تركيا والمسألة الكردية
5 شعبان 1426

من الملاحظ بأن الأعمال الدموية في تركيا تصاعدت مؤخراً بشكل مخيف لتحصد أرواح العديد من الجنود والمدنيين الأتراك.<BR>والسؤال الذي يطرح نفسه حالياً: "ما هي الأسباب التي دفعت بمنظمة حزب العمال الكردستانية إلى تصعيد عملياتها الدموية بشكل مفاجئ... ؟"<BR>قبل عام واحد فقط لم تكن الانتخابات العراقية قد أجريت بعد وأيضاً الولايات المتحدة لم تكن قد أجلست جلال الطالباني على كرسي الرئاسة العراقية، ولم يكن الشمال العراقي قد أعلن على أنه منطقة كردية، وأيضاً بنفس الشكل لم يكن مسعود بارزاني رئيساً للفيدرالية الكردية.<BR><BR>إن منظمة حزب العمال الكردستاني لم تكن تشعر بالأمان قبل أن تأذن الولايات المتحدة بحجة الاستقرار في العراق بمنح طالباني وبارزاني صفات رسمية في الدولة العراقية.. لكن اليوم يبدو أن هذه المنظمة بدأت تشعر بأمان غير مسبوق لدرجة أنها تستوطن في شمال العراق وتتسلل إلى تركيا براحتها وتفجر فيها العمليات الدموية.<BR>من هو يا ترى الذي أحاط هذه المنظمة بالأمن والأمان، هل هما الطالباني وبارزاني أم الولايات المتحدة؟!<BR><BR>كلنا نعلم بأن الولايات المتحدة الأمريكية تحاول زج تركيا في المستنقع العراقي بأي شكل من الأشكال، فهل هي تستخدم إرهاب هذه المنظمة الكردستانية لترويض تركيا وحشرها في الزاوية ودفعها إلى الحفرة الأمريكية في عراق جديد يقوم على نظام يخدم أمريكا وإسرائيل بشكل مطلق؟<BR>في هذا الإطار، يلخص رئيس الجمهورية التركية السابق هذا الوضع بقوله: "من المستحيل أن تتمكن تركيا اليوم من دخول العراق؛ لأن العصابات وزعمائها هناك.. يجب حل هذه المسألة بطريقة أخرى" وهو بذلك يوحي بكل أسف إلى أن تركيا محكومة للسياسة الأمريكية.<BR>(نائب وزير الخارجية الأمريكية) دان فريد أدلى بتصريح أكد فيها رفض بلاده المطلق لقيام تركيا بعمليات عسكرية ما وراء الحدود العراقية، ولقد قرأنا من بين سطور التصريحات بأنه يود القول: "أفضل شيء يمكن أن نفعله سوياً الآن هو أن نجعل من العراق دولة ناجحة عندها فقط يمكن تطهيره من العشائر والمنظمات الإرهابية".<BR><BR>فإذا كانت قراءتنا صحيحة فهذا يعني بأن الولايات المتحدة تستغل إرهاب المنظمة الكردستانية ضد تركيا للضغط عليها من أجل أن تأخذ مكانا أكثر فاعلية في عملية تأسيس الدولة العراقية.. من الواضح أن مجموعات المقاومة العراقية تعد أكبر مشكلة تواجه الولايات المتحدة في عملية بناء الدولة العراقية لهذا هي تريد أن تستغل تركيا في عملية كسر هذا التمرد العراقي. <BR><BR>وبينما نحن نتابع بقلق قراءة التطورات العراقية، خرج حزب تركي ليؤكد بأن الأكراد في جنوب شرق الأناضول بدؤوا بجمع توقيعات جماعية من أجل تشكيل فيدرالية كردية مستقلة داخل تركيا، وبأنهم يستعدون لإرسالها إلى البرلمان الأوروبي قبل الثالث من أكتوبر؛ موعد بدء مفاوضات العضوية الأوروبية الرسمية مع تركيا!! وهذا يعني بأن أوروبا ستفتتح المفاوضات مع تركيا بمسألة تشكيل دولة كردية مستقلة!!<BR> في الواقع ليس من محض الصدفة أبداً تزامن هذه التوقيعات من أجل فيدرالية كردية مع تصعيد العمليات الإرهابية الدموية مؤخراً، بل أعتقد بأنهم يستغلون المنظمة الإرهابية اقتناصاً لأي خطأ يرتكبه الجيش التركي. بمعنى أنه في حال ارتكب الجيش أي خطأ في مكافحته للمنظمة الكردستانية، فإن أمريكا ستستغله لضرب عصفورين بحجر واحد، أولاً: إحراج الجيش التركي، وثانياً: إحراج تركيا من خلال هذا الجيش أمام المجتمع الدولي، حيث إن الولايات المتحدة ستقود حملة دعائية ضخمة في العالم تحت اسم "الجيش التركي يعتدي على الحقوق والحريات الفردية للأكراد" وعند هذه النقطة بالذات فإنهم سيخرجون من جيوبهم التوقيعات الكردية لإحراج تركيا والضغط عليها بضرورة القبول بفيدرالية كردية منفصلة. <BR><BR>أي عملية عسكرية تركية وراء الحدود قد تؤدي لمواجهة مع الولايات المتحدة:<BR>التهديدات التركية بشأن شن عمليات عسكرية ما وراء الحدود تتصدر اهتمامات الدبلوماسيين الأجانب في تركيا حالياً.. إذ إن هذا الموضوع بدأ يؤخذ على محمل الجدية بعد تصريحات (رئيس الوزراء) رجب طيب إردوغان و(الرئيس الثاني للجيش) الجنرال ألكار باشبوغ التي أكدت هذا الاحتمال. من الطبيعي للغاية أن تكون كل من واشنطن ولندن من أكثر الدول المتابعة بجدية لهذا الموضوع بما أن قواتهما العسكرية متمركزة حالياً في العراق.. لكن هذا لا ينكر حقيقة اهتمام أوروبا بهذا الموضوع أيضاً خصوصاً أن قيام تركيا بمثل هذه العمليات قد يحرك اللوبي الكردي الواسع الانتشار في أوروبا.. عدا عن أن هذا التحرك الكردي سيكون سلاحاً مهما في يد الدول الأوروبية الرافضة لعضوية تركيا ويماثل بقوته السلاح الأرميني. <BR><BR>إذا أردنا اختصار الموقف، فإننا عندما نحاول قياس أبعاد شن عمليات عسكرية تركية في شمال العراق نرى بأنها لن تكون لها أي فائدة وذلك لسبب بسيط وهو أن أحداً لن يقبل بتوغل تركيا في شمال العراق لتحل مشكلتها ومن ثم تخرج منها آمنة مطمئنة كما كانت تفعل في عهد صدام حسين؛ لأن مثل هذا التوغل سوف يسفر عن نتائج في غاية الخطورة، أولاُ من الناحية الإقليمية، ثانياُ بالنسبة للعلاقات التركية الأمريكية التي تمر أصلاً في مرحلة حرجة، ثالثاُ أن مثل هذه الخطوة سوف تقوض جهود تركيا في أوروبا وتؤلبه عليها، وهكذا لن يشفع لتركيا استعانتها بمادة الأمم المتحدة المرقمة بـ51 التي تمنح الدول "حق الدفاع المشروع عن نفسها" ولن تستطيع بهذه المادة أن تتجنب تأليب المجتمع الدولي ضدها.. ما يعني باختصار أنه في حال أقدمت تركيا على مثل هذه الخطوة، فإنها ستجد العالم كله وقد وقف ضدها.<BR>إردوغان والمشكلة الكردية:<BR>اعترف (رئيس الوزراء التركي) رجب طيب إردوغان بوجود "مشكلة كردية" في البلاد، لكنه أكد بأن تركيا تملك الثقة بالنفس والجرأة الديمقراطية لمواجهة هذه الأزمة بقوة، فيما شدد على أن بلاده لن تسمح للإرهابيين باستغلال هذه الأزمة.<BR>وبينما اعترف إردوغان بأخطاء السياسة القديمة؛ تعهد بفتح صفحة جديدة أكثر ديمقراطية ورفاها مع الأكراد، في الوقت الذي شدد فيه على أن بلاده لن تقبل مطلقا باستغلال الإرهاب والعنف كحجة لحل الأزمات الاجتماعية. وبأنهم لن يتسامحون أبداً مع من يحاول خلق مناخ من العنف وقتل مواطنين أبرياء.<BR><BR>دعوة إردوغان هذه قوبلت بترحيب كبير من قبل معظم الأوساط، فللمرة الأولى يعترف مسئول تركي رفيع بوجود مشكلة كردية في البلاد. وإذا ما ترجمت هذه التصريحات على أرض الواقع؛ فستحمل الأمل لإنهاء قضية عمرها ثمانون عاماً.<BR>ويؤكد المحللون بأن أكراد تركيا استغلوا الورقة الأوروبية ونجحوا في وضع أنقرة بموقف لا تحسد عليه أمام الاتحاد الأوروبي، الذي تتطلع لعضويته منذ عقود، ويجابه طلبها كل مرة بمطالب الإصلاح الاقتصادي والسياسي، مما يلزمها بالقبول، أما إذا رفضت فذلك سيعني إغلاق ملف عضويتها تماماً في الاتحاد الأوربي.<BR><BR>.يبقى القول بأن هناك حاجة ملحة لكي تقيم تركيا هذه المنظمة الكردستانية الإرهابية من منظور جديد؛ لأنها ليست تلك التي كانت تحاربها بأساليب تقليدية طيلة الأعوام الـ15 الماضية، بل هي أمام منظمة جديدة. كما وكأن هناك دولة خفية تشن حرباً علينا من خلال تدريب الإرهابيين وتزويدهم بكل الدعم اللازم.. أي أنها تحارب تركيا من خلال هذه المنظمة.<BR><br>