الانتخابات العراقية.. نهاية الزواج الشيعي الأمريكي
21 ذو القعدة 1426

هل يمكن تحقيق وفاق سياسي بين القوى العراقية في ظل الاحتلال؟ أو بصيغة أخرى هل ستنجح وسائل الاستلاب السياسية فيما فشلت فيه الوسائل العسكرية؟ <BR>هذا السؤال يشغل الحيز الرئيس من تفكير المراقبين السياسيين والمحللين على اختلاف مشاربهم وانتماءاتهم، ولكنه يحتل الأهمية القصوى في المخطط الأمريكي الاستعماري، فنجاح هذه اللعبة يمثل الإمكانية الوحيدة الباقية للخروج من الجحيم العراقي بالمكاسب المطلوبة، والنجاح هنا يعنى محاصرة المقاومة جماهيرياً وسياسياً، فبعد فشل أداته العسكرية، وارتفاع كلفة استمراره في الاحتلال العسكري المباشر لأرض الرافدين، خطط لاحتواء المقاومة من الداخل عن طريق ما سمي بالعملية السياسية في العراق ـ حسب دراسة أمريكية نشرت على موقع كارنيجى إنداومينت فور إنترناشيونال بيس نوفمبر 2005 ـ وحسب تصريحات القادة الأمريكيون على اختلاف انتماءاتهم.<BR><BR>وقد احتوى هذا المخطط على وسائل ومستهدفات بعينها تتلخص في.. تشكيل إجماع وطني سياسي يجتذب تأييد القوى السياسية العراقية الكبرى.. وتجهيز قوات أمنية تابعة قادرة على مواجهة المقاومة.. باختصار: أن المشروع الأمريكي يهدف إلى إقامة نظام سياسي تابع، يسعى بدوره إلى إضعاف وعزل المقاومة العراقية حتى يتسنى للحكومة القادمة إجهاضها بسهولة، وهو هدف تدعمه مجموعة من اللاعبين السياسيين العراقيين الذين يشتملون على أهم الشخصيات السياسية العرقية والمذهبية العراقية في مرحلة ما بعد الاحتلال.<BR><BR>الفوضى السياسية إذن تحل في المخطط الأمريكي الآن محل الفوضى الناتجة عن تفكيك الدولة بالقوة، وقد نتج عن هذا المخطط صورة من صور الكوميديا السوداء تشهدها الساحة العراقية في الانتخابات الجارية، فالتنافس يجرى بين 228 كتلة وائتلاف تضم 21 تكتلاً ائتلافيا على 230 مقعداً، وتمثل هذه الكتل 288 كياناً سياسياً، وتعمل على الترويج الإعلامي لها أكثر من 200 صحيفة، وكذلك خصص 45 مقعدا للأقليات والمرأة والأحزاب الهامشية، ومع هذه الأرقام يمكن تصور حجم التمويل الذي يصب في هذه اللعبة، ودرجة الارتباك التي يعانيها المواطن الذي سينخدع بهذه العناوين البراقة، أما الكتل الرئيسة فهي تقدم أنموذجا للفوضى المطلوبة لصياغة السلطة القادمة، فرغم التكوين العرقي والطائفي للقوائم، إلا إنها جاءت متشرذمة لا يضبطها منطق ولا يحدها انتماء..عدا الكتلتين الرئيستين الشيعية والكردية.. ويكاد يكون الخط الأساسي الواضح في تكوين الكتل المختلفة، وخاصة كتلة علاوي هو القلق الأمريكي من تزايد النفوذ الشيعي الإيراني في خارطة المتعاملين مع الاحتلال، ففي مواجهة قائمة الإتلاف العراقي الموحد التي تضم الحكيم والجعفري والتيار الصدري وحركة الوفاء التركمانية بالإضافة إلى 12 كياناً شيعياُ، تأتى القائمة العراقية الوطنية المكونة من خمسة عشر كيان وحزب يقف على رأسها علاوي الذي كان بالأمس القريب ضمن القائمة الشيعية التي أوصلته إلى الجمعية الوطنية، وتضم الباجه جى والياور.. وهى قائمة مدعومة أمريكياً وغربياً.. كما تأتى في نفس السياق قائمة المؤتمر الوطني العراقي والتي تضم 10 كيانات وشخصيات سنية وشيوعية وليبرالية وعشائرية ومعها الحركة الدستورية الملكية.<BR><BR>ولا يخلو الصف الشيعي من التشتت فقائمة الإتلاف الإسلامي تضم 6 كيانات شيعية وتمثل الاتجاه الحوزي، وابرز شخصياتها الشيرازي ومحمد تقي المدرسي، ولعل أبرز حالات التشرذم هي بين السنة والتركمان اللذين تفرقا بين عدد كبير من الكتل الائتلافية والقوائم المستقلة، ولا تخلو الحالة الكردية من هذا التفتت، بالرغم من كونها أقل الحالات، فقد سجلت القوائم خروج قوائم كرديه على قائمة التحالف الكردستاني تمثل 6 كيانات كردية، يضاف إلى هذا المشهد الفوضوي العراقيون في الخارج، والذين يبلغ عددهم نحو أربعة ملايين، يحق لحوالي المليون ونصف عراقي ممارسة التصويت " حسب مفوضية الانتخابات.<BR>وقد أعلن عادل اللامي المتحدث باسم المفوضية العليا المستقلة للانتخابات العراقية بدء عملية التصويت للانتخابات العراقية في 15 دولة أجنبية، وقال اللامي في مؤتمر صحفي في قصر المؤتمرات وسط بغداد: "إن العملية الانتخابية للعراقيين خارج بلادهم قد بدأت " وستستمر لمدة ثلاثة أيام حتى 15 ديسمبر الحالي".حيث يصوت العراقيون في 15 دولة أجنبية من أستراليا وحتى الولايات المتحدة"يجرى التصويت في 47 مدينة وفتحت المفوضية مئة مركز للاقتراع، وقد سبق ذلك عملية الانتخاب في مقار قوات الجيش والأمن العراقي والمستشفيات والمعتقلات العراقية الاثنين قبل الماضي. وقالت حمدية الحسيني: إن عدد المقترعين الذين سجلوا في الانتخابات الماضية كان 279 ألفاً وإن عدد من أدلوا بأصواتهم كان 250 ألفاً مضيفة أن المفوضية تتوقع أن يتضاعف العدد هذا العام لعدم وجود مقاطعة، وأنه يحق لجميع العراقيين المقيمين خارج العراق والمولودين في 1987 أو قبل ذلك المشاركة في التصويت. وأضافت "القانون قال كل من يحمل الجنسية العراقية له حق التصويت...كل شخص يثبت أنه عراقي... لا أعرف ولا أتحقق من جنسيته الأصلية واسمح له بالتصويت." <BR><BR>الهاجس الأمريكي الذي قاد هذه العملية بدءاً من الإسراع في إخراج الدستور، وتنظيم الانتخابات التشريعية، مرورا بتقديم بعض التراجعات الشكلية لطمأنة الدول العربية المطلوب دعمها، بل وحتى التهدئة مع إيران، هو عنصر الوقت الذي أجمعت كل تقارير المخابرات الأمريكية والدراسات التي أجرتها مراكز الأبحاث المكلفة على أنه يسير في عكس اتجاه المصالح الأمريكية، وتصاعد المقاومة التي اعترف العدو الأمريكي في تقارير وإفادات رسمية بعدم قدرته على حسم المعركة معها، وتزايد النفوذ الإيراني في العراق الأمر الذي دفع بالقلق السعودي والخليجي إلى مستوى الضغط على الأمريكيين، واستخدام كل أوراق اللعب العربية، كما أدت الفوضى التي أراد الاحتلال أن تكون خلاقة إلى اندفاع الآمال الكردية، التي دفعت بدورها تركيا لرفع راية الاعتراض واستخدام عبارات غير دبلوماسية.. هكذا أصبح الوقت عنصرا ضاغطا ومنذرا، دفع الإدارة الأمريكية إلى استخدام كل أوراقها في معركة أخيرة لتحقيق الأهداف عبر الفوضى السياسية، والخروج من المأزق العسكري، وهو رهان صفري فشله يعنى الخروج من الهجمة الأمريكية على العراق والمنطقة بنتائج كارثية ليس على المدى القريب فحسب،ولكن على المدى الاستراتيجى أيضاً. <BR><BR>قوى رئيسة خمس ينحصر بينها التنافس في هذه "الانتخابات" هي قائمة الائتلاف العراقي الموحد" بزعامة عبد العزيز الحكيم،والتي تم تشكيلها منذ الانتخابات الماضية وتضم 17 كياناً سياسيّاً أهمها "المجلس الأعلى للثورة الإسلامية" والتيار الصدري وحزب الدعوة الإسلامية -تنظيم العراق- بزعامة إبراهيم الجعفري، وقد انسحب منها المؤتمر الوطني العراقي بزعامة أحمد الجلبي،وتتمثل القوة الثانية في "القائمة العراقية الوطنية" بزعامة إياد علاوي الذي ضم عدد من الوجوه السنية ومجموعة من الشخصيات السياسية في العراق، منها غازي عجيل الياور (رئيس قائمة "عراقيون..أما القوة الثالثة فتتمثل في "جبهة التوافق العراقية"، والتي تضم ثلاثًا من القوى السنية هي الحزب الإسلامي العراقي والمؤتمر العام لأهل العراق ومجلس الحوار الوطني العراقي. وتأتي الجبهة الكردية في المرتبة الرابعة للقوى المتنافسة في الانتخابات المقبلة وهي تتألف من الحزبين الكرديين الكبيرين "الاتحاد الوطني الكردستاني" و"الديمقراطي الكردستاني"، بالإضافة إلى عدد من الأحزاب الكردية الأخرى. وتأتي قائمة المؤتمر الوطني العراقي بزعامة أحمد الجلبي في المرتبة الخامسة، وتضم عشرة كيانات على رأسها حزب المؤتمر الوطني العراقي والحزب الدستوري العراقي والحركة الدستورية العراقية.<BR>والسؤال هو.. أياً كانت التشكيلة التي ستفرزها لعبة الفوضى السياسية فهل يمكن للتشكيل القادم للحكومة أن يجيب على الأسئلة الرئيسة المطروحة على الساحة العراقية؟ تعديل الدستور.. إخراج قوات الاحتلال.. التشريعات البرلمانية، وهل يمكن لأية " حكومة " قادمة في ظل الاحتلال تعديل الخلل في التوازنات الإقليمية الذي تكرس في مراحل الحصار والاحتلال؟؟ <BR><BR>الرؤية الموضوعية لكافة الدراسات والأبحاث تشير إلى استحالة إحداث تغيير دستوري ملائم، سواء بسبب وجود قوات الاحتلال، أو لغياب التوازن الإقليمي الذي دفع بمصالح القوى الإقليمية المتصارعة إلى مقدمة المشهد العراقي، كما تشير إلى استحالة الوصول إلى توافق حول التشريعات الأمنية في وجود التشكيلات العسكرية " الميليشيات" العرقية والمذهبية التابعة والمدعومة من القوى الإقليمية والدولية، وتأتى مشكلة الصيغة الفيدرالية "الطائفية البنية" لتمثل المسمار الأخير في نعش الفوضى السياسية التي أرادها الأمريكيون.<BR>هذا على جانب المشهد الخاص بالقوى المتعاملة مع الخيار السياسي في ظل الاحتلال، والتي أفرزتها عملية الانتخابات، أما على الجانب الآخر ـ قوى المقاومة ـ فإن المشهد يبدو أكثر وضوحا.. فقد نجحت المقاومة حتى الآن أن تفرض أجندتها على القوى السياسية العراقية، ويتجلى هذا في إدراج كل الكيانات والكتل الانتخابية قضية إخراج قوات الاحتلال على رأس برامجها سواء على سبيل الرياء، أو من منطلق الوهم الذي يحكم رؤية البعض بإمكانية إخراج قوات الاحتلال عبر الوسائل السياسية.<BR><BR>وتركز المقاومة أعمالها وبنجاح على قوات الاحتلال، حيث تشير البيانات الواردة عن العمليات العسكرية للمقاومة إلى ارتفاع حصيلة القتلى والجرحى في صفوف قوات الاحتلال في الشهور الأخيرة، ويبقى للمقاومة أن تؤكد سعيها الدائم على ضم صفوف الشعب العراقي بكل تنويعاته خاصة في مرحلة ما بعد الانتخابات، حيث من المتوقع أن تفتح المرحلة القادمة القضايا الفارقة.. من قواعد أمريكية دائمة " فحسب تصريحات رامسفيلد سوف تحتفظ قوات الاحتلال باثني عشرة قاعدة دائمة على الأراضي العراقية ".. إلى الموقف من سلاح ميليشيات الكيانات المشاركة في الحكم والتي ستتحول وفق تركيبة الحكم المنتظرة بعد " الانتخابات" إلى قوات حكومية ذات بنية عرقية، كما تشير المعارك التي بدأت بين العملاء والمتعاونين إلى صراعات واسعة مرشحة لتصدر الموقف بين الفرقاء في جبهة الاحتلال، وهو ما يمثل فرصة كبيرة لفضح الجرائم التي تم إلصاقها بالمقاومة، وفضح الارتباطات المشبوهة بالمخططات الاستعمارية لتلك القوى، وتطرح الفيدرالية العرقية المطروحة إمكانية إضافية لتوسيع صفوف المقاومة، إذ يطرح سؤال كيف سيتسنى لبرلمان يشجع اللامركزية أن يتعامل مع حكومة مركزية، بل ومع قوانين ومؤسسات في غاية المركزية، وهي تلك المتواجدة خارج كردستان العراقية؟ وكيف سيتسنى لمثل هذا البرلمان ـالذي سيدفع الأكراد إلى إقامة حكمهم الذاتي والذي سيدفع الشيعة إلى إقامة إقليمهم الجنوبي ـ أن يواجه السنة العرب الذين سيعتبرون ذلك تقسيما وإذابةً لبلاد الرافدين، والذين سيقاومون ذلك بكل السبل المُتاحة؟ وهذا لا يعني إلا أمرا واحدا: أن تطبيق الفيدرالية العراقية لن يسهم في إحداث وفاق سياسي عراقي، بل سيسهم في انفجار الصراعات والتقسيمات والمقاومات بين العراقيين. الانتخابات الجارية على أرض الرافدين لا تمثل طلاقا شيعيا أمريكيا فحسب، ولكنها تمثل بداية النهاية لكل السيناريوهات التي أجهد مخططو المحتل أنفسهم في وضعها، من الفيدرالية إلى عزل المقاومة، وتفتح الباب على مصراعيه على احتمالات صراعات إقليمية وعرقية ومذهبية أرادها المحتل لتفكيك الدولة العراقية فتحولت إلى تهديد حقيقي لكل مستهدفات المحتل في السيطرة، كما تدفع العديد من دول المنطقة المتعاونة أو الراضخة للمشروع الأمريكي إلى إعادة الحسابات، وهى تطرح كذلك إمكانية حقيقية لسقوط المشروع الأمريكي لاحتواء منطقة الخليج كنواة لمشروع الشرق الأمريكي الأوسط الكبير.<BR><br>