الهدف الحقيقي لزيارة جورج بوش للمنطقة
5 محرم 1429

بعد أن انقشع الغبار ، وهدأت الرياح التي صاحبت زيارة الرئيس الأمريكي جورج بوش للمنطقة ، واجتماعه بعدد من الزعماء العرب والإسرائيليين ، يمكننا على الأقل أن نكتشف أو على الأقل نتلمس ونستنتج الهدف الحقيقي من زيارة جورج بوش إلى المنطقة . تلك الزيارة التي استلزمت حشد عشرات الآلاف من الشرطة العلنية والسرية لحماية هذا الرجل الذي يعيش ربع الساعة الأخيرة في ولايته للبيت الأبيض ، وبديهي أن المجهود والأموال التي أُنفقت لحماية الرجل تقطع بأن الزيارة ليست مجرد زيارة سياحية للتمتع بشمس المنطقة وطقسها الدافئ ، أو مناظرها الخلابة أو آثارها القديمة . ومن ثم فإن تفسير الزيارة على أنها مجرد نزهة لرجل يستعد لوداع منصبه الرسمي هو تفسير ناقص بالضرورة . <BR>التفسير الثاني لزيارة جورج بوش . – والذي بدورنا نراه ناقصاً – هو أن الرجل جاء لحشد التأييد الإقليمي لضربة أمريكية ضد إيران ، لأن قيام أمريكا بهذه الضربة أمر مستبعد الآن إلى حد كبير ، فقرار مثل هذا قرار خطير جداً لا يمكن لرئيس يستعد للوداع أن يتخذه ، خاصة أن الأجهزة السيادية الأمريكية حاولت منعه بنشر التقرير الاستخباراتي الذي شاركت في وضعه 16 جهازاً أمريكياً استخباراتياً ، والذي تحدث عن وقف إيران برنامجها النووي العسكري منذ عام 2003 بالإضافة إلى هذا فإن الصعوبات التي تواجهها أمريكا في العراق وأفغانستان لا تزال قائمة بل تتفاقم ، ومن ثم فإن ضرب إيران سيفاقم المشكلة ولن يحلها ، أضف إلى ذلك ما هو معروف من وجود أوراق إيرانية قوية يمكن بها أن توجع أمريكا وجعاً كبيراً إذا تعرضت للضرب مثل إطلاق يد الميليشيات الشيعية وخاصة جيش المهدي في العراق ضد القوات الأمريكية ، ومثل إطلاق صواريخ على إسرائيل من حزب الله في لبنان أو حتى من داخل إيران ذاتها ، ومثل العمليات التي يمكن أن يقوم بها حلفاء إيران ضد المصالح الأمريكية في المنطقة ، بل وحتى داخل أمريكا ذاتها . ومثل إمكانية قيام إيران بأعمال ضد الوجود العسكري والاقتصادي الأمريكي في الخليج بحراً وبراً ، وقد قامت زورق إيرانية بالتحرش بسفن أمريكية في الخليج قبيل الزيارة في رسالة واضحة ومفهومة . وهكذا فإن حشد حلفاء لضرب إيران لا يمكن أن يرقى سبباً للزيارة ، لأن أقصى ما يمكن أن يفعله جورج بوش في هذا الصدد هو مجرد توجيه ضربة رمزية لإيران لا توجعها ولا تستفزها للرد ، وفي نفس الوقت تحقق لأمريكا نوع من حفظ ماء الوجه ، وهذه الضربة الرمزية المحدودة لا تحتاج إلى زيارة جورج بوش بنفسه إلى المنطقة . <BR>التفسير الثالث هو أن الرئيس جورج بوش جاء للمنطقة لدفع عملية السلام المتعثرة بين أبي مازن وأولمرت ، والحقيقة أن ما قاله وفعله جورج بوش يعطي الانطباع بالعكس ، فالرجل أعاد التأكيد على عبرية ويهودية دولة إسرائيل ، وهو أمر خطير لأنه يعني إمكانية طرد عرب 1948 إلى مناطق السلطة ، وبديهي أن هذا ينسف السلام ، فضلاً عن أن حديث جورج بوش عن حل الدولتين جاء على طريقة خدمة إسرائيل وليس السلام ، لأن الإسرائيليين استقبلوا زيارة جورج بوش للمنطقة بأعمال عسكرية وقتل واغتيال ومداهمات في غزة والضفة أيضاً ، كما أن ذلك استمر إبان زيارة الرجل ، بالإضافة إلى زيادة كثافة عمليات الاستيطان الإسرائيلي في الضفة والقدس بالذات واستمر العمل في بناء الجدار ، وجورج بوش لم يشجب ذلك ، ولم يعلن رفضه له ، بل قال كلاماً غامضاً لا قيمة له عن المستوطنات العشوائية وهي مستوطنات أو بالأحرى مساكن مؤقتة تقيمها إسرائيل لتزيلها فيما بعد لتحقيق نوع من الدعاية والخداع ، في مقابل استمرار الاستيطان في القدس والضفة بصورة منهجية ، وهكذا فإن كلام جورج بوش عن السلام إبان زيارته كلام بلا رصيد حقيقي لدرجة أن أوساط السلطة ورجال أبي مازن أنفسهم عبروا عن استيائهم ، وهو أمر ذو دلالة كبيرة لأن هؤلاء أنفسهم يريدون السلام بأي ثمن ، فما بالك إذا كان هؤلاء لا يرون إمكانية لذلك في ظل الممارسات الإسرائيلية التي جرت وتجري تحت سمع جورج بوش ونظره . <BR>التفسير الرابع هو أن الرجل جاء إلى المنطقة في محاولة لغسيل تاريخه من الفشل وتحقيق أي نجاح ، لكن ما فعله الرجل أنه زاد تاريخه فشلاً وأضاف إليه عناصر العار لا أكثر ولا أقل . <BR>يبقى التفسير الوحيد القابل للفهم من تلك الزيارة وهو أن الرئيس جورج بوش جاء إلى المنطقة ليبارك ويعطي اللمسات الأخيرة لخطة تصفية حركة حماس في غزة ولينسق الجهود بين كل من أبي مازن وأولمرت في هذا الصدد وسوف تكشف الأيام مدى صحة هذا الاستنتاج – الذي هو مجرد استنتاج – من عدمه مع الأخذ في الاعتبار أن قراراً بتصفية حماس ووضع الخطط اللازمة لذلك أمريكياً وإسرائيلياً وسلطوياً " نسبة إلى سلطة أبي مازن " لا يعني بالضرورة النجاح في تحقيق ذلك المخطط ، لأن إرادة الله ثم إرادة المقاومة أقوى من أمريكا وإسرائيل والسلطة ، ولدينا المقاومة العراقية خير شاهد على ذلك . <BR><BR><br>