إرهاب الفاتيكان باسم الأمريكان!
28 شعبان 1427

أين يجب وضع التصريحات التي جاءت على لسان الرجل الأول في الفاتيكان؟ فهي ليست المرة الأولى التي يتطاول فيها أشباه الرجال و تتطاول فيها أشباه الصحف و أشباه الديمقراطيات على الإسلام كدين و على أشرف خلق الله سيدنا محمد صلوات الله عليه و سلم. ليست أول مرة يسيء فيها الغرب إلى ديننا و ليست أول مرة تلصق به و بنا تهمة العنف و الإرهاب و القتل. فقد احتل الصهاينة الأراضي العربية منذ سبعين سنة لأن "الغرب" وعدهم بأرض ليست لهم، و شنت الولايات الأمريكية الحرب على أفغانستان و احتلتها، ثم العراق و احتلته لأجل "تطهيره" من الديكتاتوريين، و غرس بدلا عنهم ديكتاتوريين متحضرين و ديمقراطيين و متحررين يقتلون الناس بالطرق "المتقدمة" و يجوعون الشعوب بالأساليب المتحضرة و يعيثون في الأرض فسادا وفق النظريات "الديمقراطية" الأكثر عصرنة و نجاعة! ما صدر عن البابا "بنديث السادس عشر" لم يكن عن معزل عما يجري في العالم، ليس لأن البابا " رجلا استثنائيا" بل لأنه أراد أن يتقرب من المحافظين الجدد اليوم من البوابة العريضة لكل الإسقاطات التي يراد من خلالها تحويل الأنظار عن جرائم الغرب بتقليم أظافر المسلمين بالخصوص في العالم العربي، لأن الغرب لم يعد يبني عالما مبنيا على المنطق باعتبار أنه يستند على القوة المطلقة، و يحارب المستضعفين في الأرض بالقوة، و يحتل الدول بالقوة، بمضامين دولية أطلق عليها اسم: "الشرعية الدولية" عبر الأمم المتحدة التي فقدت مصداقيتها تماما منذ استباحت دماء الأبرياء في الكثير من بقع العالم باسم " الحرية و الديمقراطية" وفق المصطلحات الكبيرة التي استعملها و يستعمل جورج دابليو بوش لإبادة شعوب العالم الثالث المتهمين مسبقا بالعصيان المدني على إمبراطورية الشر الأبيض!<BR><font color="#ff0000"> كن صديقي أكون حليفك! </font><BR>حين كان البابا يوحنا بولس الثاني يحتضر، كانت العديد من الصحف الغربية تغزل حكايات كثيرة عن الخليفة المحتمل للبابا المحتضر. كان المرشحون للمنصب سبعة سرعان ما أصبحوا خمسة بعد أن كشفت بعض الصحف الأمريكية عن تورط اثنين من "الباباوات" في فضائح أخلاقية. و الحال أنه لم يكن المقصود هو الحفاظ على "شرف" المنصب البابوي في عملية الكشف عن تلك الحقائق الأخلاقية، بل كان المراد هو إقصاء عدد من الذين كانت تجمعهم علاقات "باردة" بالكيان الصهيوني بالخصوص، من خلال بعض التصريحات هنا و هناك التي كان يندد من خلالها هؤلاء بالمجازر المرتكبة ضد الفلسطينيين من باب إبداء الرأي أكثر مما هو موقف رسمي.. لم يكن اسم "بنديث" من المتحمس لهم، فقد اتهمته الصحف اليهودية بأنه ألماني، و هي التهمة التي تدخل في إطار "نازي" بالمعنى السياسي بالخصوص و أن ماضيه كان مختلفا من حيث مواقفه القديمة من الكيان الصهيوني.. فجأة انفجرت حملة كبيرة ضد بنديث السادس عشر حتى قبل أن يتم الإعلان عن فوزه بالمنصب الأول في الفاتيكان. كانت التهمة الأهم هي " النازية المتخفية خلف أيديولوجية دبلوماسية"، و إن حاول الفاتيكان التقليل من أهمية الحملة الإسرائيلية في كل من تل أبيب و عدد من الدول الأوروبية منها فرنسا على سبيل المثال لا الحصر، إلا أن بنديث السادس عشر نفسه لم تفته تلك الحملات، إذ بسرعة بدا أنه حاول جاهدا لملمة الموضوع و طمأنة "حلفائه" المهمين، حين تكلم لأول مرة عن اليهود "كأحباب الله"! و حين تكلم عن "العلاقة المثالية" التي كانت تجمع "المسيح باليهود"، و هو ما جعل صحيفة إيطالية يسارية تكتب في عدد خاص بعد الإعلان عن تنصيب بنديث السادس عشر قائلة" سنبدأ في مرحلة القبلات الدبلوماسية و سينسى الفاتيكان أن من خان المسيح كان يهوديا!"، و لم يكن يعرف وقتها أحد أن تلك الجملة العريضة في تلك الصحيفة هي التي ستتحقق فعليا، حين تحول الفاتيكان باتجاه سياسة قال عنها تجديدية لأجل "استقطاب" المؤمنين في العالم، و لأجل نشر "ثقافة التسامح" التي ستعطي لليهود بالخصوص حق "قيادة" العالم و لو بقبعة مسيحية، تماما كما يحدث في الولايات الأمريكية اليوم، داخل ما يسمى اليوم بالمسيحية الصهيونية المتطرفة التي يؤمن بها المحافظون الجدد و لم يخفوا التزامهم بها حتى بعد أن تكشفت الكثير من الحقائق المروعة عن تورطهم بشكل كبير في عمليات الحادي عشر من سبتمبر لأجل احتلال العالم و فرض "حراسة" خاصة على الدول العربية و الإسلامية لمنعها من التقدم و من التطور و من الدفاع عن مقوماتها و ثقافتها و دينها، باعتبار أنه تم الربط مباشرة بين الإسلام و الإرهاب لمجرد أن "قال جورج دابلو بوش" أنه يقود حربا صليبية، و هي الجملة التي حاولوا التغطية عليها بخطابات أخرى، لكن الحقيقة هي أن جورج بوش عاد ليقول أنها حرب صليبية، و عاد الفاتيكان إلى الإعلان أنه يقود العالم إلى " التسامح" عبر فرض على المسلمين تهمة الإرهاب و التطرف و اللاانسانية، عبر اتهام رسولنا صلوات الله عليه و سلم باللانسانية! صحيح أنها تصريحات أثارت الكثير من الاستياء لدى المسلمين الشرفاء، و لكنها في الوقت نفسه "أعادت" البابا الجديد إلى صدر الصحف الإسرائيلية (يمكنكم إلقاء نظرة على افتتاحيات الهاريتس و أحرينوت على الانترنت) لفهم اللعبة التي حيكت و التي يراد بها تحويل النظر عن الجرائم الصهيونية ضد اللبنانيين و الفلسطينيين و الجرائم الأمريكية ضد العراقيين و الأفغانيين و ضد السودانيين لاحقا، و لهذا كان السؤال الأهم: لماذا اختار البابا هذا التوقيت ليقول ما قاله، و ليختار من بين آلاف الكتب و ملايين العبارات مقولة معينة لإمبراطور بيزنطي ينهش لحمه الدود من مئات السنين؟ لم يكن التوقيت صدفة، و لا الزيارة التي يعتزم البابا القيام بها لدولة إسلامية تريد أن تصير عضوا فاعلا في الاتحاد الأوروبي بمباركة أمريكية واضحة و اعتراض فرنسي مشكوك فيه، لهذا تبدو تركيا اليوم أمام امتحان نعتقد أنها "تجاوزته" بنجاح حين صرح رئيس وزرائها أن تركيا لن تلغي زيارة البابا لها و في نفس الوقت تتأسف لتصريحاته! البابا نفسه رفض الاعتذار و ترك من يتكلم عنه ليبرر أن ما قيل ليس أكثر من "مثال بريء" و أن الإسلام ليس محل اتهام، بينما الكلمات التي نطق بها البابا تسيء و بشكل مباشر إلى رسولنا صلوات الله عليه و تربط بين رسالته و بين العنف و تعتبر الجهاد جزء من دموية الإسلام! و هو الكلام الذي ليس مجرد تصريح عفوي، بل رسالة موجهة اليوم إلى القوة العظمى التي ظلت تشكك في دور الفاتيكان في العالم، بدليل أن المحافظين الجدد أبدوا استياءهم عام 2002 من البابا السابق يوحنا بولس الثاني حين أدان مجزرة جنين الأولى متهما إسرائيل بأنها تتغذى بالدم، و هي التهمة التي أثير حولها الكثير من الكلام إلى درجة أن يوحنا بولس الثاني اضطر إلى الانعزال عن العالم لسنة كاملة لم يغادر خلالها روما إلا في زيارة سرية إلى مسقط رأسه بولونيا. ما ظل يشغل يهود العالم في أمريكا و غيرها هو كيفية تعاطي البابا الألماني الجديد للسياسة الدولية، و لهذا حين تكلم أول مرة عن إسرائيل بدا متعاطفا، و حين تكلم عن اليهود في المرة الثانية بدا "رائعا" في نظر الكثيرين الذين صوروه كواحد من المنفتحين على العالم و على الديانات الأخرى، ما عدا على الإسلام بدليل أن الضربات جاءت ضد الإسلام، و ضد التواجد الإسلامي ككل في هذه الأرض بحيث تم ربط و بشكل مثير للدهشة بين المسلمين ـ كل المسلمين ـ و بين الإرهاب ـ كل الإرهاب ـ!<BR><font color="#ff0000"> الجهل التاريخي و دموية الأولين! </font><BR>نستطيع الجزم أن البابا بنديث السادس عشر يجهل الكثير عن التاريخ، و يجهل كل شيء عن التاريخ الإسلامي بالخصوص، و يجهل أن حضارة التسامح مستمدة من الإسلام الذي تجسد عبر مقوله أشرف خلق الله لمن أساءوا إليه و أذوه (اذهبوا فأنتم الطلقاء)، و أخطر ما في الأمر أن البابا الألماني تناسى أن الدموية الحقيقية و الإرهاب المطلق مارسته الكنيسة الكاثوليكية التي "يتكلم اليوم باسمها" ضد الأبرياء إبان القرن الخامس عشر، حين انفجرت ما سيمت بالعقيدة الثانية و التي على أساسها تم حمل السلاح في وجه كل من يعارض الباباوات الدمويين الذين أعاثوا في الأرض فسادا باسم الكنيسة و باسم المسيح. مجزرة الكنيسة "العظمى" التي عاشتها روما القديمة إبان القرن الخامس عشر تعكس لوحدها الدموية التي بنيت عليها العقيدة الحالية، عقيدة الهدم التي من خلالها يستمد جورج دابليو بوش قوته من "التاريخ المسيحي" القديم و دموية الكنائس و من دموية شارل (قلب الأسد) في إبادته لأبناء جلدته لأجل الصليب المقدس، إلى أن أباد من تبقى من بني البشر في حربه الصليبية ضد صلاح الدين الأيوبي.. هي أمثلة حقيقية ليست من خيال، و هي مجسدة اليوم في الكتب التاريخية التي "يستمد" أرباب العنف و الإرهاب الدولي قوتهم منها، و يستمد البابا "تسامحه" من سطورها لأجل أن يرمي بالإسلام ما لا يعرف عنه، و لأجل أن يسيء إلى سيده و سيد البشر رسولنا صلوات الله عليه و سلم، لهذا تبدو مقولة الرئيس الفنزيلي قريبة إلى المنطق حين تكلم عن مؤامرة دولية على العرب و على المسلمين يقودها رجال الدين، و هي الحقيقة التي تتجسد أمامنا ليس مند الرسومات الكاريكاتيرية الدنمركية فحسب، بل منذ قرر جورج دابليو بوش أن يخرج في فتوحات صليبية ضد منطقة الشرق الأوسط و ضد الدول العربية من المحيط إلى الخليج، لأن ديمقراطية اليوم تعني أن تكون "مسيحيا صهيونيا" و أن تقبل أيادي "أرباب الجريمة المنظمة" التي يقودها البيت الأبيض بامتياز!<BR><BR><BR><BR><br>