حماس فى موسكو بداية اختراق الصقيع الدولى
15 محرم 1427

تأتى دعوة (الرئيس الروسي) فلاديمير بوتين لحماس لزيارة موسكو بعد انفضاض الرباعية على ما فسر أنه اتفاق بين أطرافها ـ أمريكا، روسيا، الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ـ على عدم التعامل مع حماس، وعدم الاعتراف بسلطتها القادمة، قبل أن تقر حماس بمجموعة الشروط المعروفة " الاعتراف بالكيان الصهيوني، ترك السلاح، تفكيك البنية التنظيمية لمجموعتها المسلحة، اعتماد التفاوض سبيلاً وحيداً لحل جميع متعلقات ملف الصراع ".. ولذلك جاء رد الفعل الصهيوني والأمريكي على الدعوة عصبياً ومتوتراً ويعكس خيبة أمل في نجاح المخطط الأمريكي الصهيوني الاستباقي لإفشال حماس قبل أن تبدأ.<BR> وقد تباينت مواقف الدول الغربية من الدعوة التي وجهها الرئيس الروسي لوفد من حركة المقاومة الإسلامية "حماس" لزيارة موسكو.. واشنطن أعربت عن تفاجئها بالدعوة.. وأكدت باريس ترحيبها في حين استبعد حلف شمال الأطلسى اجراء أى اتصال مع حماس.<BR>وفي سياق ردود الفعل طالبت واشنطن من موسكو توضيحات بشأن فحوى الزيارة، وذكرت وزارة الخارجية الأمريكية أن (وزيرة الخارجية) كوندوليزا رايس حصلت على تأكيدات من روسيا بأن موسكو ستوجه رسالة قوية إلى حماس بضرورة التغيير إذا كانت تريد الحصول على مساندة العالم.<BR>وأجرت رايس اتصالا هاتفيا مع (وزير الخارجية الروسي) سيرجى لافروف الجمعة لمناقشة خطط موسكو المفاجئة لدعوة حماس إلى إجراء محادثات، في تحرك أثار ضيق واشنطن ولم تسبق مناقشته خلال لقاء رايس ولافروف في لندن الأسبوع الماضي.<BR>وقال شون مكورماك (المتحدث باسم الخارجية الأمريكية) لقد حصلنا على تأكيد بأن الحكومة الروسية إذا عقدت اجتماعا مع حماس..فسيكون الاجتماع بهدف توجيه هذه الرسالة الواضحة القوية.<BR><BR>المجموعة الرباعية لوسطاء السلام التي تضم الولايات المتحدة والأمم المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي، كانت قد عقدت اجتماعا الأسبوع الماضي في لندن وأصدرت بيانا يهدد بوقف المساعدات إذا لم تف حماس بتلك الشروط، ولم يذكر البيان شيئاً عن الاتصالات مع الحركة، وهو ما يشير إلى تفادى المسألة في اجتماع الرباعية لوجود خلافات حولها.<BR>وفيما يبدو انه انفصال عن النهج الأمريكي لمحت فرنسا إلى تأييدها للاجتماع الروسي وقالت: إن مثل تلك المحادثات ربما تؤدى إلى تحسين موقف المجموعة الرباعية.<BR>وأوضح الناطق الرسمي لوزارة الشؤون الخارجية الفرنسية خلال مؤتمر صحفي أن "هذه المبادرة التي تم اتخاذها دون التشاور مع شركاء اللجنة الرباعية والتي تندرج في إطار الأهداف والمبادئ المسطرة من شأنها أن تطور مواقفنا".<BR>و صرح أن فرنسا تقاسم روسيا مبدأ توجيه حركة حماس نحو مواقف من شأنها أن تسمح بتكريس هدف "دولتين تعيشان في سلم وأمن".<BR>وتعقيبا على هذا الموقف قال مكورماك رداً على سؤال عما إذا كان الاجتماع الروسي المزمع مع حماس وتأييد فرنسا له يشيران إلى خلاف داخل المجموعة الرباعية على أسلوب التعامل مع الحركة أن لكل دولة بمفردها الحق في تحديد ما إذا كانت ستجري اتصالات مع الحركة الفلسطينية، وأضاف مكورماك ما أعلناه بوضوح كامل هو أن كل دولة ستتخذ بمفردها قرارات سيادية بشأن موضوعات تتعلق بالمساعدات وموضوعات تتعلق بالاتصالات، ويقول المراقبون: إن الدعوة الروسية أحدثت شرخا في جدار المعارضة التي تقودها الولايات المتحدة للتعامل مع حماس قبل أن تعترف بالكيان الصهيوني، خصوصاً وأن موسكو هي ثاني راعيي "السلام" في الشرق الأوسط بعد واشنطن وعضو في اللجنة الرباعية المكلفة بمتابعة المفاضات بين الفلسطينيين والكيان.<BR>وقد جاء رد الفعل الصهيوني منفعلا فانتقد مسؤولون في الكيان الصهيوني الرئيس الروسي بعبارات لاذعة، قال (وزير التعليم) مائير شتريت: إن الدعوة التي أعلنها بوتين تشكل "فضيحة دولية"، وأضاف في تصريحات للإذاعة العبرية "إنها أمر لا يجوز فعله وطعنة لإسرائيل في الظهر". <BR>ووجه زعماء الصهاينة من مختلف الاتجاهات السياسية انتقادات حادة لدعوة بوتين، ودعا كل من يوسى بيلين من حزب ميريتس الليبرالى وأفيجدور ليبرمان من حزب الاتحاد القومى اليمينى المتطرف إلى استدعاء سفير الصهاينة في روسيا للتشاور. <BR><font color="#FF0000">لماذا فعلت روسيا؟! </font> <BR>وتأتى الدعوة الروسية لحماس في إطار خط متصاعد للسياسة والدبلوماسية الروسية في المنطقة والعالم تواجه به حالة الانفراد الأمريكي بالقرار الدولي التي دامت عقداً ونصف من الزمان، ولعل الشواهد البادية على ذلك في أمريكا الجنوبية، والملف النووي الإيراني، والملف النووي الكوري، والموقف من الاحتلال الأمريكي للعراق، وصفقات الأسلحة مع سوريا وإيران، كما يعبر هذا الموقف عن رد روسى على التهميش الأمريكي للرباعية في التعامل مع الملف الفلسطيني منذ اتفاقيات أوسلو، وقد يتحقق لموسكو مجموعة من الأهداف نتيجة لهذا التحرك، أو بالأحرى قد يكون تحركا لإعلان مطالبات روسية ناتجة عن تعديلات في موازين القوى التي فرضت الانفراد الأمريكي بالقرار الدولي في الحقبة السابقة على أفغانستان والعراق وهى:<BR>• إعلان عودة القوة الروسية للمجال الدولي كقوة فاعلة ذات مصالح مرعية، وانتهاء عصر الانفراد بالقرارات الدولية.<BR>• توجيه لطمة إلى الأمم المتحدة، بعد أن تحولت في عصر الانفراد بالقرار إلى غطاء لأوامر وأهداف أمريكا، وإطلاق الإنذار بأن تجاوز المنظمة وأطرها لن يظل وقفا على أمريكا.<BR>• عودة اللاعب الروسي إلى المياه الدافئة،وبؤرة الطاقة العالمية الرخيصة بعد تداويه من جراح الانفراط.<BR>• توجيه رسالة إلى الاتحاد الأوروبي ودوله الرئيسة تلفت إلى إمكانية التحرك الفعال ضد الاستئثار الأمريكي بمقدرات السياسة الدولية، ويبدو أن فرنسا على الأقل قد تسلمت الرسالة.<BR>ولا يعنى ذلك أن روسيا التي تقاتل الحركة الإسلامية الشيشانية، قد تحولت إلى حليف استراتيجي للمسلمين والعرب، ولكنه يعنى أن اللاعب الروسي قد رأى في المكان بكل ما يشتمل عليه من أزمات وهزائم للأمريكيين، وفي الزمان بكل ما يعنيه صعود قوى دولية وإقليمية مناوئة للانفراد الأمريكي، رأى ظرفا مناسبا لاستعراض قدراته وإمكانياته على وضع العراقيل أمام الأمريكيين، والتحرك مع أكثر من طرف في عكس اتجاه المخططات الأمريكية.<BR><font color="#FF0000">حماس المحترفة تدرك الحدود والتحديات.. </font> <BR>منذ أن بدت المؤشرات الأولية لفوز حماس بالانتخابات وكوادر الحركة ومسؤوليها يبدون قدرا عاليا من الحنكة والاحتراف، سواء في تحركاتهم السياسية الداخلية أو الخارجية، أو في تحركاتهم الدبلوماسية، وقد بدأت الحركة بالداخل الفلسطيني.. لعلمها أن معضلتها الحقيقية تأتى في لعبة توزيع الأدوار في الداخل لتحقيق التوازن بين السياسة والعسكرة والتفاوض واستخدام القوة، وقد يكون هذا المسار هو الأطول والأشق في كل المسارات التي يتوجب على حماس ارتيادها، ومن هنا يأتي وعي حماس ودعوتها لكافة الفصائل والقوى الفلسطينية بالمشاركة ليس بالأساس لتجميع القوى.. وهو هام وضروري.. ولكن الأهم لتفادى المسالب القاتلة الناشئة عن انفراط الصف في الحالة الفلسطينية.<BR>وإقليمياً تحركت حماس بأولويات وترتيب احترافي أيضا، فقد بدأت التحركات بسوريا وإيران ثم القاهرة وقد أعلن إسماعيل هنية أن وفداً من قيادي حماس سيزور في إطار جولة يقوم بها حاليا عدة دول عربية وإسلامية بينها تركيا والسعودية وإيران والسودان وماليزيا ودول أخرى. وكان (المتحدث باسم حماس) سامي أبو زهرى قد أكد أن وفداً من حركة حماس سيقوم بجانب زيارة موسكو في النصف الثاني من الشهر الجاري بجولة عربية ستشمل العديد من الدول، في أعقاب الزيارة التي قام بها (رئيس المكتب السياسي للحركة) خالد مشعل ومسؤولين آخرين إلى مصر وقطر.<BR>لقد استطاعت حماس بعد أن فازت في انتخابات شهد لها العالم بالشفافية والنزاهة، أن تنتزع الاعتراف من العديد من القوى والدول المؤثرة حتى قبل استلام السلطة، وهي قادرة على وضع كل القوى الغربية التي صدعتنا بالديموقراطية والانتخابات كوسيلة لتبادل السلطة في أحرج المواقف إذا ما سلك الغرب عكس ما يدعى، وهي لم تقدم أي تنازلات في تحقيقها لتلك المكاسب، لذلك فإن حماس تذهب إلى موسكو وهي تمتلك أوراقاً كثيرة مؤثرة، كما تذهب وهي تعرف أبعاد الموقف الروسي ودوافعه، وهي تذهب وهي تعلم حقيقة التعاون الروسي الأمريكي في صفقة الشيشان فيما أسموه " الحرب على الإرهاب".<BR> وما يدل على احترافية الأداء "الحماسي"، أن خالد مشعل (رئيس المكتب السياسي للحركة) قد بدأ ضغوطه الواعية على موسكو بمجرد أن انطلقت، وقد فعل هذا بلغة دبلوماسية راقية، فقطع الطريق على كل الإملاءات التي يمكن أن تفكر موسكو في فرضها على الحركة، وقد فعل بعد أن أتت الدعوة أكلها وشقت الحصار الغربي المفروض على الحركة، ويبدو أن الدعوة الروسية هي أول الغيث، وقد تلاها الموقف الفرنسي، وأن أوراق شجرة المقاطعة الغربية آخذة في السقوط، فالخريف الأمريكي قد بدأ منذ احتلال أفغانستان، ثم التورط في العراق، والمهم أن يعمل العرب والمسلمين على تأكيد ايجابيات هذه المرحلة بدلاً من محاصرتها، لكي يكون هذا إذاناً ببدء ربيع الكرامة العربية والإسلامية. <BR><br>