موقف الشارع السوري من التدخل الأمريكي المحتمل
11 رجب 1426

ما يحدث في الشارع السوري يختلف كثيراً عما حدث في الشارع العراقي قبل الاجتياح (الأمريكي - البريطاني)، وما يجري في الداخل والخارج فيما يخص الملف السوري؛ يبدو غير متشابه أبداً مع ما حدث في العراق. إلا أن هذا الاختلاف لا يفسد للتدخل الأمريكي قضية، بحال أرادت ذلك.<BR>فالتدخل الأمريكي أكثر انفتاحاً من مأزق الملف العراقي السابق، والجيش الأمريكي لا يطالب بأن تكون الظروف مواتية تماماً لأن يحل ضيفاً ثقيلاً على سوريا، بل يكفيه بعض المزاعم مع بداية مقنعة نوعاً ما لذلك، كمثل تنفيذ عملية عسكرية ضمن الأراضي السورية على الحدود المشتركة مع العراق، بحجة ملاحقة مسلحين متسللين مفترضين، أو ضرب أماكن مفترضة لتدريب المسلحين الذين تصر الحكومة الأمريكية والعراقية - والأردنية من جديد- على اتهامهم أنهم يتدربون في سوريا وعلى يد عناصر استخبارات سوريين ! أو فرض ديموقراطية بوش المزعومة على سوريا عبر الإطاحة بالنظام الحالي، وبالتالي تسليم الحكم لمنشقين أكثر ديموقراطية من (الرئيس السوري) بشار الأسد _حسب المفهوم الأمريكي للعبة الديموقراطية_!<BR><BR><font color="#0000ff">القيادة في أعين المواطنين:</font><BR>الوضع السوري الداخلي يعاني هذه المدة من حالة أشبه بانعدام الوزن، إذ إن الأمور لم تستقر بعد في أي ميزان، رغم المدة الكافية التي تسلمت فيها الحكومة الجديدة زمام الأمور، وإصرار الرئيس الأسد على التقرب من الشعب، دستورياً واجتماعياً.<BR>فالرئيس السوري الشاب أراد منذ بداية تسلمه للحكم أن يكون أكثر قرباً للمواطن، وأن يدخل قلبه قبل أن تدخل صوره منازل السوريين، حيث دأب على ارتياد بعض الشوارع والمساجد والأسواق دون مرافقة أو حراسة، كما سمح بتداول صور له عدة مرات يظهر فيها كأي إنسان عادي مع ابنه أو زوجته، وهو يرتدي ملابس الرياضة أو يقود دراجة هوائية.<BR>كما أصدر مراسيم عديدة مهّد فيها الطريق أمام جملة من التغييرات التي يأمل منها السوريون تحقيق الأفضل، كرفع سقف الرواتب والأجور وإنشاء بنوك خاصة وجامعات خاصة وإنشاء خزانات تقاعد وغيرها.<BR>وباتت أقوال الرئيس السوري عن مكافحة الفساد أملاً تعلق فيه الكثيرون من أبناء الشعب، والذين رزحوا لسنوات طويلة تحت ثقل هذا الملف الذي لا يبدو أنه سينتهي في يوم من الأيام.<BR><BR>من جانب الحكومة، أثبتت السنوات السابقة أن قوانينها في واد وحال المواطن في واد آخر، على سبيل المثال، أصدرت وزارة المالية مؤخراً تعريفاً جمركياً يحدد أسعار السيارات المستوردة إلى سوريا، واضعاً نسبة 100% من سعر السيارة كرسوم جمركية. وهو رغم ارتفاع النسبة مقارنة مع أي دولة في العالم، إلا أن السوريون هللوا وفرحوا، وراودتهم الأحلام مجدداً بقيادة سيارة حتى لو كانت مستعملة وقديمة. إلا أن الأمل لم يستمر طويلاً، حيث لا يزال تجار السيارات -ممن يؤكد الكثيرون أنهم يرتبطون بطريقة أو بأخرى بشخصيات حكومية معينة- يتنافسون في رفع الأسعار.<BR>كما أن الضريبة الجديدة التي ألزمت بها وزارة المالية أصحاب السيارات باسم "ضريبة الرفاهية" ازدادت للضعف، ما يعني أن الوزارة أخذت بأحد يديها أكثر مما وعدت أن تعطيه باليد الأخرى !<BR><BR>كمثال آخر، أصدرت وزارة الإعلام عدة تراخيص لمجلات خاصة، هي الأولى من نوعها في دمشق منذ سنين طويلة. وما أن جهّزت المباني الخاصة بها، وأنشأ لها الكادر الصحفي والإداري، وصدرت منها عدة أعداد أثبتت نجاحها في السوق وانتشارها بين القراء، حتى فوجئت بقرارات الإغلاق ومنع الصدور، تحت حجج مختلفة. ليصل عدد المطبوعات الملغاة التراخيص حتى اليوم إلى 42 مطبوعة !<BR>وفيما زاد الحديث وبرامجه عن سياسات الإصلاح ورفع الدخل ومحاربة الفساد، كشفت دراسات أعدت بالتعاون بين المكتب المركزي للإحصاء وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي عن أن 30% من عدد السكان في سورية فقراء، وهذا يعني أنه يوجد 5.3 ملايين فقير من بينهم مليونا مواطن لا يستطيعون الحصول على الحاجات الأساسية من الغذاء وغيره، أي أنهم يعيشون تحت خط الفقر.<BR><BR><font color="#0000ff">الموقف السياسي للشارع السوري:</font><BR>بدأ الكثيرون من السوريين ممن أملوا بقدوم التغيير والإصلاح يبحثون عن حلول لمشكلاتهم، التي يبدو أنها لن تأتي بالسهولة التي كانوا يتمنوها.<BR>ومع الانفتاح الأمني الذي شهده الشارع السوري، والذي أبعد يد المخابرات والأمن قليلاً عن أعناق الناس، شهدت سوريا ولأول مرة ظهور أحزاب وجماعات تطلق على نفسها اسم "معارضة" وتطالب بجملة من التغيرات والإصلاحات في الداخل، كمثل إلغاء قانون الطوارئ، وإغلاق ملف السجناء السياسيين، وإصدار قانون للأحزاب يمهد للانتقال من نظام شمولي إلى نظام ديمقراطي تعددي، وإلغاء المادة (8) من الدستور التي تنص على أن "حزب البعث هو قائد الدولة والمجتمع".<BR>هذه الأحزاب والتجمعات التي باتت تسمع أصواتها بين وقت وآخر؛ ليس ببعيدة عن أيدي الأمن السوري، والذي يقوم باعتقالات واحتجازات وتحقيقات كل ما تطلب الأمر.<BR>فقانون الطوارئ لم يلغ بعد من سوريا، وما زال سارياً منذ عام 1963م، كما ارتفعت وتيرة الاعتقالات في صفوف المدافعين عن حقوق الإنسان في سوريا، وأغلق الأمن منتدى الأتاسي السياسي، والذي كان المنتدى الوحيد الذي يسمح فيه بإجراء مداولات سياسية عن الوضع الداخلي السوري.<BR><BR>حتى خارج سوريا، بات يوجد عدد من الأحزاب التي أعلنت أنها أحزاب معارضة للحكم في سوريا. تطالب بين الحين والآخر بإصلاحات وتغيرات أوسع وأشمل، طالما أنها بعيدة عن أيدي الأمن.<BR>إلا أن هذه الأحزاب الخارجية لم تستطع حتى الآن إثبات نفسها بقوة، كما لم تحدد ملامحها وسياساتها وطرائق عملها، وربما أكثر ما استطاعت الأحزاب المعارضة في الخارج إحرازه هو المؤتمر الذي عقدته مؤخراً في واشنطن، والذي حضره ريتشارد بيرل (أحد صقور إدارة بوش، وأهم مخططي الحرب على العراق).<BR>وزعمت الشخصيات المعارضة التي عقدت المؤتمر أنها تمثل 5 أحزاب معارضة في الخارج، وهذا ما لفت الانتباه وأدهش المتابعين!<BR>حتى أن المحامي حسن عبد العظيم (الناطق الرسمي باسم التجمع الوطني الديمقراطي المعارض داخل سوريا) يرى أنه لا توجد معارضة في الخارج، مضيفاً أنهم مجموعة أشخاص يحاولون "ركوب الموجة، والتحالف مع الإدارة الأميركية لممارسة الضغوط على سوريا".<BR>مشيراً إلى أنهم لا يمتلكون أي حضور في الداخل السوري، ويقول: " لا بل إنهم حتى غير معروفين لدى معظم فئات الشعب السوري".<BR><BR>هذه الأحزاب المعارضة في الداخل والخارج تشكل ظاهرة جديدة في الشارع السوري، تعكس مدى الحنق واليأس من الإصلاح الذي بات المواطن السوري يحسه به من جهة، ومن جهة أخرى تعكس السياسة الأمنية الجديدة التي تنتهجا الحكومة السورية نحو الشارع السوري.<BR>يقول المحامي أنور البني (المدافع عن حقوق الإنسان): " إنه وبعد خمس سنوات أثبتت السلطات أنها لم تنجح إلا في إطلاق الوعود بينما الأمور تتدهور في الواقع وخصوصاً على صعيد حقوق الإنسان التي شهدت تراجعاً حاداً".<BR><BR><font color="#0000ff">الديموقراطية الأمريكية (!) في أعين السوريين:</font><BR><BR>كمعظم شعوب الشرق الأوسط، يرى السوريون أن ما يدعى بالديموقراطية الأمريكية التي تحاول الإدارة الأمريكية فرضها على شعوب المنطقة، ما هي إلا الوجه المنقح لمطامع أمريكا و(إسرائيل) في المنطقة، وهي وإن حاولت إظهار رحمتها بالشعوب، إلا أنها أول من أضر بهم وبمصالحهم.<BR>بدءً بدعم حكومات عميلة لها في المنطقة، مروراً بالحظر الاقتصادي الذي بدأ يضر بالمواطنين، وصولاً إلى دعم الكيان الصهيوني الذي بات يشكل أكبر تحدياً عسكرياً وسياسياً واقتصادياً للسوريين (كمثال فإن (وزير الدفاع السوري السابق) مصطفى طلاس كان يكرر أنه لولا التسلح والحالة العسكرية داخل سوريا في مواجهة (إسرائيل) فإن دخل المواطن السوري كان سيصبح كدخل الفرد في أوروبا!).<BR><BR>يقول المحامي حسن عبدالعظيم " كمعارضة وطنية نرفض أي استقواء بالخارج؛ لأن أمن الوطن هو خط أحمر بالنسبة لنا".<BR>كما تجمع أحزاب المعارضة (الوطنية والإسلامية والماركسية) على رفض أي نوع من أنواع العنف للتغير في سوريا، وهو ما يضمن بالتالي إقراراً بعدم التغيير عن طريق العنف من الخارج.<BR>حتى فيما يتعلق بمسائل قومية أوسع من قضايا الإصلاح والفساد والفقر وغيرها، نجد أن الأحزاب المعارضة ترفض فكرة "تقسم داخل سوريا" أو "تهميش قوميات"، حيث أعلنت أحزاب التجمع الوطني الديمقراطي (والتي تضم 5 أحزاب معارضة) رفضها الاعتراف بوجود "مسألة كردية" في سوريا، وتصر على أن سقف مطالب يتمثل بمنح الأكراد حق المواطنة فقط، بعيداً عن مسألة التقسيم التي طالبت أحزاب معارضة كردية بها عبر بيانات لها.<BR><BR>في الشارع السوري، والذي يقضي الكثير من أبناءه معظم ساعات اليوم بحثاً عن لقمة العيش، تسمع أصواتاً من بعضهم تطالب بتغيير الحكومة الحالية، ويرد آخرون بان الحكومة تغيّرت عدة مرات ولم يحدث شيء حتى الآن.<BR>إلا أن معظمهم يرى التدخل الأمريكي حدثاً لا يمكن قبوله مهما كانت الظروف الداخلية صعبة، خاصة وهم يرون الأمثلة القريبة جداً في العراق، والتي أدى دخول الاحتلال فيها إلى مقتل وجرح وتشريد مئات الآلاف، ونقص حاد في جميع أساسيات الحياة اليومية من ماء وكهرباء وغاز ودواء ووقود وغيرها.<BR>ولكن ذلك لم يمنع البعض من النظر إلى ذلك بإيجابية، إذ تهتف امرأة فقيرة "أين أنت يا بوش" أملاً في البحث عن حل جذري مع مشكلة فقرها وعوزها الطويلة، فيما يقول آخر "لو أن اليهود حكمونا لنظرنا إلى ما يفعلوه بنا على أنهم أعداء، لكن المشكلة أن يعاملنا أبناء وطننا بهذه الطريقة الظالمة".<BR>ويردد الكثيرون أنهم يتمنون أن تدخل قوات الاحتلال الأمريكية إلى سوريا، ويقولون: "على الأقل سيكون أمامنا فرصة أن نموت شهداء"، ويقول آخرون "عندها فقط سيحدث التغيير الحقيقي في سوريا".<BR>ويفضل آخرون حدوث ذلك من أجل "فتح جبهة جديدة للأمريكيين في سوريا، لتزيد خسائرهم المادية والجسدية".<BR><BR>وبين أحلام هؤلاء وهؤلاء، يترقب السوريون حدوث شيء ما من نوع (المعجزة) كي تتغير أحوالهم، ويبدؤوا في العيش كأي من شعوب دول الجوار بدل الركض اللاهث خلف لقمة العيش في الداخل وفي دول مجاورة كلبنان والأردن والكويت والسعودية وغيرها.<BR>ورغم اهتمام السوريين بالسياسة بشكل عام، إلا أن اهتمامهم الآن بات "اقتصادي بحت" ولم تعد السياسة أمراً ذا قيمة بالنسبة للكثيرين منهم.<BR><BR><br>