تأملات فى تفجيرات الأردن
6 ذو القعدة 1426

من تابع أحداث التفجيرات في الأردن يجد نفسه أمام تضارب محير، فمن ناحية هو يجد نفسه أمام محاولة رسمية أردنية مستميتة منذ اللحظات الأولى لوقوع الحدث لإثبات أن تنظيم القاعدة هو من قام بعملية تفجير الفنادق في الأردن، كما يجد أن هذه المحاولة عززتها تصريحات وبيانات منسوبة إلى القاعدة بأنها وراء العملية، إلا أنه يجد نفسه في المقابل أمام مؤشرات ودلالات غريبة ومربكة في متابعة هذه التفجيرات وفى نسبتها للقاعدة؛ لأن الأردن ليس بإمكانه اتهام جهة أخرى، فلأن ما هو منسوب إلى القاعدة -من نفسها –أمر يصعب التأكد منه في ضوء الوضع الراهن، وكذا بالنظر إلى أن التفجيرات لم تحصد سوى المدنيين فقط، و لأن هناك بيانات أخرى تنفى الفعل عن القاعدة...الخ. <BR><BR>على صعيد الرغبة المحمومة لإثبات مسؤولية القاعدة من قبل الحكم في الحكم في الأردن، فمنذ اللحظة الأولى والاتهامات لا تنقطع والتحليلات لا تتوقف وباطراد ويبنى بعضها على بعض في سلم من الأقوال التي تتراكم فوق بعضها البعض، حتى يكاد المرء غير قادر على إمساك الخيط من أوله.فقد أعلن فور وقوع الحدث أن القاعدة هي من وراء الحدث قبل إجراء أي تحقيق وإنما على طريقة التشابه والتوقع أو أخذا بالشبهات، ثم توالت التصريحات والتلميحات حول الأشكال والوجوه العراقية التي قامت بالعملية، إلى أن وصلنا إلى قصة المرأة العراقية التي ظهرت على الشاشات لتعترف بأنها كانت ضمن المجموعة التي شاركت في العملية، لكن حزامها لم ينفجر فيما يذكرنا بالألاعيب الإعلامية الأمريكية في العراق حين كان يظهر مواطنون عرب من المقيمين في العراق ليقولوا: إن المخابرات السورية هي التي أدخلتنا العراق بعد أن دربتنا، ثم ينتهي الأمر عند حد هذه اللعبة الإعلامية فلا نسمع من بعد أي شيء عن هؤلاء وماذا جرى لهم!<BR>وعلى صعيد اعتراف القاعدة بأنها وراء الحدث فهناك البيان الصادر عن القاعدة في بلاد الرافدين، الذي نسب العملية للقاعدة وأشار إلى وجود امرأة بين المنفذين...الخ.وهناك التسجيل الصوتي لأبى مصعب الزرقاوي مسؤول القاعدة في العراق وما ورد به من تحذيرات للمواطنين الأردنيين من الحضور في مناطق معينة، وكذا نفيه أن يكون التفجير استهدف المدنيين أساسا...الخ.<BR>أما على صعيد الارتباك في فهم الأمر أو ما يثير الحيرة، فهناك أن التفجيرات قد سبقها إجلاء للصهاينة على يد الأمن الأردني من فندق استهدفته التفجيرات وفق ما نشرته جريدة هارتس الصهيونية بما يشير إلى معلومات مسبقة عن الحدث لدى السلطات الأردنية.وهناك أن العملية جاءت في سيناريو متكرر لما حدث في سيناء حيث وجهت الضربة الأولى لفندق يتواجد فيه صهاينة –فندق طابا – فيما جاءت الضربة الثانية في شرم الشيخ لتحصد مصريين بالأساس وهو ما حدث في الأردن حيث جاءت عملية تفجير الفنادق في عمان وسقوط الضحايا الأردنيين والفلسطينيين، بعد عملية إطلاق الصواريخ على بارجة أمريكية في العقبة، بما يشير إلى أن العملية الثانية في كلا البلدين كانت ردا على الأولى!.وهناك أيضا أن بيانا صدر عن كتائب عمر بن الخطاب _رضي الله عنه_ أعلن فيه عدم مسؤولية القاعدة عن تفجيرات عمان.هذا بالإضافة إلى أن التفجيرات في الأردن جرى في إثرها ردود فعل وحشد سياسي وجماهيري، يظهر للمتابع أن شيئاً ما كان جاهزا ومعدا من قبل التفجيرات، حيث جرت عمليات حشد وتعبئة للمواطنين الأردنيين ضد "الإرهاب " وضد الحركة الإسلامية على نحو سريع يثير الدهشة!<BR><BR><font color="#0000ff">القاعدة وراء الحدث؟!</font><BR>التصديق لفكرة مسئولية القاعدة عن التفجيرات في الأردن جاء عند البعض من النظر إلى أنها قد تمثل ردا على العديد من القضايا والممارسات السياسية الرسمية الأردنية فيما يتعلق بدعم وتدريب الشرطة والجيش العاملين تحت إمرة الاحتلال في العراق، إضافة إلى كثير من الأمور المتعلقة بالمواقف تجاه القضية الفلسطينية.كما رأى البعض أن تنظيم القاعدة حاول من خلالها توجيه ضربة للحكم في الأردن ردا على المحاكمات التي جرت وتجرى ضد عناصر القاعدة في الأردن..الخ.وهى عند بعض آخر جاءت على خلفية محاولة الربط بين عملية قصف البارجة الأمريكية وبين عملية التفجيرات في الفنادق باعتبار أن القاعدة هي من قام بالعملية الأولى وأن من قام بالأولى يكون قام بالثانية.كما وصل البعض إلى هذا الاستنتاج من خلال الربط بين عمليات الأردن وعمليات شرم الشيخ وطابا...الخ.وهى أمور بالإجمال تعكس ظاهرة برزت مؤخرا في متابعة مثل هذه الأحداث حيث أن الكثيرين باتوا كلما شاهدوا حدثا يجرى في أية منطقة في العالم يقفز في أذهانهم على الفور أن تنظيم القاعدة هو المسئول، حتى يمكن القول بأن الحدث الوحيد الذي استثنت منه القاعدة كان هو حادث اغتيال (رئيس الوزراء اللبناني السابق) رفيق الحريري !<BR>وهكذا عند الكثيرين من معظم الأطياف، أصبح الأمر مستقرا بأن القاعدة هي من وراء التفجيرات وإن اختلفت التبريرات، لكن المتدبر في الحدث وظروفه وفى الأحداث الأخرى الشبيهة، يمكنه أن يكتشف بسهولة أن ثمة عوامل كثيرة أخرى قد تشير إلى أن القاعدة لا علاقة لها بالعملية على الإطلاق.<BR><BR><font color="#0000ff">والقاعدة تؤكد :</font><BR>لكن اللافت للنظر هو أن ما نسب إلى القاعدة من بيانات وأحاديث جاء هو الآخر ليثبت فكرة مسؤوليتها عن الحدث والترويج لها!<BR>فالبيان الذي نسب إلى القاعدة تحدث عن مسؤوليتها عن التفجيرات الثلاثة، ثم تلي ذلك إذاعة الشريط المنسوب إلى أبى مصعب الزرقاوي فتلقفته أجهزة الإعلام واعتبرته دليلا قاطعا على أن القاعدة هي من قام بالتفجيرات.ومما جعل فكرة عدم قيام القاعدة بالعمليات أمرا لا يقبل التفكير أن هذه الأقوال والبيانات والتصريحات قد ترافقت وتناغمت مع مظاهرات في شوارع عمان وتصريحات من قادة سياسيين من أطياف متعددة وإعلاميين أكدت مسئولية القاعدة، وجعلت نسبة الأمر للقاعدة حالة جماهيرية تغطى على احتمالات التفكير والتدبر.<BR><BR><font color="#0000ff">تفنيد الأوهام:</font><BR>وبمراجعة كل ما قيل لإثبات أن القاعدة وراء ما جرى في الأردن، فان أيا من الأدلة لا يصمد كدليل على هذا الاتهام.<BR>فعلى صعيد صدور بيان من القاعدة في بلاد الرافدين نجد أن البيان صيغ مع التركيز على أن مرتكبي الحادث عراقيين بما يطرح تساؤلات حقيقية حول الدافع من صدور البيان والجهة التي تقف خلفه حيث يصعب تصور أن تستهدف القاعدة البلد الوحيد صاحب الحدود المفتوحة مع العراق ولو لأسباب لوجيستيكية، كما أن القاعدة ليس من مصلحتها بشكل خاص أن تقوم بضربة تفقدها تعاطف الشعب الأردني المؤيد للمقاومة العراقية.لكن الأهم هو أن البيان قد جرى تكذيبه ببيان آخر صدر عن كتائب عمر بن الخطاب _رضي الله عنه_ جاء فيه نصا أن البيان المنسوب للقاعدة "زور وبهتان..وان الإخوة في التنظيم لا علاقة لهم بأي شكل من الأشكال بالعملية، وان الغاية الرئيسة منها هو تشويه صورة المقاومة العراقية البطلة ".<BR>وعلى صعيد، قصة المرأة العراقية التي ادعى إنها لم تستطع تفجير نفسها(إلى آخر القصة)، فان الأمر يبدو مضحكا وساذجا لأسباب كثيرة منها، أن استشهاديان يتجمعان في قاعة واحدة بطريقة ألاعيب الأطفال، إذ إن تفجير أي استشهادي لنفسه إنما يعنى إنهاء حياة الآخر دون أن يفجر نفسه أو أن تنفجر عبوته، ومنها أن العمليات الاستشهادية معروف أنها تجرى في معظم الحالات وفق نمطين من التفجير، إذا فشل النمط الأول من خلال الاستشهادي نفسه يتم التفجير عن بعد، ومنها أن الاستشهادية التي ارتضت الشهادة لا تذهب هكذا إلى السلطات الأردنية لتحكى لهم الرواية ولتخرج على التلفاز وكأنها تروى قصة من قصص ألف ليلة وليلة، حيث الاستشهادية التي تصل إلى قناعة الشهادة والاستشهاد والتي استشهد زوجها لا شك إنها تعرف أن الإعدام في انتظارها إذا هي اعترفت، وعلى الأقل هي ستكون حزينة لأسباب عديدة ولا يعقل أن تخرج بكل هذه الراحة والارتياح لتحكى..الخ.<BR>وهنا يبقى أمر التسجيل الصوتي المنسوب للزرقاوي والذي يحتاج تحليله إلى كتابات مطولة لكن الأمر المباشر والمبسط هو أن الأصوات يسهل وبيسر ودون آلات تكنولوجية معقدة القيام بتقليدها وكذا أن المحلل لما جاء في الرسالة يلحظ أنها جاءت تحذيرية واعتذاري كما هي تحدثت عن أوكار للصهاينة دون إشارة إلى مجموعات محددة صهيونية وأمريكية استهدفتها التفجيرات، وكان العملية جرت دون معلومات سابقة محددة.<BR><BR><font color="#0000ff">تفجيرات وتفجيرات:</font><BR>التحليلات التي اتهمت القاعدة، انطلقت من أن التفجيرات التي جرت في عمان وقبلها في العقبة شبيهة بالتفجيرات التي جرت في طابا وشرم الشيخ لم يدرك أصحابها أنهم بذلك شوشوا على فكرة أن القاعدة وراء تفجيرات عمان لا أنهم ثبتوا فكرة مسؤولية القاعدة عنها.وإذا كانت الملاحظة الأولى هي أن كل التحليلات حاولت منذ البداية وبطريقة غريبة -ويمكن القول أنها تمت بطريقة مريبة أيضا -إبعاد أي حديث عن دور صهيوني أو أمريكي في هذه العملية، فإن من يعيد قراءة التفجيرات يصل إلى استنتاجات أخرى مضادة!<BR>من يعود إلى أول تفجير جرى في مدينة طابا المصرية سيلحظ انه تم بالتحديد في مواجهة اكبر عدد من الصهاينة –بغض النظر هذا التقييم أو ذاك للعمل في ذاته –كما يلحظ أن التفجير الثاني كان موجها للمدنيين المصريين بشكل خاص، بل كانت كل ترتيباته تقتضى إلحاق الأذى بأوسع عدد من المواطنين المصريين، إذ جرى اخطر التفجيرات في سوق شعبي يعتاد المصريون بكثافة الحضور فيه عملاً وبيعاً وشراءً.<BR>ومن يعود إلى أول تفجير جرى في الأردن يجد انه كان موجها ضد بارجة أمريكية في مدينة العقبة.كما يلحظ أن التفجير الثاني كان موجها ضد مدنيين فلسطينيين وأردنيين.<BR>أي أننا في كلا الحالتين أمام عملية أولى موجهة ضد إسرائيل أو أمريكا، وأننا في العملية الثانية أمام رد على الأولى لإصابة اكبر قدر من المدنيين المصريين أو الأردنيين والفلسطينيين!.<BR>ومن ناحية أخرى فإن من يراجع العملية الأولى في مصر يلحظ أنها كانت عملية ثلاثية وكذلك كانت الثانية، كما يلحظ أن العملية التي جرت في عمان كانت ثلاثية أيضا، وإذا كان البعض جعل من هذا التشابه أساسا لنسبة تلك العمليات الثلاثية إلى مصدر واحد، فان العكس هو الأكثر معقولية، إذ أن العمليات وفق ضروراتها العملياتية الخاصة في كل حالة وتقتضى إلا تتكرر بالطريقة السابقة حتى لا يتم معرفة أساليبها وكشفها قبل أن تتم.<BR>ومن ناحية ثالثة فان من يراجع العملية التي جرت في شرم الشيخ لا شك يذكر أن سائحة صهيونية قد ألغت حجزها في الفندق الذي استهدف شكل مريب وفوري، وأنها عندما أوقفت وحقق معها قالت إنها تلقت تحذيراً من والدتها في تل أبيب، وإذا ذهبنا إلى تفجيرات الأردن سنجد أن ما نشرته صحيفة هارتس يصدم العقل، إذ قالت الصحيفة أن قوات الأمن الأردنية أخلت مجموعة من الصهاينة من فندق راديسون في عمان قبل ساعات من التفجيرات بعد تحذير أمنى وان قوات صهيونية رافقت الإسرائيليين الذين أخلوا خلال إعادتهم إلى الكيان الصهيوني.كما يجد أن لا أحد من الصهاينة لا في شرم الشيخ ولا في عمان قد أصيب بما يطرح تساؤلات خطيرة حول العملية الثانية في مصر(شرم الشيخ)وفى الأردن (تفجيرات عمان).<BR><BR><font color="#0000ff">الاستنتاج والارتباك:</font><BR>حادث عمان إذن، وبعد أن انقشع الغبار عنه، يصعب نسبته إلى القاعدة، بل هو يفتح الطريق إلى ضرورة الوعي في مثل تلك الأحداث والتدبر بشان كل منها على حدة، حتى لا يقوم الأعداء بارتكاب مجازر فنتصورها أعمال جهادية أو مقاومة، ولعل في واقعة اغتيال الحريري واحدة من أهم الدروس في هذا الشأن.<BR><br>