هل تؤدي الانتخابات المصرية لانقلاب في تركيبة القوى وإصلاح حقيقي ؟
11 شوال 1426

في أعقاب المظاهرات التي قامت بها حركة "كفاية" في أواخر العام الماضي 2004م، والتي رسخت ثقافة التظاهر ونقد رموز الحكم ومعارضة توريث أو تمديد حكم الرئيس مبارك، ثارت تساؤلات حول بداية حراك سياسي في مصر وظهور قوى سياسية حديثة بخلاف الأحزاب السياسية (21 حزباً) التي انصرف عنها المواطن المصري.<BR><BR>وعندما قامت جماعة الإخوان المسلمين بسلسلة مظاهراتها الأضخم في مصر منذ عقود في مارس 2005م، والتي خرج فيها قرابة 80 -100 ألف متظاهر في غالبية المحافظات المصرية للمطالبة بالإصلاح والتغيير، أصبحت حقيقة هذا التغيير في التركيبة السياسية المصرية واضحة خاصة أنه أعقبها ظهور عشرات الحركات والتجمعات المصرية الشعبية التي ترفع شعار التغيير مثل "صحفيون من أجل التغيير"، و"أطباء من أجل التغيير"، و"شايفينكو"، و"عايز حقي" و"مع السلامة للحكام" وغيرها.<BR>وعقب ظهور نتائج انتخابات الرئاسة المصرية وتكشف حقيقية تصاعد دور الحرس الجديد في الحزب الوطني الذي أدار هذه الانتخابات علي الطريقة الأمريكية في حين اختفي الحرس القديم تماما منها، إضافة إلى صعود نجم حزب الغد المصري وحصوله علي المركز الثاني في الانتخابات الرئاسية بدعم واضح من أنصار جماعة الإخوان المسلمين، أصبح الحديث عن هذا الحراك السياسي والتغيير في القوى السياسية المصرية أمراً واقعاً وملموساً.<BR><BR>ولهذا توقع مراقبون سياسيون أن تكون انتخابات برلمان عام 2005م التي بدأت يوم 9 نوفمبر 2005 وتستمر حتى الأسبوع الأول من شهر ديسمبر المقبل هي الترجمة الحقيقية لهذا الظهور المتجدد للقوي السياسية الحديثة، وأن تسفر الانتخابات عن انقلاب في التركيبة السياسية المصرية وفوز أنصار هذا التيار الجديد الممثل في جماعة الإخوان والقوى المعارضة الحديثة مثل كفاية والغد والكرامة وغيرها.<BR>وجاءت مفاجأة نتائج المرحلة الأولى من الانتخابات علي حوالي 35% من مقاعد البرلمان، وما قبلها من إرهاصات لتكشف عن نجاح جزئي لهذه التوقعات في صورة انهيار المعارضة المصرية التقليدية الممثلة في الأحزاب وإخفاقها في الحصول على مقاعد في البرلمان، وصعود نجم جماعة الإخوان المسلمين بشكل غير عادي رغم شكاوى التزوير، في حين جاءت نتائج باقي القوى الحديثة مخيبة للآمال بما يطرح السؤال: هل فعلاً ستؤدي الانتخابات في مراحلها الثلاثة بتغيير حقيقي في التركيبة السياسية أم لا ؟ وهل ستؤدي لإصلاح حقيقي أم ديكور فقط؟<BR><BR>فقد خسر كافة مرشحي حزب الغد الأصليين (21) والمنشقين (8)، وخسر مرشحي حزب الكرامة الناصري باستثناء مرشح واحد يعيد الانتخابات، واختفي الحرس الجديد الذي أدار معركة انتخابات الرئاسة المصرية ليحل محله الحرس القديم برموزه وتنجح هذه الرموز في الوصول للبرلمان مرة أخرى، وجاءت عمليات "التزوير الناعم" أو التلاعب في الانتخابات عبر: شراء الأصوات، والقيد الجماعي لأنصار الحزب الوطني وأعمال البلطجة لتكمل ثلاثة إجهاض نجاح أول تجربة انتخابات مصرية شهدت حياداً لقوى الأمن وإشراف قضائي شبه كامل ومراقبة من منظمات المجتمع المدني لأول مرة في مصر منذ ثورة يوليو 1952م.<BR><BR><font color="#0000ff">هل يجري تعديل الدستور مرة أخرى؟</font><BR>وتشير توقعات مبدئية بشأن النتائج التي سوف تترتب على حصيلة انتخابات برلمان عام 2005م إلى احتمالات كبيرة لتعديل ثان في الدستور المصري بعد التعديل الأول الذي جري في المادة 76 في ضوء فشل أحزاب المعارضة في الحصول على نسبة 5% من المقاعد اللازمة للمشاركة في انتخابات الرئاسة المقبلة عام 2011، كما تشير إلى توقع حسم الصراع على النفوذ بين الحرس الجديد والقديم في ضوء نتائج المرشحين المحسوبين علي كل فريق. <BR><BR>فحتى يحق لأي حزب مصري تقديم مرشح لانتخابات الرئاسة المصرية مستقبلاً، فإنه يحتاج للفوز بنسبة 5% من مقاعد مجلس الشعب (23 مقعداً) و5% أخرى من مقاعد مجلس الشورى - الذي يعد الغرفة الثانية للبرلمان المصري – أي (حوالي 9 مقاعد)، وفي حالة فشل أي من الأحزاب المصرية المشاركة في الانتخابات التشريعية عام 2005م في الحصول على هذه النسبة لن يسمح لها بالمشاركة في انتخابات الرئاسة المصرية المقبلة، خصوصاً إذا أجريت قبل موعدها المقرر في 2011م وقبل انتخابات البرلمان المقبل.<BR>وفي حالة استمر الرئيس مبارك في السلطة حتى نهاية ولايته عام 2011م، سيكون أمام كل حزب فرصة أخرى في الانتخابات البرلمانية القادمة عام 2010م للحصول على النسبة المقررة (5%) أما في حالة عدم إكمال مبارك فترة حكمه لأي سبب فسوف يكون الترشيح للرئاسة قاصراً على التمثيل الحزبي في برلمان 2005م، ما يعني حرمان أي من الأحزاب القائمة من التقدم بمرشح للرئاسة المصرية في حالة العجز عن الفوز بـ23 مقعداً في مجلس الشعب و9 مقاعد في الشورى، وحرمان المستقلين لصعوبة حصول المرشح علي تزكية 250 من نواب المجالس التشريعية، ومن ثم قصر الترشيح على الحزب الوطني الحاكم الذي يمتلك أغلبية في البرلمان ما يفتح الباب أمام أقاويل وشائعات ما يعرف الآن بسيناريو التوريث بالانتخاب الحر.<BR><BR>وفي ظل اعتراف أحزاب المعارضة ذاتها بصعوبة الحصول علي نسبة الـ5% في انتخابات البرلمان الحالية أو المقبلة عام 2010م، لم يستبعد جمال مبارك (أمين السياسات بالحزب الوطني) في أحد المؤتمرات الانتخابية للحزب "إمكانية إجراء تعديلات جديدة على المادة 76 من الدستور، باعتبار أنها: "ليست آخر المطاف" وأنها "قابلة للتعديل من جديد ".<BR>ومعروف أن هذه الانتخابات الرئاسية المقبلة عام 2011 م سوف يسبقها انتخابات برلمانية جديدة عام 2010م ولكن احتمالات صعود أحزاب المعارضة – وفق تقدير قادتها - ليست كبيرة أيضا، وهناك تصريحات لقادة الأحزاب تعبر عن التشاؤم حيال حصول أحزابهم على هذه النسبة ويرون أن أفضل السبل هي التخفيف من شروط المادة 76 من الآن.<BR><BR><font color="#0000ff">أهم النتائج المترتبة علي الانتخابات:</font><BR>الأمر الثاني الذي كشفت عنه نتائج انتخابات برلمان 2005م هو اشتعال الصراع بين الحرس القديم والجديد في الحزب الوطني فضلاً عن ظاهرة المستقلين المنشقين عن الحزب الحاكم، حيث ظهرت سيطرة شبه كاملة للحرس الجديد في انتخابات الرئاسة المصرية واختفي الحرس القديم، واستمر هذا التوجه في المراحل الأولى لترشيحات الوطني في انتخابات برلمان 2005م قبل أن تتدخل رئاسة الحزب وتعيد الاعتبار للحرس القديم وتقلص نسبة التغيير في قوائم الوطني من 50% لصالح الحرس الجديد إلى حوالي 176 مرشحاً جديداً بنسبة تغيير 35% فقط.<BR><BR>وقد تردد أن السبب الرئيس لعدم إقصاء العديد من وجوه الحرس القديم، خصوصاً في الدوائر التي تشهد قوة انتخابية لمرشحي المعارضة والتيار الإسلامي هو خبرات هؤلاء القدامى في حسم النتائج لصالح الحزب الحاكم، وخشية سقوط الرموز الجديدة التي رشحها الحرس الجديد؛ لأنها غير معروفة وليست لها خبرة بالانتخابات ودهاليزها وتكتيكاتها، إلا أن ترشيحات الحزب لم تخل مع ذلك من وجوه قديمة متهمة بالفساد كان متوقعاً تغييرها رغم استبعاد أخرى، ما يعني أن الحزب سعى لما يسمى "تسوية منتصف الطريق" بين الحرس الجديد والقديم.<BR>وسعى الحزب الوطني لحشد رموزه من الحرس القديم ذوي الخبرة من الوزراء وكبار الحزبيين في المرحلة الأولى للانتخابات التي بدأت اليوم 9 نوفمبر 2005 م بهدف تحقيق دفعة معنوية لمرشحيه لباقي المراحل، خصوصاً أن محافظات المرحلة الأولى لا يوجد بها منافسة كبيرة لمرشحي الإخوان والمعارضة على عكس محافظات مثل البحيرة والغربية في المرحلة الثانية التي تشهد نفوذا أكبر للتيار الإسلامي، حيث يجري التنافس في المرحلة الأولى على 164 مقعدا في 8 محافظات تمثل 35% من عدد مقاعد مجلس الشعب.<BR><BR><font color="#0000ff">الإخوان قادمون: </font><BR>وقد حرصت جماعة الإخوان وتجمع المعارضة الذي يضم 11 حزباً وجماعة سياسية، على تأكيد قدرتهم علي منافسة الحزب الوطني الحاكم وهزيمته علي الرغم من عدم ترشحهم سوى في نسبة 34% فقط من مقاعد البرلمان، وحرص المرشد العام للإخوان المسلمين وقادة الجماعة على تأكيد أن الإخوان لن يتراجعوا مع بدء بعض المضايقات، وأن الجماعة ستنافس على ثلث مقاعد البرلمان فقط في الانتخابات المقبلة لتجنب الاحتكاك مع الحزب الحاكم ولعدم استفزاز النظام.<BR>وتشير التوقعات المبدئية التي يطرحها مراقبون مصريون ومراكز أبحاث وصحف مستقلة إلى أن "الإخوان قادمون" بقوة في هذه الانتخابات أو المرحلة الأولي منها على وجه التحديد، خصوصاً في القاهرة والجيزة وبعض محافظات شمال وجنوب مصر بدليل أنه من بين 50 مقعداً يتنافس عليها في القاهرة 523 مرشحاً، فاز منها الإخوان بثلاثة وفشلوا في ستة دوائر فقط ويعيدون في 41 دائرة يتوقع أن يفوزوا في ربعها على الأقل.<BR><BR>والملفت أنه بينما كانت تجاوزات الانتخابات عموماً أقل من الأعوام السابقة بسبب مراقبة منظمات حقوقية مصرية للانتخابات بعدما سمحت لجنة الانتخابات للمجلس القومي لحقوق الإنسان بمراقبة الانتخابات والإشراف القضائي، فقد ظهرت أساليب أخرى للتزوير أثرت بشدة على النتائج مثل شراء الأصوات التي تراوح الصوت فيها بين 20 -300 جنيه بخلاف الهدايا الأخرى مثل توزيع الأجهزة المنزلية واللحوم ومواد البناء وغيرها.<BR>ورغم هذا لم ينف قادة هذا الحرس القديم في الحزب الوطني اعترافهم بقوة المعارضة خاصة جماعة الإخوان، ولم يستبعدوا حصول مرشحيها على عدد غير قليل من مقاعد البرلمان في الانتخابات، وكان أبرز ما قيل في هذا الصدد هو تصريح كمال الشاذلي (الأمين العام المساعد للحزب الوطني الحاكم وزير مجلسي الشعب والشورى) لصحيفة (الحياة) 30 أكتوبر 2005م الذي قال: " إن الإخوان حققوا حضوراً بارزاً على الساحة السياسية ولديهم مؤيدون وهم نجحوا في إقناع بعض الفئات والتجمعات الجماهيرية بأفكارهم "، مضيفاً: "نحن طورنا أنفسنا كحزب حاكم ووعينا كحكومة أن الأوضاع تغيرت وأن الإخوان لديهم حضور في الشارع ويريدون أن يمارسوا العمل السياسي ونحن لا نمانع، وإذا كانوا اختاروا أن يخوضوا غمار العمل السياسي تحت لافتة (الإخوان المسلمين) فهم أحرار، لكن مسألة حصولهم على حزب غير واردة لأن الدستور يمنع قيام أحزاب على أسس دينية".<BR><BR>وقد سعت جماعة الإخوان لقصر الترشح على ثلث أعضاء البرلمان فقط في البداية (150) مقعد لعدم استفزاز الحزب الحاكم، وقلصت العدد مرة أخري إلى 120 مرشحاً.<BR>وفي ضوء فوز ذات الرموز الحزبية والوزارية من الحزب الوطني، واتساع هامش مشاركة الإخوان في البرلمان، وتقلص نفوذ المعارضة، سيظل الحال علي ما هو عليه في برلمان 2005م ويقتصر التغيير علي تغيير شكلي في المقاعد لا يسمح بإصلاح وتغيير حقيقي وتظل تجربة 2005م مجرد بروفة لانتخابات برلمان 2010 المفترض أن تحسم مصير منافسة المعارضة على انتخابات رئاسة 2011 لأول مرة.<BR><BR><br>