هل حانت ساعة سوريا وفق التوقيت الأمريكي ؟
12 جمادى الأول 1426

ثلاثة تطورات هامة وقعت في غضون الأيام القليلة الماضية كشفت عن تسارع غير متوقع في سيناريو الضغوط الأمريكية على سوريا بما يطرح تساؤلات حول ما إذا كانت ساعة نظام الأسد في سوريا قد حانت وفق التوقيت الأمريكي ، أم أن الأمر محض مصادفة !؟<BR>ففي توقيت واحد شنت وزارة الدفاع الأمريكية حملة جديدة ضد سوريا تتهمها بتهريب مقاتلين إلي العراق لمحاربة قوات الاحتلال الأمريكية ووصل الأمر بـ(وزير الدفاع) رامسفيلد لتحذير "دول الجوار" بالويل والثبور إن هي قدمت أي علاج طبي لأبي مصعب الزرقاوي بعد أنباء عن إصابته ، وكانت سوريا هي المستهدف بهذا التحذير الواضح ..<BR><BR> بعدها بيومين وقعت جريمة اغتيال الصحفي في جريدة النهار اللبنانية سمير قصير (المعارض لسوريا) ، وعلى غير العادة سارع محققون من أجهزة التحقيق الأمريكية والفرنسية للمشاركة – لأول مرة – في التحقيقات لمعرفة الجناة في خطوة ليس لها تفسير سوي محاولة إلصاق التهمة بسوريا وأجهزة مخابراتها بعدما روجت المعارضة اللبنانية اتهامات لسوريا بهذا ربما تمهيدا لعمل ضدها ولو عبر الأمم المتحدة التي لا تزال تدرس هل توقفت سوريا عن التدخل في لبنان أم لا ؟!<BR><BR>ونلاحظ هنا أن السفارة الأمريكية في لبنان تحدثت عن "مضايقات وملاحقات" سابقة لهذا الصحفي من الأجهزة السورية واللبنانية ، فيما طلب (الرئيس الفرنسي) جاك شيراك في اتصال هاتفي مع (الأمين العام للأمم المتحدة) كوفي أنان "ردا قويا من المجتمع الدولي على اغتيال قصير" ، ما يشير لإعداد سيناريو تدخل دولي محتمل ضد سوريا .<BR><BR>وجاء التطور الأخطر عندما نسبت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية 3-6-2005م إلى مسؤولين عسكريين "إسرائيليين" كبار أن سوريا أجرت اختبارات على إطلاق ثلاثة صواريخ سكود (300،700 كلم) ، وأن هذه التجارب لتطوير الصورايخ تزيد مداها وخطورتها ، ليبدأ فصل آخر من مسرحية التحذير من خطورة التسليح السوري – على غرار ما جرى مع العراق قبل احتلاله – ومطالب بتفتيش دولي وقيود و..و.. <BR><BR> هذه التطورات الثلاثة واكبها حديث آخر عن تزايد الدعم الأمريكي للمعارضة السورية في الخارج ، والاستفادة من قضية خطف وقتل الشيخ الخزنوي (المعارض الإسلامي السوري) للضغط على سوريا، حتى وصل الأمر لنشر صحيفة واشنطن تايمز Washington Times مقالا لـ(زعيم حزب الإصلاح السوري المعارض) "فريد قادري" تحت هذا العنوان (هل يسقط نظام الأسد)؟ يقول فيها إن حزب البعث السوري يشهد جملة من المشاكل الخطيرة وأن معظم مقومات سقوطه تلوح في الأفق ، وإن تغييراً جوهريا سيطرأ على توازن القوى يصب في صالح الولايات المتحدة وحلفائها ضد "الجهاديين" ، إذا ما حلت حكومة جديدة لا ترعى الإرهابيين محل حكومة الأسد !! <BR>وخلص الكاتب للقول: إن غياب نظام الأسد أهم للأمريكان من غياب نظام صدام حسين فيما يتعلق بالحرب الأمريكية ضد الأصوليين الإسلاميين أو من يسميهم "الجهاديين" ، قاصدا بذلك رعاية سوريا لتنظمات المقاومة الفلسطينية !<BR><BR>ومن الواضح أن هناك سيناريو أمريكي /فرنسي مرسوم بدقة للتخلص من النظام السوري أو الضغط عليه بشدة للسير في ركاب الغرب ، بدأ بقرار مجلس الأمن 1559 الخاص بالانسحاب السوري من لبنان ، وكان هناك تصور أن سوريا سترفض فتبدأ الحملة ، ولكن الاستجابة السورية غير المتوقعة وسحب قواتها من لبنان عطل سيناريو التغيير الغربي في سوريا ، ولهذا بدأ تحركات بديلة بالضغط علي سوريا تارة بحجة استمرار تدخلها في شؤون لبنان واغتيال مواطنين يحملون الجنسية الفرنسية (مثل الصحفي قصير)، وتارة أخري بإعادة فتح ملف التسليح السوري والصواريخ السورية التي يمكنها حمل رؤوس كيماوية رغم أنه ملف قديم معروف ومن حق سوريا التي يحتل الصهاينة أرضها .<BR><BR>وربما لهذا وصف محللون سوريون ما نشرته الصحيفة الأمريكية بأنه "تسريبات أمريكية إسرائيلية" تضخم من قضية الصواريخ السورية، واعتبروا أنها "جزء من الضغط السياسي الأمريكي على دمشق، وورقة جديدة تريد أن تلوح واشنطن بها بعد أن فقدت مبررات الضغط في لبنان والعراق".<BR><BR>وضمن هذا السيناريو أيضاً يمكن فهم لماذا طلبت الولايات المتحدة من مجلس الأمن الدولي أن يوسع تحقيقاً يجريه في حادث اغتيال رفيق الحريري (رئيس الوزراء اللبناني الأسبق) ليشمل حادث قتل صحفي بارز معارض لسوريا ربما لإلقاء اللائمة بشكل مباشر على سوريا وحلفائها الأمنيين من اللبنانيين في حادث مقتل الصحفي .<BR><BR>سوريا ترد بإصلاحات <BR>ويبدو أن الحملة الجديدة على سوريا عجلت بتحرك حزب البعث السوري والرئيس بشار الأسد للتلويح بالقيام بإصلاحات جديدة في المؤتمر القطري العاشر لحزب البعث العربي الاشتراكي الأخير أملاً في مساهمتها في تبريد الأزمة مع واشنطن خصوصاً أن سوريا تواجه مأزقاً مشابهاً مع أمريكا يتعلق بالبديل لنظام حكم الأسد الحالي في حالة رغبة أمريكا التخلص منه ، والمخاوف من أن يكون هو جماعة الإخوان المسلمين القوية كما يخشى الغربيون !<BR>وربما لهذا شكك المراقب العام للإخوان المسلمين في سوريا علي البيانوني بنوايا الولايات المتحدة الحقيقية تجاه سوريا قائلا: "لسنا متأكدين من أن الولايات المتحدة تحمل مشروعا ديموقراطيا لسوريا" ، فيما يرى مراقبون إن الولايات المتحدة تعلم أن هذا التيار الإسلامي لن يزيد سوى من مشاكلها في المنطقة؛ لأنها تخشى – وفق دراسات أمريكية – أن يكون الإخوان هم التيار القوي في سوريا وخليفة نظام الأسد .<BR><BR>ولهذا يطرح البعض في الغرب مخاوف من أن يتأثر الهدف الأمريكي من الإصلاح في المنطقة العربية ، ويتقلص لصالح بقاء الأنظمة الحالية – مثل سوريا - كما هي مع مزيد من عمليات التجميل السياسية ، بزعم أن البديل الإسلامي أكثر خطورة علي مصالحها في المنطقة .<BR>وفي هذا السياق لوحظ مطالبة (الرئيس السوري) بشار الأسد بتفعيل وتوسيع المشاركة الشعبية في صنع القرار الوطني ومزيد من الانفتاح، ومكافحة الفساد وتحديث حزب البعث في خطابه خلال افتتاح المؤتمر القطري العاشر للحزب الحاكم في سوريا ، ولم يتحدث الأسد بالتفصيل عن الضغوط الدولية التي تتعرض لها سوريا ولا سيما من جانب واشنطن ، ولكنه دعا إلى "مواجهة التطورات بصورة واعية وجريئة" ! <BR><BR>ملفات الداخل وحوار الأمريكان وسوريا <BR>فعقب الانسحاب السوري من لبنان أصبحت مشاكل النظام الأكبر هي مشاكل وملفات الداخل القديمة ، ومنها ملف "الإخوان المسلمين" المنظمة المحظورة في سوريا بموجب القانون رقم 49 لعام 1980م والتي يحكم بالإعدام على أي شخص لمجرد الانتماء لها ، خصوصا مع عودة الجماعة للظهور بقوة مؤخرا وتواتر أنباء غير مؤكده عن رغبة الأمريكيان في فتح حوار معهم .<BR><BR>وقد وقعت ثلاث تحركات هامة أخرى في توقيت واحد في إطار الملف السوري أثارت تساؤلات حول مستقبل سوريا خصوصا في ضوء حملة الضغوط والتهديدات الأمريكية /الأوروبية هي : <BR>- إعداد دراسة استراتيجية لإدارة بوش من جانب "معهد واشنطن للدراسات الاستراتيجية" حول الدور الذي يمكن أن تلعبه المعارضة السنية، خصوصا جماعة الإخوان المسلمين في سوريا بعد حكم عائلة الأسد الحالي نشر تحت عنوان (What Role for the Muslim Brotherhood in Syria's Future ? ).<BR>- عقد الخارجية الأمريكية لقاء في واشنطن يوم 24-3-2005 مع معارضين سوريين في المنفى لبحث الوضع في سوريا والمستقبل (على غرار اللقاءات التي جرت مع المعارضة العراقية قبل الإطاحة بالحكم العراقي ) .<BR>- دعوة جماعة الإخوان المسلمين في سوريا لعقد مؤتمر وطني شامل لا يستثني أي طرف ويمثل كافة التيارات والطوائف والأعراق داخل سوريا وخارجها لبحث ملف الإصلاح في سوريا ، والدعوة لإلغاء حالة الطوارئ والأحكام العرفية في البلاد .<BR><BR>وتكشف هذه التطورات الثلاثة عن قلق أمريكي من تكرار مشكلة السنة والشيعة (الطائفة النصيرية العلوية الحاكمة في سوريا) ، ومخاوف من قلاقل تواجه إدارة بوش في سوريا تعيد سيناريو المقاومة العراقية في سوريا في حالة فكرت واشنطن في التحرك ضد سوريا مستعينة بالمعارضة السورية .<BR><BR>صحيح أن فكرة وصول جماعة الإخوان المسلمين إلى الحكم في سوريا قوبلت بعدم راحة من جانب المراقبين الغربيين بسبب مخاوف– كما يقول تقرير معهد واشنطن للدراسات الاستراتيجية – بشأن ضلوع الكثير منهم في تأييد جماعة القاعدة أو الجهاد الإسلامي (يقصدون دعم سنة سوريا للمقاومة العراقية ) ، ولكنهم مع ذلك يعترفون بعدم وجود صلة بين الجماعة والقاعدة .<BR><BR>ويشدد التقرير على أنه بالرغم من كل ما قيل فإن الإخوان المسلمين في سوريا أو أي جماعه أخرى سيكون من الصعب عليها أن تملأ الفراغ بعد انهيار النظام الحالي؛ لأن الضربات التي حصلت للجماعة في عام 1970 و1982م أضعفتهم بشكل كبير ولم تتعافى حتى الآن ، فهم حتى الآن يتقابلون في المساجد وغير منظمين مثل الإخوان في مصر ، ومعظمهم من الطبقة المتوسطه وليسوا على ثراء .<BR><BR>فهل حانت ساعة النظام السوري وفق التوقيت الأمريكي بسبب كل هذا الجدل والدراسات حول خصومه وتداعيات سقوطه ، أم أن الأمر لا يتعدى الضغوط تلو الأخرى لتركيع النظام خشية وصول قوى إسلامية غير مرغوب فيها للحكم في حالة سقوط النظام بالفعل كما حدث في العراق ؟!<BR><BR><br>