عباس وأولمرت: تقاطع المصالح
19 جمادى الأول 1427

التطور الأخطر في الأحداث الراهنة على الأرض الفلسطينية ما اعلن عن موافقة الكيان الصهيوني على دخول أسلحة إلى حرس محمود عباس في هذا التوقيت .هذا التطور لا يكشف فقط عن استعداد لمواجهة عسكرية داخلية مع حماس – إذ إن حرس عباس ليس إلا قوة لحماية عباس داخليا ولا علاقة له بالصراع مع الكيان الصهيوني – ولا يؤكد فقط على طبيعة الموقف الأردني، إذ الإعلان الصهيوني ذكر أن تلك الأسلحة دخلت عن طريق الأردن بما يكشف عن ضلوع أردني في المواجهة مع حماس, حيث الأردن من قبل قد أطلق اتهاما لحماس بإدخال أسلحة إلى الضفة الغربية – بما يشير إلى رفض الأردن وحربها على من يواجه الكيان الصهيوني ودعمها للمتعاونين والمتعاملين مع الكيان الصهيوني – وإنما الأخطر في تلك الواقعة أنها كشفت عن التقاء بين مصالح عباس وأولمرت قد بات مباشرا،وعن أن الكيان الصهيوني بات فاعلا في المواجهة الداخلية الفلسطينية إلى جانب عباس ،خاصة وان السماح بدخول الأسلحة جاء بعد إعلان أولمرت علنا عن أمنياته بان ينجح عباس في عقد الاستفتاء -"المؤامرة" -بما يؤكد أن "إسرائيل" أصبحت على تماس مع الخط الداخلي للصراع الفلسطيني-الفلسطيني .لقد كان ممكنا من قبل النظر إلى تلك التطورات على أنها محاولة لزيادة اشتعال الفتنة في الساحة الفلسطينية أو نوع من استخدام الصهاينة مختلف الأوراق التي يمسكون بها لتحقيق أهدافهم ،لكنها إذ جاءت مترافقة أيضا مع تطورات أخرى ممثلة في قيام الجيش الصهيوني باستهداف عناصر حماس ومدنيين فلسطينيين "قصدا"،فقد ثبتت فكرة التناغم بين عباس وأولمرت ودخول الأخير مباشرة على خط الصراع الداخلي في فلسطين.<BR>التطورات الأخيرة تكشف بوضوح أن الخطة والخط السياسي الذي يسير فيه عباس هو خط سياسي يحقق أهداف أولمرت في هذه المرحلة على الأقل ،كما هي كشفت أن مصالح أولمرت وعباس أضحت متقاطعة الآن عمليا وبصراحة بعيدا عن التصريحات والتلميحات والتسريبات عن وجود توافقات، وبغض النظر عن ما يتردد بين الحين والآخر حول فكرة التنسيق غير المباشر بين الطرفين وسواء كان هذا التنسيق يجرى وفق علاقات سرية ولقاءات غير معلنة أو كان يجرى من خلال أطراف وسيطة.لقد أظهرت تلك التطورات أن "إسرائيل" تدعم عباس في كل خططه الداخلية في المواجهة مع حركة حماس ،سواء عبر الحرب الأهلية أو عبر الاستفتاء او بكليهما معا .كما هي فسرت أسباب التصعيد الصهيوني الأخير ضد حماس والشعب الفلسطيني وما دخل عليه من تغييرات.<BR>لقد كان مفهوما من قبل أن كلاهما (عباس وأولمرت) يستهدفان إسقاط حماس وإجهاض تجربتها في الحكم –حتى وان اختلفت الأهداف المباشرة لدى كلا منهما عن الآخر-وان كلاهما كان يستهدف على الأقل الضغوط الحادثة لدفع حماس لقبول ما ترفض قبوله على صعيد الحل النهائي للقضية الفلسطينية ،أيضا بغض النظر عن أهداف كل منهما من ذلك.لكن التطورات الأخيرة جاءت لتكشف –وهذا هو الأهم –عن تنسيق مباشر بين كليهما في العلن ،وهو ما يعقد الأوضاع التي تعيشها حماس ويجعلها بالغة الخطر،حيث هي تواجه انتقالة خطيرة يظهر فيها عباس مستندا إلى القوة "الإسرائيلية" دون مواربة وعلى الأرض.<BR><font color="#0000ff"> أبعاد الالتقاء </font> <BR>في المرحلة الأولى من وصول حماس للحكم ،كانت التقديرات تتحدث عن التقاء "نظري" بين مصالح أولمرت وعباس ،وكان الصراع على الأرض الفلسطينية على "المستوى العملي" يجرى بين الرافضين من داخل السلطة لمسالة وصول حماس للحكم ،وبين حركة حماس ومن انتخبها من الشعب الفلسطيني .وفى تلك المرحلة كان العدو الصهيوني يكثف نشاطه في اتجاه الحصار الخارجي لحماس وحشد الحكومات الغربية في هذا الحصار والعزل مع حرص على عدم إبداء دعمه لعباس ،لكن ما نشهده الآن في التطورات الجارية أخيرا ،يأتي إعلانا بأن "إسرائيل" باتت طرفا في الصراع الداخلي من خلال دعمها عباس كما رأينا في قضية الأسلحة أو في قضية دعمها للاستفتاء- وهو ما يترجم عمليا عبر تسهيلات وتيسيرات على الأرض – وكما يظهر من "التغييرات" التي أدخلتها "إسرائيل" على خطط الاستهداف العسكري في غزة خلال الأيام الأخيرة .وقد جاء هذا التطور في الموقفين لكل من أولمرت وعباس نتيجة تقاطع مصالحهما –في أفضل الأوصاف –ونتيجة إدراكهما أن حماس كانت تتقدم على الأرض رغم كل ما جرى ضدها بما جعل الطرفين "يخلعان برقع الحياء"!<BR>عباس غدا مدركا أن استمرار تجربة حماس في الحكم يعنى ببساطة ووضوح أن منظمة التحرير التي يستمد منها قوته ولو شكليا في الإمساك بالقرار السياسي لم يعد أمام حماس وقت طويل إذا استمرت تجربتها لكي يعاد تشكيلها على حساب قوة ونفوذ عباس وفتح وبعض الكيانات الهامشية المنصبة والمثبتة في اللجنة التنفيذية دون جماهيرية أو وجه حق .وعباس كذلك بات يدرك أكثر من أي مرحلة أخرى أن استمرار الخط السياسي لحماس على قوته إنما يعنى أن كل الأسس التي وصل للسلطة على أساسها إلى رئاسة السلطة الفلسطينية في طريقها للتغيير كليا بما يعنى ليس فقط انتهاء لعبة أوسلو وإنما نهاية اللعبة ووجوده ،إذ حماس توجد صياغة جديدة للصراع على الأرض لا يوجد فيها لعباس ومن معه دور ولا وجود .ومن ثم لم يعد أمامه إلا الاستعانة مباشرة بـ"الإسرائيليين".<BR>وأولمرت بات يدرك أن استمرار حماس في تجربة الحكم إنما يعنى له في أقل النتائج تشكل الدولة الفلسطينية على الأرض وفق أسس نضالية وجهادية لا تحت الوصاية والحماية الصهيونية وان قيامها عمليا وفق منهج حماس إنما يعنى زخما وقوة للصراع ضد الكيان الصهيوني وساعتها تصبح النتيجة الفعلية لاستراتيجية الكيان الصهيوني في عقد اتفاق اوسلو قد انتهت بنتائج كارثية على الكيان الصهيوني بحكم أن نجاح حماس وتثبيت قوتها في الحكم وعلى الأرض إنما يعنى تغييرا استراتيجيا في نمط الصراع.ومن ثم لم يعد أمامه مفر من الدخول على خط الصراع الداخلي إلى جانب عباس سواء من تحويل حماس إلى حركة تحت سقف اوسلو وفق صياغة دولة 67 الخاضغة للتفاوض–ومن ثم هو يدعم الاستفتاء-ومن خلال إغراق الساحة الفلسطينية في صراعات يعمل هو خلالها على تقوية العناصر الأقرب إلى تصوراته السياسية بما يحقق أهدافه القريبة والبعيدة .<BR>لقد راهن الاثنان (أولمرت وعباس) على أن جهود كل منهما منفردا قادرة على انهاء تجربة حماس في الحكم وان الحصار المالي من الخارج ومحاولات تعطيل قرارات رئيس الحكومة الفلسطينية من قبل عباس في الداخل ستحيل الأمر في ظل حكم حماس إلى فوضى جماهيرية تسقط حماس في نهايتها،فكان أن وجدوا حماس تكسب أرضا رغم فظاعة ما يجرى ضدها ،فاضطرا إلى إعلان مواقف مباشرة ،كما يدرس الطرفان الآن عقد لقاء بينهما -بعد زوال سبب عدم اللقاء من قبل إذ كان عباس سابقا يخشى الظهور بمظهر المدعوم "إسرائيليا" –ليعلن موافق مشتركة واضحة لكل الأطراف .<BR><font color="#0000ff"> استفتاء عباس - أولمرت </font> <BR>وسط أجواء الشحن للحرب الأهلية ونذرها ومؤشراتها العملية على الأرض أو بعد أن بدا افتعال صراع مسلح مع حماس لوضع الشعب الفلسطيني وحماس أمام خياري الحرب الأهلية أو إقصاء حماس عن السلطة أو تراجع حماس عن خطها الجهادي ،طرح عباس فكرة استفتاء الشعب الفلسطيني حول ما سمي من بعد بوثيقة الأسرى في السجون الصهيونية ،ليقدم مخرجا لنفسه وزمرته من الوضع الذي تقوى فيه حماس ولكي يصبح قادرا على تقديم نفسه كمفاوض عن الشعب الفلسطيني متخطيا بالكامل وجود حماس في السلطة وكذا لكي يصبح في وضع يمكنه من إقصاء حماس من السلطة وفق انقلاب دستوري .<BR>كان الأساس في موافقة أسرى حماس في السجون الصهيونية – على ما يبدو من خلال قراءة وقائع الأحداث – هو محاولة تقليل الضغوط الخارجية وتخفيف الاحتقان الداخلي والقيام بخطوات يصعب على القيادة في مجلس الوزراء أو في خارج فلسطين القيام بها ،غير أن عباس التقط الفكرة لتحويلها إلى أداة يستخدمها لجعل الشعب الفلسطيني في مواجهة مع حماس، في ظرف جرى إعداده جيدا من خلال الحصار والاقتتال الداخلي وازدواجية السلطة وتحريك عناصر السلطة المرتبطة بعباس ودحلان ومن على شاكلتهما ضد الحكومة بتحريك المظاهرات.<BR>طرح عباس فكرة الاستفتاء على الوثيقة لتكوين موقف وقرار شعبي يقوض التزام حماس ببرنامجها السياسي وإلا أصبحت في موقف الخارج عن الإجماع الوطني، كما هو طرحها لخلق أوضاع جديدة تمكنه من اتخاذ خطوات انقلابية على حماس تصل إلى إقصائها من السلطة بحجة تعارض برنامجها مع ما جاء في الاستفتاء والأهم أن طرحها لكي يصبح قادرا على التوقيع على اتفاقيات مع أولمرت لا توافق عليها حماس والشعب الفلسطيني ،وهنا جاء تاييد أولمرت الاستفتاء. <BR><font color="#0000ff"> ضربات أولمرت لصالح عباس </font> <BR>من يراجع السلوك الصهيوني خلال الأسابيع الأخيرة يلحظ أن ثمة تصاعدا في العمليات الصهيونية في غزة والضفة ،وان هذه العمليات تجرى في عدة اتجاهات جديدة أهمها أن القصف بات مستهدفا إيقاع اكبر خسائر بالمدنيين وانه طال كوادر من حماس بعد مرحلة طويلة من الالتزام الصهيوني بعدم الملاحقة العسكرية أو الاغتيال لقادة حماس ،وذلك بالإضافة إلى ما معتاد من استهداف القوات الصهيونية للمجموعات القتالية التي تطلق الصواريخ باتجاه الأراضي المحتلة وقادة الأجنحة العسكرية .<BR>ومن يقرأ هذا التطور في العمليات الصهيونية يجد نفسه أمام خطة صهيونية تستهدف حماس في كلا من التطورين الجديدين أو تستهدف حماس الحكومة وحماس القسام ،إذ يأتي استهداف عناصر جناح عز الدين القسام في ذات التوقيت الذى تقوم مجموعات أخرى منسوبة إلى أجهزة الأمن الوقائي بالاعتداء على مجموعات القسام بما يمثل فتحا جديدا للمعركة على حماس سواء لإرباكها أو لإضعاف قدرة أعضاء الجناح العسكري على التحرك في الشارع لمساندة السلطة أو لمواجهة التحركات الجارية ضدها من قبل أجهزة الأمن. <BR>كما يأتي التصعيد ضد للمواطنين لكي يصل الشعب الفلسطيني إلى رؤية بان انتخاب حماس قد أعاد دورة قتل المدنيين وبما يعطى لمحمود عباس الفرصة ليتحدث "بطلاقة" عن انه يفعل ما يفعل لحماية المواطنين الفلسطينيين .<BR>غير أن الأهم أن الكيان الصهيوني حينما يسمح بدخول السلاح وحينما يدعم الاستفتاء – ويوفر له فرص النجاح طبعا- إنما يساند في ذلك يقف في حالة تقاطع مصالح محمود عباس وضمن استراتيجية متكاملة .<BR><BR><BR><br>