هل فشلت مهمة مسؤولة تحسين صورة أمريكا في مصر والسعودية؟!
29 شعبان 1426

بانتهاء زيارة "كارين هيوز" Karen Hughes مبعوثة الرئيس الأمريكي بوش لتحسين صورة أمريكا إلى مصر والسعودية واستمالة أبناء وبنات العرب لحب العم سام (23-28 سبتمبر 2005)، يمكن القول إن الهدف الأساسي من الزيارة قد فشل بعدما أسمعها طلاب ومثقفو مصر ما تكره عن سياسة بوش العدوانية، وطالبوا بتغييرها لا تحسينها، وقالت فتيات السعودية لها: إنهن سعيدات بالتزامهن ولسن مضطهدات كما يزعم الإعلام الأمريكي، وإن الكيل طفح لديهن بسبب الحديث عنهن وكأنهن لا يتمتعن بأي حقوق بسبب عدم السماح لهن بقيادة السيارات وبالتصويت!؟<BR><BR>صحيح أن هيوز حققت هدفا آخر خفيا أعلنت عنه ضمنا في أحاديثها، وهو الحصول على صداقة أشخاص في كل من مصر والسعودية يمكنها الاتصال والتواصل معهم ضمن سياسة تحسين صورة أمريكا ربما لغسل أدمغتهم، فضلا عن هدف "الاستماع" الذي أعلنت عنه بوضوح منذ البداية لانطباعات العرب عن بلادها ربما تحسبا لفشل جولتها، إلا أن الملفت للانتباه أن لقاءات هيوز جرى ترتيبها أيضا بشكل مشبوه مع قطاعات من الطلاب والشباب العربي يمثلون الطبقات الغنية المتأثرة بالثقافة الغربية أسمعوها إطراءات عن نمط الحياة الأمريكية!<BR><BR>طلاب مصر: لماذا تتدخلون في شؤوننا؟!<BR>طلاب الثانوي المصريون الذين حصلوا علي منحة أمريكية للدراسة في الجامعة الأمريكية بالقاهرة -54 طالبا وطالبة – لم يمتدح أحد منهم السياسة الأمريكية أو هيوز أو زميلتها (نائبتها) المصرية الأصل دينا باول حبيب رغم محاولة الأخيرة خطب ودهن وتحسين صورة واشنطن بالقول: إنها تحب أكلات الملوخية وورق العنب المصرية (!)، وأسمعوها انتقادات حادة للسياسة الأمريكية تجاه فلسطين والعراق وإيران وأفغانستان تحديدا، فضلا عن السجل الأمريكي الأسود في تعذيب معتقلي جونتانامو وأبي غريب، ما اضطرها للدفاع عن سياسية الرئيس بوش وخلع قناع "تحسين" الصورة والانتقال إلى "الدفاع" عنها بقوة!<BR>فعندما سئلت عن غزو العراق وأسلحة الدمار الشامل التي لم يعثر عليها، رددت ما سبق أن قاله بوش بأن العالم أفضل بدون صدام حسين وأنهم يعملون على عودة العراق لوحدته ونشر الديمقراطية في أراضيه مرة أخرى.. وعندما سئلت عن الصراع العربي الإسرائيلي وما يجري من اعتداءات إسرائيلية اكتفت بالقول: "نريد أن يحصل الفلسطينيون على وظائف وفرص اقتصادية وتعليم ومستقبل مشرق"؟ <BR>وعندما سألتها طالبة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة عن سبب إصرار الولايات المتحدة الشديد على "التدخل" في شؤون الدول الأخرى، أظهرت هيوز أنها لا تفهم السؤال، وبررت سياسة بوش العدوانية بأن ما حدث من هجوم إرهابي على الولايات المتحدة في 11 سبتمبر أحدث صدمة كبيرة للشعب الأمريكي والإدارة الأمريكية و "جعل الجميع يشعر بأن أمريكا مهددة بشكل جدي ويجب عليهم اتخاذ خطوات حيال هذا الشأن"!<BR><BR>فتيات السعودية: من قال لكم: إننا لسن سعيدات؟!<BR>والأمر نفسه - نقد التدخلات الأمريكية في شؤون العرب والمسلمين - تكرر في السعودية.. حيث تم انتقاء لقاءات هيوز بدقة وعقدت في منازل بعض رجال الأعمال الليبراليين وحضرها بعض الفتيات اللاتي لا يلبسن العباءات ويتزين بالعطور والزينات، ويتحدثن الإنجليزية كنوع من التحضر، حتى أن الملحقة الثقافية الأمريكية -مسلمة- بدت أكثر تمسكاً منهن بالحجاب، ورغم ذلك، لم تسلم (مساعدة وزيرة الخارجية للشؤون العامة) هيوز من غضب طالبات من جامعة دار الحكمة الخاصة في جدة، اللواتي انتقدن "الصورة النمطية" التي يعممها الإعلام الأميركي "غير النزيهة" وتظهر بأن "المرأة العربية ليست سعيدة".<BR><BR>إذ أعلنت طالبات كن يرتدين العباءة السوداء أمام صحافيين أميركيين يرافقون هيوز أن الكيل طفح لديهن بسبب الحديث عنهن وكأنهن لا يتمتعن بأي حقوق بسبب عدم السماح لهن بقيادة السيارات وبالتصويت، وقالت إحدى الطالبات: "لماذا تعطي وسائل الإعلام الأميركية الانطباع بأن جميع المسلمين "إرهابيون". وقالت أخرى: "نحن سعيدات على عكس ما تنقله وسائل الإعلام الأميركية بأن المرأة العربية ليست سعيدة"، ما دفع صحيفة "نيويورك تايمز" لوصف اللقاء بأنه كان "غير متوقع"، ودفع هيوز نفسها للقول: " إن الطالبات أثرن دهشتها" وأنها تأثرت "بصراحتهن وذكائهن" وبشعورهن بأنهن "جزء من المجتمع السعودي حتى ولو لم يحظين بحق التصويت وقيادة السيارات!؟<BR><BR>وقد اختلف ما سمعته هيوز في لقاءاتها بطلاب وفتيات السعودية مع ما سمعته من ليبرالييها من الرجال والنساء مدمني الثقافة الأمريكية في لقاءات أخرى، تماما كما اختلف الوضع نسبيا في لقاءات هيوز مع طلاب مصر ثم مع بعض المثقفين الليبراليين الذين لم يتورع أحدهم – نجاد البرعي – عن الإشادة بسياسة أمريكا تجاه التواصل مع العرب ونشر الديمقراطية مؤكدا أن ما تفعله في العراق أو فلسطين لا يؤثر على تقدير البعض لهذه السياسات الديمقراطية!<BR>فقد سمعت هيوز من بعض الليبراليين السعوديين عبارات المجاملة، والمطالب "الإصلاحية" التي تطالب بها بعض النساء مثل قيادات السيارات والتصويت في الانتخابات، وسمعت بعض أطروحات التي سبق ترديدها في جلسات الحوار الوطني السعودية السابقة، وعوضها هذا عن بعض ما سمعته من طالبات السعودية عن سعادتهن بالحجاب وعدم إلحاحهن علي قيادة السيارات. <BR><BR>وبشكل عام يمكن القول أن جولة هيوز انتهت بنهاية متوقعة للأمريكان تتلخص في انتقادات حادة وأسئلة محرجة من جانب طلاب ومثقفون للسياسية الأمريكية.<BR>وكشفت الزيارة ضمن ما كشفت ظهور نوع من التكالب من جانب أفراد يمثلون قوى سياسية واجتماعية ليبرالية مختلفة لحضور لقاءاتها حتى أن لقاءها في جدة مع بعض الشخصيات التي تم دعوتهم وعددهم 15 ارتفع إلى أكثر من الضعف، وتحول لاستعراض الافتتان بالثقافة الغربية، وإن لم يسلم الأمر في مصر مثلا من توجيه أعضاء في الحزب الوطني الحاكم – بسبب ضغوط أمريكا علي مصر – لنقد السياسة الأمريكية مثل قول الصحفية لميس الحديدي والدكتور محمد كمال (مسؤولي حملة الرئيس مبارك في انتخابات الرئاسة الأخيرة) لهيوز أنه لا يمكن الترويج للصورة بينما السياسات خطأ وغير قائمة، وقولهم: " إن هيوز حضرت فقط للاستماع وليس تغيير صورة بلادها أو تحسينها".<BR><BR>والحقيقة أن النقد الذي تلقته هيوز في مصر كان واضحا بما في ذلك لقاءاتها مع رموز دينية مسلمة ومسيحية، إذ انتقد شيخ الأزهر ضمنا السياسة الأمريكية عندما نفي ما ينسب للأزهر ومناهجه في الإدارة الأمريكية بأنها تحض علي التطرف، كما رفض إعطاء هيوز فتوى جديدة ضد المقاومة العراقية كما سبق أن فعل في بعض تصريحات سابقة عقب قتل السفير المصري في بغداد، واكتفى بدعوة العراقيين للتوحد والتكاتف ونبذ الخلافات.<BR>وعندما طلبت المسئولة الأمريكية من شيخ الأزهر الحد من بناء معاهد أزهرية جديدة وضرورة تنقية كتب ومناهج الأزهر بزعم وجود موضوعات دخلها تحث علي العداء لليهود والغرب - حسبما أفادت صحيفة (المصريون) - رد الدكتور طنطاوي على ذلك قائلاً: " إن الأزهر يدرس الوسطية والاعتدال والتعليم الأزهري نابع من شريعة الإسلام السمحة التي تدعو إلى نبذ العنف ورفض التطرف".<BR><BR>أيضا انتقد البابا شنودة بابا أقباط مصر ضمنا السياسة الأمريكية المزدوجة المعايير عندما قال: "أبلغنا المسؤولة الأمريكية بأن تحسين الصورة ينبغي أن يتم على أسس سليمة.. هذه الأسس تتضمن تحسين العلاقات الخارجية مع الشعوب العربية، ودعم تحقيق العدل والسلام في فلسطين والانسحاب من العراق.. تحسين صورة أمريكا لن تتحقق إلا بهذه الأسس ".<BR>بل إنه رغم المدح الأمريكي المقصود للانتخابات الرئاسية المصرية كنوع من تيسير مهمة هيوز، وقولها: إنها لا تعتزم مقابلة زعماء جماعة الإخوان المسلمين لإرضاء الحكومة المصرية التي لا تعترف بالجماعة، فقد لوحظ أن لقاء هيوز الرسمي الوحيد كان غريبا وغير معتاد، إذ تأخر رئيس الوزراء المصري نصف ساعة كاملة عن اللقاء مما أربك أجندة هيوز التالية، وقيل: إن رئيس الوزراء كان منهمكا في حديث مع الرئيس المصري، بيد أن "لطع" مساعدة وزيرة الخارجية الأمريكية مدة نصف ساعة على غير المعتاد اعتبرته أوساط سياسية مصرية ملفت للنظر وربما يعكس حالة غضب مصرية من المواقف الأمريكية الأخيرة تجاه انتخابات مصر.<BR><BR>وكان من الملفت أيضا أن صحف رسمية – مثل صحيفة "الجمهورية" المصرية المملوكة للدولة – شاركت في حملة الهجوم علي السياسية الأمريكية وعلى جولة مسؤولة تحسين صورة أمريكا في المنطقة، ما عكس وجود تحفظات مصرية رسمية على السياسة الأمريكية، حيث أكد محمد علي إبراهيم (رئيس تحرير الصحفية) في مقالة اليومي (26 سبتمبر 2005م) أن: "الفشل سيكون مآل مهمة تقوم بها مبعوثة أمريكية في الشرق الأوسط ما لم يكن بمقدورها التعهد بإحداث تغييرات في السياسة الأمريكية في المنطقة "!.<BR>وقال إبراهيم فيما اعتبر نقدا واضحا لرد الفعل الأمريكي "المتفهم" للضربات الصاروخية الإسرائيلية لغزة: "إن المسؤولين المصريين الذين سيقابلون كارين هيوز وكيلة وزارة الخارجية الأمريكية يجب أن ينصحوا الولايات المتحدة بالانسحاب من العراق والضغط على (إسرائيل) لتنسحب من كل الضفة الغربية بعد أن تركت قطاع غزة.. وأن ينصحوا واشنطن أن تسارع بتنفيذ خريطة الطريق وعدم التركيز على الانسحاب الإسرائيلي من غزة باعتباره أعظم فتوحات السلام؛ لأن هناك أجزاء كثيرة من فلسطين المحتلة مازالت تنتظر جلاء المحتلين عنها، فمكافأة (إسرائيل) في هذا التوقيت بالذات تعد أكبر انتكاسة لعملية السلام".<BR>وأضاف: "إننا في مصر أو في أي مكان آخر لا نحتاج إلى حملة علاقات عامة كالتي تديرها أمريكا.. والمصريون أو السعوديون أو الأتراك لن يحبوا أمريكا فجأة؛ لأنها أقامت محطة تلفزيون أو إذاعة (راديو سوا وتليفزيون الحرة) ولكن ربما تتغير المشاعر إذا ما غيرت أمريكا طريقة تعاملها بالكامل "!.<BR><BR>والأكثر إثارة أن لقاء هيوز الأخير مع حشد من الحقوقيين والمثقفين المصريين حظي بدوره بنقد حاد للسياسات الأمريكية مع التركيز علي نقد الخروج الأمريكي علي الأعراف والقوانين الدولية، والانتهاكات في أبي غريب وجوانتانامو ومساندة البربرية الإسرائيلية في فلسطين، باعتبار أن هذه الأمور من أكثر ما يثير العداء العربي والإسلامي لأمريكا، ما استدعي رد هيوز.<BR>فردًّا على سؤال عن انتهاك الولايات المتحدة الأمريكية لحقوق الإنسان في معتقلي "أبو غريب" بالعراق و"جوانتانامو" بكوبا، رغم تشدقها بأنها تدافع عنها، أقرت كارين هيوز أن "ما حدث في أبي غريب كان رهيبا، والأمريكيون أصابهم الاشمئزاز منه.. فالسجناء يجب أن يعاملوا بإنسانية"، ودافعت بأن من قاموا بهذا قلة مرفوضة من الشعب الأمريكي قائلة: "إنه أجريت تحقيقات، ووجهت اتهامات إلى المسؤولين عن سجن أبي غريب، وصلت في بعض الأحيان إلى إدانتهم... الديمقراطية لا تعني الجريمة، وما حدث في أبي غريب كان جريمة، وذلك لا يمثل الأمريكيين".<BR><BR>أما عن جوانتانامو فقالت: "السجناء يتم معاملتهم معاملة حسنة في جوانتانامو.. ويتم رفع الأذان والسماح لهم بالصلاة وقراءة القرآن، كما يتم حاليا وجود وفود تابعة للمنظمة الدولية للصليب الأحمر على مدار الساعة للوقوف على أوضاعهم"!!<BR>ومع هذا بررت الانتهاكات ضد المعتقلين في السجون الأمريكية بالقول: إن "أفغانستان لم توقع على اتفاقية جنيف لحماية حقوق الأسرى ثم إن المحتجزين في هذه المعتقلات يختلفون عن غيرهم من المعتقلين، حيث إنهم مجموعة من الأفراد ولديهم رغبة قوية في القتل لمجرد القتل "!؟.<BR><BR>خلاصة الأمر أن كارين هيوز فشلت في تحسين صورة بلادها، أو هي أصيبت بإحباط من ردود الأفعال الناقدة لسياسة بلادها، ومن الواضح أن الرسالة التي وصلت لمسئولتين سابقتين من مسؤولي نفس إدارة تحسين صورة أمريكا في وزارة الخارجية الأمريكية، وهما "شارلوت بيرز" و"مارجريت تاتوايلر" – عن صعوبة تحسين صورة أمريكا بسبب سياسة بلادها العدائية ضد العرب والمسلمين، قد وصلت أيضا لهيوز.<BR>فهل تستقيل هيوز كما فعلت سابقتاها، أم تستمر في الاستماع والاستماع دون نصح إدارة الرئيس بوش بتغيير سياسته كي يصبح من السهل تحسين صورة أمريكا كلها أمام العالم؟!.<BR><BR>الظاهر أن هيوز تعد خططا مختلفة عن سابقيها في هذا المنصب تعتمد – وفق ما قالت في خطاب تعيينها في الكونجرس – على فكرة استمالة الشباب والمثقفين والإعلاميين العرب ضمن ما يسمى برامج التبادل التعليمي والثقافي، بهدف أن يجذب المدرسين والصحفيين وقادة الشباب وكل من لهم القدرة على التأثير في دوائرهم المحيطة بهم، والقيام بتحسين عملية منح تأشيرات الدخول (الفيزا)، وإقناع الشباب أن أمريكا تريدهم أن يأتوا إليها ويدرسون بها.<BR>أما الهدف الأكبر فهو على ما يبدو غسيل أدمغة هؤلاء النخبة واستخدامهم حصان طرواده في تمهيد الطريق للغزو الثقافي الأمريكي الجديد الذي تأثر نسبيا بفعل الاعتداءات الأمريكية في أفغانستان والعراق وتشجيع الاحتلال الصهيوني في فلسطين.<BR><br>