علي بابان .. عودة وطنية أم ضغوط خفية ؟!
7 رمضان 1428

في الوقت الذي باتت كل المؤشرات تؤكد انتهاء وانهيار حكومة نوري المالكي، بعد الانسحابات الأخيرة من الحكومة وآخرها انسحاب (جبهة التوافق)، مطلع أغسطس الماضي، من الحكومة الحالية، واستقالة وزرائها الخمسة بالإضافة إلى نائب رئيس الوزراء سلام الزوبعي، احتجاجا على عدم تلبية حكومة المالكي لعدة مطالب قدمتها الجبهة، ومن ضمنهم علي بابان وزير التخطيط، تفاجأ الجميع قبل يومين بعودة علي بابان من دون استشارة أو الحصول على موافقة جبهة التوافق باعتباره أحد وزرائها، حسب ما ذكرت الجبهة بلسان ناطقها الرسمي.<BR>وبداية ـ وبغض النظر عن موقفنا من المشاركة في العملية السياسية في ظل الاحتلال ـ فأنا شخصياً لا أعرف وزير التخطيط المستقيل والعائد علي بابان، لكنني<font color="#ff0000"> قبل أقل من أسبوع التقيته لأول مرة في بيت أحد الأصدقاء وكانت الدعوة على طعام الغداء، وقبل تناولنا لطعامنا تكلم علي بابان عن الكثير من المسائل، ومنها مسألة الانسحاب من حكومة نوري المالكي، وكان رأيه موافق لرأي جبهة التوافق، وبالتحديد لرأي الحزب الإسلامي العراقي، ومن ضمن ما تناوله مسألة أهمية المشاركة السابقة في العملية السياسية، وحينما سئل عن جدوى البقاء في العملية السياسية بعدما أثبتت التجربة عدم الحصول على أي مكاسب؟ </font>قال بابان: على الأقل أنت عرفت كيف يفكر أعداءك (ويقصد الآخرين من المشاركين في العملية السياسية من غير حزبه)!<BR>وبعد ستة أيام من ذلك اللقاء الذي استمر لأكثر من 3 ساعات، في العاصمة الأردنية عمان، أعلن علي بابان نيته العودة إلى الحكومة الحالية، والتي انسحب منها ضمن وزراء (جبهة التوافق)، موضحا أنه سيستقيل من الحزب الإسلامي والجبهة في حال رفضا عودته إلى حكومة رئيس الوزراء نوري المالكي، وسيعمل بـ "هوية وطنية غير حزبية".<BR>وبابان كما هو معروف مرشح الحزب الإسلامي العراقي لمنصب وزارة التخطيط في حكومة المالكي و( الحزب الإسلامي العراقي) أحد المكونات الثلاث الأساسية لـ (جبهة التوافق).<BR>وفعلاً؛ عاد القيادي السابق في الحزب الإسلامي علي بابان من غير انتظار طويل.<BR>لقد فاجأ الوزير بابان الجميع بالرجوع لمنصبه كوزير للتخطيط في حكومة نوري المالكي، هذا الأمر لم يفهمه حتى قيادات من الحزب الإسلامي العراقي التقيت بهم وحاولت أن أعرف انطباعاتهم بعد عودة علي بابان للحكومة، أكثر من شخصية تابعة للحزب الإسلامي أعربت عن صدمتها من موقف بابان، بل إن أحد نواب جبهة التوافق قال لي بالحرف الواحد:<BR>"علي بابان يقول : إن المالكي يقول عن وزراء السنة المشاركين في العملية السياسية: بأنهم نواصب فكيف بالآخرين من عموم السنة، كيف يمكن العمل مع رجل هذا مستوى تفكيره؟! ثم بعد ذلك يتهم بابان المنسحبين بالطائفية وغيرها من النعوت الأخرى، هذا الأمر لا يصدق، والكلام مازال لهذا النائب.<BR>ويضيف البرلماني: "بل إن بابان كان من المعارضين بقوة لدخول العملية السياسية بشدة، وبعد دخول العملية كان من الذين يدفعون باتجاه الانسحاب من الحكومة؛ حيث إن بابان نفسه قال قبل أسابيع من قرار جبهته ( التوافق) الانسحاب من الحكومة، إنه يعتزم تقديم استقالته احتجاجا على مشروع قانون النفط والغاز المثير للجدل، وكان هذا الكلام من خلال وسائل الإعلام المختلفة ولم يكن الأمر سراً أو أمراً مخفياً على أحد".<BR><BR>وبعد عودته "الميمونة" للوزارة التي يرأسها المالكي، تغيرت كل أقوال ومواقف بابان بين ليلة وضحاها، حيث قال بابان: "إنه قرر العودة إلى الحكومة الحالية من أجل إيضاح خطر إقرار قوانين: النفط والغاز، والموارد المالية، وقانون مجالس المحافظات، من خلال حضوري جلسات مجلس الوزراء المقبلة." ، وهنا يمكننا أن نسأل علي بابان، ماذا يمكن أن يحصل إن لم تكن من بين الحاضرين لهذه النقاشات؟ أي أنه إن لم يحضر هل سيكون الأمر مختلفاً؟ وهل سيكون هو راعي هذه القوانين أم سيغير ما يشاء منها؟، ونسي قوله – خلال لقاءي به – إن الاحتلال هو الذي ينفذ مايخطط له؟<BR>ثم من أين جاءت هذه الإمكانية وهذا النفوذ الذي يجعل من بابان – القشة التي تقصم ظهر البعير – بحيث هو من يؤثر في هذه القرارات الخطيرة، حيث إنه يعرف قبل غيره من هو صاحب القرار الحقيقي على أرض الواقع في العراق؟ وهو الاحتلال، ثم الأكثرية البرلمانية التي تميل أصلاً - بل هي الداعية نهاراً جهاراً - لمثل هذه القوانين، إلا إذا كان صوت علي بابان يعادل العشرات فهذا له شأن آخر؟!<BR> ثم أردف بابان قائلا: "المسؤولية الأخلاقية والوطنية فرضت عليّ الرجوع لإيضاح ذلك، ولكي لا أكون سببا ومشاركا في تعطيل الحياة في العراق"، نعم هكذا قال الرجل في تصريحاته الصحفية؛ أي إن الحياة في العراق متوقفة على عودة بابان الميمونة للحكومة، وفي المقابل ؛ فإن عودة بابان والآخرين سيجعل حركة الحياة تعود من جديد ؟! وأضاف بابان في نفس التصريح " أشعر الآن براحة الضمير"، نعم راحة الضمير في إرضاء المالكي وأسياده من المحتلين وغيرهم"!!<BR>الحزب الإسلامي الذي ينتمي إليه بابان قرر من جانبه وفي بيان صدر عنه من المكتب السياسي للحزب – وبالإجماع - إنهاء علاقة علي بابان التنظيمية معه، وأن الحزب لا يتحمل أي مسؤولية عن أي فعل أو ممارسه تصدر عنه.<BR>وقال الحزب في بيانه : "إننا لا نرضى ممن يحسب عليه إلا الالتزام الكامل بقراراته ولا سيما ممن قدمناهم على غيرهم تقديراً لما قد تكون لديهم من كفاءة مهنية تؤهلهم لأداء الدور المنوط بهم".<BR>وأضاف: إن إعلان وزير التخطيط علي بابان نقضه لقرار جبهة التوافق بالانسحاب من الحكومة العراقية وأعلن عودته إلى ممارسة مهامه في وزارته متذرعاً بأسباب واهية غامزاً قرار جبهة التوافق العراقية باعتباره متناقضاً مع المصلحة الوطنية.<BR>وأكد الحزب إن بابان تجاهل أنه كان أحد المشاركين في هذا القرار ومن الداعين له بقوة وكان بإمكانه أن يطرح قناعاته الجديدة على الجبهة لإعادة النظر في القرار.. "يذكر إن بابان أكد خلال لقائه بطارق الهاشمي نائب رئيس الجمهورية يوم الأربعاء 12/9 /2007 التزامه القاطع بقرار جبهة التوافق العراقية في الانسحاب من الحكومة وأنه لا ينوي أو يتطلع لنقض قراره بالاستقالة وأنه سوف يبقى أميناً على التزاماته كعضو في جبهة التوافق العراقية "..وهذا الكلام كله يثير الاستغراب ؟!<BR><font color="#ff0000">وأكثر ما يثير الاستغراب قول بابان في مؤتمر صحفي في مبنى مجلس الوزراء "آلمتني شكوى وزير المالية باقر جبر الزبيدي، حين ذكر بأن ميزانية عام (2008) متعطلة بسبب عدم وصول تقارير ورؤى وزارة التخطيط</font>، وأنا كوزير للتخطيط، أردت كشخص أن أضرب مثالا في العمل الوطني، أؤكد فيه أن الدولة فوق الحكومة وفوق الأحزاب المشكلة للحكومة... والشعب العراقي فوق الدولة."<BR>صولاغ (باقر جبر الزبيدي) عُرف للعراقيين من خلال عمله السابق في حكومة الجعفري كوزير للداخلية، وهو الذي يعتبره كل العراقيين معولاً للهدم وخنجراً للغدر وسيفاً لذبح الشرفاء وهم الذين لقبوه بالدريل (أي المثقب الكهربائي) لأنه أول من استخدم الدريل في قتل الشرفاء من العراقيين في معتقلات وزارة الدداخلية السرية والعلنية، وكل العراقيين يعرفون من هو صولاغ؟<BR>بعدها يأتي بابان ويقول آلمتني شكوى وزير المالية باقر جبر صولاغ ...؟!<BR>أعتقد أن الأمر يتطلب فعلاً وقفة صادقة أمام هذه المواقف المتضاربة والتصريحات المتناقضة. <BR><font color="#ff0000">أحد أعضاء مجلس النواب العراقي من كتلة التوافق؛ أخبرني أن المعلومات الأولية التي حصلنا عليها تشير إلى تورط مالي كبير لبابان في صفقة شركات الاتصالات الأخيرة التي جرت في العاصمة الأردنية عمان وأنه متورط مع وزير المالية صولاغ وآخرين بمبالغ خيالية، وأنه لا يمكنه إلا أن يكون أسيراً للقرار الحكومي، وإلا سوف تستخدم هذه الورقة الخطيرة ضده ؟!</font><BR>وبغض النظر عن صدق هذه الدعوى ضد بابان، إلا أن الواقع يجعلنا نشكك في سبب هذا التغير السريع في مواقفه، ولماذا الآن بالتحديد؟ لماذا جاء رجوعه للحكومة في وقت بدأت فيه مؤشرات انهيار حكومة المالكي تزداد والاحتلال بدأ يتكلم عن انسحاب تدريجي من العراق؟<BR>ومهما تكن الأسباب في عودة بابان فلا أظن أن الشعب العراقي سينسى هذه الرجعة غير المسؤولة لحكومة عرفت بطائفيها وحقدها على كل الشرفاء في البلاد .<BR>وسيكتب التاريخ بدم ضحايا حكومات العراق المتعاقبة لبابان رجوعه غير المسؤول إلى حكومة المالكي الطائفية؟!!<BR>وهنا أود أن أذكر السادة في الحزب الإسلامي - بغض النظر عن موقفي من مشاركتهم السابقة في العملية السياسية – وأقول لهم : عليكم أن تعرفوا رجالكم جيداً، وأن تعرفوا أن الذين جاؤوا من الخارج من أعضاء الحزب لا يحملوا نفس الهم الذي يحمله أبناء الداخل، وهذه وجهة نظري أردت أن أنصحكم بها، وعليكم مراجعة حساباتكم جيداً، وبدقة وأن لا تجعلوا مسألة عودة علي بابان – والتي لا أظن أنها التجربة الأولى لكم في هذا الجانب - تمر من غير مراجعة صادقة تقفون فيها على عوامل القوة والضعف، بعيداً عن الانتهازيين والوصوليين والنفعيين.<BR><br>