غياب الزرقاوي: أي إنجاز للأمريكيين؟!
12 جمادى الأول 1427

كان على (الرئيس الأمريكي) جورج بوش وتابعه البريطاني أن يخرجا في مؤتمريهما الصحفيين منكسي الرأس لعجزهما عن اصطياد زعيم تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين لمدة ثلاث سنوات كاملة.. كان عليهما أن يتحليا بقدر من الخجل السياسي الواجب بعد أن رصدا مكافأة كبيرة للقبض على أبي مصعب الزرقاوي وهو بعد مجهول للعالم, ونجحا في قتله بعد أن صار أشهر شخصية عراقية يتحدث عنها إعلام العالم. <BR>ومدهش حقاً أن يخرج طابور من القادة السياسيين والعسكريين من الولايات المتحدة والعراق يكشفون عن حجم الإنجاز الذي تحقق, وأنه جاء بتنسيق بين ثلاث دول هاجمت سبعة أشخاص بينهم امرأة وطفل من الجو ثم البر.. طائرات وشرطة عراقية ثم تعزيز أمريكي من فرقة جوية أمريكية, لاصطياد شخص كان مجهولاً قبل 11 سبتمبر تأريخ إعلان العداوة الأمريكية لكل ما هو خارج فلكها الإمبراطوري, إنها أمارة إخفاق أن تفشل الولايات المتحدة في تحقيق هدفها الأول ويصبح أقصى مفاخرها أن تقتل رجلاً لم يكن بالأمس القريب من مساعدي زعيم القاعدة أسامة بن لادن, وأمارة فشل أيضاً أن تتمكن الولايات المتحدة الأمريكية من قتل الزرقاوي بعدما خرج في آخر شريط له معرفاً نفسه بـ"عضو مجلس شورى المجاهدين" وليس رئيساً له.. <BR>بل إن التوقيت الذي اختارته الولايات المتحدة الأمريكية والحكومة العراقية الموالية لها للإعلان عن تعيين وزير دفاع الأخيرة ووزير داخليتها هو أيضاً أمر يعبر عن هشاشة وضع المحتلين وأعوانهم إن سياسياً أو أمنياًً؛ فنوري المالكي إذ ساق الخبرين معاً وسط احتفاء صحفي وسياسي إنما رسخ شعوراً بالقوة الاعتبارية لهذا الرجل الذي اختار رئيس الحكومة العراقية توقيت غيابه محاولاً أخذ صك المرور لتشكيلة حكومته الواهنة مستفيداً من زخم يحاول الرئيس الأمريكي والبريطاني الإفادة منه أيضاً لتسول قدراً من الشعبية خاصمتهما بعد فضائحهما الداخلية وإخفاقاتهما الفادحة في كل من العراق وأفغانستان.. <BR>وكما هو معبر عن الهشاشة السياسة العراقية, وشى بنظيرتها الأمنية التي أبرزت دوراً هامشياً وهزيلاً في ذات الوقت من كونه مهيناً للشرطة العراقية التي لم تشارك في العملية إلا بدور الترس الذي يتعرض للسهام من دون أن يملك عقل الجندي.. <BR>الأمريكيون وموالوهم فرحون إذن, ويحاولون أن يكونوا واقعيين بسعادتهم تلك بحيث لا تقفز فوق الحقيقة الاحتلالية المخجلة في العراق, غير أن المقبول ليس ألا يفرط الأمريكيون وأشياعهم بالتفاؤل، بل أن يعدموه كلية, إذ ليس في الحادث إلا ما يسعد الجماهير المغضبة في الغرب أو في إيران وغيرهما لأن مراكز الدراسات ودوائر صنع القرار لابد وأنها تعي مفردات أخرى للحدث تغاير ما يبدو لأول وهلة من ظاهره... <BR>• فأبو مصعب الزرقاوي سيصير في نظر أنصاره "شهيداً" وستلقى الطريقة التي قضى بها تعاطفاً متأخراً معه من قبل من لم يكونوا متعاطفين معه من قبل, حيث الطبيعة العربية تتعاطف كثيراً مع من ينتصر لقضية حتى يموت مستمسكاً بها وفي سبيلها, وهذا ما لا يجهله العارفون بالتركيبة النفسية العاطفية للشعوب العربية, التي قد يرى بعضها أن الزرقاوي خلافاً لما أعلن عنه كشخصية شاع لدى بعض الناس أنها وهمية أو صنيعة للأمريكيين هي شخصية ـ بنظر آخرين أو هكذا أوحت طريقة غيابه ـ مناضلة قضت في سبيل ما تقتنع به وتؤمن, ونستطيع من قياس ردود الأفعال في المنتديات الحوارية سواء العلمانية أو الدينية أن نلحظ قدراً من التعاطف زاد عن المألوف من قبل, قد يترجم لاحقاً لمزيد من الأنصار لهذه الفكرة التي ربما تجد الولايات المتحدة نفسها أخطأت بالطريقة التي غيبت بها الزرقاوي عن الساحة العراقية, في دعم هذه الفكرة من حيث لم ترد.. <BR>• كما أن غياب الزرقاوي قد كسر المشجب "الإرهابي" الذي كانت الولايات المتحدة وأشياعها تحاول دوماً تعليق أخطائها عليه, بل والتي سعت إلى إبرازه كهدف للحرب بعد أن سقطت كل مبررات شنها, كأسلحة الدمار الشامل وغيرها, كما أنه كفيل بأن يمحو ما علق بالمقاومة العراقية من أخطاء أرادت قوى الاحتلال متعددة الجنسيات صبغ المقاومة بها, كعمليات الذبح وغيرها مما عرف بها الزرقاوي نفسه الذي كانت مشاهد ذبحه للمختطفين مبرراً سهلاً لوصم المقاومة بالإرهاب, وهذا الأثر السلبي لمثل هذه العمليات على المقاومة برمتها, وعلى تنظيم القاعدة نفسه لم تفلح الرسالة المنسوبة للدكتور أيمن الظواهري الداعية إلى الكف عن مثل هذه الممارسات ذات الأثر السلبي على العمل المقاوم في إزالة التصاقها بفاعلها ومحركها وهو الظواهري, ولم يفلح كذلك ظهوره في الشريط المتلفز في محو أثر هذه الصورة تماماً من أذهان منتقدي التنظيم الذي أضحى غياب زعيمه في العراق كفيلاً بمحوها, وهو ربما ما لا يصب في المصلحة الاحتلالية الآن. <BR>• وفي ظل وجود قادة فارسيين للشيعة العراقيين متمثلين في السيستاني والجعفري والحكيم والربيعي والصدر وغيرهم, كان المبرر على الجانب الآخر لوجودهم في الصف الشيعي وجود المقاتلين العرب غير العراقيين وعلى رأسهم أبي مصعب الأردني الجنسية والذي كان لدى كثير من العراقيين وضعه كقيادي غير عراقي لتنظيم عراقي أمراً مستهجناً, وبعد غياب الزرقاوي عادت هذه القيادة عراقية خالصة لتصبغ تنظيمه ـ علاوة على رفعه الشعارات الإسلامية ـ بالوطنية, وهذا أيضاً ما لا يعد في مصلحة الأمريكيين والإيرانيين على حد سواء. <BR><BR>وقد كانت المقاومة العراقية إسلامية أكثر منها قومية, لم يكشف عن ذلك سوى اعتقال الرئيس العراقي صدام حسين, والآن لن يكشف عن وجود تيارات مقاومة حضورها قوى ومقبول من شرائح عديدة من الشعب العراقي بأكبر مما يتوافر لأنصار الزرقاوي, ولن يكشف عن حضورهم سياسياً على نحو أوفر فاعلية إعلامياً سوى غياب الزرقاوي, وهم على الأقل ليسوا مدانين من السواد الأعظم من العالم العربي, والمنصفين من الشعوب غير المسلمة كذلك, وخلونا ـ للمقاربة فقط ـ نقرن بين شخصيتي الزرقاوي ود/الشمري من حيث حظيهما من التأييد والإدانة للدلالة على الخلل الاستراتيجي الذي وقعت به قوى الاحتلال, وهذا قد يكون أكبر خسارة تحيق بالولايات المتحدة الأمريكية.. <BR><br>