عوامل القوّة في الموقف النووي الإيراني
4 رمضان 1426

<P>لا يزال الملف النووي الإيراني بين الأخذ والرد، فمرّة سيتم حلّ الإشكال بالمفاوضات ومرّة سيتم نقل الملف إلى مجلس الأمن وبين هذا وذاك سلسلة طويلة من التهديدات والتهديدات المضادة والابتزاز والابتزاز المضاد، وهناك ساحات معارك غير مباشرة وتقاطعات مصالح وصفقات تحت الطاولة وفوقها. </P><BR><P>ويبدو أن السجال حول قضيّة النووي الإيراني سيطول لعوامل عديدة منها:<BR>أولا: أن الخيارات لم تستنفذ بعد وأن جميع الأطراف تطرح ما هو قابل للتفاوض وأن المعادلة الصفرية التي تقتضي حصول أحد الطرفين (أمريكا وإيران) على هدفه كاملا لم تحن بعد، علماً أنّه لم يحصل في تاريخ العلاقات الإيرانية الأمريكية أن كان هناك معادلة صفرية إذا أن الطرفين (الشيطان الأكبر، ومحور الشر) كانوا دائماً شركاء في أي عملية وأن كان في نسب مختلفة.</P><BR><P>ثانياً: أن إيران مشهورة بالبراغماتيّة وهو مصطلح ملطّف لتعبير "التقيّة" الذي يشتهر به الشيعة إن أردنا الدقة، والذي يتيح قدراً كبيراً من المراوغة وعدم الوضوح في المواقف وعدم حسم الأمور، ولذلك فهي في تنافس دائم مع "النفاق" الغربي، وهذا أكثر ما يزعجهم في هذا الإطار، وبالتالي العروض مازالت قائمة والتراجع مازال ممكناً لدى أي طرف. <BR>والأمر اللافت هو أن إيران كانت منذ التسعينات تعمل على تطوير برنامجها النووي في الخفاء دون أن ينتبه أحد إلى ذلك؛ لأنّ الإيرانيين قد ألهوا وشغلوا العالم بصعود خاتمي "المنفتح"، والذي كان مجرّد دمية لا تقدّم ولا تؤخر في يد النظام الإيراني، حيث كان دوره محصوراً في إخفاء تشدد النظام وتجميله للخارج ولتغطية الأمور الحساسة ريثما ينتهي دوره.</P><BR><P>ثالثاً: أن هناك مصاعب ومشاكل وأزمات دولية كبيرة منها: (أزمة كوريا الشمالية، احتلال العراق، المقاومة في أفغانستان، ارتفاع أسعار النفط، الأعاصير والزلازل التي تضرب هنا وهناك، النمو الصيني الكبير) وهذه كلها أمور بالإضافة إلى غيرها تعرقل التركيز على المسألة النووي الإيرانية على الأقل في الوقت الراهن.</P><BR><P>على العموم، فانّ التمسّك الإيراني بإنجاز النووي يعود إلى وجود عدّة عناصر وعوامل، وبل ونستطيع أن نقول: فرص وحظوظ تاريخية لا تأتي إلا قليلاً عبر مرّ التاريخ، ويجب استغلالها وهو ما تفعله إيران. إذ يذكرني هذا الحظ بحظ أمريكا إبان الحروب الأوروبية، حيث دمّرت أوروبا نفسها، مما أتاح لأمريكا أن تصبح دولة عظمى مستغلة هذه الفرصة.</P><BR><P>وبقراءة أولية نرى أن إيران اختارت التشدد في مواجهة الولايات المتحدة بناءً على المعطيات التالية:<BR>1- محاولة تحييد الأمم المتحدة عبر إقدام الرئيس الجديد نجاد على الاتصال بـ(الأمين العام) كوفي أنان ووعده بأنّه سيقدم اقتراح حلّ قد يساهم في إعادة إحياء الحوار الإيراني-الأوروبي.<BR>2- مراهنة إيران على أن مجلس المحافظين في وكالة الطاقة الدولية لن يتخذوا مواقف سلبية، بل سيتركوا الباب مفتوحاً للتفاوض لطالما أن إيران أبقت على كاميرات المراقبة التي وضعتها وكالة الطاقة الدولية في المنشآت النووية الإيرانية.<BR>3- إدراك إيران أن من غير الممكن أن تسمح الولايات المتحدة لـ(إسرائيل) بضرب منشآتها النووية؛ لأنّ هذه الأخيرة ستتلقى رداً من إيران التي تمتلك صواريخ قادرة على الوصول إلى العمق الـ(إسرائيلي)، كما ستتلقى وابلاً من الصواريخ أيضاً التي قد يطلقها "حزب الله" من مواقعه في لبنان حتى وإن كان قادة هذا التنظيم يؤكدون في تصاريحهم أنّهم لن يقدموا على مثل هذا العمل.<BR>4- تدرك إيران أن أي اعتداء (إسرائيلي) عليها سيؤدي بالضرورة إلى وقوف الرأي العام الدولي ضد تل أبيب، وستستغل التنظيمات الإسلامية الفلسطينية الموقف لتصعيد عملياتها وإعادة خلط أوراق الملف الفلسطيني.<BR>5- تراهن إيران على عدم إمكانية إقدام الولايات المتحدة على القيام بمغامرة عسكرية ضد إيران لطالما أن قواتها متورطة في الحرب في العراق، وهنا تقف المقاومة العراقية الباسلة، وذلك عبر تقاطع المصالح وبشكل غير مباشر في الدفاع عن إيران؛ لأن لولا المستنقع الأمريكي في العراق لكانت حال أمريكا مع إيران غير ما نراه الآن.<BR>6- تراهن إيران على الانقسام الحاصل بين الشركاء الغربيين إذ تعارض ألمانيا وروسيا أي عمل عسكري ضد إيران. وتؤيدهما في ذلك باكستان والهند والدول النامية أيضاً.<BR>7- ترى إيران أن الولايات المتحدة قد استأثرت بالعراق وطاقاته وإمكانياته ولم تترك لحلفائها الغربيين إلاّ الفتات. ولهذا من المستحيل على الدول الغربية وتحديداً روسيا والصين وفرنسا وألمانيا أن تنجرف في حرب أميركية ضد إيران حرصاً منها على مصالحها واستثماراتها داخل إيران خاصةً وأنّ هذه الدولة من الأماكن الواعدة بالنظر لما لديها من مشاريع نفطية وإعمارية قابلة للتنفيذ.<BR>8- تراهن إيران على ما أصبح لديها من إمكانيات عسكرية، وعلى الموقع الجيوستراتيجي الذي تحتلّه المطلّ على الخليج العربي وعلى مضيق هرمز الذي يعتبر معبر النفط العربي تجاه الغرب.</P><BR><P>وعلى الرغم من التهديدات الإيرانية ووسائل القوّة لديها، إلا أننا نرى أن وسائل القوّة هذه قد تنقلب وسائل ضعف تقضي على إيران وأهدافها، بمعنى أنها سلاح ذو حدّين، ومنها:</P><BR><P>أولا: سلاح النفط، إذ تركن إيران إلى أن ارتفاع أسعار النفط حالياً يشكّل عائقاً أمام تفكير أي دولة بضربها؛ لأنّ ذلك من شأنه أن يؤدي إلى غليان وارتفاع غير مسبوق في أسعار النفط العالمية وهو ما لن تتحمله الدول الصناعيّة، ولكن قد ينقلب هذا الأمر إذا أمّنت الدول الصناعية احتياطات كافية وبديل، كما أن إيران وعلى الرغم من تهديدها بسلاح النفط إلاّ أنّها لم تستخدمه في تاريخها، بل كانت المستفيدة منه على الدوام إذ عندما استخدم العرب سلاح النفط ارتفعت أسعاره بشكل خيالي، وراحت إيران وقتها تزوّد الغرب و(إسرائيل) به مستفيدة منه، وعندما اقترح "الخامنئي" قطع النفط لمدّة محددة ردّاً على العدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين في الانتفاضة الثانية قام صدّام بوقف النفط لمدّة شهرين فيما كسبت إيران التي لم توقف شيئاً طبعاً من ارتفاع الأسعار. أضف إلى ذلك أن عائدات النفط تشكل حوالي 83% من دخل إيران لذلك فإنّ إصابة قطاعها النفطي بشلل بسبب حرب أو مقاطعة يعني أنها في مشكلة اقتصادية كبرى تحتم عليها الخضوع لجميع المطالب الخارجية.</P><BR><P>ثانياً: سلاح الاعتماد على الصين وروسيا. مشكلة الصين أنها بحاجة إلى إمدادات نفطية كبيرة، خاصّة في ظل ارتفاع استهلاكها للنفط، وهي من هذا الباب تقف مدافعة عن إيران لضمان استيراد شاحناتها من النفط منها، ولكن ماذا لو تمّ إرضاء الصين بتأمين إمداداتها النفطية من دول أخرى على سبيل المثال؟ هل ستظل في الخانة الإيرانية؟ نشك في ذلك.</P><BR><P>أما روسيا فهي كانت ودائماً تهدد باستخدام الفيتو، وكان آخرها عند الحرب على العراق، ولكن لم يثبت جدّياً أنها على استعداد لفعل ذلك، ومشكلتها أنها بحاجة إلى العملة الصعبة لسد مشاكلها وديونها الاقتصاديّة خاصّة لأوروبا، لذلك فهي تحاول الحصول على العملة الصعبة من المشاريع الإيرانية، مع العلم أن ديون روسيا تقارب الـ 114 مليار دولار وأغلبها لأوروبا، فماذا إذا تمّ إعفاؤها من جزء من هذه الديون، هل ستقف إلى جانب إيران أيضاً؟</P><BR><P>على العموم نستطيع أن نقول: أن لا شيء حسم في موضوع الملف الإيراني وأن الموضوع سيطول وأن أوروبا وحدها هي من يستطع حسم الأمر بترجيح معاقبة إيران أو بالسماح لها بتطوير قدراتها النووية؛ لأنّ أوروبا هي منفذ إيران إلى الخارج وهي التي تحول دون عزلة إيران على الصعيد الدولي، وصحيح أنها تستفيد من العلاقات الإيرانية التجارية، ولكنّها أيضاً تستطيع أن تؤذي إيران إذا ما أوقفت التجارة معها؛ لأنها تعدّ الشريك التجاري الأول لإيران، وعندها ستضطر إيران أن تطالب بإرجاع العلاقات بدلاً من المطالبة ببناء النووي .</P><BR><P>&nbsp;</P><br>