سيناريوهات أمريكية للتعامل مع سوريا بانتظار تقرير ميليس
8 رمضان 1426

بالنسبة للولايات المتحّدة فتقرير ميليس هو عبارة عن أداة سياسية للضغط على سوريا فإما أن يخرج التقرير بإدانة لسوريا وتنظر عندها أمريكا في طريقة لاستغلال التقرير والحصول على ثماره سياسياً وربما عسكرياً، وإما أن ترضخ سوريا وتتعاون مع أمريكا وبالتالي يخرج التقرير غامضاً معتمداً على شمّاعة الإرهاب والمتطرفين. <BR><BR>وبانتظار أحد الخيارين، قامت الولايات المتّحدة بتكليف لجنة خاصّة في البنتاجون بإعداد كافّة السيناريوهات المناسبة للتعامل مع سوريا وقامت بالوقت نفسه بتسريب محتوى الخلاصة التي توصّلت إليها اللجنة وذلك لتصل إلى مسامع السوريين، وبالتالي تشكّل عامل ضغط إضافي للتعاون مع أمريكا دون تحفظات أو شروط. <BR><BR>وفي تقرير اللجنة التي كلّفت هذه الدراسة، فالذريعة المناسبة للتدخل عسكرياً هي ذريعة وجود معاقل "للإرهابيين" في سوريا ممّا سيتيح للقوات الجوية الأميركية بالقيام بضرب بعض المواقع في شمال مدينة حلب بحجة أنها مواقع تدريب للمقاتلين الذين يتوجهون إلى العراق. <BR><BR>هذا وقد درست اللجنة في تقريرها خيارات عديدة للتعامل مع سوريا آخذة بعين الاعتبار مختلف العوامل والسيناريوهات ومنها الحالات الآتية: العزل السياسي: ترى اللجنة أن هذا الخيار يبقى متاحاً وهو ذو فعالية كبيرة فقط في حال تمّ استثناء علاقات سوريا المميزة مع جيرانها والتي تقف وجه عثرة في عملية العزل لاسيما (إيران، تركيا، الجزائر، المغرب وغيرها من الدول العربية والإسلامية).<BR><BR> كما أن العزل السياسي يجب أن يمر أولا عبر إيران وتركيا ثمّ بضغوط مصرية سعودية، وهذا غير ممكن حالياً في ظل الظروف الراهنة وإن كان الأمر قابلاً للتغيير في وقت لاحق. الحصار الاقتصادي: استبعدت اللجنة هذه الخطوة في المدى المنظور وفقاً للتقديرات الآتية:<BR><BR> 1- تتمتع سوريا بنسبة عالية من الاكتفاء الذي يؤهلها للصمود في وجه أي حصار محتمل.<BR><BR> 2- تمكنت سوريا قبل فرض الإدارة الأميركية العقوبات الاقتصادية عليها من التخلص من الدولار الأميركي كعملة للتعامل وذهبت إلى اليورو، وهذا يمكنها من الاستمرار في مواجهة الحصار ما دامت تتمتع بعلاقات جيدة مع بعض الدول العربية والإسلامية.<BR><BR> 3- تعد سوريا الدولة الرابعة في العالم ذات مديونية قليلة، وهذا يؤهلها أيضاً لتجاوز ظروف الحصار الدولي. الضربة "الإٍسرائيلية": رأت اللجنة أن قيام الكيان الصهيوني بتنفيذ ضربة عسكرية ضد سوريا سيجعل العرب يقفون إلى جانبها؛ لأن الكيان الصهيوني غير مقبول عربيا، ولاسيما عندما تلجأ إلى القوة، كما أن مثل هذه الخطوة ترتد سلبا على السلام في المنطقة، ولو صورياً، وعلى الولايات المتحدة عموما والإدارة الأميركية الحالية خصوصا، نظرا إلى دعمها المطلق للكيان، ومن هنا استبعدت قيام الكيان بمثل هذه العملية .<BR><BR> بل إن اللجنة ذهبت أبعد من ذلك عندما طلبت من تل أبيب أن تمتنع عن شن أي عملية عسكرية على سوريا ولو كانت مبررة في المرحلة الراهنة. الضربة الأميركية: اعتبرت اللجنة أن خيار توجيه القوات الجوية الأميركية ضربة عسكرية قوية إلى مواقع المقاتلين العرب والإسلاميين في شمال حلب، يبقى هو الأفضل.<BR><BR> ومثل هذه العملية لن تحظى باستنكار دولي أو عالمي، باعتبار أن العالم يدرك حجم العمليات التي تنفذ ضد القوات الأميركية في العراق، وان أميركا دأبت في الطلب من سوريا منع تسلل المقاتلين من أراضيها إلى العراق ومنع التدريبات التي تجرى فيها، لكن الأخيرة لم تستجب، وبالتالي فإن الإدارة الأميركية تعد أن مثل هذه العملية دفاعاً عن النفس ولن تتأخر عواصم القرار الدولي عن تأييده والإشادة بها ودعوة سوريا إلى فهم معناها، وهذه العملية أيضاً تشير بصورة لا لبس فيها إلى أن الإدارة الأميركية لن تتهاون في التعاطي مع النظام السوري إذا لم يتعاون جديا، ووفقاً للأجندة الأميركية، مع متطلبات المصلحة الأميركية في المنطقة.<BR><BR> الانعكاسات: رأت اللجنة إياها أن انعكاسات مثل هذه العملية على السياسة الأميركية هي الأقل إرباكا من سياسة الحصار والعزل، وان نتائجها أسرع واضمن. ذلك أن قدرة النظام في سوريا على تحمل نتائج مثل هذه العملية ستكون على المحك، ولاسيما أن المعارضة السورية ستتأكد أن الإدارة الأميركية جادة في التعاطي مع النظام في سوريا على النحو الذي يكفل التغيير، سواء في القرار السياسي أو في بنية النظام.<BR><BR> وسائل الضغط: في ضوء هذه المعلومات فان الحكومة البريطانية أبلغت إلى جهات عربية عدة وجوب دفع سوريا إلى التعاون مع القوات الحليفة في العراق وان تمتنع عن دعم حزب الله في لبنان وتعمل على عدم التدخل السلبي في الساحة اللبنانية وإقفال مكاتب القيادات الفلسطينية في سوريا. <BR><BR>كما أن الحكومة البريطانية أكدت لهذه الجهات العربية أن الإدارة الأميركية اتخذت قرارا بعدم إعادة السفيرة الأميركية في دمشق إلى مركز عملها، من باب الضغط من جهة ومن باب إيصال رسالة مؤداها أن الإدارة الأميركية غير مرتاحة إلى السياسة السورية وان كل الاحتمالات واردة. التنفيذ: نصحت اللجنة بتنفيذ العملية بعد انعقاد القمة العالمية في نيويورك بحيث لا تستفيد سوريا من التظاهرة العالمية للإطلال عليها بمظهر الضعيف المظلوم قبالة أعتى دولة عسكرية في العالم. <BR><BR>ومن مواقف المسؤولين السوريين يتضح أن سوريا على علم بهذه المعلومات وتعمل على تجنب حصول مثل هذه العملية، لذلك قال سفير سوريا في واشنطن عماد مصطفى أن بلاده ستواصل العمل على تحسين علاقتها بالولايات المتحدة بما يخدم مصالحها الوطنية، على رغم أنها تدرك أن عتاة الإدارة الأميركية لن يألوا جهدا في تعكير هذه العلاقات. <BR><BR>كما أن سفير سوريا في نيويورك أعلن الاستعداد للتعاون مع الإدارة الأميركية والحكومة العراقية لتثبيت الأمن في العراق، بما يشكل رسالة واضحة إلى المطالب التي طرحتها الإدارة الأميركية على الحكومة السورية. وقد جاء في تقرير آخر سابق مرفوع إلى الكونجرس في وقت سابق من العام 2005م بعنوان "سوريا الأوضاع السياسية العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية بعد الحرب على العراق" أن مواضيع الخلاف مع دمشق هي: استمرار دعم الحركات "الإرهابية"، عدم المساعدة على استقرار الوضع في العراق، سعي سوريا لتطوير قدراتها العسكرية وامتلاكها أسلحة الدمار الشامل بالتعاون مع روسيا، عملية السلام في الشرق الأوسط، النفوذ السوري في لبنان.<BR><BR> واقترح التقرير في النهاية على الكونجرس عددا من الخيارات التي يمكنه التعامل فيها مع سوريا وهي: <BR><BR>1- تشديد العقوبات الأمريكية على سوريا وعدم اقتصارها على تطبيق قانون محاسبة سوريا الذي وقعه الرئيس في 12/12/2003م، والذي يفرض حظرا على تصدير الأسلحة إلى سوريا والمواد ذات الاستخدام المزدوج وست عقوبات أخرى يختار الرئيس اثنان منها، وقد اختار بالفعل حظر الصادرات الأمريكية إلى سوريا باستثناء الدواء والغذاء، ومنع الطائرات السورية من المرور أو الهبوط في أمريكا. (التقرير يقول هذه العقوبات ضعيفة وغير نافعة وليست مؤثرة).<BR><BR> 2- تمويل مجموعات "الإصلاح" في سوريا: لاسيما حزب الإصلاح بزعامة فريد الغادري الذي يتخذ من الولايات المتحدة مقرا له.<BR><BR> 3- العمل مع الاتحاد الأوروبي للضغط على سوريا أو عزلها عند الضرورة على أساس أن علاقات أوروبا بسوريا مهمة وكبيرة.<BR><BR> 4- تقديم عدد من الحوافز لسوريا للانخراط في السياسة الأمريكية في عدد من الملفات واستئناف عملية السلام في الشرق الأوسط. <BR><BR>وعلى الرغم من ظهور سيناريوهات عديدة توحي بوجود إرادة أمريكية تفترض قيام الولايات المتّحدة بتغير النظام في سوريا والإطاحة بحزب البعث على غرار ما حدث في العراق، فانّه لا بدّ أن نشير إلى أمرين مهمين في هذا المجال: <BR><BR>أولا: إنّه يجب التمييز بين وجود خطط أمريكية لتغيير أي نظام عربي وبين القدرة على تنفيذه وتوقيت التغيير. فمن المعروف أن الولايات المتّحدة ترسم سياساتها عبر مراكز الأبحاث واللوبيات المختلفة وعليه فمن الطبيعي أن يكون هناك خطط وسيناريوهات مختلفة لتغيير أي نظام لا يتوافق والمصالح الأمريكية ولكن الأمر يحتاج إلى عملية تسلسلية ينتقل فيها قرار تغيير النظام في أكثر من موقع رسمي وصولا إلى الرئيس الأمريكي.<BR><BR> ثانيا: يجب التمييز بين مصطلح ضرب النظام لتأديبه أو ابتزازه وبين تغييره والإطاحة به، وفي هذا الإطار فإنّنا لا نستبعد قيام الولايات المتّحدة بضرب النظام السوري إذا عرقل خططه سواء عبرها أو عبر الأطلسي أو حتى عبر الكيان الصهيوني لإضعافه من أجل ابتزازه والموافقة على كل الطروحات دون أي شروط مسبقة .<BR><BR> ولكنّنا نستبعد قيام الولايات المتّحدة بتغيير النظام كما في العراق لعدد من العناصر المهمة،منها: 1- أن موقع سوريا والتصاقها الجغرافي مع فلسطين المحتلة هو عامل قوة وليس عامل ضعف في هذه الحالة وأن إطاحة النظام السوري عبر عملية عسكرية من شأنه أن يخلق فراغا أكبر من الموجود في العراق وهو الوضع الملائم لاجتذاب من يسمون "الإرهابيين" وسيكون ذلك وبالا على الكيان الصهيوني، إذ سيجد هؤلاء منفذا لكسر الطوق المحكم الذي تحمي فيه الدول العربية بحدودها الكيان الصهيوني منهم، وستصبح الساحة السورية متّصلة بالعراقية والأفغانية والفلسطينية في مرحلة لاحقة مما سيؤدي إلى إشعال المنطقة، ونشك أن الوضع في لبنان ومصر والأردن سيصمد أمام الهيجان الذي سيحصل، وهذا ما لا تريده لا واشنطن ولا تل أبيب. <BR><BR>2- أن الإطاحة بالنظام السوري تفترض وجود بديل لدى الأمريكيين إلاّ أن البديل في الحالة السورية غير متوافر إلى الآن على الرغم من المحاولات الأمريكية لفبركة بعض من يسمون "المرتزقة العرب في أمريكا" في إطار معارض مثل حزب الإصلاح الديمقراطي السوري في أمريكا الذي يرأسه فريد الغادري والذي يتبع نفس أسلوب الجلبي العراقي.<BR><BR> 3- تخوف الأمريكيين من أن الإطاحة بالنظام السوري قد يؤدي إلى انتقال السلطة للإخوان المسلمين في سوريا على اعتبار أنّهم الأقوى والأقدر كما تقول التقارير الأمريكية نفسها، ولذلك فالأفضل الاستمرار هذا النظام العلماني على حد قولها على أن يأتي هؤلاء الإسلاميين إلى الحكم؛ لأنّها ترى فيهم تهديداً خطيراً لمصالحها.<BR><BR> 4- لا يوجد تيار في داخل سوريا داعم للتحركات الأمريكية فلا يوجد "سيستاني" يشرعن الاحتلال دينيا ولا يوجد "الجلبي" يشرعن الاحتلال سياسيا فالمسألة صعبة ومعقدة كما انّه لا شيء يضمن انهيار الجيش الأمريكي كليا في هذا الوضع إذ إنّه غير قادر على من يسمّيهم أقلّية في العراق فما بالك بالأكثرية (السنّة) في سوريا، فالمأزق الأمريكي في العراق لا يجعل أمريكا مؤهلة لخوض حرب اجتياح أخرى بكل ما تعنيه من استنزاف وانتشار فاحتلال العراق أنقذ إيران وسوريا من الآلة العسكرية الأمريكية لعدة أعوام مقبلة على الأقل. <BR><BR>5- أن سوريا لا تمتلك موارد نفطية تثير لعاب الشركات الأمريكية (والتي كان لها دور في خوض الحرب ضد العراق) ولا موقع استراتيجي يخدم أهداف الولايات المتّحدة في السيطرة على العالم كما الأمر في العراق. فمن المعروف أن السيطرة على العراق يدخل في إطار منع الدول الأخرى من الاستفادة من العائدات النفطية لمنطقة الخليج دون إشراف أمريكي، وبالتالي التحكم بنمو اقتصادياتها خاصّة اثر تزايد الطلب الصيني والأوروبي على هذا النفط<BR><br>