أمريكا والعبث بالقدرات النووية الباكستانية
3 ذو القعدة 1426

مخططات واشنطن تتكشف بين الحين والآخر من خلال تسريبات ما من شك أن توقيتها مقصود وخاضع لدراسات معقدة وشاملة. وكان آخر هذه الكشوفات ما أثير في الأسابيع الأخيرة حول أن باكستان وقدراتها النووية قد احتلت المرتبة الثانية بعد العراق في إطار الضربات الاستباقية التي تجعل الولايات المتحدة تتدارك الخطر قبل وقوعه وتعمد إلى مهاجمته لحماية أمنها وفقا للنظرية التي اختطتها الإدارة الأمريكية وتبعتها فيها كل من إسرائيل والهند بدرجات متفاوتة.<BR><BR>وكثير من المراقبين السياسيين توقعوا بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م أن تشهد منطقة جنوب آسيا سلسلة من التغييرات الهامة خلال السنوات القليلة التي تبعت ذلك الحدث.. وخص المراقبون في المنطقة باكستان بهذا التغيير.. فإنه وعلى الرغم من وقوف باكستان مع الولايات المتحدة في حربها على ما يسمى بالإرهاب وتقديم باكستان للكثير من التنازلات تلو التنازلات لإرضاء الجانب الأمريكي؛ الذي لا يكل من القول بان باكستان مطالبة بعمل المزيد... إلا أنها لم تسلم من كونها في قلب المخططات والاحتيال السياسي الأمريكي على الإطلاق.. فإذا كانت من دلالة لتصريحات المسؤولين الأمريكيين على كافة المستويات خلال السنوات القليلة الماضية فإن بها رائحة الغدر والخيانة الواضحة، فتارة تشيد بالموقف الباكستاني وتارة أخرى تشكك في نواياه.<BR><BR>وفي كثير من المواقف توجه لها انتقادات لاذعة خاصة فيما يتعلق بملفها النووي وتقنيتها وترسانتها النووية. فهناك بعض التقارير التي تشير إلى أن الولايات المتحدة كانت تتابع خطوط شبكة انتشار التكنولوجيا النووية لعبد القدير خان منذ أوائل التسعينيات، ولكنها لم تقم بإثارة هذا الموضوع من قبل وتعمدت إثارته الآن وقد رسخت القوات الأمريكية أقدامها على الأراضي الباكستانية بهدف اغتيال ما يسمى بالقنبلة الإسلامية وفق التعابير الأمريكية والغربية؛ بالإضافة إلى ما تزعمه الحكومة الباكستانية من أن قوات حلف الناتو التي دخلت الأراضي الباكستانية للمساهمة في عمليات الإنقاذ بمناطق الزلزال سوف تغادر في غضون تسعين يوما ولن تبقى بباكستان وهو ما تشكك فيه الكثير من المصادر المعارضة للحكومة!!<BR><BR>ولعل التطورات التي شهدها هيكل السياسة الأمريكي لا سيما تعيين (وزيرة الخارجية الأمريكية) كوندليزا رايس فتح باب التساؤلات عن ما تحمله الولايات المتحدة في جعبتها لباكستان؟ وماذا تخطط رايس وبالتحديد تجاه المنشآت النووية الباكستانية؟. ففي أول حديث لها أمام الكونجرس الأمريكي قالت بأن إدارة بوش لديها خطة طارئة لمنع أي محاولة من الأصوليين الإسلاميين للوصول إلى المنشآت النووية الباكستانية خاصة في حالة وقوع أي مكروه لـ(الرئيس الباكستاني) الجنرال برويز مشرف وأن هذه الخطة تشمل وضع اليد الأمريكية على هذه المنشآت بقوة التدخل السريع.<BR><BR>ولكن ما يدركه الأمريكيون وغيرهم هو أن وصول الإسلاميين إلى السلطة بعد غياب مشرف أمر قد يكون مستبعداً على الإطلاق.. فالرموز السياسية الدينية ليست لديها القوة السياسية الكافية لتحقيق ذلك الوصول - والخلافات على أشدها بين صفوفها - على الأقل في المرحلة الحالية والقادمة وعلى المديين المتوسط والبعيد، وعلى سبيل الافتراض بأن هذه الرموز والجماعات الدينية لديها القاعدة السياسية لذلك فالولايات المتحدة لن تسمح بوصولهم إلى السلطة بأي حال من الأحوال، فتصريحات رايس ما هي إلا حجة سياسية قد تكون الأرض التي ستستخدمها الولايات المتحدة في حالة اتخاذ قرار بالسيطرة على المنشآت النووية الباكستانية في المستقبل.<BR><BR>ويرى الكاتب والمحلل الصحفي الباكستاني محمد أكبر في تعليقه على الموضوع في صحيفة سوث ايشين تربيون أنه على الرغم من حركة التنقلات التي جرت في صفوف وبين قيادات الجيش تحت إمرة الجنرال برويز مشرف وبإرشادات من الولايات المتحدة وبعد موافقتها على الشخصيات العسكرية التي تم تعيينها من قبل مركز الاستخبارت الأمريكية المركزية.. إلا أن القيادات الأمريكية في البيت الأبيض مازالت تشكك في هذه القيادات العسكرية الباكستانية الراهنة وفي نواياها تجاه واشنطن، فتاريخ عمليات تغيير القيادات في الجيش أثبتت في عدة مناسبات أنه من الصعب الاعتماد على شخصية معينة واعتبارها شخصية آمنة.. فعلى سبيل المثال وأقربه إلى الواقع الحالي هو التغيير الذي أحدثه ذو الفقار على بوتو عندما قام بتعيين الجنرال ضياء الحق كقائد للجيش معتبرا أنه من القيادات العسكرية الآمنة التي ستوفر لـه حماية لظهره.. وأيضا التغيير الذي قام بها نواز شريف عندما عيّن الجنرال برويز مشرف معتقداً أيضا بأنه شخصية آمنة لا أطماع لديها، وهو التغيير الذي ترتبت عليه أحداث انقلاب أكتوبر 1999م.<BR><BR>وقام بعض من الخبراء بالشأن العسكري في باكستان بوضع صور لاحتمالات الهجوم الأمريكي المحتمل على المنشآت النووية الباكستانية. فالاحتمال الأول أن تقوم فرقة من القوات الخاصة الأمريكية بالاقتراب من المنشآت النووية عبر غطاء جوي ليلاً ويساعدها في ذلك قوات برية وبالتالي تقوم بالسيطرة على كافة المخارج والمداخل لأماكن هذه المنشآت والسيطرة عليها وتقوم بتفكيك الرؤوس النووية وإبطالها، ولكن هل ستقف القوات الباكستانية في موقف المتفرج؛ بالطبع لا ولكن على رغم ضعف هذا الاحتمال وبعده عن الواقع إلا ان الخبراء العسكريين يضعونه كخيار أمريكي قد تلجأ إليه الولايات المتحدة في واحدة من اخطر مغامراتها وهي كثيرة.<BR><BR>أما الاحتمال الثاني فهو أن يكون للولايات المتحدة عملاء داخل هذه المنشآت أو خارجها وتكون لهم القدرة على الوصول إلى المنشآت عن طريق مناصبهم الحكومية أو مناصب حساسة داخل هذه المنشآت على أن تقوم هذه العناصر بالمرحلة التمهيدية لاستقبال قوات أمريكية داخل المنشآت. ويرى كثير من المراقبين أيضا أن هذا احتمال ضعيف أيضاً، فالقضية النووية بالنسبة للباكستانيين تعد مسألة حياة أو موت وأنها مرتبطة بالدرجة الأولى بالأمن القومي وكبرياء هذا الشعب، ولكن الخشية التي يبديها بعض المراقبين أن أي خطأ في أي احتمالات لاقتحام المنشآت النووية الباكستانية قد يؤدي إلى قيام بعض العناصر في هذه المنشآت أو من القيادات العسكرية بالضغط على أي زر نووي يفجر بعض الأسلحة النووية من منطلق مبدأ (عليّ وعلى أعدائي). ولكن ما يثير القلق في الأوساط الباكستانية هو تدفق التقارير التي توجه مزيد من أصابع الاتهام تجاه باكستان وان علماءها النوويون متورطون في عمليات مشبوهة بتسريب تكنولوجيا وأسرار ومواد نووية إلى دول مختلفة. ولكن لماذا هذه التقارير وفي هذا الوقت بالذات؟ يرى بعض المحللين أن هذه التقارير تخدم غرضين تسعى الولايات المتحدة والغرب لتحقيقهما، فمن جانب تسعى لفرض مزيد من الضغوطات السيكولوجية على باكستان لإرغامها على تقديم المزيد من المساعدات والتنازلات في ملفات عديدة وفي الوقت نفسه تستهدف الدول التي تعتبر حسب الاعتقاد الأمريكي دول غير ديموقراطية – والتي منها دولا عربية - أو أنها دول أصولية يجب تصفيتها أو بسبب الاشتباه بوجود أي نوع من الأنشطة النووية لديها، كما تزامنت هذه التقارير أيضاً مع تقرير نشرته وكالة الطاقة الذرية الدولية بأن دولة عربية لم تكشف عن كل المعلومات التي لديها بخصوص أنشطتها النووية، فكل هذه التقارير الملفقة ما هي إلا زوبعة إعلامية تهدف إلى تشويه الصورة ووضع هذه الدول في بؤرة الاهتمام الإعلامي.<BR><BR>وآخر وأهم هذه التقارير هو التقرير التي نشرته وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي أي إيه) والذي يقول بأن الإرهابيين يمكنهم سرقة أو شراء أسلحة نووية من باكستان أو من روسيا خلال الـ 15 سنة القادمة، وعلى الرغم من أن الحكومة الروسية نفت صحة ما جاء في التقرير، إلا أن النفي الباكستاني لن يكون بمرتبة ترقى الى الاتهام الوارد في التقرير الأمريكي. فلا شك أن الخطر الأمريكي يحوم فوق المنطقة بأسرها سواء هنا في منطقة جنوب آسيا أو بمنطقة الشرق الأوسط، لإضعاف هذه الشعوب التي مازالت تمتلك بعض القوى السياسية أو العسكرية أو الاقتصادية، فالاستهداف قائم سواء على المدى القريب (كإيران) أو المتوسط (باكستان وبعض الدول العربية) أو البعيد ككوريا الشمالية والصين.<BR><BR><BR><BR><br>