لماذا تخاف الولايات المتحدة من اقتصاد الصين؟
8 ربيع الثاني 1427

"هدفنا الأول هو منع معاودة ظهور منافس جديد لنا، وهذا تفكير سائد بسبب استراتيجية الدفاع الإقليمية الجديدة، وهي ما تتطلب منا أن نحاول منع أي سلطة عدائية من السيطرة على منطقة موارد تكون كافية لتوليد سلطة عالمية.. تتضمن هذه المناطق أوروبا الغربية، شرق آسيا، دول الاتحاد السوفيتي السابق، وجنوب غرب آسيا".<BR>بهذه الأفكار المحددة، اختزل بول وولفويتز (نائب وزير الدفاع الأمريكي السابق، ورئيس البنك الدولي الحالي) سياسة الولايات المتحدة الأمريكية الإستراتيجية، ضماناً لاستمرار نفوذ وسيطرة أمريكا على العالم.<BR>عندما دخل جورج بوش وكبار مساعديه إلى البيت الأبيض أوائل عام 2001، كانت لديهم أهداف إستراتيجية واضحة المعالم، رسمتها لهم سنوات الحكم السابقة للجمهوريين والديمقراطيين. كانت الأهداف تتمثّل بـ (إحياء مذهب السيطرة الأمريكية الدائمة على دول العالم، وتدعيم الاقتصاد الأمريكي". <BR>وهو ما كانت تدعو إليه القيادة الأمريكية إبان انتهاء عهد الاتحاد السوفيتي، وانتهاء الحرب الباردة مع القطب العالمي الثاني السابق، حسبما نقلت الصحف الأمريكية عن ما أسمته "مسودة رسمية سرية"، تم تسريبها أوائل عام 1992. والتي قالت: " إن هدف أمريكا الرئيسي الاستراتيجي سيكون إغلاق الباب أمام أي منافس مستقبلي قد يتحدى التفوّق الأمريكي".<BR>ورغم أن هذا المذهب السياسي المتسلّط أدين من قبل حلفاء أمريكا، إلا أن الإدارة الأمريكية لم تستطع إلا أن تضعه على سلّم أولوياتها. وأصبح ذلك الهدف هو المبدأ الأساسي للسياسة العسكرية الأميركية منذ تولي جورج بوش الابن الرئاسة في فبراير 2001.<BR><font color="#0000ff"> دول في قبضة أمريكا: </font><BR>يعتبر الاقتصاد القوي والمتين أحد أهم مقومات نشوء قوة إقليمية أو عالمية في العالم، فمنذ قديم الزمان، شكّل المرتكز المادي بنية أساسية في سيطرة حضارات وشعوب على دول وشعوب أخرى.<BR>فالاقتصاد أهم عامل في نشوء قوة عسكرية قوية وواسعة، كما أنه يستطيع ربط الدول الأخرى باقتصاد الدولة الأغنى (كربط الدولار الأمريكي باقتصاد معظم دول العالم)، ويعد عاملاً حاسماً في تقويض أركان أي دولة (كما حدث عندما انهارت النمور الآسيوية قبل أقل من عقدين بسبب انهيار عملاتها)، ويعتبر عامل تهديد أيضاً بحال استخدمت أي دولة سنداتها المالية من العملات الأجنبية ضد أي دولة أخرى، فضلاً عن قوته في إنشاء معاهدات مع دول أخرى، ودعم حكومات دول لضمان ولاءها للدولة الأغنى، وغيرها.<BR>عالمياً، يوجد عدد محدود من الدول التي استطاعت أن تبني قوة اقتصادية مؤثّرة في العالم، على سبيل المثال، استطاعت ألمانيا دعم اقتصادها بشكل ممتاز بعد الحرب العالمية الثانية، وصولاً إلى تشكيلها إحدى أهم الكتل الاقتصادية في أوروبا، إلا أن اندماجها بالاتحاد الأوروبي، وعدم السماح لها بتشكيل قوة عسكرية منذ الحرب العالمية الأخيرة، يبعد أي دور منظور لها في تشكيل قوة إقليمية أو عالمية.<BR>الهند تعتبر من الدول التي عززت اقتصادها بشكل فعال خلال السنوات الأخيرة، إلا أن حربها الباردة مع جارتها النووية باكستان، باتت تمتص قدراً كبيراً جداً من اقتصادها، فضلاً عن اختراق الولايات المتحدة لاقتصاد الهند وقوته العسكرية، عبر معاهدات عديدة، وعمليات بيع أسلحة، وغيرها.<BR>أما اليابان التي كانت عدو الولايات المتحدة خلال الحرب العالمية الثانية، فقد باتت دعامة أساسية للوجود الأمريكي في منطقة آسيا، عبر ارتباطها بالعديد من المعاهدات العسكرية والاقتصادية والفكرية والإستراتيجية. ومع عدم وجود قوة عسكرية هامة لها، وانتشار قوات أمريكية على أراضيها بشكل مستمر، فمن المستبعد تحوّلها لقوة عظمى في المستقبل المنظور.<BR>وحدها الصين تبدو كعملاق قادم بصمت وعزيمة، عبر اقتصاد هائل، وأحلاماً واسعة، وإستراتيجية ترمي لربط دول عالمية عديدة به، وتحالفات باتت تشكّل خطراً حقيقياً للهيمنة الأمريكية.<BR><font color="#0000ff"> النمو الاقتصادي الصيني خلال الأعوام السابقة:<BR> </font><BR>بدا العالم مندهشاً من القفزات الاقتصادية التي حققتها الصين خلال الأعوام القليلة السابقة، إذ أنها ومنذ عام 1978، بدأ إنتاجها الاقتصادي بالنمو بمعدل 9.4، ليبلغ في الربع الأول من هذا العام نسبة 10.2%.<BR>ومنذ عام 1982 ولغاية 2002، تضاعف الناتج الكلي للفرد فيها بنسبة 5 أضعاف. كما أن لديها 61 بليون دولار من الاستثمار الأجنبي المباشر حسب إحصاءات عام 2004، وقد بلغت تجارتها الخارجية نحو 851 بليون دولار لتصبح ثالث أكبر دولة في العالم من ناحية التجارة الخارجية.<BR>وأمام قوتها في التجارة الخارجية، بلغ العجز التجاري الأمريكي مع الصين عام 2005 أكثر من 200 بليون دولار. <BR>فيما تمتلك الصين 750 بليون دولار من احتياطي العملات الأجنبية، وتعد ثاني أكبر مستورد للنفط في العالم.<BR>وبمقارنة أخرى مع أمريكا، فإن الصين، و للمرة الأولى، فاقت الولايات المتحدة في تصدير معظم سلع التكنولوجيا حول العالم عام 2004.<BR>كما أنها تمتّعت بفائض تجاري مع أمريكا بقيمة 34 بليون دولار من قطاع التكنولوجيا المتقدمة خلال عام 2004، وارتفع هذا الفائض عام 2005 إلى 36 بليون دولار. طبقاً لمجلة العالم الاقتصادي الصادرة في 17 ديسمبر 2005.<BR>وهذا الانتعاش والنمو الاقتصادي لا يجد طريقاً للتوقف الآن، إذ أن الصين أنشأت نحو 20 ألف مرفق صناعي جديد العام الماضي، وبات لديها 442.000 مهندس جديد خلال عام 2005، بالإضافة إلى 48 ألف مهندس حاصل على درجة الماجستير، و8 آلاف دكتور. مقارنة بـ 60 ألف مهندس جديد فقط العام الماضي في أمريكا.<BR>ولدى الصين 252 بليون دولار في سندات الخزينة الأمريكية (إضافة إلى 48 بليون دولار لدى هونج كونج).<BR>وفي قطاع التكنولوجيا، باتت الصين تستهلك أجهزة التليفزيون والثلاجات والهواتف المحمولة أكثر من الولايات المتحدة، فعلى سبيل المثال، في عام 1996، كان لدى الصين 7 ملايين هاتف محمول، مقارنة بـ 44 مليون في الولايات المتحدة. أما اليوم، فإن الصين قد فاقت أمريكا في استخدام الهواتف المحمولة.<BR>كما تمتلك الصين 1 ترليون دولار في المدخرات الشخصية، فيما تمتلك الولايات المتحدة 158 بليون دولار فقط فيها. كما تضم مدينة شنغهاي الصينية 4 آلاف ناطحة سحاب، وهو ضعف عدد ناطحات السحاب في مدينة نيويورك (حسب مجلة وول ستريت، عدد 19 نوفمبر 2005).<BR>وحسب تنبؤات الاقتصاديين العالميين، فإن الصين ستتفوق تماماً على الاقتصاد الأمريكي في جميع مناحيه عام 2041 على أبعد تقدير.<BR><font color="#0000ff"> مطامح الصين الكبيرة: </font><BR>لا يبدو أن الحلم الاقتصادي الصيني يقف عند حدود معينة، إذ تنهج الصين نهجاً متعدداً في تنمية قدراتها الصناعية والاقتصادية لمستقبل قريب.<BR>على سبيل المثال، يقول موقع (آسيا تايمز) المتخصص بالشؤون الآسيوية: " إن منبع المعجزة الاقتصادية في الصين، هي أن المدن الصينية كانت تضم 135 مليون شخص فقط في عام 1995، لكنها ستنمو إلى أكثر من 800 مليون شخص في عام 2050، طبقًا لتنبؤات لتوقعات هيئة السكان في الأمم المتحدة".<BR>ويتابع بالقول: " الفلاحون الذين قضوا حياتهم في الريف الفقر، بدؤوا ينضمّون إلى الاقتصاد العالمي، حيث بلغ معدل النمو الاقتصادي أكثر من 10 %، والناتج المحلي للصين يتضاعف كل سبعة سنوات، وهذا المعدّل يمكن أن يبقى محافظاً على معدل الزيادة هذه طالما أمكن نقل الناس من الزراعة التي تعطي إنتاجية منخفضة، إلى الإنتاجية الكبيرة الصناعية.. واليوم تقف نسبة السكان الريفيين إلى المدينة في الصين بواقع الضعف، ولكن بمنتصف القرن الحالي، ستصبح نسبة السكان في الريف إلى المدينة؛ النصف".<BR>إقليمياً، تحافظ الصين على علاقات جيدة مع دول المنطقة، عبر اتفاقيات اقتصادية واسعة، وعبر السماح لمنتجاتها بالمرور إلى الدول التي تستفيد منها بشكل فعّال، كأستراليا وكوريا الجنوبية والهند، وهي الدول التي تحاول الولايات المتحدة ربطها بنظام أمريكي مناهض للصين. <BR>دول المنطقة تحاول الاستفادة من الانتعاش الاقتصادي في الصين بصورة فعالة، عبر تزويد الصين بالنفط والغاز والحديد والخشب، والمواد الأخرى. <BR>عالمياً، تحاول الصين التمدد نحو مناطق النفط العالمية، عبر إقامة اتفاقيات نفطية مع دول عديدة. فقد مثّلت زيارة الرئيس الصيني هو جينتاو الأخيرة إلى المملكة العربية السعودية ونيجيريا وكينيا، انتصاراً جديداً للاقتصاد الصيني. حيث اتفق الجانبان الصيني والسعودي على إقامة مخزون نفط احتياطي في الصين، فضلاً عن إقامة مشروع شركة بتروكيمياويات ضخمة بين البلدين.<BR>كما عقد الرئيس الصيني اتفاقية مع نيجيريا باستخراج النفط من أربع مناطق.<BR>وتقول وكالة شينخوا للأنباء: " إن الجانب النيجيري قدم لمجموعة النفط الصينية تراخيص الاستخراج في 4 مناطق لحقول النفط , تقع اثنتان منها في دلتا نهر نيجر الغنى بالنفط ، بينما تقع الأخريان في إقليم بحيرة تشاد الذي تكون ظروفه الطبيعية رديئة ولم يستثمر بعد".<BR>كما تستمر الصين بتوقيع عقود نفطية مع السودان.<BR>وحول التعاون النفطي بين الصين والسودان تقول الوكالة: " إن شركات الصين بدأت بالمشاركة في تطوير الطاقة السودانية منذ أواسط تسعينات القرن الماضي".<BR>مضيفة أن شركة النفط الصينية استثمرت حتى نهاية 2003 ما يعادل 2.7 مليار دولار أمريكي، وبنت أنابيب لنقل البترول طولها الإجمالية 150,6كلم، وأتمت بناء مصنع تبلغ طاقة إنتاجه السنوي 2.50 مليون طن من النفط الخام، إلى جانب بناء محطات لإمدادات النفط ، مما حول السودان من دولة مستوردة للنفط إلى دولة مصدرة للنفط".<BR>وخلال رحلة الرئيس الصيني إلى كينيا، وقعت الصين اتفاقيات تجارية واقتصادية وفنية مع كينيا، وتم تعزيز العلاقات بين البلدين لمستويات رفيعة جداً.<BR>تجارياً، ارتفعت التجارة بين الصين والدول الإفريقية من 10 ملايين دولار أمريكي في الخمسينات، إلى حوالي 39.7 مليار دولار في 2005. وارتفعت الصادرات الإفريقية للصين 10 مرات، لتصل إلى 21 مليار دولار أمريكي. <BR>كما وصلت الاستثمارات المباشرة الصينية إلى 1.25 مليار دولار، وأقيم أثر من 800 شركة بتمويل صيني في إفريقيا. حسب وكالة الأنباء الصينية.<BR>وحتى الآن خفضت الصين ديونا تقدر ب10.5 مليار يوان ( حوالي 1.3 مليار دولار أمريكي) لـ31 دولة افريقية. كما ألغت التعريفات الجمركية على 190 نوعا من الصادرات الإفريقية للصين، بهدف ربط اقتصاد إفريقيا بعجلة بكين وسياستها.<BR><font color="#0000ff"> السياسة الأمريكية الاقتصادية ضد الصين: </font><BR>لا يبدو أن الولايات المتحدة قادرة في الوقت الحالي على القيام بخطوة من شأنها أن تتسبب في انهيار الاقتصاد الصيني المتنامي بقوة، غير أنها قد تفكّر بسياسات أخرى إذا ما استدعى الأمر لذلك.<BR>إحدى السناريوهات التي قدمها كروب فكتور (الأستاذ في الإدارة العامة من مدرسة كينيدي بكلية هارفارد) أن تقوم القوات الأمريكية بعملية عسكرية ضد الصين، بحال قامت الصين بتوجيه ضربة لتايوان إن أعلنت الأخيرة استقلالها..<BR>وحسب نظرية فكتور، فإن القوات الأمريكية قد تستخدم حاملاتها وبارجاتها المنتشرة في المحيط الهادي لتوجيه ضربات عسكرية إلى أمريكا، تساعدها فيها اليابان، وتأمل في إشراك كوريا الجنوبية وأستراليا في ذلك. ذاكراً تفاصيل عديدة لقدرة كل من أمريكا والصين على المواجهة العسكرية.. ولكن اللافت للنظر هنا ما يقوله فيكتور حول استخدام الصين للاقتصاد في ضرب أمريكا، حيث يقول: " إن لدى الصين بعض الأوراق الرابحة، منها امتلاكها لسندات كبيرة في الخزينة الأميركية". مشيراً إلى أن استغلال الصين لذلك، سيؤثّر على الاقتصاد الأمريكي بصورة مباشرة.<BR>ورغم إمكانية حدوث ذلك، إلا أن العديد من المراقبين السياسيين ينظرون إلى الضربة العسكرية على أنها "خيار أخير" لمنع قيام قوة عظمى صينية في العالم.<BR>في مواجهة ذلك، تحاول الولايات المتحدة فرض قوانين دولية خاصة بالتجارة العالمية على الصين، بهدف كسر الثقل الاقتصادي لها، وإجبارها على فتح أسواقها بدون جمارك للبضائع المنافسة القادمة من أمريكا والغرب.<BR>كما تحاول تقويض دعم المراكز الاقتصادية التي تحاول التملّص من القبضة الصينية، كتايوان وهونغ كونغ، فضلاً عن تأليبها لدول الغرب ضد سياسة الصين الرامية للحصول على حصة أكبر من النفط الإفريقي. إذ دأبت العديد من وسائل الإعلام الأمريكية والأوروبية، على وصف الصين بأنها "مستعمر جديد" يحاول استعمار الدول الإفريقية. بسبب العقود الأخيرة التي وقعها الرئيس الصيني خلال زيارته لدول إفريقية.<BR>وفيما ترفض بكين تلك الاتهامات، تبدو أنها ماضية في تحقيق أهداف بعيدة، تصفق لها دول عديدة في العالم كحلم للخلاص من الهيمنة الأمريكية، أو كدولة اقتصادية داعمة لاقتصاد بعض الدول الفقيرة، أو كقوة اقتصادية نامية يمكن الاستفادة منها في عقود طويلة الأجل.<BR>إلا أن الولايات المتحدة تنظر بعين أخرى إلى هذه القوة الجديدة، وتحسب لها حسابات عديدة، وسط توقعات شبه مؤكدة أن واشنطن لابد ستتخذ خطوات ضد هذا المارد الجديد الأصفر، آجلاً أم عاجلاً.<BR><br>