مؤتمر المصالحة العراقي بالقاهرة يرسخ هزيمة المحتل
22 شوال 1426

رغم الضجة التي صنعتها أجهزة الدعاية الغربية حول أهمية مؤتمر المصالحة العراقي في القاهرة والذي هو مجرد مؤتمر تحضيري للمؤتمر الأساسي للوفاق المفترض عقده في بغداد في فبراير المقبل 2006م ، فقد كشف المؤتمر الذي عقد بالقاهرة عن حقائق مغايرة تماما تشير بوضوح إلى ضعف قوات الاحتلال في العراق وبحثها عن أي طوق نجاه للخروج من مستنقع العراق الذي تتوقع الدوائر الأمريكية وصول عداد قتلي الجنود الأمريكان فيه مع حلول منتصف العام المقبل فقط إلى 3000 قتيل على الأقل (وفقا للأرقام الأمريكية الرسمية المعلنة).<BR>بعبارة أخري ، ورغم تخوف بعض القوي المناهضة للاحتلال من أن يكون مؤتمر القاهرة ورطة شاركت فيها ضغوط دول عربية وأجنبية بهدف إسباغ الشرعية علي الحكم العراقي وتوفير الأرض الصلبة تحت أقدام الاحتلال أمام المقاومة ، فقد جاء المؤتمر ليكشف عدة حقائق ولا ينتج عنه أي ضغوط على المقاومة ورافضي الاحتلال ، بل على العكس ساهم المؤتمر – بشهادة الأطراف العراقية لـ (المسلم) – في إحكام طوق الحصار على قوات الاحتلال <BR>وكي نتفهم أكثر حقيقة ما جرى ومغزاه نشير لما يلي :<BR>1- الخلافات داخل المؤتمر من البداية كانت تنصب حول قضايا "المقاومة" و"البعث" وجدولة انسحاب قوات "الاحتلال" الأمريكي، وانتهى الأمر – بعد رفض الجعفري والطالباني التنازل في هذه القضايا – إلى تنازل حكومة العراق الموالية للاحتلال عن القضايا الثلاثة لصالح القوي المناهضة للاحتلال ، حيث تم الاعتراف الرسمي بالمقاومة كحق مشروع (دون تسميتها بالعراقية مما أغضب هيئة علماء المسلمين) ، وتم النص علي جدولة انسحاب القوات الأجنبية مع ربطه بتشكيل الجيش العراقي ، وتراجع الجعفري عن قوله أن هناك خطا أحمر علي إشراك البعث قائلا أنه يقصد خط أحمر علي عودة البعث للحكم وليس المشاركة، ولهذا عقب الشيخ حارث سليمان الضاري رئيس هيئة العلماء بقوله: إن هذا كسب للقوي المناهضة للاحتلال !؟<BR>2- المكسب الأكبر الذي حققته المقاومة العراقية في المؤتمر أنها كانت الحاضر الغائب في المؤتمر ولم تفلح وسائل الإعلام العربية والعالمية في حجب التأثير الحاسم الذي مارسته المقاومة على مداولات "مؤتمر الوفاق الوطني" في القاهرة، حيث كانت حاضرة في كل شيء بداية من كلمات رؤساء الوفود حتى المؤتمرات الصحافية وصياغة صيغة البيان الختامي وغيره ، والأهم أن الحديث عنها رفع الكثير من الظلم عنها وبين التفرقة بينها وبين العمليات الأخرى الإرهابية التي تجري ضد المدنيين الأبرياء والتي كشف الشيخ جواد الخالصي (شيعي) أن بعضها يجري من قبل قوات الاحتلال نفسها وبعضها الآخر من عملاء أجانب لبث الفرقة، وشدد على أن : "العمليات التي تقوم بها قوى مجهولة ضد مساجد شيعية تقوم بها قوى موالية للاحتلال وهدفها تشويه المقاومة " ، وأن هذه العمليات الإرهابية المدبرة لا تمت للمقاومة العراقية الشجاعة ، وأن الكثير من التفجيرات والقتل الجماعي تقوم بها أحيانا قذائف قوات الاحتلال .<BR>3- أظهرت مناقشات المؤتمر أنه ليس صحيحاً أن العرب السنة في العراق هم فقط المعارضون للاحتلال وللدستور وللانتخابات في ظل الاحتلال ولكن هناك قوي أخري شيعية وكردية وتركمانية أبرزها (المؤتمر التأسيسي العراقي) الذي يضم قرابة 70 شخصية وقوي عراقية تناهض الاحتلال ، كان صوتها عالياً داخل المؤتمر في رفض الاحتلال ، فلأول مرة التقت أطياف العراق في مثل هذه المؤتمر وظهرت مواقف كل طرف بوضوح أكثر وكيف أن هناك العديد من القوى تعترض على وجود الاحتلال .<BR>4- نجحت القوى المناهضة للاحتلال في استخدام المؤتمر كمنبر لفضح ممارسات وتعذيب الاحتلال وميليشيات الحكومة العراقية للمدنيين الأبرياء وغالبيتهم من أهل السنة العرب (الخالصي قال: إن التعذيب يطال شيعة وأكراد وغيرهم) ، وفي هذا الصدد قدم الدكتور محمد بشار الفيضي (الناطق الرسمي باسم هيئة علماء المسلمين) تفاصيل عن "سياسة التمييز والتطهير الطائفيين بحق العراقيين التي تتبعها الحكومة الانتقالية الحالية ويساندها الاحتلال " في لقاءات المؤتمر الجانبية مع مسؤولي الجامعة العربية ومع باقي القوي العراقية منها 25 هجوماً على المدن العراقية بالسلاح الثقيل مشفوعاً بقصف الطائرات، وبعض هذه المدن تكرر عليها الاعتداء أكثر من مرة كالقائم مثلاً ، واتهم قوات حكومية مكونة من ألوية الكرار والعقرب والذئب والحسين بمداهمة مناطق من محافظة ديالي ، فضلاً عن حملات الاعتقالات على خلفية هوية المواطنين بالمئات .<BR>5- كان اللقاء الوحيد الذي عقد لأول مرة بين الشيخ الضاري وبين رئيس الحكومة الجعفري فرصة لكشف ممارسات الحكومة وعمليات التعذيب ضد العراقيين ، حيث واجهه الشيخ الضاري بعمليات القتل والتعذيب التي تجري في عهده في السجون العراقية وضرب له – كما روي الشيخ الضاري في لقاء خاص مع صحفيين مصريين شاركت فيه (المسلم) – أمثلة محددة علي عمليات قتل وتعذيب أخرها قضية سجن الجادرية, الذي وجدت فيه مسالخ بشرية لمعارضي الحكومة من القوي المناهضة للاحتلال .<BR>6- نجحت القوي المناهضة للاحتلال في كشف تهافت المبررات التي تطرحها الحكومة العراقية والتحالف الشيعي الكردي عن أن انسحاب قوات الاحتلال الآن سوف يؤدي للفوضى على عكس أطروحات الحكومة العراقية وأطرف عربية أخرى تؤيد بقاء الاحتلال مؤقتاً مثل ما طرحه وزير الخارجية المصري الذي أدلى بتصريحات يؤيد فيها وجهة نظر الحكومة العراقية القائلة إن بقاء قوات الاحتلال في العراق هام وضروري كي لا تقع فوضى وحرب أهلية في البلاد على غرار القرون الوسطي ! وفي هذا الصدد قال (الأمين العام لهيئة علماء المسلمين) حارث الضاري: إن الزعم بأن إنهاء الاحتلال سيؤدي إلى الفوضى هو "مجرد ذريعة يراد بها إطالة أمد واقع غير مشروع" واتهم الحكومة العراقية بأنها هي التي تطيل أمد الاحتلال بالقول بأن الفوضى ستعم العراق إذا انسحبت قوات الاحتلال منه، ودعا لوضع "جدول زمني لانسحاب الاحتلال الأجنبي من العراق ولو على دفعات في محددة بزمن على الأقل لإثبات حسن النوايا ، فيما قال عبد العزيز بلخادم: إن قضايا العراق لا يحلها إلا العراقيون في إشارة لرفض بقاء الاحتلال الأمريكي .أما (الأمين العام للجامعة العربية) عمرو موسى فقد حرص في افتتاح الاجتماع علي تأكيد أهمية سحب قوات الاحتلال بقوله : "إن الجيوش الأجنبية لن تحقق أمناً في العراق" ، وأن "العرب يشكلون شبكة الأمان للعراق" ، وشدد على "أن معاناة الشيعة في العراق وبقية الطوائف العرقية والمذهبية لم تكن أبداً في صالح السنة"، و"أن عراق اليوم يجب ألا يبقى أسيراً "لهذه الذكريات المرة" .<BR>7- مصادر عراقية أخري قالت لـ "المسلم": إنها لا تعول كثيراً على نتائج هذا المؤتمر خصوصاً في ظل عمليات الإقصاء ولغة الخطاب التي تحدثت بها الأطراف الحكومية التي ترفض الحوار مع خصومها رغم اعترافها بقوتهم ، وقالت: إن الأمر متوقف على نوايا الحكومة وما ستقوم به ، وأن قبولهم (الحكومة) بجدولة الانسحاب جاء تمشياً مع ضوء أخضر أمريكي؛ لأن القوات الأمريكية تستعد بالفعل للرحيل من العراق بدليل أن (وزيرة الخارجية الأميركية) كوندوليزا رايس أعلنت في حديث لشبكة التلفزيون الأميركية "فوكس نيوز عقب انتهاء قمة القاهرة مباشرة إن شروط خفض عدد الجنود الأميركيين المنتشرين في العراق يمكن أن تتوافر "في وقت قريب جداً" ، و" أن الرئيس الأميركي جورج بوش قال: "إنه عندما تصبح القوت العراقية جاهزة، سنفكر في خفض قواتنا" !! <BR><BR>الخلط بين المقاومة والإرهاب<BR><BR>أيضاً كان من مزايا المؤتمر إجلاء حقيقة المقاومة ، والتفريق بينها وبين عمليات الإرهاب والقتل التي تجري في العراق لمدنيين أبرياء في تفجيرات مشبوهة ، حيث كان الخلط بين المقاومة العراقية والإرهاب أحد الموضوعات التي أثارت خلافاً بين المتحدثين أمام المؤتمر وساهمت في تعكير الأجواء، ما دعا (الناطق الإعلامي لهيئة علماء المسلمين) الدكتور مثنى حارث الضاري للقول: إن مساواة المقاومة المشروعة بالإرهاب "يعكس نوايا غير طيبة ولا يمثل أساساً متيناً وصحياً لحوار عراقي حقيقي ".<BR>بل إن قادة القوى العراقية المناهضة للاحتلال كشفوا عن أن الكثير من عمليات قتل المدنيين والتفجيرات تجري بصورة مشبوهة ويقوم بها إما قوات الاحتلال بشكل مباشر أو من خلال عملاء لها (!) ، وفي هذا الصدد كشف الشيخ الخالصي عن أن بعض التفجيرات التي وقعت تبين أنها كانت نتيجة قذائف أمريكية أطلقت من مواقع معروفة لقوات الاحتلال ثم أشيع أنها من قبل المقاومة لتشويه صورتها ، أما الشيخ حارث الضاري فكشف أمرين : <BR>(الأول) : أن هناك أدلة تم الكشف عنها عرضاً تؤكد تورط عملاء أجانب لقوات الاحتلال في القيام بالتفجيرات وزرع المتفجرات ، وضرب مثالاً بأن الكشف عن سجن الجدارية الذي وجد به المئات يعذبون ويقتلون تم الكشف عنه صدفه عندما تم ضبط شخصين أمريكيين يقومان بزرع المتفجرات في أماكن معينة كي تنفجر في المدنيين الأبرياء وتم القبض عليهما وترحيلهما إلى هذا السجن باعتبارهما إرهابيين ، وعندما شاهد هذان الشخصان التعذيب اعترفا أنهما أمريكيان مع قوات الاحتلال ، وفي الوقت نفسه علمت قوات الاحتلال باعتقالهما، وقامت بمداهمة السجن لإخراجهما فتم الكشف عن فضيحة مركز التعذيب والقتل داخل السجن أيضاً ، وهو أمر سبق أن تكرر مع بريطانيين ضبطا يقومان بتفجيرات . <BR>(الثاني) : أن عدد من المعتقلين من العرب السنة الذين تم إطلاق سراحهم عقب مداهمة السجون العراقية قالوا: إن المئات يموتون داخل السجون منهم ، وأن قوات الحكومة العراقية تقوم بإلباسهم لباس الجنود العراقيين وإلقائهم في نهر دجلة أو على الحدود العراقية بحيث عندما يتم كشف الواقعة يقال: إنهم من قوات الحكومة الذين يقتلهم رجال المقاومة بلا رحمة !<BR><BR>خلاصة الأمر بالتالي – رغم أن هذا بات معلوماً - أن الولايات المتحدة تبحث منذ بعض الوقت عن استراتيجية خروج مشرفة من العراق خاصة بعدما فشلت في إدارة البلد علي الطريقة اليابانية والألمانية (عقب احتلالهما في الحرب العالمية) ، وبعدما تخطي عدد قتلاها حاجز الـ 2000 وفق بياناتها هي ، وبلغ العدد في النصف الأول من نوفمبر 2005 فقط 80 قتيلاً ، وهناك توقعات ترفع العدد إلي 3000 في منتصف العام المقبل ، وبعدما ظهرت فضيحة الكذب في العراق وبدأت المظاهرات تنشط للمطالبة بسحب القوات .. ولهذا السبب تم إعطاء الضوء الأخضر للحكومة العراقية لقبول المشاركة في قمة القاهرة والمصالحة ، وقبول مبدأ الاعتراف بالمقاومة تمهيداً للحوار معها ، فضلا عن القبول بمبدأ الانسحاب التدريجي لقوات الاحتلال .<BR>ولأن المقاومة والقوي المناهضة للاحتلال تدرك حالة الضعف الأمريكية هذه وتراهن علي الوقت لتحقيق المزيد من المكاسب علي الأرض ، فقد تعاملت مع المؤتمر بهدوء وقبلت بعض التنازلات الضرورية لإخراج المؤتمر بشكل معقول رغم عدم الرضاء عن بعض الصياغات أو الإضافات الأخيرة التي طلبتها الحكومة بعدما لاحظت أن الشكل النهائي للبيان الختامي ليس في صالحها .<BR>ومن ذلك وصف الشيخ حارث الضاري أمين عام هيئة علماء المسلمين (السنة) في العراق البيان الذي أصدره مؤتمر الوفاق التمهيدي الذي عقد بجامعة الدول العربية بأنه " لم يكن في مستوي تطلعاتنا ولكن نري فيه بداية لسوك طريق ينتهي بنا لتوافق حقيقي أو ما يؤدي لهذا التوافق " .<BR>فهل يرسخ ويترجم مؤتمر المصالحة العراقي هزيمة المحتل ، ويكون المقدمة لأول مسمار سياسي في نعش الاحتلال ؟!<BR><br>