دلالات قبول "إسرائيل" بحل الدولتين
21 ذو الحجه 1428

لا يمكن بالطبع تصور أن "إسرائيل" أصبحت فجأة تبحث عن نوع من السلام حتى لو كان سلاماً يضمن لها عدم عودة اللاجئين الفلسطينيين و التخلي عن القدس أو غيرها، لأن "إسرائيل" بطبيعتها كيان عدواني شكلاً ومضموناً يقوم على التوسع والاستيطان، ومن ثم فإن قبول "إسرائيل" بما يسمى حل الدولتين يحمل في طياته العديد من الدلالات، وكذا لا يمكن تصور أن الولايات المتحدة الأمريكية يمكن أن تفرض حل الدولتين على "إسرائيل"، لأن هذا خارج إطار السلوك الأمريكي تماماً القائم على التناغم الكامل مع "إسرائيل". <BR>في البدء كانت "إسرائيل" تراوغ – وهذا شأنها بخصوص قيام دولة فلسطينية على أراض من الضفة وغزة، ولطالما أجلت "إسرائيل" هذا الاستحقاق المنصوص عليه في اتفاق أوسلو، ولكن المسألة بدأت تتغير باتجاه أن يصبح هذا الحل مطلب أمريكي و"إسرائيلي"، فالرئيس بوش حين أصدر ما يسمى بوعد بوش وتحدث فيه عن اعترافه بعبرية دولة "إسرائيل"، وأنها دولة لليهود فوق ذلك بتعهده بقيام دولتين فلسطينية و"إسرائيلية" يهودية متجاورتان تعيشان في سلام !!. وكذا فإن خارطة الطريق تضمنت هذا الحل، ولكن الإصرار فيها وفي غبرها على ضرورة القضاء على البنية التحتية للإرهاب "حماس والجهاد وكتائب شهداء الأقصى التابعة لفتح وغيرها" جعل كل الأمور تتجمد بانتظار تحقيق هذا الهدف المستحيل عملياً، لأن "إسرائيل" لم تستطع ذلك رغم عشرات العمليات العسكرية الكبرى، وآلاف العمليات الصغرى، وبديهي أن قوات السلطة بقيادة عباس أعجز من أن تحقق ذلك، وقد تأكد ذلك في الصراع بين عباس ودحلان مع حماس في غزة الذي انتهى بانهيار سريع لقوات دحلان وعباس في مواجهة قوات حماس !!. <BR>حل الدولتين قفز من جديد على سطح الأحداث إبان مؤتمر أنابوليس فقد أجمع كل الفرقاء عليه الرئيس الأمريكي في خطابه وإن كان قد أكد من جديد على عبرية "إسرائيل" وأنها دولة لليهود، وأكد أيضاً على أن تكون دولة فلسطين تلك مهمتها هي محاربة الإرهاب !!. وكذا فعل أولمرت وأيضاً طالب محمود أبو مازن بحل لدولتين والدول العربية سواء في خطاباتها التي ألقيت في المؤتمر، أو في مبادرة السلام العربية المعروفة. <BR>أكثر من هذا فإن كبار اليمنيين "الإسرائيليين" والمتشددين ما عادوا يعارضون هذا الأمر بشكل جدي، ورئيس الوزراء "الإسرائيلي" ايهود أو لمرت عندما عاد من أنابوليس وأعلن ذلك، لم يواجه باستقالات وزارية من ليبرمان أو غيره. وقد عبر أو لمرت صراحة عن موقفه هذا وبرره تبريراً مفهوماً، يشكل بدوره السبب الحقيقي لقبول "إسرائيل" ومن ثم أمريكا لحل الدولتين، يقول ليبرمان "إن من الضروري التوصل لحل الدولتين للشعبين لتفادي تكون واقع يشبه الوضع في جنوب إفريقيا خلال فترة سريان نظام التفرقة العنصرية في هذا البلد وأضاف "إننا قد نواجه نزاعاً حول منح الفلسطينيين حق التصويت في مناطق الضفة وغزة أيضاً، الأمر الذي سيؤدي إلى القضاء على دولة "إسرائيل" نهائياً". <BR>وفي الحقيقة فإن الدكتور هنري كيسنجر كان قد نصح "إسرائيل" مؤخراً وبالمناسبة فهو يهودي ومتعاطف مع الصهيونية. كان قد نصح "إسرائيل" بقبول حل الدولتين بسرعة، لأن هناك متغيرات دولية قد تضر "إسرائيل" كثيراً، لأن استمرار الوضع الحالي غير ممكن لأنه يزيد رقعة العنف والإرهاب وهو يمكن أن يجعل أوروبا وأمريكا تشعران بأن "إسرائيل" سبب في هذا الأمر ومن ثم فهي عبء على الحضارة الغربية وكذلك فإن حل الدولة ثنائية القومية ينهي وجود دولة "إسرائيل" كدولة عبرية لأن العامل الديموجرافي يعمل لصالح الفلسطينيين. <BR>وبعيداً عن كلام أولمرت وكيسنجر، فإن الحقائق على الأرض تقول <BR>- أنه حدث تراجع كبير في قدرات "إسرائيل"، فقد هزمت في حرب صيف 2006 في لبنان، ولم تستطع بعد كل ما فعلته أن تقضي على حماس والجهاد الفلسطيني، والجدار العازل لن يحول دون وصول الصواريخ الصغيرة من طراز القسام وغيرها إلى داخل المدن "الإسرائيلية"، وهذا يعني أن شعور الخوف لدى "الإسرائيلي" سيصبح هو العامل الأكبر في المعادلة، وهذا ينسف فكرة الصهيونية من جذورها، فالصهيونية في إحدى تجلياتها تحقيق مكان آمن لليهودي لا يشعر فيه بالخوف بعد عصور طويلة من الاضطهاد في أوروبا، ومادامت فلسطين المحتلة أو "إسرائيل" لم تعد هي المكان الآمن بل العكس أصبحت أقل الأماكن أمناً بالنسبة لليهودي، فإن فكرة الصهيونية قد نُسفت نسفاً. ومن ثم فإن منحنى النزول "الإسرائيلي" قد بدأ ويمكن توقع نهايتها في فترة زمنية متوسطة.<BR>- أنه لمنع حدوث ذلك، وما دام حل الدولة ثنائية القومية يضر "إسرائيل"، والوضع الحالي يزيد في رقعة الإرهاب والعامل الديموجرافي داخل إسرائيل ذاتها يعمل بمعدل خطير ضد يهودية الدولة، فإن حل الدولتين يصبح حلاً مثالياً، فمن ناحية فإن إقامة دولة فلسطينية على مناطق الضفة وغزة، مع احتفاظ "إسرائيل" بما تشاء من أرض نتيجة التاريخ أو التوراة كالقدس مثلاً – من وجهة نظر صهيونية – أو نتيجة الحاجات الأمنية الاقتصادية كمناطق على حدود مصر والأردن، ولأسباب المياه والموارد الاقتصادية، إقامة مثل هذه الدولة تحت السيطرة "الإسرائيلية" يحقق لـ"إسرائيل" حلاً سحرياً، فهو يعطي الفلسطينيين دولة، ومن ثم تم مساعدتها اقتصادياً عن طريق أمريكا وأوروبا، أي حل معيشي للفلسطينيين بدون سيادة أو كرامة، يقلل هامش العنف لدى الفلسطينيين، بل ويوجه البندقية الفلسطينية إلى صدور فلسطينيين آخرين، ومن ناحية ثانية يمكن أن تكون هذه الدولة مكاناً لاستقبال عرب 1948، أو جزء منهم في إطار تخفيض الضغط الديموجرافي على "إسرائيل"، للمحافظة على عبرية ويهودية دولة "إسرائيل". <BR> <BR><br>