جولة عابرة في معرض الكتاب
29 صفر 1428

الأفكار والرؤى والتصورات والعقائد محركات أساسية تنبعث عنها كثير من حركات الناس وسكناتهم، وفرع عن فسادها يكون فساد الحركة، ولهذا فإن من قال الأمن الشامل لايمكن أن يتحقق إلاّ بالأمن الفكري، فقد أصاب كثيراً، فسلامة الفكر من أقوى بواعث التصرف السليم، وانحراف الفكر من أقوى بواعث التصرفات المنحرفة، وهذا أمر مقرر معلوم للخاصة والعامة .<BR> وأذكر أنه بعد حدوث التفجيرات والاضطرابات الماضية بادر كثير من الكتاب والإعلاميين إلى الحديث عن الأمن الفكري حتى وصل الأمر ببعضهم إلى الطعن فيما لا مطعن فيه فدعا إلى تهذيب المقررات الدينية، وتحجير مناشط من تخرجوا على العلماء ودرسوا عليهم السنين الطوال، ونادى آخرون بتحجير الفتوى على جهات مختصة ومنع من عداها وإن كانوا أهلاً لها من أجل ما توهموه مصالح مرسلة.<BR>وليس في تلك المبالغات عجب، فالآثار المروعة للخلل في الأمن الفكري بادية في مظاهر شتى تتجاوز ما قصروا عليه النظر من أمر التفجير والتكفير.<BR>بيد أن العجب لا ينضب من اضطراب بعض أولئك ولاسيما الإعلاميون في شأن الحفاظ على الأمن، فبينما يحدثونا جهاراً نهاراً عن ضرورة الأمن الفكري، ويحرشون ويحرضون غيرهم على مناهج وقيم لا ذنب لها في الغلو والتكفير، أو الجفاء والتغريب، فإذا بهم يزعزعون الأمن في المهمة التي أوكلت لهم.<BR>ولا أقول هذا عن سماع بل عن مشاهدة ورؤية وليس راء كمن سمع!<BR>دخلت معرض الكتاب الذي تنظمه وتديره وتشرف عليه وزارة الثقافة والإعلام ذات الجهة المسؤولة عن الصحافة! فماذا وجدت؟<BR>أول ما دخلت أخذت جهة اليمين فمتع ناظريَّ مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، فسرني أن رأيت الناس أرسالاً يستلمون نسخاً مجانية من إصدارات المجمع، مصاحف مترجمة، وغيرها، اقتربت من أحد الموظفين وسيما الخير على وجهه بادية في وجهه المشرق ولحيته الوقورة المشابة بالبياض الذي ما منعه من التحرك في نشاط، فقلت له: أريد نسخة من مجلة البحوث والدراسات التي أصدرها المَجْمَع، فتبسم ورحب وأخذني من يدي نحو موظف آخر وهو يقول لي في تصويب مؤدب: هل هو مَجْمَع أو مُجَمَّع؟ فقلت مستدركاً: هو مُجَمَّع (complex) ولكن درج اللسان على ذكر المجمع والمجامع ... أخذت نسختي وفهمت أنها مجانية ثم انصرفت وأنا فرح مسرور.<BR>بيد أن الفرحة لم تدم طويلاً فبجوار المجمع دار نشر شقيقة تذيع وتزين للناس منهج الخوارج الذين يكفرون المسلمين بالمعاصي، ويستحلون دماءهم وأموالهم بالمخالفات الكبائر... سبحان الله! الناس تدعو إلى ضبط الفتوى، والحديث مستعر عن الأمن الفكري، ثم يؤذن لفكر التكفير والتفجير في فتح جناح وسط معرض يعج بالزوار من مختلفي الطبقات!<BR>معقولة يا وزير الإعلام! أهكذا يكون الأمن الفكري؟<BR>ومن المناقضات الطريفة أنه في جانب آخر من المعرض قسم لأكاديمية نايف للعلوم الأمنية ومن إصدارات مركز دراساتها وبحوثها (الأمن الفكري).<BR>طالعت الركن المذكور المخصص لهدم اعتقاد أهل السنة، المروج للأفكار الخارجية، ثم حوقلت منصرفاً لأكمل جولتي، فكنت إذا رأيت معرضاً قد أبرزت فيه مجلة هابطة، أو كتاب ساقط –وما أكثرها- أقول في نفسي كل مصيبة بعد الإباضية جلل، فما راعني بعد حين غير صف من الكتب في بعض الدور احتوى على رسائل ابن عربي القائل بوحدة الوجود، فإذا بمصنفاته المشهورة بتلك الزندقة المأثورة التي كثيراً ما قرأنا عنها ووقفنا على مقاطع منها إذا بها تسد أفق الناظرين في تلك الدار!<BR>هل أنا حقاً في بلاد أسس نواتها الإمام ابن عبدالوهاب وابن سعود على حماية جناب التوحيد ومحاربة الشرك ؟ كنا نقول:<BR>تَغَيَّـرَتِ البِلادُ وَمَـن عَلَيها وَرُتـبَةَ أهلِ نـجد في أَمانِ<BR>وَقَـد ضَـمّوا إِلى ما أَورَثوهُ تُمَـيِّزُهُم بِأَخلاقِ حَـسّانِ<BR>وَكانَ عَميدُ هَذا الوَقت مِنهُم يُشـارُ إِلى عُـلاهُ بِالبـَنانِ<BR>ألا ماذا دهاهم؟<BR>أخرجني من عجبي صوت رنين الجوال، فأجبت فإذا هو أحد الفضلاء يقول لي: كنت أتابع تقريراً عن فعاليات معرض الكتاب الدولي، وقد صور المذيع مع لقطات من كتب كان أحدها، تنبؤات الدجال الغربي الشهير "ناسترداموس" ... إلخ.<BR>بدأت أشعر بالإعياء والغثيان لا أدري من كثرة تجولي أو مما ألم بي!<BR><BR>قررت أن أنصرف مع رغبتي العارمة في العودة مرة أخرى لأتأكد من صحة ما ذكره لي بعض المشايخ والفضلاء عن بعض الدور الرافضية القادمة من بلاد فارس وما جاورها،لأنظر هل أذن أدعياء الأمن الفكري في الكتب التي تخلع كل إمام غير المعصوم، وتمنع كل ولاية سوى ولاية الفقيه، لعلي أقف مع هذا بعد جولة أخرى، ولا يسعني في ختام جولتي هذه إلاّ أن أقول: رحمة الله عليكم وبركاته أهل جامعة الملك سعود:<BR>أتَوْنـي فقالُوا يا جمـيلُ تبـدَّلتْ بُثيـنةُ أبـدالاً فقـلتُ لعلَّـها<BR>وعلَّ حبالاً كنتُ أحكمتُ عقدَها أُتيـحَ لـها واشٍ لئيم فحـلَّها<BR><BR><br>