في شهر إبريل الماضي قد أوقعت 20 قتيلاً وتسعين جريحاً معظمهم من المصريين) عندما أعلن أن فلسطينيين من قطاع غزة متورطون في الاعتداءات السابقة سواء بتدريب أعضاء في المجموعة التي تولت الإعداد والتنفيذ على تصنيع المتفجرات واستخدام الأسلحة في غزة أو الاستعداد بالمشاركة في تنفيذ عمليات عدائية داخل مصر. وقد كان البيان محل جدل واسع في أوساط النخب السياسية والمراقبين، ويمكن استخلاص أبعاد ومرامي هذا البيان ذي المضمون السياسي من خلال الآتي:<BR>* أن بيانات الحكومات العربية الأمنية تفتقد في غالب الأحيان إلى الدقة المهنية والرصانة الواضحة وهي بالعادة تصدر من أجل تحقيق غايات ومآرب سياسية لا أكثر وللإيحاء بسيطرتها على الأمور، تماماً مثلها مثل اعترافات المتهمين عبر القنوات الفضائية التي تبثها هذه الحكومات بين الحين والآخر، ولهذا يصعب على المراقب أخذها بطابع من الجدية والحزم.<BR>* الإيحاء الذي تبنته السلطات المصرية بأن المتورطين في تفجيرات سيناء تدربوا على حمل السلاح وأعمال التفجير في قطاع غزة، وأن زعيمهم تلقى التهاني من إحدى الشخصيات الفلسطينية الإسلامية بعد تفجيرات شرم الشيخ، يحاول إلقاء الكرة في الملعب الفلسطيني، وتحميل الفلسطينيين، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، مسؤولية هذه التفجيرات الدموية المدانة. سيما وأن بيان الحكومة المصرية يصدر في وقت تواجه فيه المناطق الفلسطينية المحتلة غبنا وظلما من جميع الأطراف ومحاربة في لقمة العيش وحصاراً اقتصادياً خانقا، وتوقفا كاملا للمساعدات المالية، أسفرت جميعها عن تجويع للفلسطينيين .<BR>* المفارقة هو أن يذهب هؤلاء للتدريب على العمل العسكري في منطقة لا تتوفر على أي ضمانات أو استعدادات لذلك، على أكثر من صعيد، فقطاع غزة مازال يضرب عليه حصاراً "إسرائيلياً" ومحاطاً بالآلة العسكرية المحتلة، فضلا أنه مخترق من عناصر المخابرات "الإسرائيلية" و عملائها الذي يراقبون كل شيء يتحرك أو يمشي أو يطير، كما يوجد قوات مصرية على الطرف المصري لمنع أي تسلل. ولا أدري كيف يذهب هؤلاء إلى منطقة شبه معزولة ومراقبة وليس فيها أي امتياز عسكري، ويتركون الأراضي الشاسعة والواسعة على امتداد البصر في سيناء أو داخل الأراضي المصرية للعمل العسكري بعيدا عن أعين المخابرات ورجالات الأمن، وربما يفيد التذكير أن الرجل الثاني في تنظيم القاعدة الدكتور ايمن الظواهري مصري تدرب علي حمل السلاح في قلب القاهرة، والحال نفسه بالنسبة إلى محمد عاطف الملقب بأبي حفص المصري، وأبي عبيدة البنشيري، والعشرات من أمثالهم، وبالتالي فخلية سيناء ليست بحاجة إلى الذهاب لقطاع غزة من أجل التدرب على حمل السلاح، فسيناء كانت دائماً ممراً لتهريب السلاح وتدريب الفدائيين منذ الاحتلال البريطاني وانتهاء بالاحتلال "الإسرائيلي".<BR>* إنه مع افتراض أن المعلومات الواردة في التقارير الأمنية صحيحة ، فإن عملية تفجيرها إعلاميا وببيان رسمي عن الحكومة المصرية ممثلة في وزارة الداخلية هو أمر من شأنه أن يطرح أكثر من علامة استفهام. فالبيان كان حريصا على أن يبعد أي شبهة عن تنظيم القاعدة أو أن تكون له صلة بالأحداث، وحصر المسألة في أصوليين فلسطينيين، ولا اعتقد أن هناك فصائل إسلامية ذات نشاط عسكري وسياسي في الأراضي الفلسطينية المحتلة غير حركة حماس أو الجهاد الإسلامي، فهل هذه فرضية أمنية أم أنها لعبة سياسية ترمي من ورائها التأكيد أن مصر ليست مخترقة من الإرهاب الدولي حتى لا يؤثر على المزاج السياحي هناك بدرجة ما.<BR>ويبدو أن الحكومة المصرية وفي إطار الضغوط الدولية التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية، لمحاصرة حكومة حماس، تريد أن تصدر فشلها في وقف هذه الهجمات وعجزها أمام علاج أسبابها الحقيقية إلى طرف خارجي، ووجدت في الفلسطينيين ضالتها. فليس مستغربا أن يأتي هذا التحرك بعد ساعات من انتهاء منتدى دافوس الاقتصادي في شرم الشيخ وامتداح مساعد وزير الخارجية الأمريكي روبرت زوليك للإصلاح الاقتصادي والسياسي في مصر، واللقاءات التي جمعت بين قيادات سياسية مصرية وشخصيات غربية وأمريكية أمنية وما تمخض عنها من تصريحات عن قلق أمريكي من نمو الحركات الإسلامية في مصر وفلسطين وتزامن ذلك مع حملة رئيس الوزراء المصري على جماعة الإخوان، وهو ما فسرته الحكومة المصرية على أنه ضوء أخضر من الإدارة الأمريكية لضرب وتحجيم الجماعة الإسلامية والحد من صعودها، مقابل ملف الإصلاح ، وهي معادلة أصبحت شائعة بين الأنظمة الحاكمة القريبة منها والإدارة الأمريكية بغض نظرها.<BR>وأمام ذلك، يبدو أن هناك محاولة للتعبير عن مشاركة مصرية في حصار الحكومة الفلسطينية التي شكلتها حركة حماس، مثلما فعلت سابقا الحكومة الأردنية التي اتهمت الحركة صراحة بالتورط في تهريب أسلحة ومتفجرات مزعومة لتنفيذ أعمال تخريبية ضد منشآت وشخصيات أردنية.<BR>على العموم فإن بات مؤكداً أن هذا البيان لن يؤدي إلا إلى تشديد الحصار وتبريره، على اعتبار أنه مفروض عقاب الفلسطينيين على انتخابهم حركة حماس المدرجة على القائمة الأمريكية والأوروبية للإرهاب، في إطار الحملة التي تهدف إلى تشويه صورة حركة حماس في الداخل والخارجي.<BR><br>