بريطانيا :للخلف در من البصرة ..لماذا؟
29 شعبان 1428

أخيرا أعلن ما كان منتظرًا لا متوقعا فقط.. غادرت آخر القوات البريطانية الموجودة في داخل مدينة البصرة مواقعها، لتستقر في قاعدة جوية هى ذاتها نفس القاعدة التي يتمركز فيها كل ما بقى من القوات البريطانية في الجنوب العراقي.<BR> وفي السيناريو الذي أخرجت به الخطوة البريطانية، كان هناك الهجوم المتنوع من عسكريين بريطانيين سابقين على القرارات الأمريكية السياسية والعسكرية في العراق وتحميلها أسباب ما آلت إليه الأوضاع هناك، فيما نظر إليه على أنه تحميل للحليف نتائج الفشل والتبرؤ منها ومنه وكذا نظر إليه باعتباره موجها للرأي العام البريطاني لتأكيد فكرة التغيير في السياسة البريطانية تجاه العراق. كما كان هناك تحذير من العسكريين والصحفيين البريطانيين بأن تأخر الانسحاب البريطاني من البصرة قد يعنى الهزيمة بل قد يجعل القوات البريطانية في ذات الوضع الذي جرت عليه الأحداث للقوات الأمريكية في فيتنام حين كانت الطائرات تتخطف الفارين من فوق أسطح العمارات، فيما وصف بأنه غمز ولمز على الطرف الأمريكي من ناحية حتى لا تشن أجهزة الإعلام الأمريكية هجمات على القوات البريطانية بأنها تفر من المعركة، كما هو استهدف رفع لحرارة المطالب الشعبية بالانسحاب لتقليل حجم الضغوط الأمريكية على الحكومة البريطانية بشان قرارها.<BR> كما الإعلان عن الانسحاب لم يأت على لسان الساسة والمسئولين البريطانيين في البداية بل هو جاء على لسان عراقيين في نظام الحكم الموالي للاحتلال الذين أعلنوا عن تلك الخطوة بأنفسهم فيما اعتبر بأنه عملية تشكيل لمظلة إعلامية مناسبة للقرار البريطاني، وبعد الانسحاب صدرت تعليقات رسمية بريطانية بأن الانسحاب ليس هزيمة وإنما عمل مخطط.<BR> أما تعامل الطرف الأمريكي مع الانسحاب البريطاني، فقد جاء أقرب إلى عض الإصبع ودون قدرة على إعلان الشعور بالألم، حيث الولايات المتحدة إذا هي هاجمت الخطوة البريطانية خسرت أمام الرأي العام البريطاني والأمريكي سويا، وإذا هي امتدحتها خسرت هي في تلك الحالة تصبح مطالبة بالانسحاب مثلها، وإذا قالت إنها جاءت بالتنسيق معها خسرت حيث لا تملك القدرة الآن على نشر قوات بديلة لتلك البريطانية التي انسحبت ولا ترغب في ذلك، وإذا قالت إنها جاءت دون اتفاق خسرت، على صعيد الوضع السياسي في مجال العلاقات الأمريكية البريطانية.<BR>وبالانسحاب البريطاني الأخير –دون تسليم وتسلم- من البصرة تكون القوات البريطانية قلصت أعداد قواتها لتنخفض من نحو 15 ألف فرد إلى نحو 5500، وأنهت انتشارها على الأرض مكتفية بالوجود في منطقة (مطار) يسهل منها الرحيل دون إعدادات واسعة ودون إعلان وضجيج – إذا ما استدعت الأوضاع سرعة الرحيل - كما يسهل فيها حماية القوات خلال فترة وجودها أو إلى حين مغادرتها من خلال دوريات طائرات الهليوكبتر دون حاجة إلى حماية واسعة على الأرض، كما <font color="#ff0000">بالانسحاب البريطاني تكون الإستراتيجية الأمريكية قد تلقت الضربة الأعنف من الحلفاء باعتبار بريطانيا كانت الشريك السياسي والعسكري الأول في جريمتها في احتلال العراق، وأيضا لأن هذا الإضعاف للتواجد البريطاني إنما يعطى إشارة إلى بقية الدول (الحليفة) التي ما تزال تحافظ على وجود رمزي لقواتها في العراق -معظمها في منطقة الجنوب – بضرورة الانسحاب ليس فقط لدلالات الانسحاب البريطاني سياسيا ولكن عسكريا أيضا بحكم أن القوات الأخرى هي في واقع الحال تتواجد تحت حماية القوات البريطانية في مناطق انتشارها، وكذا لأن عملية الانسحاب جاءت في توقيت في غاية الخطر لإدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش، بسبب تأثير تلك العملية على قناعة الأمريكيين والكونجرس بشأن ادعاءاته بحدوث التحسن في العراق</font>، وبسبب اعتزام الولايات المتحدة ذاتها بدء خفض قواتها وهو ما يصعب الآن بسبب الانسحاب البريطاني الذي قد يدفع القيادة العسكرية الأمريكية إلى تعزيز وجودها في منطقة جنوب العراق، حتى يمكنها السيطرة على الأوضاع خاصة في ظل الصراع والخلاف الأمريكي الإيراني على أنصبة كلا البلدين في احتلال العراق .<BR><font color="#0000FF">لم الانسحاب ..الآن؟</font><BR>تتعدد الأسباب والفعل واحد، لكن النتيجة ليست كذلك. في الفعل الواحد وهو الانسحاب، فإن الأسباب متعددة؛ فهناك أسباب تتعلق بالوضع الداخلي في بريطانيا حيث رئيس الوزراء البريطاني "الجديد" يضع عينه من هذا الانسحاب على شعبية حزبه في الانتخابات التشريعية البريطانية المقبلة، فإذا كانت خطوة مغادرة بلير، قد جاءت كخطوة أولى في هذا الاتجاه (أثبتت نجاعتها بارتفاع شعبية حزب العمال مجددا) فإن خطوة إشعار الناخب البريطاني بأن حزب العمال يصحح أخطاء بلير وأن سياسته الداخلية الناجحة على المستوى الاقتصادي المسؤول عنها براون يرتبط بها الآن سياسة خارجية ناجحة لنفس الرجل هي الهدف الداخلي للانسحاب. <BR>وهناك أسباب تتعلق بالوضع الخارجي في مجالات متعددة، منها أن الارتباط بالسياسة الأمريكية في العراق قد تسبب لبريطانيا في مشكلات سياسية في العالم العربي أثرت على نمط ظهورها السياسي كدولة "مستقلة إذ هي بدت منذ احتلال العراق وقبلها أفغانستان دولة ذيل لأمريكا وهو أمر تتخوف منه بريطانيا بشدة في المرحلة المقبلة التي يدرك الجميع أنها ستشهد نموا متصاعدا لقوى المقاومة وفي ذلك تتخوف بريطانيا أن يطالها ما يطال المصالح الأمريكية، كما الخطوة تأتى وسط تقدير بأن الإدارة الأمريكية أضحت تضعف على وتيرة متسارعة، بما يتطلب نفض اليد من يديها لتقليل الخسائر في التعامل البريطاني مع الرئيس الديموقراطى القادم إلى البيت الأبيض بعد عام ونصف، كما الخطوة تأتي في المعنى العام، نتيجة الإدراك المتزايد لدى بريطانيا وغيرها من الدول بأن الولايات المتحدة المستقبلية ليست هي تلك الدولة التي يجرى الارتباط بها كليا كما حدث في عهد بلير، بسبب أنها أصبحت دولة متراجعة لا يجوز تعميق التحالف معها بل يجب ترك مسافة بين بريطانيا وبينها، تأسيسا على الصعود الأوروبي والروسي والصيني.<BR> كما <font color="#ff0000">الانسحاب يأتي خشية من تورط الولايات المتحدة و"إسرائيل" في نزاع إقليمي تجد بريطانيا نفسها طرفا فيه بحكم وجود قواتها على الأرض العراقية، ومن ثم هي تتحسب من الآن لاحتمالات تفجر هذا النزاع الذي ستكون القوات البريطانية فيه أضعف الحلقات. </font><BR>غير أن الانسحاب على هذا النحو وفي حد ذاته قد يكون جرى أيضا، لأسباب تتعلق بنمط من ترتيب المصالح مع إيران، وكذا قد يكون جاء في إطار ترك البصرة ساحة خالية من القوة الضابطة والإرادة الموحدة لتكون نموذجا للفتنة والاحتراب وربما لتكون معملا للحرب الأهلية في العراق ..الخ.<BR>وهنا، فإن تعدد الأسباب ينعكس في تعدد النتائج واحدة وعلى مستويات مختلفة. النتيجة الواحدة الموحدة هي أن الاحتلال هزم في العراق وفشل في المواجهة العسكرية مع المقاومة العراقية وأن الاحتلال يعتمد نفس الاستراتيجية التي بدء بها الاحتلال إذ هو بدء بالتعاون مع المجموعات المتعاونة مع إيران وها هو حينما بات يعترف بالهزيمة أمام المقاومة عاد ليسلم المناطق المحتلة إلى نفس المجموعات، بما يعنى أن البصرة الآن باتت تحت الحماية الإيرانية فعليا، وأن إيران أمست المسئولة عن جمع الأطراف المتعاونة معها في جنوب العراق حتى لا ينتج عن الانسحاب البريطاني تصعيدا للخلافات بين المجموعات الشيعية التي هي في حالة تصادم عنيف خاصة مجموعتي الصدر والحكيم. لكن أحد النتائج المهمة أيضا، هي أن المقاومة العراقية باتت أمام وضع جديد في العراق تتضح معالمه رويدا رويدا.<BR><font color="#0000FF">نجاد وحكاية الفراغ </font><BR>في واحدة من زوايا درس الانسحاب البريطاني من البصرة وباعتباره خطوة مكملة لانسحابات قادمة تتلوها خطوة الانسحاب النهائي، فإن علاقة إيران بعملية الانسحاب البريطاني من البصرة ذات أهمية كبيرة لظروف البصرة التي أضحت الآن ساحة اتصال اقتصادي وسياسي بين العراق وإيران، وباعتبارها منطقة تصدير نفط الجنوب وجانب منه يذهب إلى إيران، وكذا بسبب الرمزية التي كانت عليها البصرة خلال الصراع العراقي الإيراني في الثمانينات.<BR>ولعل أشد الإشارات أهمية على الدور والفهم الإيراني للأوضاع في العراق وعلى علاقتها بالانسحاب البريطاني الحالي والمستقبلي، هو تلك التصريحات التي أطلقها أحمدي نجاد حول حدوث فراغ في العراق وعن استعداد إيران للتعاون مع دول أخرى لملء الفراغ. وإذ ظلت تلك التصريحات غير مفهومة فإن الانسحاب البريطاني كان مؤشرا على جانب مما قصده نجاد، لكن الأهم في الكواشف لها هو ما جاء هذه المرة على لسان أحد "العسكريين" في الحكم العميل بالعراق، <font color="#ff0000">إذ أعلن أن القوات البريطانية كانت رحلت من البصرة قبل أسبوع من الإعلان العلني عن الانسحاب –وهو ذات التوقيت الذي أطلق فيه نجاد تصريحاته- وأن قوات الحكومة العميلة قد نبهت "المجموعات التي تقاوم الانجليز على حد وصفه وتعبيره –أن إخوانهم هم من في القصر الآن، بما يعنى أن الانسحاب جاء وفق توافق بريطاني إيراني سواء جرى ذلك عبر وسطاء أو بشكل مباشر أو كان حتى جزءا من صفقة إطلاق سراح الجنود البريطانيين الذين كانوا دخلوا المياه الإقليمية الإيرانية وجرى اعتقالهم. </font><BR>وهنا فإن المقاومة العراقية باتت أمام نمط جديد من الأوضاع أصبحت فيه المواجهة الداخلية ومع دول من الجوار ضمن أولوياته المباشرة.<BR><font color="#0000FF">المقاومة وتوحيد العراق</font><BR>في احتلال العراق قبل الغزو ومنذ بداية تشكيل سلطة الاحتلال وحتى الآن، كانت فكرة تقسيم العراق داخليا هي أهم الاتجاهات في استراتيجية غزو واحتلال العراق.<BR>واليوم وفي ضوء الانسحاب البريطاني من البصرة –تمهيدا للرحيل النهائي –كما في ضوء احتمالات الانسحاب الأمريكي التدريجي أو العاجل إلى شمال العراق في المنطقة الخاضعة لسلطة الأحزاب الكردية المتعصبة، فإن القضية المحورية المضافة على كاهل المقاومة العراقية، هي قضية وحدة العراق، خاصة وأن أحد الفصائل المقاتلة للقوات الأمريكية قد أعلنت تشكيل كيان انفصالي مستقل في بعض مناطق وسط العراق.<BR>وهنا <font color="#ff0000">يبدو أن خطوة الانسحاب البريطاني من البصرة تأتى فعليًا في إطار خطة تقسيم العراق، أكثر من كونها خطوة لإنهاء احتلال العراق، حيث البريطانيين يلعبون في الجنوب لعبة تسليم الأرض جزءا جزءا للموالين لهم، ليتقاتلوا مع قوى أخرى رافضة لوجودهم واحتلالهم. وبهذا المعنى نفهم القول البريطاني بأن (الانسحاب عمل مخطط). </font><BR><br>