لماذا لا تريد المعارضة اللبنانية تشكيل حكومة وطنية؟!
1 ربيع الأول 1426

نسعى في هذا المقال إلى رصد الاستراتيجيّة التي تتّبعها ما تسمّى بقوى المعارضة اللبنانيّة، والتي برزت بشكل لافت كتكتّل كبير بعد عملية اغتيال الحريري في صراعها مع ما يسمّى أيضاً قوى الموالاة، و نودّ أن نوضّح في البداية إلى أنّ حديثنا عن المعارضة و تحليل تحرّكاتها لا يعني أنّنا إلى صف الموالاة، و نذكّر بهذا كي لا يصطاد غيرنا في الماء العكر، خاصّة أننا شهدنا في مراحل عديدة مثل ذلك، فقد تمّ اتّهام الشباب الذي ذهب للدفاع عن العراق إبّان الاحتلال الأمريكي بأنه يدافع عن صدّام، فهل كان ذلك صحيحاً؟!<BR><BR>من هذا المنطلق نحاول أن نعرف لماذا ترفض المعارضة الحوار و المشاركة في حكومة وطنيّة؟ و لماذا تصرّ على التصعيد؟ و ما هو سر الجولات المكّوكيّة لأعضائها إلى أمريكا و فرنسا؟ و ما هو توجّهها من حزب الله ؟ و هل إثارة الفوضى و الفراغ الدستوري هو من نتائج تحرّك هذه المعارضة و هدف لها أم لا؟<BR><BR>في نظرة شموليّة للموضوع نرى أن قوى المعارضة اتّخذت منحاً تصعيديّاً في ظل استراتيجية الهروب إلى الأمام، ونجحت في أن تظهر نفسها للعلن و للعامة على أنّها تكتّل واحد بمطالب واحدة و بهدف واحد، و تقوم استراتيجيّة الهروب إلى الأمام على التصعيد المتواصل مع الضغط الشديد من جميع الجهات لإرباك الخصم و دفعه إلى الانهيار، بحيث إنّ الخصم مهما اجتهد لمواجهة ذلك سيبقى مقصّراً بخطوة، و ستفسّر جميع مواقفه على أنّها إشارة إلى يأسه و استسلامه للوضع، و نجحت المعارضة في خطّتها إلى الآن، والتي بدت مدروسة بعناية و ليست وليدة اللحظة و ليست آنيّة و لا يمكنها أن تكون أصلاً كذلك، و أكثر ما لفت الانتباه في هذا المجال الحملة الإعلاميّة (التلفزيونيّة و الصحفيّة) المكثّفة و الضاغطة على الرموز التي تريد أن تنال منها، إضافة إلى مصدر الجانب المادي المالي في تمويل التظاهرات اليوميّة و رحلات السفر الخارجيّة و التحضير للأهداف المستقبليّة. <BR> <BR>و كما توقّعنا في مقالاتنا السابقة، فالمعارضة استمرّت في التصعيد و لم تكتفي باستقالة الحكومة، و طالبت بالمزيد فهي تحاول دائماً التفتيش عن جهة توجّه إليها انتقاداتها الدائمة و جميع سلبيات المرحلة لكي تحافظ على وحدتها و تجذب أكبر قدر ممكن من المؤيّدين لها، فهي استغلّت شعار (معرفة الحقيقة)؛ لأنّها تعلم أنّ كشف الحقيقة سيطول سواء كان التحقيق محليّاً أم دولياً، و بالتالي فطوال هذه المدة ستكون هذه المعارضة قادرة على تجييش أتباعها و اجتذاب الناقمين على الوضع و الهجوم المتواصل على من تريد مستفيدة من الضغط الخارجي، وخاصّة أمريكا و فرنسا و القرار 1559 و تجيير كل ذلك في النهاية لمصالحها.<BR><BR>و إن كان ذلك مسموحاً في البداية ضمن إطار المناورات و المكاسب التي يسعى كل طرف إلى حصدها على حساب الطرف الآخر إلاّ أنّ أسلوب المعارضة أصبح غير منطقيّ و غير مبرّر، و مكشوفاً أيضاً، و هي تدفع البلاد إلى الانهيار لا محالة، فهي ترفض الاشتراك في حوار وطني و حكومة وطنيّة، و تصرّ على أسلوب المطالب و الشروط؛ لأنّها تعلم أنّها لا تمتلك أغلبيّة داخل البرلمان، و إن شكّلت حكومة وطنيّة و شاركت بها، فهذا يعني:<BR>أوّلاً: ستصبح مسؤولة مع شركائها الجدد عن ملف التحقيق في مقتل الحريري، و عن ملف الانتخابات، و عن ملف الأمن في البلاد بعد انسحاب السوريين الذي فاجأت سرعته الجميع و أربكتهم، وهذا يعني أنّها ستفقد ورقة المناورة بقضيّة اغتيال الحريري و لن يعود بإمكانها اللعب على أوتارها و اتّهام أي فريق تريده.<BR><BR>ثانياً: في حال المشاركة في حكومة وطنيّة، سيعد بعض أنصارها أنّها تنازلت و شاركت مع من تتّهمهم بقتل الحريري ممّا سيؤدّي إلى خسارتها لجزء من أنصارها، و بالتالي سيؤثّر ذلك على مستقبل أعضائها الانتخابي .<BR><BR>ثالثاً: إنّ الحوار أو المشاركة يعني أنّ المعارضة تعترف بقوّة الموالاة، في حين أنّ المعارضة تحاول أن تتعامل مع الموالاة بشكل مفرّق، وهي لا تريد الاعتراف إلاّ بقوّة "حزب الله" مرحلياً بطبيعة الحال.<BR><BR>لكل ذلك يتبيّن أنّ ورقة المؤسّسات الدستوريّة و الشرعيّة بالنسبة للمعارضة هي ورقة خاسرة أو هامش المناورة و المزايدة عندما تكون خارج إطار الدولة أكبر بكثير، أضف إلى هذا أنّ هناك خطّة يمكن معرفة ملامحها و تصبّ في التحليل القائل بأنّ المعارضة تسعى إلى ضرب مؤسّسات الدولة الشرعيّة، و جعلها تنهار من خلال فراغ دستوري أو خلل أمني كبير في البلاد، و الهدف من ذلك تفكيك حزب الله و الاستئثار بالسلطة، فالمعارضة أصبحت تعد حزب الله طرفاً داعماً لقوى الموالاة بعد أن فشلت في تحييده رغم سيل المدائح و الإطراء له و لقيادته، و بما أنّه لا يمكن النيل من حزب الله عبر الحملات الإعلاميّة كما يحصل مع غيره، و بما أنّ أي تدخّل خارجي أمريكي أو أممي لضربه من أجل تفكيكه أو سحب سلاحه تطبيقاً للقرار 1559 سيوحّد الشعب المنقسم حوله و سيجهض تحرّكات المعارض، فإنّ أفضل طريقة لضرب حزب الله و تفكيكه هي بضرب الدولة بأجهزتها و مؤسّساتها، و قد يتساءل البعض ما علاقة هذا بذاك؟!<BR><BR>الحقيقة هو أنّ من حافظ على بقاء حزب الله و شرعيّته و سلاحه منذ اتّفاق الطائف و حتى الآن هو الدولة اللبنانيّة (بمؤسّساتها و أجهزتها) و برعاية سوريّة، فهناك معادلة و اتّفاقاً غير مكتوب بين الدولة و حزب الله تنصّ على توزيع الأدوار بين الطرفين، و ضرب الدولة و إسقاط رموزها المتمثّلة برئاسة الجمهوريّة و الحكومة و البرلمان و الأجهزة يعني إنهاء هذه المعادلة و ضرب حزب الله بطريقة التفافيّة غاية في الذكاء، ممّا سيفقد حزب الله غطاءه الشرعي، و الذي حماه في المحافل الدوليّة و القانونية طيلة المدّة السابقة، و لهذا السبب بالذات يدافع حزب الله عن الدولة؛ لأنّه يعلم أنّ في انهيارها يكمن تفكيكه، و هذا ما يفسّر مطالب المعارضة بإسقاط الحكومة تارة و باستقالة الوزراء طوراً، و باستقالة رئيس الجمهورية مرّة ثم رؤساء الأجهزة الأمنيّة مرّة أخرى، وعدم اللجوء إلى البرلمان، و بالتالي تعطيل جميع قنوات الدولة الشرعيّة.<BR><BR>ولاحظنا في الآونة الأخيرة تزامن كل هذا مع جولات مكّوكيّة لأفراد المعارضة إلى بلدان القرار كان آخرها زيارة (البطريرك الماروني) صفير إلى الولايات المتّحدة و الأمم المتّحدة، حيث استقبل أفضل ممّا يستقبل رؤساء الدول، و تعود هذه الزيارات على الأرجح لضمان ألا تتخلّى عنهم هذه الدول في اللحظة الأخيرة لصالح صفقة سوريّة-أمريكيّة قد تلوح في الأفق، بالإضافة إلى التنسيق مع هذه الجهات باتّجاه خطّة التغيير في لبنان و على الأرجح طريقة التعامل مع حزب الله وإن لم يعلنوا ذلك على الملأ، و تلقّت المعارضة التعليمات بضرورة أن تظهر بشكل موحّد للعلن، فالجميع يعرف أنّ المعارضة معارضات، وكل طرف لديه مطالبه و أجندته، فتيّار المستقبل التابع للحريري يريد أن يعرف من قتل الحريري و سقفه الطائف، و تيّار عون يريد عودة عون و سقفه القرار 1559 و أتباع جعجع يريدون خروجه من السجن و سقفهم أيضاً القرار 1559 و تيّار جنبلاط و أعوانه له ثأر قديم مع الأجهزة و خاصّة رئيس الحرس الجمهوري (الدرزي أيضاً)، و يطالب باستقالة رئيس الجمهورية منذ البداية و سقفه متذبذب، و كلّهم اجتمعوا عند مقتل الحريري.<BR>هذا و يتبيّن يوماً بعد يوم و من خلال التحليل أنّ أمريكا كانت وراء مقتل الحريري و طبعاً عبر أدواتها في لبنان، و هناك عدّة إشارات يمكن قراءتها من خلال الأحداث التي تلت مقتل الحريري:<BR>أولا: الانقسام الحاد بين اللبنانيين، والذي ما كان ليحصل لولا موت الحريري، و هذا الانقسام بطبيعة الحال يخدم من كان يحاول إيجاد جبهة معارضة موحّدة قادرة على الإطاحة بمن في الحكم و إخراج سوريا باسم اللبنانيين.<BR><BR>ثانيا: تبيّن أن من قدّم القرار 1559 و حضّره و نفّذه هم أطراف مسيحيّة (اللوبي المسيحي اللبناني في أمريكا) موالية لبعض الجهات في المعارضة اللبنانيّ، و هذا ينفي الدعاية القائلة: إنّ الحريري كان وراء استصدار القرار 1559 من أجل استثارة سوريا ضدّه وافتعال الخلاف الحاد بينهم، كما بيّن أنّ القرار 1559 لم يأت نتيجة قرار التمديد للرئيس لحّود كما يقول أفراد المعارضة، فالقرار أعدّ قبل ذلك بكثير (راجع مقال اللوبي اللبناني المسيحي في أمريكا) .<BR>ثالثاً: تدهور العلاقات اللبنانيّة – السورية، و اللبنانيّة- الفرنسيّة، و التي لو كان الحريري موجوداً لما ظهرت بهذا الشكل، و لما بدت على الساحة كما هي عليه الآن.<BR><BR>رابعاً: و الأهم من كل ذلك: اعتبار حزب الله قبل عدّة أيام فقط منظّمة إرهابيّة في قرار استشاري للبرلمان الأوروبي، ممّا يبيّن أنّ دبلوماسيّة الحريري استطاعت منع إدراج حزب الله على قوائم الإرهاب الأوروبيّة، و بالتالي تعطيل جزء من القرار 1559 و من النوايا الأمريكيّة و اللبنانيّة التي تتوافق معها، و التي لها اتّصالات ببعض أطراف المعارضة الحاليّة، فكان الحريري بمثابة عقبة كبرى بما لديه من ثقل دولي و اتّصال مع كافّة الأطراف أمام المشروع الأمريكي في المنطقة فتخلّصت منه.<BR>نجمل القول بأنّ لبنان في مرحلة خطيرة جدّاً ما لم يعقل الجميع خطابه، و يلجأ الجميع إلى انتخابات نزيهة تعطي للمنتصر الحق في إدارة دفّة البلاد، و الوصول به إلى بر الأمان.<BR><br>