قوة سورية في ضعفها!!
23 ذو الحجه 1426

لم تعد الورطة الأمريكية في العراق سراً على أحد فالكل يجمع- ربما باستثناء بعض المتعصبين لمشاريع الديمقراطية من الذين يتسمون بالليبراليين الجدد- على أن الولايات المتحدة و كل قواتها في بلاد الرافدين، صارت غير قادرة على الإمساك بزمام الأمور فضلا عن المبادرة و توجيه دفة الأحداث بمعنى أن أصحاب القرار في واشنطن صاروا كغيرهم، ينتظرون جديد الأخبار لكي يتفاعلوا معها طالبين، في ذات الوقت، من كل مؤسسات الفكر "ثينك تانكس" أن تسارع إلى الإشارة عليهم بأفضل السيناريوهات و أجمل التصاميم في سبيل الفرار من المستنقع العراقي و حفظ ما بقي للأمريكيين هناك من دماء وجه.<BR>في هذا الإطار، يبدو نظام الرئيس بشار الأسد في سورية رسميا، داخل الاهتمام الأمريكي و من ورائه الأممي بما أن الهيئة التي يرأسها كوفي عنان، أضحت إحدى ملحقات كوندوليزا رايس إذ تقول الأنباء: إن لجنة التحقيق الأممية في قضية اغتيال الرئيس الحريري تكون قد التقت في باريس في السادس من شهر يناير الحالي، مع (نائب الرئيس السوري) عبد الحليم خدام لمدة ساعتين كاملتين و هذا المنشق حديثا عن نظام دمشق، والذي كان الحديث عن خروجه من حزب البعث قد جرى التطرق إليه بكثرة قبل خرجته الإعلامية، لم يأت في الواقع بأي جديد مهم و لم يضف أي معطى يمكننا الفصل بأنه محوري جدا في سير القضية فالإستراتيجيون الأمريكان لاحظوا من غير شك أن الرجل لن يكون في وسعه أن يساهم بأكثر مما قاله بما أن "توبته" المتأخرة جاءت بعد فوات الأوان و لم تحقق على الرغم من كل الهالة التي أحيطت بها، أي تطور قد يسرّع أمل صقور واشنطن في المرور إلى السيناريو الذي حرصوا عليه كثيراً و المتمثل في انهيار نظام البعث هناك و تآكله.<BR>لا ينبغي بداية فصل التطورات السورية عن التغيرات التي قد تقع في المنطقة برمتها فهنالك مثلاً الأنباء غير المريحة بالنسبة للأمريكيين و التي تتحدث عن قرب صعود نجم حركة حماس في الأراضي الفلسطينية المحتلة بعد الانتخابات التي باتت قريبة جدا منا بالإضافة إلى الوضع اللبناني الذي ما زالت التفجيرات تصنع الحدث فيه من غير أن ننسى الحالة الإيرانية الجديدة التي صنعها صعود محمود أحمدي نجاد إلى عرش السلطة في إيران و لكن المشكلة الأكبر بالنسبة للأمريكيين هي الغياب غير المتوقع لـ(رئيس وزراء الكيان) آرئيل شارون و الذي بذهابه، ازدادت في عيون الأمريكيين، ظلمة المشهد الشرق أوسطي برمته.<BR>وسط هذه الظروف، من المنطقي جدا أن تبادر الإدارة الأمريكية، التي خططت لأجل بداية سحب قواتها المنهكة من العراق، إلى تعديلات هامة في جدول ترتيب اهتماماتها فلماذا يتعين عليها إذن القيام بإسقاط نظام الأسد و ما سوف يصاحب مثل هذه الخطوة من فوضى قد تطال كل المنطقة؟ الواقع أن خدام و معه عدد صغير جدا من المنشقين و المعارضين الذين لا يملكون تأييدا شعبيا مريحا، بالإضافة إلى "الوطني" جدا اللبناني وليد جمبلاط، هم لوحدهم من يستعجل رؤية زوال نظام البعث من الخارطة السورية.<BR>صحيح أن الجمهورية الملكية التي أسسها آل الأسد باتت في وضع حرج للغاية و لكن هذا لا يعني البتة أن ساعتها قد حلت ففي مقدورها أن تلعب المزيد من الأوراق و تعيش لسنوات، أو عقود ربما، قادمة. إن سبب هذه الورقة التي ما يزال نظام دمشق يتمتع بها، تلك الجملة من التقاطعات الإقليمية و الدولية التي تجعل من إمكانية وقوع انتفاضة شعبية أملاً بعيد المنال بسبب ضعف تيارات المعارضة أولاً و غياب أي تيار منظم حقا في مقدوره ترتيب تطورات من هذا المستوى ربما باستثناء تنظيم الإخوان المسلمين.<BR>حينما أسقطت الدبابات الأمريكية نظام صدام حسين في بغداد قبل نحو ثلاث سنوات من الآن، صار أهم حديث يتداوله الساسة و الإعلاميون الغربيون على وجه عام يدور أساسا حول الخطوة التالية في خط سير كرة الثلج الأمريكية، كان الجميع يتوقع أن تكون الجمهورية العربية السورية هي الهدف التالي للمارينز، و بات الكل يتصور هؤلاء و هم يدخلون دمشق مزيحين في طريقهم آخر قلاع البعث في المنطقة. لقد كانت سورية و منذ شهر مايو من العام 2002م، هدفا مبرمجا في أجندة المحافظين الجدد إذ إنها كانت تقف في الصف الثاني من محور الشر وفق التصور البوشي إلى جانب أن الكونجرس كان قد صمم لأجلها خصيصاً، قانون "محاسبة سورية وسيادة لبنان" منذ آخر شهور العام 2003 الذي يمنع على الشركات من تصدير بعض التقنيات إلى دمشق.<BR>و لكن تلك الحمى كانت قد خمدت فالبرامج التي رسمت للعراق لم تتحقق و بات هذا البلد الذي كان يفترض أن يكون نقطة انطلاق لطريق الشرق الأوسط الكبير، مستنقعا زيادة على أنه كان السبب في عدد كبير من المشكلات التي باتت الإدارة تواجهها في الداخل الأمريكي مضيقة بالتالي هامش المناورة للعصبة البوشية بمعنى أنه و تحت طائل هذه التطورات، تبدو أي عملية عسكرية ضد سورية داخلة ضمن نطاق المستحيل فالأمريكيون الذين يجمعون على ضرورة البدء في سحب قواتهم من العراق، صاروا مرتبكين في كيفية التعامل مع دمشق و هذا ما يجعلنا نفكر في السيناريوهات التي من الممكن أن تعتمدها الآلة السياسية-العسكرية الأمريكية في هذا الإطار.<BR>بداية، إن الأمريكيون يعلمون جيدا أنه من الممكن جدا التعامل مع السوريين فالاتصالات التي جرت بين الطرفين من خلال مصالح الاستخبارات منذ اندلاع ما بات يعرف بالحرب العالمية على الإرهاب زيادة على الانسحاب السوري من لبنان، يعطي تصورا عاما على أن موقف دمشق قد يكون ليناً في بعض الأحايين حتى وإن استلزمت الدقة منا التذكير بأن الخروج من لبنان جاء نتيجة منطقية لحملة ضغوطات دولية غير مسبوقة في تاريخ الدبلوماسية العالمية.<BR>لكن هذا لا يمنع من القول إنه ما يزال الطريق صعبا أمام الأمريكيين لكي يؤكدوا لمواطنيهم أن سورية باتت تحت ظل النظم التي يرتضيها صناع السياسية في واشنطن فهنالك استضافة دمشق لمكاتب المقاومة الفلسطينية المتواجدة فوق أراضيها إلى جانب دعم حزب الله اللبناني علاوة على ما يشيعه الغرب من وجود برامج لأسلحة الدمار الشامل لديها من غير أن ننسى طبعاً ملف الجولان المحتل منذ العام 1967م، و الذي لا ينبغي التفكير في الخروج من هذه الحالة الحرجة في المنطقة من دون العمل على إيجاد حل له.<BR>سوف يكون من الممكن لأي متابع أن يتوقع تنازل سورية عن استضافتها لممثلين عن الفصائل الفلسطينية واستضافتهم خصوصاً للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين-القيادة العامة التي يقودها أحمد جبريل، و التي كانت دمشق وراء تأسيسها، أما حزب الله اللبناني فالواقع أن تأثير سورية عليه لا يتعدى مجرد لعب دور الوسيط بينه بين إيران و يمكننا القول أيضاً: إن الحزب على عكس سورية، لا يحتاج كثيرا إلى دعمها له، بل الواقع أنها هي من يحتاج إليه و إذا ما تذكرنا التصريحات الأخيرة لزعيمه الشيخ حسن نصر الله، ففي مقدورنا أن نلحظ أن خروج الجيش السوري من لبنان، منح الحزب موقعا مركزيا في الرقعة السياسية اللبنانية بأن صار يمثل شريكا سياسيا أساسيا حتى بالنسبة للأمريكيين الذين ما يزالون يصرون على كونه مجرد ميليشيا إرهابية.<BR>بخصوص دعاوى أسلحة الدمار الشامل فهي في الحقيقة لا تحظى باهتمام محوري من قبل نظام دمشق الذي يعرف أصلا، مشكلات جمة في سبيل رعاية شئون قواته المسلحة تقليدياً، و التي تبدو في حقيقتها أقرب إلى جيش كبير من التقليديين ثم إن ما تستورده سوريا من معدات عسكرية لا يمثل إلا عشر ما تستورده دولة أخرى مجاورة هي "إسرائيل" -بغض النظر عن التصنيع العسكري في هذه الأخيرة طبعا- و باختصار شديد: إن كل مهتم بالأمر يدرك أن القوة العسكرية السورية لا تخيف أحداً.<BR>يعتقد بعض المتخصصين في شئون الشرق الأوسط أن الرئيس بشار الأسد قد يحاول خوض تجربة تضاهي تلك التي انتهجها العقيد القذافي في ليبيا و التي حيرت المتابعين -وأضحكت البعض أيضا- فيمكن مثلا البدء في حملات إعلامية استعراضية هدفها التقرب من واشنطن تتبعها خطوات إجرائية غير مكلفة كثيرا كفتح النقاط العسكرية الحساسة أمام المفتشين الدوليين ثم التنازل عن شخصية من العيار الثقيل قصد إدانتها في قضية اغتيال الحريري، سوف تكون هذه بلا شك خطوات كفيلة بجعل الغرب مقتنعاً بأن بشار الأسد هو رجل يمكن التعامل و التعايش معه إلى جانب أن عملا من هذا النوع قد ينقذ المنطقة من تطورات خطيرة زيادة على أنه سوف يولد لدى الرأي العام الأمريكي الانطباع بأن الإدارة البيضاوية قد نجحت فعلا في تحقيق ما سعت إليه.<BR>في سيناريو كهذا، سيكون من الصعب جدا القول بأن الأسد سيصير "قذافي" جديد أو حتى "سادات" آخر قادر على "صنع السلام" بحسب الأمريكيين, ففي المستقبل القريب، ستكون العلاقات مع "إسرائيل" غير مبنية فقط على وقف التعامل مع الفصائل الفلسطينية و إنما سوف ترتكز كل التجاذبات المستقبلية على الوضع الداخلي في "إسرائيل" نفسها خصوصا، على ضوء نتائج الانتخابات النيابية هناك في شهر مارس المقبل و التي لا يعرف أحد لحد الساعة على وجه الدقة، ما سوف تفرز عنه بعض هذا الخروج الاضطراري لشارون من الساحة.<BR>من وجهة النظر الأمريكية، سيكون قلب نظام الأسد بواسطة القوة خطوة غير محسوبة العواقب لأنها سوف تمنح التيارات الإسلامية الراديكالية فرصا إضافية في التقوي زيادة على الدعم الذي سوف تتلقاه من وراء الحدود العراقية زيادة على أن الأمريكيين في مجملهم، لا يرتاحون كثيرا للمد الإخواني في المنطقة.<BR>هنالك حقيقة أخرى أيضا مفادها أن حدوث انقلاب عسكري في سورية هو احتمال غير وارد فالأحزاب السياسية المرخص بها متحالفة بالكامل مع النظام البعثي -بالنظر للطبيعة الطلائعية للحزب مثلما هو معروف- علاوة على أن النقابات تقع تحت الإشراف المباشر لهذا الأخير و حتى و إن كان القطر السوري في عقود سابقة، واحدا من أكثر البلاد التي عرفت انقلابات لا حصر لها إلا أن المركزية الكبيرة التي يقوم عليها النظام و التي لا تسمح بأي تحرك لأية وحدة عسكرية مهما كان صغرها إلا بناء على أوامر دقيقة من أعلى السلم الحكومي ثم إنه لمن المسلم به أيضا أن أغلب الضباط الكبار في قيادة الجيش السوري هم من "الموثوق بهم" فهم ينحدرون من الطائفة العلوية التي ينتمي إليها الرئيس بشار و كبار المسئولين في الدولة، و هذا ما يجعلنا ندرك أن النظام الذي أسسه حافظ الأسد منذ أكثر من ثلاثين عاماً هو في الحقيقة في مأمن من أي انقلاب جديد.<BR>الواقع أن الحل الوحيد الذي يملكه الأمريكيون حاليا في التعامل مع الرئيس الأسد يكمن في ضرورة الاعتماد على المنشقين السوريين و الذين هم على دراية كبيرة بكل مداخل و مخارج النظام في دمشق و عبد الحليم خدام يأتي في طليعة هؤلاء بلا شك بسبب العلاقات الجيدة التي بات يملكها هذا الأخير مع واشنطن بعد أن جرى تهميشه من قبل (الرئيس السابق) حافظ الأسد في العام 2000 حينما كان هذا الأخير يعد الطريق أمام ابنه بشار بعد أن أعلمه أطباؤه أن أيام حكمه أضحت معدودة بسبب مرض السرطان الذي أخذ منه كل مأخذ. لقد تحادث المنشق خدام مؤخرا في باريس حول مستقبل سورية مع كل من الأمريكيين و الفرنسيين و هو يبدو مقتنعا بأنه قادر على توحيد المعارضة السورية لأجل الإطاحة بالنظام الحاكم ثم إنه ما يزال يهاجم رموز الدولة و أقرب مقربي الرئيس بشار متهما إياهم بالضلوع المباشر في جريمة اغتيال الرئيس الحريري بمساعدة حليفه القديم الجنرال حكمت الشهابي المقيم حاليا في لوس أنجلس الأمريكية، و الذي كان قد أحيل على التقاعد عنوة، والرجلان يرتكزان على معطى مهم في شخصيتهما يكمن في أنهما قد يطبعان المعارضة السورية بالطابع السني الذي من المحتمل أن يكون التيار الوحيد الذي يستطيع أن يحظى بالسند الشعبي في حالة انهيار نظام الأسد على خلاف هذا الأخير الذي بجانب أنه علوي منحدر من طائفة أقلية، لا يحظى بأية تجربة قد تعطيه ثقلا مؤثرا كذلك الذي كان يحظى به والده مثلا.<BR>المشكلة في هذا السيناريو أن خدام نفسه، و الذي ينحدر من وسط متواضع في المجتمع السوري زيادة على أنه كان لعقود طويلة واحدا من أكثر رجالات النظام تأثيرا و حضورا، لا يتمتع بالدعم الشعبي و لا حتى بدعم شيوخ عشائر السنة بسبب تورطه المباشر في قضايا رشوة و فساد كثيرة و اقتران اسمه بكل مظاهر البذخ و السطوة و أما صديقه الشهابي، و الذي و إن كانت يتمتع بسند كبير لدى الخليجيين و الأمريكان على حد سواء، إلا أن تأثيره في الجيش لم يعد واردا منذ تقاعده.<BR> في بداية الشهر الحالي -يناير- أوردت المصادر الإعلامية الأوروبية خبر محاولة الإخوان الاقتراب بحذر من عبد الحليم خدام و الذي يكون قد طمأنهم بأنه سوف يساعدهم في سبيل الخلاص من النظام الذي طاردهم بلا هوادة لسنوات طويلة، و لكن هذا أيضا لا يمكنه أن يكون مطمئنا كثيرا لتنظيم الإخوان فالمنشق خدام لا يمانع في اللقاء مع أي كان علاوة على أنه يطمئن الجميع بأنه سوف يساعد و هلم جرا..<BR>أما "المعارضة الديمقراطية في المنفى" فيبدو أنها لا تحظى بأي وجود في الداخل السوري بسبب ارتباطاتها الوثيقة و العلنية مع دوائر المحافظين الجدد في واشنطن و أبرز وجوهها و هو المسمى فريد الغادري، فالكل يذكر مباركته للحرب التي قادتها أمريكا على العراق و تصريحاته المتعددة بأن العملية لا ينبغي لها أن تتوقف حتى تطال كل المنطقة بمعنى أنه يحرص على مصالح "أولياء نعمته" أكثر من حرصه على أبناء وطنه في تجربة مستنسخة من أحمد الجلبي في العراق على الرغم من أن هذا الأخير يملك على الأقل بعض الحضور على الأرض العراقية.<BR>الواضح أن "إعلان دمشق" الأخير هو الأكثر أهمية من بين كل هذه الأخبار بسبب محتواه أولا ثم بسبب نظرته لكيفية التغيير ثانيا و التي يشير نصه إلى أنها ينبغي أن تكون مرحلية و تتم عن طريق فتح حوار وطني شامل و صريح زيادة على أن الموقعين على هذه الوثيقة يمثلون أطيافا متنوعة من النسيج المجتمعي السوري من رياض الترك الشيوعي الذي يسمى "مانديلا سورية" بعد أن قضى عشرين سنة كاملة في السجون إلى المفكر الإسلامي جودت سعيد مروراً بالمناضل الحقوقي الكبير هيثم المناع و الشاعر أدونيس فضلا على أن الإخوان أنفسهم أعلنوا مساندتهم لهذه الأرضية. حقيقة إن إعلان دمشق ما يزال لحد الساعة مجرد طموح لم يبلغ بعد مرحلة النضج و التنفيذ إلا أن الجديد الذي يحمله هام و محوري جدا: إنه يثبت بما لا يدع أي مجال للشك وجود مجتمع مدني واع و راق في سورية و أن النظام الحاكم في دمشق لم يستطع أن يكون في مستوى هذا النضج ليطوره فيفيد منه و يستفيد.<BR>في الولايات المتحدة، تجتهد الإدارة البيضاوية في سبيل إقناع ما يسمى "المجموعة الدولية" بوجود تصدع كبير في صفوف السوريين بمعنى أن هذه "المجموعة" ملزمة على مواصلة الضغوطات و تصعيدها بطريقة أكبر من هذه حتى يسقط النظام و يهوى بعد أن ينتشر الصدع في كل أجزائه و هذه حملة يقود على وجه الخصوص المدعو جون نيجروبونتي، الذي كان سفيراً في العراق بين يونيو 2004 و أبريل 2005 قبل أن يُستدعى إلى واشنطن و يكلف بإدارة الهيئة الوطنية لقوى الاستخبارات و هي المؤسسة التي استحدثت في العهدة البوشية الثانية و أعطيت لها الصلاحيات التي كان من قبل في يد مدير السي آي إي. <BR>هذا لا ينفي أنه في المستطاع التوصل إلى أرضية اتفاق بين سورية و الأمريكيين بالنظر إلى جملة من المعطيات و التي لا شك أن الحالة العراقية تأتي في مقدمتها فسورية لم تعد بالضرورة مستفيدة كثيرا من الوضع في العراق المجاور لها بسبب أن نمو و تطور المجموعات المسلحة هناك بات يهدد سلامتها هي الأخرى علاوة على أنه صار يحرك آمال الاستقلال لدى الأقلية الكردية فيها ثم أن واشنطن تدرك أيضا أن سورية قد يكون في مستطاعها التأثير في الطائفة السنية العراقية من أجل التصدي للنفوذ الإيراني هناك و الذي بات يقلق الأمريكيين كثيرا و هذا ما يعني القلق الأمريكي من أن تتمكن إيران من تحقيق حلمها: الهلال الشيعي الممتد من فارس إلى بيروت.<BR>يعني هذا في الأخير أنه في الإمكان العودة إلى الحقبة الكلينتونية حينما كان المسؤولون الأمريكان يرددون في كل مرة مقولة : "سورية أولا" و التي تعني في نظرهم أن حلول كل المشكلات التي تعرفها المنطقة تمر حتما عبر سورية.<BR>صحيح أن هذه الظروف تغيرت منذ أبريل 2003 و لم تعد دمشق حلا و إنما صارت بالنسبة واشنطن تمثل عقبة و مشكلة عويصة، إلا أنه لا شيء يمنع لحد كتابة هذه الأسطر من القول إن بعض الأمريكيين أيضا يعتقدون أنه من الأسلم لهم و لكل منطقة الشرق الأوسط، الحفاظ على نظام ضعيف في دمشق بدلا من دحرجة الأوضاع إلى ما لا يمكن استشرافه من الفوضى التي قد تطال كل شيء.<BR><BR><br>