سيناريوهات عدة للإطاحة بحكومة إردوغان؟
12 ذو القعدة 1426

يبدو أن حكومة حزب العدالة والتنمية الحاكمة في تركيا "ذات التوجه الإسلامي" في موقف صعب حاليا بعد التصريحات والضربات الجانبية بين الفرق العلمانية وقادة حزب العدالة، مما دفع بخبراء السياسة إلى التساؤل عما إذا كانت النخبة العلمانية في البلاد تسعى للإطاحة بحكومة رجب طيب إردوغان بعدما نجحت سابقا في الإطاحة بأول حكومة إسلامية في تركيا أبان فترة حكم نجم الدين أربكان عام 1997. <BR><BR>قبل أي شيء يجدر الإشارة إلى أن حزب العدالة والتنمية بزعامة رجب طيب إردوغان يتبع إستراتيجية ذكية للغاية فهو من جهة يجس النبض الشعبي ويتابع التحركات الجارية على الساحة السياسية بدقة وحذر للتأقلم معها ومن جهة أخرى يسعى لتهدئة الوضع، وخصوصا مع الجيش في محاولة لعدم تصعيد التوتر وسط الأمواج السياسية المتلاطمة.. وهو في ذلك يستخدم أهم ورقة تستند عليها البلاد ألا وهي "الإتحاد الأوروبي والمعايير المطلوبة كشرط للانضمام لعضويته".. بمعنى أن حكومة إردوغان بدأت تهيكل المعايير السياسية لكن بكل سلاسة وبعيدا عن المشاكل والصدامات والمواجهات تحت مسمى "مطالب الاتحاد الأوروبي" متجنبة بذلك الغضب الشعبي والنقمة العسكرية عليه. <BR><BR>لكن رغم هذه البراعة في التفكير والدقة في الفعل إلا أن ثمة سيناريوهات للإطاحة بالحكومة التركية بدأت تظهر في الأشهر الأخيرة، وأول أشارة علنية لها بدأت إثر إعلان الاتحاد الأوروبي بدء المفاوضات مع تركيا في الثالث من أكتوبر/تشرين الأول الماضي حينما وجهت كبرى الصحف العلمانية حملة كبيرة ضد حكومة حزب العدالة والتنمية وإشاعة الأخبار التي من شأنها تشويه سمعة الحكومة والحزب الحاكم كما لوحظ تشديد اللهجة في نقد إردوغان ووزرائه. <BR><BR>ومع أن إستراتيجية حزب العدالة هذه يتفهمها قادة الجيش التركي جيدا فإنهم في حيرة من أمرهم في طريقة التعامل معها وتكاد أياديهم تكون مكبلة حيال وقف هذه الخطوات والإجراءات التنفيذية التي تقوم بها حكومة العدالة تدريجيا؛ لأن تدخلهم ضدها يبعد تركيا عن حلم الانضمام للاتحاد الأوروبي، ولذلك بدؤوا يفتعلون خلافا ويفترضون تعارضا بين الشروط الديمقراطية التي يتطلبها الانضمام للاتحاد الأوروبي وبين تأثير هذا على شرف وكرامة تركيا.. ومن هذه النقطة الأخيرة يمكن فهم العديد من التصريحات والمناوشات وحتى القرارات التي اتخذها كل فريق من الفريقين في مواجهة الآخر على صعيد عشرات القضايا الخلافية بينهما.<BR><BR>أما المؤشر الثاني لوجود تحركات للإطاحة بالحكومة التركية فهي التطورات الأخيرة في جبهة التعليم العالي بعد اعتقال السلطات التركية رئيس جامعة "فان" بتهمة الفساد الموجهة له من قبل القضاء مما أثار زوبعة كبيرة في أوساط العلمانيين الأمر الذي دفع رئيس لجنة التعليم العالي إردوغان إزيتش لإشهار سيفه ضد الحكومة معلنا بأن الدفاع عن رئيس الجامعة المعتقل دفاع عن الجمهورية باعتباره الرجل الذي قام بتطهير الجامعة من الرجعيين "على حد قوله".<BR>كما أن ذهاب رؤساء الجامعات التركية إلى مدينة فان بحد ذاته بمثابة تحدي كبير ضد القضاء التركي وحكومة إردوغان. وتصاعدت الحرب بين الحكومة التركية ومجلس التعليم العالي بعد قرار الأخير بأن (مستشار رئيس الوزراء رجب طيب إردوغان السابق) البروفسور عمر دينتشر ارتكب جريمة الانتحال في البحث الذي كتبه مع زميل له وحظرت توظيفه في أي جامعة في حين وصف إردوغان هذا القرار بأنه انتقام واضح وصريح ضد حكومته.<BR><BR>ويأتي المؤشر الثالث على سيناريوهات الإطاحة بالحكومة في تشكيل حزب الوطن الأم مجموعته البرلمانية بعد ارتفاع عدد أعضائه في البرلمان إلى 22 نائبا إثر تسلم زعيمه الحالي إركان مموجو الذي استقال من حزب العدالة والتنمية في شباط الماضي. حيث يرى المراقبون السياسيون بأن تشكيل هذا التكتل في هذا الوقت بالذات يعتبر عامل أساسي لتحركات القوى العلمانية للإطاحة بحكومة إردوغان. في المقابل، يساهم الرئيس التركي أحمد نجدت سيزار في تسهيل هذه التحركات حيث وجه دعوة إلى رؤساء الجامعات وزوجاتهم للاحتفال بعيد الجمهورية بينما وجه الدعوة إلى أعضاء الحكومة ونواب حزب العدالة والتنمية مستثنيا زوجاتهم المحجبات. ولقد اعتبر المراقبون أن هذا التصرف يشكل تضامنا واضحا من رئيس الجمهورية مع لجنة التعليم العالي في مواجهة الحكومة. <BR><BR>المعركة علنية بين الإسلاميين والعلمانيين.. والعلمانيون انعزلوا عن الأحداث المتلاحقة التي تعصف بالساحة ولم يعد لديهم قضية سوى ظاهرة التيار الديني داخل المؤسسة العسكرية وكيفية محاربته ولا يعني هذا أن العلمانيين والجيش هما اللذان يستفزان حكومة حزب العدالة والتنمية فقط فالحقيقة أن وزراء وقادة حزب العدالة بدءوا بدورهم وهم يركبون حصان الاتحاد الأوروبي استفزاز العلمانيين والجيش والتمهيد ربما لفرض أمر واقع يصب في خانة الحريات عموا والتيار الإسلامي خصوصا.. وعلى سبيل المثال وفي بادرة هي الأولى من نوعها في البلاد، وجه نائب رئيس حزب العدالة دينجير فرات نقدا حادا للمخصصات الضخمة للأمن والدفاع في ميزانية الدولة والتي تبلغ نحو 40% من حجم الإنفاق مقارنة بـ0.008% من الميزانية لوزارة العدل وقوله في حضور جنرالات الجيش:"من أي طرف تحمون أنفسكم؟!". بعبارة أخرى، لم يعد قادة حزب العدالة يلتفتون كثيرا للقضايا الهامشية الضيقة التي كانت تثير غضب قادة الجيش وتقع بسببها الانقلابات مثل الحجاب والصلاة ومنع الخمور ولكنهم تعدوها لمناقشة قضايا تصب في خانة تقليص هيمنة الجيش تدريجيا على الحياة السياسية ووقف التميز الذي يحظى به، مقارنة بأجهزة الدولة الأخرى. <BR><BR>لم يعد الجدل يدور حول لبس الحجاب في المصالح والمدارس الحكومية ولا حول حضور زوجات وزراء حزب العدالة (بالحجاب) للمناسبات القومية والدبلوماسية التركية رغم أن وسائل الإعلام التركية ذات الصبغة العلمانية اتخذت واقعة عدم مشاركة رئيس الجمهورية وقادة الجيش ورئيس الحزب الجمهوري المعارض بالبرلمان في الحفل السنوي التقليدي الذي يقيمه رئيس البرلمان التركي بمناسبة يوم السيادة الوطنية 23/4 من كل عام ذريعة وفرصة للهجوم على حكومة حزب العدالة والتنمية الحاكم بدعوى "ضرورة الحفاظ على علمانية الدولة والنظام".<BR><BR>لكن جاء الجدل حول قضايا أهم وأخطر تمس عصب سيطرة الجيش على الدولة التركية وهيبته مثل بروز ظاهرة التيار الديني داخل المؤسسة العسكرية ولأول مرة في تاريخ الجمهورية التركية يزداد هذا العدد حسبما ذكرت الصحف الإسلامية العام الماضي حيث كان في الماضي يمنع يفرض الجيش قوانين صارمة على أفراده للمحافظة على علمانيتهم وتمسكهم بمبادئ أتاتورك أما الآن ومع وصول حكومة حزب العدالة والتنمية وتقليص صلاحيات الجيش فأصبحت الأمور أكثر يسرا من السابق وخفت القيود قليلا والنقطة الأخرى التطرق إلى ميزانية الجيش نفسه ومنع تدخله في قضايا التعيينات التي تقوم بها الحكومة (بدعوى أن هناك شخصيات رجعية تتولى مناصب) بل وطرح مشاريع قوانين أمام البرلمان - ضمن حزمة قوانين الإصلاح السياسي لتوفير الأجواء الملائمة لدخول الاتحاد الأوروبي- تنص على حق من يعزله قادة الجيش من العسكريين تحت مسمى "رجعي" في التظلم أمام المحاكم التركية وهو تطور هام يغل يد الجيش مستقبلا عن طرد متدينين من الخدمة العسكرية أو على الأقل يبطئ هذه المسألة التي لم تجرؤ حكومة سابقة على التدخل فيها ولم ينجح حتى أربكان عندما كان في الحكم في وقفها. <BR><BR>ومما لا شك فيه أن الجنرالات لا يكنون تجاه حكومة إردوغان سوى مشاعر الكراهية لكن ليس بوسعهم فعل شيء ضدها دون إثارة رد فعل جماهيري عارم فقد ولى ذلك الزمن الذي كان فيه الجنرالات يقيلون حكومات مثلما فعلوا بحكومة الزعيم الإسلامي نجم الدين أربكان خلال عقد التسعينيات. وإذا كانت حكومة إردوغان الذي سجنه الجنرالات خلال التسعينيات عندما ألقى قصيدة في جمع كبير تستثير المشاعر الجماهيرية الدينية، تتصرف بلباقة وحذر وتخفى أجندتها الإسلامية الأساسية فإنها في سعيها لنشر الحريات الأساسية باستغلال شروط عضوية الاتحاد الأوروبي تلعب لعبة في غاية الذكاء لسحب البساط من تحت أقدام الجنرالات وبالتالي إفساح المجال للأحزاب والمنظمات الإسلامية لممارسة نشاطها دون خوف أو وجل.<BR><br>