أسعار النفط المتنامية ..الخلفيات والآثار
28 ربيع الأول 1425

استطاعت الولايات المتحدة - نسبياً - خلال السنوات الماضية التي تلت حرب أكتوبر 1973م، أن تضع أيديها على منابع النفط بشكل أو بآخر، وأن تلعب باحتراف سياسي ودبلوماسي في إضاعة أي فرصة للّعب بورقة النفط مرة أخرى في وجه الدول المعادية ضمن أي صراع عربي إسرائيلي، أو عربي أمريكي محتمل.<BR>إذ كان الدرس الذي حدث في تلك السنة قاسياً لدرجة كافية بأن يصبح (حلقة في أذن) كل الإدارات الأمريكية المتتالية في البيت الأبيض.<BR>ولكن عملياً يختلف الأمر بهامش خطأ بسيط، سمح بحدوث هزات اقتصادية كبيرة، أربكت أقوى اقتصاد عالمي عدة مرات حتى الآن، وأثبتت وجود أوراق أقل ضعفاً، لكنها كفيلة بإحداث آثار سلبية يصل مداها إلى عدة مليارات من الدولارات.!!<BR><BR><font color="#0000FF"> ارتفاع قياسي: </font><BR>تشهد الأيام الحالية ارتفاعاً جنونياً في أسعار النفط، وصلت إلى أعلى مستويات لها منذ 21 عاماً، متأثرة بالقلق العالمي المتنامي من عدم تمكن منظمة مجموعة الدول المصدرة للنفط (أوبيك) ضخ نفط كاف لتلبية طلب النفط العالمي المتسارع.<BR><BR>كما شكلت أخبار نقص المخزون الأمريكي من الغازولين تعزيزاً إضافياً لزيادة قلق الشركات العالمية والمضاربين بسوق الأسهم في العالم.<BR><BR>فقد ارتفع سعر النفط الخام الخفيف الأمريكي إلى مبلغ 41.22 دولار للبرميل الواحد، أي: أعلى بـ7 سنتات عن السعر الذي وصل إليه النفط في أكتوبر 1990م، إبان الغزو العراقي للكويت، حيث بلغ في ذلك الوقت مبلغاً قياسياً هو 41.15 دولاراً للبرميل.<BR>فيما سجل سعر برنت في بورصة النفط الدولية في لندن، 38.40 دولاراً للبرميل بارتفاع خمسة سنتات عن إغلاق البورصة يوم الأربعاء الماضي.<BR><BR>هذه الأنباء بدأت تقلق الرئيس الأمريكي جورج بوش؛ الذي شهدت سنوات توليه منصب الرئاسة، مدة من أسوأ أوقات الولايات المتحدة اقتصادياً.<BR>فقد صرح الناطق باسم البيت الأبيض سكوت مكليلان أواخر الأسبوع الماضي بالقول: " إن الرئيس لا يزال قلقاً بشأن أسعار الغاز المتصاعدة".<BR>هذا الخوف الذي لن يكون بإمكان أمريكا هذه المرة أن تواجهه بالطائرات والصواريخ الذكية، كما فعلت سابقاً ضد أهداف تخاف منها.!!<BR><BR>وأضاف البيت الأبيض: " نحن لا نزال على اتصال مع الدول المنتجة حول العالم، ونحثهم بألا تصرفوا على نحو يضر باقتصادنا ومستهلكينا"!!<BR><BR><font color="#0000FF"> إننا نحرق طاقة أكثر: </font><BR>على أن صحافة الدول الغربية لم تلق باللوم بشكل كامل على الدول المنتجة للنفط ، إذ تصاعدت أصوات جديدة داعية إلى إيجاد آلية لتهميش الدور القيادي لتلك الدول في شأن أسعار النفط العالمية،<BR>فقد كتبت الصحفية الأمريكية جوسيلين باكر تقول: " نحن على الأقل يجب أن نلقي اللوم على أنفسنا جزئياً في المشكلة المتصاعدة حول النفط ، سواء أردنا أم لم نرد، فإننا نحرق غازاً أكثر بكثير من أي وقت مضى، إذ قفز الاستهلاك المحلي للنفط 24% منذ 1990م، فيما تقول لنا الحكومة: إننا على الطريق الصحيح، وإننا سنحرق 48% زيادة جديدة حتى عام 2025م".<BR><BR>وتضيف الكاتبة الأمريكية " لقد نما عدد العربات التي تسير في شوارعنا بنسبة 22% بين عامي 1990 و2001م، وفقاً لإحصائيات الحكومة الاتحادية، فقد زادت المسافة التي تسيرها تلك العربات بنسبة 29%".<BR><BR>وبحسب الإحصائيات التي نشرها خبراء اقتصاديون في أمريكا؛ فإن أحد أهم الأسباب التي أدت إلى ارتفاع الاستهلاك الأمريكي للنفط هو زيادة عدد الشاحنات والباصات بنسبة 74% خلال السنوات الماضية، والتي تستهلك وقوداً أكثر من السيارات العادية،<BR>كما تشكل السيارات ذات الدفع الرباعي نسبة متزايدة في الشوارع الأمريكية المزدحمة، ما رفع بالتالي حاجة السيارة الواحدة إلى الضعف في بعض الأحيان.<BR>ويضيف الخبراء: إن المدة بين عامي 1980 و1990م شهدت نمواً بمقدار 5% فقط في نسبة استهلاك الوقود، مقارنة بـ 23.5% بين عامي 1990 و2003م. <BR><BR><font color="#0000FF"> أفكار مطروحة لتجنب أزمات قادمة: </font><BR>السيناتور جون كيري(المرشح الديموقراطي للانتخابات الرئاسية القادمة ضد بوش) ركز على انتقاد علاقة بوش مع المملكة العربية السعودية، كونها أكبر منتجي النفط، والمحرك الأساسي ضمن منظمة (أوبيك)، إذ طلب كيري من الإدارة الأمريكية أن تتوقف عن شراء النفط الخام، مستندة إلى استخدام الاحتياطي الاستراتيجي في الولايات المتحدة كحل قصير الأجل.!!<BR><BR>فيما قال عضو مجلس الشيوخ عن ولاية نيو مكسيكو، بيت دومينيسي: " نحن معلقون، ولا نستطيع حتى أن نقوم بأي تحركات في سبيل مواجهة هذه المحنة".<BR>وهو ما يرفع حالة التأهب النفطية في الولايات المتحدة إلى مستويات قياسية، حرّكت خبراء الاقتصاد لإيجاد آليات جديدة بديلة عن النفط.<BR><BR>حيث أكد بعض الخبراء الاقتصاديين الأمريكيين، أن الحل يمكن في تشجيع السير باتجاه تصنيع سيارات (هجينة) بحسب وصفهم، التي تستعمل الطاقة الكهربائية في إكمال وتخفيض نسبة استخدام البنزين في السيارات العادية.<BR>وهو ما يدعو إليه كيري، من أجل إيجاد فرص عمل جديدة للأيدي العاملة الأمريكية، وزيادة فرصة الاستقرار الاقتصادي.<BR>على الرغم من صعوبة تحقيق هذه الأمنية الأمريكية على المدى القصير.<BR><BR><font color="#0000FF"> محاولات عالمية لخفض الأسعار: </font><BR>محاولات الدول الغربية ودول منظمة (أوبيك) لا تزال مشتعلة من أجل تبريد أسعار النفط عالمياً، فمن ناحيتها ، تحاول الدول الغربية فعل ما في وسعها من ضغوطات دبلوماسية وتحركات استراتيجية من أجل تخفيض الأسعار، فيما تحاول (أوبيك) زيادة إنتاجها لتخفيض الأسعار وإقناع المستثمرين بوجود سهولة في تدفق النفط.<BR><BR>رئيس منظمة (أوبيك) الإندونيسي بورنومو يسجيانتورو قال يوم الأربعاء الماضي: " دول (أوبيك) تضخ يومياً 2 مليون برميل نفط أكثر من الحد الطبيعي، من أجل إرجاع أسعار النفط إلى الحد الطبيعي".<BR>في وقت اقترحت فيه المملكة العربية السعودية زيادة حصتها اليومية بمقدار 1.5 مليون برميل.<BR><BR>ونقلت وسائل إعلام غربية عن رجال أعمال أمريكيين وأوروبيين قولهم: " إن السعودية تعهدت بزيادة تصدير النفط الخام خلال شهر يونيو القادم".<BR><BR><font color="#0000FF"> خلفيات ارتفاع أسعار النفط في العالم: </font><BR>شكلت بعض الأسباب المباشرة وغير المباشرة آثاراً سلبية على أسعار النفط ، ما ساهم في رفعها ربما كان من أهمها القلق المتزايد من عدم توافر نفط كاف خلال المدة القادمة، بسبب بعض الأمور السياسية في العالم.<BR>وبحسب منظمة الطاقة الدولية فإن الطلب على النفط ارتفع خلال العام الحالي إلى أعلى مستوى له منذ 16 عاماً.<BR>ومن أهم تلك الأسباب ازدياد الطلب الصيني على النفط، إذ يشهد العصر الحديث نمواً واضحاً في التطور الاقتصادي متعدد المجالات في الصين، التي تمتلك أكبر عدد من سكان العالم، والذين يبلغون نحو خمس العالم.<BR>وبحسب المنظمة الدولية فإن الصين سجلت أعلى مستوى لها في زيادة الطلب واستهلاك النفط ، حيث ارتفع بنسبة 20% العام الماضي.<BR>وحتى الآن، فإن الصين ماضية في طلبها وحاجتها للنفط، في ظل تنامي الحاجة الدولية له.<BR>وبحسب إحصاءات الوكالة الدولية للطاقة، فإن منطقة آسيا والمحيط الهادي استهلكت عام 2003 21.9 مليون برميل من النفط، بزيادة قدرها 11.5 مليون برميل عما كان عليه الحال عام 1987م.<BR><BR>ومن ناحية أخرى، كانت معظم شركات النفط في السابق تقوم بالحفاظ على مخزون احتياطي كي تتلاعب فيه وتحركه وفقاً لمصالحها ومصالح بلادها، أما الآن فإن معظم الشركات استغنت عن هذه الاستراتيجية، في سبيل إمداد السوق المتعطش بشكل دائم.<BR><BR>أما من الناحية السياسية، فإن بعض الدول الأكثر إنتاجاً للنفط في العالم، شهدت هذا العام اضطرابات واسعة وكبيرة، وصلت إلى حد الاحتلال، كما حدث مع العراق، التي احتلتها القوات الأمريكية منذ مارس 2003م، ما أدى لتوقف تصدير النفط مدة من الزمن، وحتى بعد أن عادت الأمور بيد القوات الأمريكية التي استولت على وزارة النفط حال احتلالها للبلاد، قامت مجموعات من المقاومة العراقية باستهداف أنابيب النفط بشكل مركز وكبير، ما أدى إلى إرباك وقلقلة واسعة في التصدير عبر الخطوط الشمالية باتجاه تركيا، وعبر ميناء التصدير الجنوبي في البصرة.<BR><BR>وتوّجت المقاومة هذه العمليات عبر استهداف ميناء البصرة بزورقين مفخخين، ما أجبر قوات الاحتلال إلى إيقاف ضخ النفط لمدة من الزمن، ثم عادت للتصدير بطاقات أقل.<BR>تقول وكالة رويترز: " إن هناك مخاوف في الأسواق من استهداف أنابيب النفط في العراق، خاصة بعد الهجوم الذي تعرض له رصيف تصدير النفط في جنوب العراق في شهر ابريل الماضي، والذي أدى إلى تخفيض صادرات النفط العراقية من مينائها الجنوبي بنحو الثلث".<BR><BR>كما شهدت نيجيريا اضطرابات كبيرة، استهدفت خلالها محطات التصدير وأنابيب النفط، أما في فنزويلا، أحد أكبر الشركاء في (أوبيك)، فقد شهدت اضطرابات سياسية تمثلت في محاولة الانقلاب على الرئيس شافيز، وانتهت بفشل ذريع، وسط تحد حكومة شافيز للولايات المتحدة، ورغبتها في الاستمرار بإرباك الأسعار، من أجل ضمان ارتفاع دائم أو طويل الأجل في أسعار النفط.<BR><BR><font color="#0000FF"> خلافات داخل (أوبيك): </font><BR>نظرية الرئيس الفنزويلي في مسألة أسعار النفط برزت في اجتماعات منظمة (أوبيك) الأخيرة، حيث حصل انشقاق بين بعض الدول، فمن جهة ترى فنزويلا أن التحفظ على ضخ النفط الاحتياطي في الأسواق سيؤدي إلى ارتفاع سعر النفط، وبالتالي ستدفع الولايات المتحدة وأوربا أسعار أعلى للنفط الرخيص الثمن؛ القادم من دول نامية، فيما ترى المملكة العربية السعودية والكويت أن زيادة ضخ النفط سيؤدي إلى انخفاض أسعاره في العالم، وخاصة في أمريكا!!<BR><BR>فبالإضافة إلى الزيادة التي وعدت بها السعودية في ضخ 1.5 مليون برميل نفط يومياً، أعلن وزير النفط الكويتي أنه سيعمل على محاولة لإنقاذ الموقف، واعداً بقيام الكويت بضخ كميات إضافية من النفط، تقدر بنحو 600 ألف برميل يومياً، أي ما سيرفع حصة الكويت في (أوبيك) إلى 2.4 مليون برميل يومياً!!<BR><BR>ويرى بعض المحللين الاقتصاديين أن سياسية (أوبيك) اختلفت في الأعوام الأخيرة، ما ساهم في ارتباك أسعار النفط، حيث كانت هذه الدول تعلن عن خفض إنتاجها قبل أن تنخفض أسعار النفط، أما الآن، فإن المنظمة تنتظر إلى أن تقل الأسعار لتعلن بعد ذلك خفض إنتاجها.<BR><BR><font color="#0000FF"> القادم أكبر: </font><BR>بعض المشاهدات في دول العالم لا تدعو للتفاؤل مطلقاً، على الأقل خلال المدة القادمة.<BR>حيث يرى بورنومو يوجانتورو (رئيس أوبك) أن دول المنظمة قد لا تتمكن من السيطرة على أسعار النفط المتزايدة، مشيراً إلى أن الدول الأعضاء قد سمح لها بالفعل بإنتاج ما يزيد عن معدلاتها الطبيعية من أجل مواجهة ارتفاع أسعار النفط. <BR>وقال: " إن العديد من الدول أضافت بالفعل مليوني برميل في اليوم وهو ما يعادل 2.5% من الطلب العالمي دون أن يؤثر ذلك على الأسعار". <BR><BR>كما ترى جوليان لي (الباحثة بمركز دراسات الطاقة العالمية) أنه من المنتظر أن تستمر أسعار النفط في الارتفاع لعدة أشهر، إذ إن الولايات المتحدة ودول أوربا مقبلة على الصيف والإجازات، وهو ما يرفع أسعار النفط بشكل سنوي، بسبب زيادة الطلب على مادة البانزين، والوقود المستهلك.<BR><BR>فيما حذرت روسيا، (ثاني أكبر مصدر للنفط في العالم بعد السعودية) من أن صادراتها بلغت أعلى مستوى ممكن بعد سنوات من النمو المستمر، في إشارة واضحة إلى عدم تمكن المصافي الروسية من إمداد الأسواق العالمية بالنفط بحجم أكبر من المستوى الحالي.<BR>وقال سميون فانشتوك (رئيس شركة أنابيب النفط الروسية): " إن نمو المعروض من النفط لا يكفي لمواجهة الاحتياجات المتزايدة في دول مثل الصين والهند، علاوة على المخاوف بشأن الأوضاع في العراق". <BR><BR>كل تلك التصريحات والمواقف والآراء قد تعد حقيقة واقعة خلال مدة بسيطة، خاصة إذا لم تستطع دول (أوبيك) في اجتماعاها القادم غير الرسمي المزمع عقده في 21 مايو الحالي بمدينة أمستردام، بث الثقة من جديد في الأسواق العالمية بقدرته على تغطية الاحتياجات المتزايدة. <BR>وهذه الواقع المخيف قد يكتب له النمو سريعاً بحال فشل الدول المصدرة للنفط في استغلال الفرصة الأخرى خلال اجتماعها الرسمي بتاريخ 2 يونيو في بيروت؛ لتقليل أسعار النفط.<BR><br>