الانتخابات "الإسرائيلية" تلغي قرارات القمة العربية !
3 ربيع الأول 1427

لم ينتبه كثيرون لمغزى فوز المتطرفين والانفصاليين في انتخابات الدولة الصهيونية ، وما يحمله في طياته من معاني رفض المبادرة العربية للسلام التي طرحها العرب في قمة بيروت 2002 وأعادوا التأكيد عليها في قمة الخرطوم 2006 ، ولم يلحظ أحد أن هذه أول حكومة صهيونية غير عسكرية نظريا ولكنها تضم كبار رجال المخابرات الصهيونية السابقين الذين لهم وجهات نظر محددة فيما يتعلق بخطط إعادة ترسيم حدود أمنه للدولة الصهيونية وفرضها علي العالم .<BR>أيضا لم ينتبه كثيرون إلي أن نتائج الانتخابات الصهيونية جاءت في سياق عام يتعلق بإعادة النظر في كل المسلمات السابقة للصراع بعدما فشل اليمين الصهيوني المتشدد في القضاء علي الانتفاضة بالقوة المسلحة وانهياره (الليكود حصل علي 11 مقعد مقابل 40 في أخر انتخابات ) وفاز المتشددون من أنصار حزب “ إسرائيل بيتنا“ الذين يدعون لطرد فلسطيني 48 ، لأول مرة بـ 12 مقعداً ، وهو التطور الذي جاء بدوره في أعقاب فوز حزب حماس علي الجانب الفلسطيني وإنهاء سيطرة فتح وحكومات الكاريزما أو "الابوات" الفلسطينية علي السلطة .<BR>فالنتائج التي انتهت لها انتخابات الكنيست “الإسرائيلية” رقم 17 ألغت عمليا قرارات القمة العربية فيما يخص تمسك العرب بمبادرة السلام التي تنص علي السلام العربي الشامل مع تل أبيب مقابل الانسحاب لحدود 67 ، ليس فقط لأنها أتت بحزب (كاديما) - الذي يحمل خطة انفصال صهيونية محددة عن الفلسطينيين- إلي السلطة ولو بنسبة مقاعد أقل من المتوقع (29 من 120) ، ولكن لأنها حملت بدورها دلالات هامة فيما يخص تصاعد نفوذ الأحزاب الدينية الصهيونية التي تعادي فلسطينيي 48 وتدعو لنقلهم للدولة الفلسطينية واستبدال المناطق التي يعيشون فيها بمناطق أخري يحتلها الصهاينة !.<BR>بل أن رد الفعل الأمريكي المؤيد لخطط الفصل الأحادية الصهيونية وترسيم حدود للدولة الصهيونية والذي تمثل في تبني وزيرة الخارجية رايس لسياسة ايهود أولمرت في ترسيم أحادي الجانب للحدود النهائية للدولة الصهيونية قبل نهاية هذا العقد ،وقول أولمرت أنه سينسق في هذا الأمر فقط مع الأمريكان دون الفلسطينيين أنفسهم أصحاب الأرض ، يشير بوضوح إلي دخول الصراع مرحلة جديدة سوف تصطدم فيها الأحلام الصهيونية بصخرة المقاومة الفلسطينية التي أصبحت تتبناها –لأول مرة – منذ أوسلو 1991 – حكومة فلسطينية .<BR><font color="#0000ff">أهم ملامح الانتخابات الصهيونية </font><BR>1- تصويت الناخبين "الإسرائيليين" ضد اليمين السياسي المتطرف المتمثل في حزب الليكود ، وذهاب أغلب الأصوات لصالح حزبي كاديما والعمل ( 49 مقعد معا) اللذين يمثلان التيار الوسطي الصهيوني الداعي لانسحابات أمنية محدودة وتحديد حدود الدولة الصهيونية لأول مرة في تاريخها ، معناه التصويت لصالح إنهاء أبرز حلمين "إسرائيليين" منذ نشأة الدولة الصهيونية ( حزب الليكود بزعامة نتنياهو الذي قال: إنه حامل شعلة “ إسرائيل الكبرى“ ، وهما إقامة “ إسرائيل الكبرى“، أو التوصل لاتفاق أمني مع الفلسطينيين .<BR>2- تصويت "الإسرائيليين" جاء هذه المرة لصالح الأحزاب الدينية المتطرفة ، والأحزاب الوسطية التي تؤيد انسحابا جزئيا من الضفة الغربية ، والأحزاب التي تركز عموما علي الأمن الصهيوني سواء كان عن طريق الانسحاب الجزئي أو القوة ، بعدما انتهي عصر الجنرالات المؤسسين للدولة الصهيونية بانتهاء دور شارون السياسي ، وبدأ عهد السياسيين الذين يحركهم رجال المخابرات الصهيونية السابقين الذين يدركون الحاجة لتأمين حدود دولتهم أولا .<BR>3- خطة أيهود اولمرت في الفصل بين "الإسرائيليين" والفلسطينيين والاختباء خلف جدار عازل لن توفر الأمن ولا الهدوء لـ"الإسرائيليين" لأنها ببساطة ستتعارض حتى مع حدود الدولة الفلسطينية التي يرغب الصهاينة في تحديدها ، وعلي سبيل المثال يسعي أولمرت للاحتفاظ بمستوطنة أرييل في الضفة حيث 240 ألف مستوطن يعيشون وسط 2.4 مليون فلسطيني ، وهذا سيعني أن الحدود الدائمة الجديدة لـ"إسرائيل" ستشمل شريطا ضيقا من الأرض يخترق شرقا الأراضي الفلسطينية. وإذا واصل بناء ممر بين القدس ومستوطنة معاليه أدوميم المقامة علي ارض فلسطينية فهذا سيؤدي لتقسيم الضفة الغربية إلي قسمين، شمالي وجنوبي، مما يجعل إقامة دولة فلسطينية أمرا يتعذر تحقيقه !.<BR>4- إحدى مفاجآت الانتخابات هي فوز حزب “ إسرائيل بيتنا“ بزعامة افيجدور ليبرمان الذي يدعو لإخراج فلسطينيي 48 من سيطرة “ إسرائيل “ ومبادلة الأرض التي يملكونها بالأراضي التي تتواجد عليها التجمعات الاستيطانية في الضفة الغربية ، بعدما حصل علي 12 مقعداً، وفوز حركة شاس الدينية الأرثوذكسية التي جميع مصوتيها من اليهود الشرقيين بـ13 مقعداً في البرلمان لتصبح ثالث أكبر حزب في البرلمان الجديد، بعد كل من كاديما و العمل ، وكذلك فوز حزب المحاربين المتقاعدين بسبعة أصوات . <BR>5- أصبح البرلمان "الإسرائيلي" يضم أغلبية ساحقة تؤيد انسحابا من بعض مدن الضفة الغربية وتفكيك عشرات المستوطنات التي يصعب حمايتها أو التي تكلف الدولة الصهيونية حياة أبنائها وأموال ضخمة ، مع الإبقاء على التجمعات الاستيطانية الكبرى ، حتى أن الكنيست الجديدة تضم حوالي ثمانين نائبا يؤيدون خطة ايهود اولمرت" للانسحاب الأحادي الجانب وهذا يتوافق مع قول شيمون بيريز (الرجل الثاني في حزب كاديما): إن هذه الانتخابات "ستحدد طابع هذا البلد وحدوده وهوياته الأخلاقية ، خصوصا أنه يروق للكثير من "الإسرائيليين" الخطوات من جانب واحد التي يتخذها أولمرت بعد أن أرهقتهم الانتفاضة الفلسطينية المستمرة منذ نحو خمس سنوات ، إضافة إلي قلقهم من صعود حماس إلى السلطة.<BR>6- حزب وحكومة أولمرت سعت لضم مسئولين أمنيين سابقين ضمن محاولات كل حزب صهيوني الاستقواء بالعسكريين والأمنيين لإظهار قوته في ظل انتهاء حقبة الجنرالات المؤسسين بانتهاء دور شارون ، ومن أبرزهم في كاديما (افي دختر) الذي حل في المكانة الرابعة في قائمة حزب " كاديما "، وهو رئيس جهاز المخابرات “الإسرائيلية” " الشاباك " السابق، وهو مرشح لتولي منصب وزير الأمن الداخلي في الحكومة “الإسرائيلية” القادمة ، وله دور كبير في تنفيذ عمليات الاغتيال ضد الكوادر الفلسطينية ، إضافة إلي (جدعون عيزرا) النائب الأسبق لرئيس " الشاباك "، والذي شغل في حكومة اولمرت السابقة منصب وزير الأمن الداخلي، وهو بدوره مسئول عن عمليات الإعدام الميداني التي قامت بها المخابرات “الإسرائيلية” ضد نشطاء حركات المقاومة الفلسطينية بعد وقوعهم في الأسر ، بجانب ( شاؤول موفاز) وزير الحرب الذي يؤكد دوما أنه مسئول عن " تأديب " الفلسطينيين والعرب ، وغيرهم الكثير من الجنرالات !.<BR>7- في حالة قرر أولمرت تنفيذ خطة الفصل الأحادي في الضفة الغربية كما فعل شارون في غزة ، سوف يتأثر نحو 60 ألف مستوطن بالضفة الغربية بخطته مقارنة بنحو 8500 مستوطن تم إجلاؤهم من القطاع ، وهو ما يعني صدمة أكبر للمستوطنين والمتطرفين الصهاينة قد تؤدي لمزيد من القلق والجدال والانقسام داخل الدولة الصهيونية .<BR><font color="#0000ff">الأحزاب العربية والحركة الإسلامية </font><BR> تشير نتائج الانتخابات الصهيونية إلى أن الأحزاب العربية لم تجتز نسبة الحسم فقط ، ولكنها – مع تزايد دعوات طردها خارج أراضي 48 - عززت من قوتها البرلمانية بعدما حصلت على 10 مقاعد (تقلصت إلي 9 بعد حساب أصوات الجنود الصهاينة) وذلك مقابل 8 مقاعد حصلت عليها في الكنيست السابقة ، وهذا بالإضافة إلى دخول 4 أعضاء كنيست عرب آخرين إلى الكنيست من خلال حزبي كاديما والعمل .<BR>وتشير النتائج إلي أن قيادة الحركة الإسلامية لفلسطيني 1948 (الجناح الجنوبي) للقائمة العربية الموحدة جاء بنتائج هامة تمثلت في حصول القائمة علي أربعة أصوات وبالتالي مضاعفة أصواتها عن الكنيست السابق (مقعدين) ودخول "إسلاميين اثنين" للكنيست ، حيث فاز من القائمة العربية الموحدة والعربية للتغيير كل من الشيخ إبراهيم صرصور والدكتور أحمد الطيبي، وطلب الصانع والشيخ عباس زكور .<BR>وفاز بالمقاعد الأخرى للعرب من (الجبهة الديمقراطية) : محمد بركة والدكتور حنا سويد ودوف حنين ، ومن (التجمع الوطني): الدكتور عزمي بشارة والدكتور جمال زحالقة وواصل طه ، ومن حزب العمل: نادية الحلو وغالب مجادلة وشكيب شنان ، ومن حزب كديما: مجلي وهبي .<BR>وعمليا فانه بالنسبة للوسط العربي واضح أن الموحدة تمكنت من مضاعفة قوتها البرلمانية وبحيث أصبحت القوى البرلمانية الأولى في الوسط العربي ، ولكن التلفزيون "الإسرائيلي" عاد ليعلن عقب إعلان النتائج إن فرز الأصوات ذات المغلفات المزدوجة، وهي التي يستخدمها المعاقون والجنود للتصويت، أسفر عن هبوط نتيجة القائمة العربية الموحدة من أربعة مقاعد برلمانية إلى ثلاثة وهو ما يعني خسارة الشيخ زكور وأبعاده عن الكنيست وإعطاء مقعده لحزب شاس الصهيوني الذي تفوق بـ 120 صوتاً فقط !! <BR>ومع هذا قال أحمد الطيبي، الذي انضم للقائمة الموحدة إن قائمته ورغم التطورات الأخيرة حققت أكبر إنجاز في هذه الانتخابات وباتت القوة الأولى في الوسط العربي بلا منازع ، واعتبر الطيبي أن حركته رسخت مكانتها كقوة حزبية رائدة وذات شعبية واسعة وأضاف " نمد أيادينا للجبهة والتجمع للتعاون ككتلة واحدة في الكنيست السابعة عشرة".<BR>ونوه الطيبي إلى أن الموحدة زادت من قوتها بشكل كبير جدا مقارنة مع انتخابات الكنيست الماضية حينما فازت وقتذاك بـ66 ألف صوت ، وعادت لتضاعف هذه الأرقام في الكنيست الحالي رغم أن الأحزاب والقوائم العربية عانت من رفع نسبة الحسم من 1.5% إلى 2% ، ولكنها تجاوزت ذلك وحسنت من حصتها من 8 إلى 10 مقاعد قبل أن يتم انتزاع مقعد منها .<BR>ولا شك أن استمرار الخلافات بين شقي الحركة الإسلامية الجنوبي والشمالي (الرافض للمشاركة في الانتخابات) ، فضلا عن استمرار رفض نسبة كبيرة من العرب التصويت في الانتخابات أثر علي الأصوات الإجمالية للحركة الإسلامية وقائمتها الموحدة ، ومع هذا يمكن القول أن وصول الحركة إلي الكنيست ممثلة في الشيخ إبراهيم صرصور إنجاز هام لها وتحدي في الوقت نفسه في ظل تأكيد الجناح الشمالي الرافض لدخول الكنيست أن النواب العرب لا يستطيعون تغيير الكثير من الواقع العربي السيئ الملي بالعنصرية الصهيونية .<BR><br>