ماذا يعني انتخاب ( نجاد ) ؟
20 جمادى الأول 1426

قلنا في مقال سابق: إن شعوب المنطقة قد وعت رشدها وضاقت ذرعاً باضطهاد الأنظمة الفاسدة ، وقد أثبتت المرحلة الثانية من الانتخابات الإيرانية صحة هذا الرأي ، فـ(الرئيس الإيراني الأسبق) رفسنجاني يتمتع بتأييد أغلب المحافظين والإصلاحيين على حدٍ سواء، وكان أغلب المراقبين يعتقدون أن نتيجة الانتخابات محسومة سلفاً لمصلحته وأن ما يجري ما هو إلا تحصيل حاصل ، ولكن وخلافاً لهذه التوقعات تخرج الجماهير المسحوقة التي لم يعتد القائمون على النظام خروجها من قبل .<BR><BR>فهذه الجماهير كانت مكبوتة نتيجة للقمع الذي تمارسه الأنظمة ضدها والفقر الذي جعلها لا تفكر إلا في الحصول على لقمة العيش، وعندما طفح الكيل ويئست من حلّ مشاكلها نزلت إلى الشارع وأعطت صوتها للرجل الذي تعتقد أنه يستطيع علاج بعض هذه الأمراض الاجتماعية المستعصية ، فلم يكن في برنامج نجاد الانتخابي تلك الوعود البرّاقة بحل جميع مشاكل الإيرانيين كتلك التي أطلقها خصمه (الرئيس الأسبق) رفسنجاني . <BR><BR>ولم ينتخبه الإيرانيون نكاية بأمريكا كما يعتقد البعض، فالسياسة الخارجية الإيرانية تدار من قبل مجلس الأمن القومي الذي يرأسه (المرشد الأعلى للثورة الإيرانية) علي خامئني، ورئيس الجمهورية ما هو إلا عضو واحد من أعضاء المجلس، وكــذلك الملــف النــووي لمن يعتقد أن لهذا الملف تأثير على مجرى الانتخابات، فالحكومة الإيرانية أبعد ما تكون عن المفاوضات التي تجري مع الغرب حول مفاعلات إيران النووية، فهذه المفاوضات يشرف عليها مجموعة من الخبراء برئاسة السيد / حسن روحاني (أمين مجلس الأمن القومي)، ولن تتأثر بانتخاب هذا الشخص أو ذاك. <BR><BR>وإنما أعطى الإيرانيون أصواتهم لأحمدي نجاد بالدرجة الأولى لقربه الفطري من الطبقات الكادحة، فقد عرف الإيرانيون عنه عندما كان عمدة لطهران بساطته ومشاركته جماهير الأمة همومها الاجتماعية والمعيشية، بالإضافة إلى نظافة يده، فلم يسجّل عليه خلال مدة عمله أنه استغل منصبه لتحقيق منفعة ما له أو لأحد أفراد عائلته كما يفعل غيره، فالذين أقبلوا على صناديق الاقتراع بشكل فاق توقعات المنظمين لها مما أضطر وزارة الداخلية لتمديد وقتها ساعتين إضافيتين، هم الشباب العاطلين عن العمل الذين لم توفر لهم الأنظمة السابقة فرص عمل بما فيها نظام رفسنجاني نفسه، وهم أيضاً الأسر الفقيرة التي اعتادت على كذب الوعود الانتخابية السابقة.<BR><BR> فالشعوب تهتم دائما بمشاكلها الداخلية أكثر مما تهتم بما يسمى السياسة الخارجية التي لا توفر عملاً للعاطلين ولا تسدّ رمقاً للجياع.<BR><BR> فعندما خرج بوش الأب مزهواً بالنصر الذي حققه بأحداث الكويت عام 1991م دخل الانتخابات الأمريكية معتقداً أن الأمريكيين سيكافئونه على هذا الإنجاز بانتخابه لولاية ثانية، ولكنهم خيبوا أمله وأعطوا أصــواتهم لمنافسه كلينتون الــذي يفتقر إلى الخبرة السياسية كما قال عنه في المناظرة التي جرت بينهما على هامش الانتخابات، فــقد قــال بوش لمنافسه في تعال واضح: "إنك لا تفهم في السياسة إلا أن كلبي يفهم بها"، ومع ذلك انتخب الأمريكيون كلينتون الذي رفع شعار الإصلاح الداخلي، وقال:" على الأمريكيين أن يلتفتوا لملاعق أطفالهم أولاً" . <BR><BR>الشعب الإيراني لا يختلف عن الشعوب الأخرى في التعبير عن أولويات اهتماماته إذا أتيحت له فرصة الاختيار، فالنفس البشرية مجبولة على تقديم المصالح الخاصة على ما سواها، وأعتقد أنه قد حان الوقت الذي يجب فيه على الأنظمة أن تهتم بالإصلاحات الداخلية بدلاً من رفع الشعارات الجوفاء التي لا تسمن ولا تغني من جوع، فسنة التبديل قادمة لا محالة فهل يعي هؤلاء ذلك قبل فوات الأوان؟<BR><br>