سنة العراق بعد الانتخابات : تهميش أم استقطاب ؟
12 محرم 1426

بانتهاء انتخابات "الجمعية الوطنية العراقية" التي تضم 275 عضواً، والمفترض أن تضع دستور العراق الجديد بحلول 15 أغسطس 2005م، يكون سنة العراق أمام مفترق طرق حقيقي وتحديات بالغة الصعوبة كلها تؤدي في نهاية الأمر إما إلى تهميش دورهم نهائياً في الحياة السياسية لصالح الشيعة والأكراد، أو لعب دور ثانوي، أو قلب الطاولة وفرض أمر واقع جديد لصالحهم!!<BR> <BR>بداية يجب أن نحدد من هم سنة العراق المقصودين: فهناك السنة العرب والسنة الأكراد، وفيما يتعلق بكل طرف هناك تقسيمات أخري داخلية للسنة، حيث هناك داخل السنة العرب، أطراف تقاوم الاحتلال وهؤلاء أغلبية السنة العرب (ومنهم منظمات المقاومة العراقية الحالية وهيئة علماء المسلمين)، وأطراف أخري تتوافق مع الاحتلال وترغب بأي دور وهي عبارة عن أحزاب سنية ضعيفة نسبيا مثل تحالف الباجة جي وتحالف (الرئيس المؤقت) غازي الياور.<BR> <BR><font color="#0000FF"> تقسيمات السنة وتواجدهم: </font><BR>لا يوجد تعداد رسمي عراقي يوضح عدد الشيعة وعدد السنة، وإن كانت هناك إحصاءات عن أعداد العرب عموما (شيعة وسنة) في العراق مقارنة بعدد التركمان والآشوريين (النصارى) والأكراد، وفي هذا الصدد تتضارب الأرقام أيضا.<BR>فالسنة يقدرون تعدادهم في العراق بنصف عدد السكان عموما، فيما يقدر الشيعة تعدادهم بأكثر من النصف، وتميل إحصاءات أجنبية أخري – مثل إحصاءات الاستخبارات الأمريكية – إلى ترجيح كفة الشيعة في التعداد، ووفقا للإحصاءات الأمريكية الرسمية يشكل المسلمون 97% من سكان العراق،ما بين 60-65% منهم من الشيعة، و32-37% سنة، والباقي (3%) مسيحيون، ولكن على النقيض من هذه التقديرات الأمريكية يقدر باحثون عراقيون آخرون منهم أعضاء في هيئة علماء المسلمين (السنية) تعداد السنة بأنه يساوي الشيعة تقريبا بل ويزيد.<BR> <BR>فالوجود السني يتوزع على سبعة محافظات سُنِّية؛ ثلاث منها شمال ووسط العراق هي: (الموصل ـ وصلاح الدين «تكريت» ـ والرمادي «الأنبار»)، وأربع محافظات أخري كردية سُنيَّة، وهي: (دهوك ـ وأربيل ـ والسليمانية ـ وكركوك)، إضافة إلى تجمع سُنِّي في محافظة بابل (الحلة)، وتجمع سُنِّي كبير أخر في محافظة البصرة.<BR>وإذا كان مؤتمر المعارضة العراقية الأخير قبل احتلال العراق قدر عدد الأكراد (سنة) في العراق بـ 25% من سكان العراق، وهو ما يساوي 6 ملايين نسمة، وأضفنا لهم مليون نسمة هم سكان محافظة الرمادي السنية -حسب التعداد العراقي الرسمي- ثم مليونين ونصف سني في الموصل، ومليونين في تكريت، و ثلاثة ملايين في بغداد (عدد سكان بغداد 6 ملايين)، وقرابة 3 ملايين في محافظة ديالى، ومحافظة بابل (الحلة)، ومحافظة البصرة، وقرابة مليون تركماني سني يصبح العدد حوالي 17 مليون نسمة من السُنة وهو ما يزيد على نصف عدد سكان العراق تقريبا ( 24 مليون نسمة ) أو على الأقل يعادل النصف.<BR>ويمكن القول أن غالبية التيار السني العربي الحالي هو ممن ينضوون تحت قيادة هيئة علماء المسلمين التي تعد بمثابة الجناح السياسي للسنة العرب، والمقاومة العراقية التي تعد بمثابة الجناح العسكري للسنة العرب.<BR> <BR><font color="#0000FF"> الأكراد السنة.. قوة مجهولة: </font><BR>وهناك قوة سنية أخرى مجهولة في العراق هم الأكراد السنة، ولكن مشكلتهم أن التهميش المستمر بالقوة لهم في المثلث الحدودي بين العراق وسوريا وتركيا دفع قادتهم العلمانيين في كثير من الأحيان للارتماء في أحضان قوي خارجية، إلا أن هناك حركات إسلامية سنية كثيرة ظهرت أيضا بين الأكراد في كردستان أبرزها "الحركة الإسلامية في كردستان وجماعة أنصار الإسلام.<BR> <BR>وقد لعب الاحتلال الأجنبي دورا في تأليب السنة الأكراد العلمانيين على إخوانهم في التيارات الإسلامية الأخرى بدعوى أن الإسلاميين "إرهابيين" ويجب التخلص منهم كثمن لتلبية الأمريكان بعض مطالب الأكراد في حكم ذاتي في كردستان.<BR> <BR>وقد نشر موقع (أيوبي) الخاص بأكراد إسلاميين سنة أن حملة اعتقالات واسعة ضد الإسلاميين في كردستان جرت عقب الاحتلال الأنجلو – أمريكي، وأن ميليشيات الحزبين الحاكمين العلمانيين في كردستان (الاتحاد الوطني والديمقراطي الكردستاني) قاما بشن حملة من الاعتقالات الواسعة والمنظمة التي استهدفت عناصر إسلامية ناشطة في كردستان ومن مختلف الجماعات والأحزاب الإسلامية.<BR> <BR>وكانت المناطق الكردية في شمالي العراق قد تأثرت شأنها شأن العديد من مناطق العالم الإسلامي بإعلان مصطفى كمال أتاتورك في تركيا إلغاء الخلافة الإسلامية عام 1924، مما دعا أبناء الأكراد السنة للعمل على تكوين جماعات إسلامية مختلفة، وكان حظ المناطق الكردية منها على النحو التالي:<BR>1952: أول وجود للإسلام الحركي في المناطق الكردية على يد جماعة الإخوان المسلمين. <BR>1971: حل تنظيم الإخوان المسلمين هناك. <BR>1978: بداية دخول الأفكار السلفية. <BR>1978: ظهور التيار الجهادي للمرة الأولى. <BR>1980: تكوين أول مجموعة إسلامية مسلحة في جبال كردستان حملت اسم الجيش الإسلامي الكردستاني. <BR>1985: تكوين ما عرف باسم الرابطة الإسلامية الجهادية التي تعد النواة الأولى لتكوين الحركة الإسلامية الحالية. <BR>1987: تأسيس الحركة الإسلامية في كردستان العراق بزعامة الشيخ عثمان بن عبد العزيز. <BR>وكانت الحركة الإسلامية الكردية هذه هي الواجهة الأولى التي انضوى تحت لوائها العديد من الجماعات الأخرى وخرج منها أيضاً العديد من الفصائل الإسلامية المختلفة، وبذلك أصبح الواقع السياسي في المناطق الكردية منقسماً بين تيار إسلامي فيه اتجاهات ومشارب مختلفة، وتيار علماني يتكون من سبعة أحزاب مختلفة أهمها حزب الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة جلال الطالباني والحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني. <BR>وتقول المصادر الكردية: إن الضغوط والتدخلات الإيرانية على المهاجرين الأكراد في إيران،إضافة إلى دور الجماعات العلمانية الكردية قد نجحت في شق صف الإسلاميين الانشقاق،وبذلك انشقت الحركة الإسلامية إلى جماعتين ودب النزاع بينهما: (الأولى) هي الحركة الإسلامية الأم و(الثانية) هي الجماعة الإسلامية وبينهما نشأت جماعات أخري صغيرة منها (أنصار الإسلام). <BR> <BR>وبشكل عام تبنت جماعة أنصار الإسلام المنهج الفكري الجهادي السلفي، وأصبح لها أمير ونائباه، وهيئة عسكرية، وهيئة شرعية تقوم بدور المحتسب في المدن والقرى وتمارس التوجيه الشرعي في الكتائب التابعة لها، إضافة إلى محكمة شرعية، وبعد الإعلان عن تكوين جماعة أنصار الإسلام أصبح في كردستان ثلاث جماعات إسلامية مسلحة هي: <BR>1- الحركة الإسلامية في كردستان العراق ومقرها مدينة حلبجة، قبل أن تنتقل إلى القرى المجاورة بعد أن أجبرهم الاتحاد الوطني على ذلك. <BR>2- الجماعة الإسلامية ومقرها العام في خورمال. <BR>3- جماعة أنصار الإسلام ومقرها في بياره. <BR><BR>والملفت هنا أن هذه القوي الإسلامية الكردية تأثرت كثيراً بفعل خلافاتها والضربات الموجهة لها، وبقي النفوذ الأكبر هو لأحزاب الأكراد السنية العلمانية (طالباني والبرزاني) ومن ثم ليس لم يعد للأكراد هم سوي الاستقلال أو الانفراد بحكم مستقبل ضمن اتحاد فيدرالي. <BR> <BR><font color="#0000FF"> مشكلة السنة العرب أكبر: </font><BR>وإذا ما استبعدنا السنة الأكراد الذين يشكلون قرابة 15-20 % من السكان، يكون العبء على السنة العرب (حوالي 25-30%) وتكون القوة الفعلية للسنة عموما قد تجزأت وأصبحت قليلة الفاعلية، ما يعني أن مرحلة ما بعد الانتخابات والاحتلال ستكون أكثر صعوبة لهم.<BR>فليس سراً أن انخراط السنة العرب في المقاومة ضد الاحتلال سواء باللسان (هيئة علماء المسلمين) أو بالسلاح (منظمات المقاومة) سيكون عنصر إيجابي وسلبي في الوقت نفسه في تعامل حكومة الاحتلال العراقية، وقوات الاحتلال معهم.<BR> <BR>صحيح أن بعض الشيعة يدركون أهمية السعي لإرضاء السنة العرب بمناصب شكلية وبعض الوزارات، بهدف استيعابهم سياسيا وضمان اعترافهم ضمنا بالواقع السياسي الجديد في العراق الذي يقوم على سيطرة الشيعة على مراكز الحكم والجيش بعد أن كان السنة يسيطرون عليها منذ عهد الخلافة الإسلامية العثمانية، ولكن الصحيح أيضا أن قادة الشيعة لا يغفرون لبعض هذه التنظيمات السنية العربية (خصوصاً المجاهدون العرب غير العراقيين) دورهم – كما يتهمونهم – في اغتيال كوادر شيعية والهجوم على مراكز لهم.<BR> <BR>كذلك لا يغفر الاحتلال لهؤلاء السنة تحريضهم عليه، وتسببهم في مقتل وإصابة أكثر من عشرة آلاف جندي أمريكي (وفق أرقام الاحتلال)، بل وسعى لعمليات انتقام مسلحة ضد علماء (هيئة علماء المسلمين) بشكل ضمني باعتبارهم محرضين عليه،مثل: اغتيال بعض العلماء وأئمة المساجد، أو اقتحام مساجد للسنة.<BR> <BR>ولهذا لا يمكن إغفال حقيقة أن عمليات المقاومة من الصعب أن تستمر إلى الأبد، وأنها ستضعف على الأقل، وهذا ما أكده لي عضو بهيئة علماء السنة لأسباب تتعلق بالإمدادات اللوجستية أو نقص السلاح، ولا يمكن أيضاً إغفال أن هناك حاجة لتوظيف سريع لجهود المقاومة وجناحها السياسي (هيئة العلماء) وتحديد شروط تمثل الحل الوسط لاستيعاب السنة في السلطة.<BR>وفي هذه الحالة من الضروري تحديد سقف موحد لمطالب سنة العراق العرب يسهل التعامل معه خصوصاً أن بإمكان السنة تعطيل إصدار الدستور الجديد وفق مادة سنها قانون الاحتلال الأمريكي بطلب من الأكراد تنص على حق الفيتو ورفض الدستور في حالة اعترض عليه مواطني ثلثي ثلاثة من المدن العراقية الـ 18.<BR> <BR>ويمكن رصد التوقعات السياسية لمكانة سنة العراق مستقبلاً على النحو التالي:<BR>- فلو استمر سقف المطالب السنية عالياً، وفي الوقت نفسه قادراً على إرهاق الاحتلال وتكبيده خسائر كبيرة، سيكون على المحتل أن يرضخ لبعض مطالب السنة، وهو بالمناسبة تطور بدأت تظهر معالمه بفضل قوة المقاومة حيث بدأت تطرح سيناريوهات أمريكية للانسحاب من العراق، وفي هذه الحالة لن يتمكن الاحتلال من تهميش السنة أو استقطابهم.<BR> <BR>- أما لو استمر سقف المطالب السنية عالياً وضعفت المقاومة وفي الوقت نفسه تزايدت الأحزاب السنية الصغيرة القابلة لدخول اللعبة السياسية في ظل الاحتلال وانقسم السنة أكثر، فسوف يجري نوع من الاستقطاب لبعض السنة العرب.<BR> <BR> <BR>- وفي كل الأحوال ستسعى حكومة الاحتلال العراقية الجديدة لتهميش السنة العرب وإعطائهم مناصب شكلية، مثل: منصب رئيس الدولة (تراجع هذا الطلب مع تحالف الشيعة والأكراد إلى منصب رئيس البرلمان فقط) بهدف تغيير التركيبة السياسية في العراق لصالح الشيعة والأكراد لأول مرة في التاريخ الحديث.<BR> <BR>- أما لو قنع سنة العراق بالأمر الواقع في نهاية الطريق نتيجة انقسامهم بين عرب وأكراد وبين معارضين ومشاركين في الحكم، فسوف ينتهي الأمر في العراق بتحول السنة إلى أقلية سياسية مستهدفة، وربما تحول أجزاء هامة من خريطة المنطقة الشرق أوسطية لدول شيعية التوجة السياسي والديني.. فبجانب العراق هناك إيران، وبعد اغتيال الحريري وقبله زعماء سنة كبار لوحظ أن مفتي لبنان تحدث لأول مرة عن مخاوف من تقليص وحصار دور السنة في لبنان خصوصاً في ظل تصاعد دور شيعة لبنان.<BR>- جاء عدم فوز قائمة السيستاني بالأغلبية كي تشكل حكومة شيعية دينية منفردة في العراق ليفتح الطريق أمام الائتلافات مستقبلا في العراق.. ومسارعة الشيعة بالتحالف مع الأكراد ربما تصطدم مستقبلاً برغبة الأكراد في الاستقلال، ولهذا من الضروري وجود طرف ثالث قوي محايد له دور في هذه التحالفات والتربيطات والسعي لمنع تحويل العراق لكيان طائفي على غرار لبنان وهنا دور السنة.<BR> <BR>الواقع الجديد في العراق يشير بالتالي إلى أن تمثيل السنة سوف يتضاءل تمثيل في البرلمان المقبل الذي سيتشكل قريباً، كما سيكون لهم تأثير سياسي محدود، ومن المحتمل أن تكون الكتلة التي يتزعمها الرئيس غازي الياور هي الكتلة السنية العربية الرئيسة في البرلمان رغم أنه حصل على نحو خمسة مقاعد فقط، أما الحزب العلماني الذي يتزعمه السياسي السني المخضرم عدنان الباجه جي فليس له مقعد واحد.<BR> <BR>وحتى إذا استبعد السنة من المشاركة في الحكومة العراقية المقبلة فسيكون بإمكانهم الاعتراض على دستور جديد من المقرر صياغته هذا العام وهو ما قد يسبب أزمة سياسية لأنهم سيضطرون كل الأطراف العراقية لإجراء انتخابات جديدة لجمعية وطنية جديدة، وحكومة جديدة ويكررون هذا ربما أكثر من مرة في حلقة مفرغة!!<BR> <BR>وقد أظهر ضعف المشاركة السنية أن كثيراً من العرب السنة قاطعوا الانتخابات أو ظلوا بمنأى عن مراكز الاقتراع، ولكن هناك توقعات وأراء بألا يؤدي امتناع السنة من المشاركة في الانتخابات بالضرورة إلى قيام معضلة سياسية وإلى اشتعال أوار حرب أهلية، بالنظر إلى أن هناك داخل السنة أجنحة تتفاوت بين نشطة سياسياً وأخرى صامته.<BR> <BR>كما أن هناك توقعات أخرى بأن ينحصر دور سنة العراق ما بين التهميش أو الاستيعاب خصوصاً أن الشيعة رغم تهميشهم في أوقات تاريخية أخرى وعدم مشاركتهم في الحكم لم تمنعهم من المشاركة في السلطة عبر رموز شيعية كانوا وزراء أو مسؤولين كبار.. فقط حجم نشاط المقاومة السنية ربما يرفع سقف هذا الخيار أو ذاك، أو يعيد الدور السني السياسي لسابق قوته.<BR><BR><BR><BR><br>