"تسويق" شارون عربيا بعد شرم الشيخ!!
24 محرم 1426

مثلما نجح الدور المصري في إسباغ نوع من الشرعية على التدخل الأمريكي في حرب الخليج الثانية 1991م، وتلقى مكافأة أمريكية في صورة إلغاء نصف ديون مصر تقريباً، يبدو أن الحكومة المصرية سعت – مع كثافة الضغوط الأمريكية - للعب دور مماثل علي صعيد الصراع الفلسطيني /الصهيوني عبر دعوة شارون لزيارة مصر للمرة الأولى ورعاية هدنة جديدة بين الطرفين على أمل أن تجني من وراءها تخفيف الضغوط الأمريكية على الأوضاع الداخلية.<BR><BR>ولأن الدور الأول الذي لعبته مصر في أزمة الخليج نتيجة خطأ القيادة العراقية بالتورط في احتلال الكويت، ونتج عنه استقدام القوات الأمريكية للمنطقة كانت له "أعراض جانبية" خطيرة تمثلت في إعطاء الأمريكان فرصة عمرهم لوضع أقدامهم في منطقة الخليج للسيطرة على ثرواتها، فقد كان لقمة شرم الشيخ التي حضرها شارون آثار أخرى جانبية خطيرة، منها: <BR>1- تضييق الخناق على قوى المقاومة الفلسطينية للقبول بهدنة شبة دائمة ينتظر أن يجري التوقيع عليها وتدشينها رسمياً برعاية مصر في القاهرة خلال جلسات الحوار الفلسطيني الجديدة التي تبدأ 15 مارس 2005م.<BR><BR>2- لمعان نجم القيادات الأمنية والسياسية الفلسطينية المعادية للمقاومة والمتعاونة مع الصهاينة وعودتهم إلى الأضواء للعب أدواراً خطيرة في خدمة الاحتلال على حساب المقاومة بدعوى الحفاظ علي الاستقرار، رغم أن الصهاينة بدؤوا استغلال هذا الاستقرار بتكثيف بناء المستوطنات في الضفة الغربية لخلق وضع نهائي هناك لا يسمح بإعادتها للفلسطينيين.<BR><BR>3- عودة سفيري مصر والأردن لتل أبيب وعودة التنسيق والمشاريع الاقتصادية (الكويز)، وتوقع مد الصهاينة بصفقة غاز طبيعي مصر بقيمة 2,5 مليار دولار على مدى 15 عاماً عبر مد خط أنابيب الغاز المصري، وكأن شيئاً لم يحدث.<BR><BR>4- أما الأمر الأخطر فقد تمثل في تسويق شارون عربياً.. وظهر هذا في صورة عدة تصريحات استفزازية لوزير الخارجية الصهيوني تحدث فيها عن استعداد عشرة دول عربية لإقامة علاقات مع الصهاينة وفتح مكاتب دبلوماسية، ثم توجهت عملية التسويق بدعوة الرئيس التونسي لشارون شخصياً لحضور قمة تكنولوجية في تونس في نوفمبر القادم 2005م، وتخللها قيام ثري إمارتي بإجراء اتصالات مع عراب فكرة "الشرق أوسطية" شيمون بيريز لشراء منازل المستوطنين في غزة بدل هدمها.. رغم أن شراءها يخلق سابقة خطيرة، ويشكل مكسب للصهاينة ومكافأة لهم على استيطان الأرض الفلسطينية.<BR><BR>بعبارة أخرى سعت القاهرة تحت وطأة الضغوط الأمريكية المطالبة بالديمقراطية والإصلاح السياسي للتخفف من هذه الضغوط داخلياً وتأجيلها في عام الحسم الانتخابي في مصر (2005م) عبر التحرك في الملف الفلسطيني الخارجي تحت شعار "الحفاظ على دور مصر الإقليمي" والسعي لتحقيق تسوية سلمية وهدنة، بحيث تخف آثار الضغوط الخارجية على الوضع الداخلي ولا تؤثر على خطط التمديد لمدة رئاسة خامسة للرئيس حسني مبارك، ولا على انتخابات البرلمان القادم.<BR><BR>ولكن هذه الآثار الجانبية المتمثلة في تسويق شارون عربياً وإعادة فتح الباب أمام الصهاينة لغزو الدول والأسواق العربية سياسياً واقتصادياً شكلت ثمناً باهظاً ستدفعه الشعوب العربية، ولا عزاء ولا ثمن لدماء الشهداء أمثال الشيخ أحمد ياسين، والرنتيسي وغيرهم!!<BR><BR>أما التحسن الضخم الذي تم بشكل مفاجئ ومن دون مقدمات في العلاقات مع إسرائيل، وهدفت مصر من ورائه لتبليغ رسالة للولايات المتحدة مفادها أنها مازالت الرقم الصعب، وأنها تمتلك مفاتيح الاستقرار الإقليمي من خلال تسخين أو تبريد العلاقات مع إسرائيل في المنطقة، فقد جاء لصالح الصهاينة والأمريكان وليس العكس!<BR><BR><font color="#0000FF"> تلميع شارون في مصر! </font><BR>والأكثر غرابة أن بعض وسائل الإعلام المصرية الرسمية شرعت بدون تأخير في تلميع صورة شارون بعد أن كانت قبل أيام تنشر مقالات نارية ضده وتسخر منه بالكاريكاتير، والبعض تصور أن الأمر راجع لمخاوف مصر من قانون معادة السامية الذي سنته واشنطن لصالح تل أبيب ويرتب عقوبات علي من ينتقد إسرائيل، ولكن ما نشر خلال الأسبوع الماضي تجاوز هذا التصور لصالح فكرة التلميع، خصوصاً أن القاهرة احتجت رسمياً للخارجية الأمريكية على هذا القانون.<BR><BR>فلم يقتصر الأمر علي إجراء حوارات مع شارون – لأول مرة في الصحف المصرية – ولكنه تزامن مع انفتاح علي السفارة الإسرائيلية بالقاهرة التي كانت تعاني عزلة رهيبة علي مدار 27 عاماً، كما تزامن مع هجوم على سوريا وترديد الاتهامات الصهيونية لها بالوقوف وراء قتل (رئيس الوزراء اللبناني) الحريري، ووصل الأمر بعد إجراء صحيفة الأهرام الرسمية لحوار مع شارون لقول "روث لاند" وهي دبلوماسية إسرائيلية في القاهرة إن صحفاً مصرية وعربية أخرى "طلبت كذلك إجراء أحاديث مع شارون " واعتبرت أن: "هناك انفتاح أكبر من جانب بعض الأوساط في الإعلام المصري تجاه السفارة " رغم أن سفراء الدولة الصهيونية الثمانية الذين مكثوا في مصر منذ كامب ديفيد 1978م حتى الآن كانوا يشكون مر الشكوى من مقاطعة وحصار المصريين لهم بدرجة أوصلت بعض هؤلاء السفراء للمعاناة النفسية!؟<BR><BR>وبعد أن كانت صورة شارون معروفة بأنه سفاح وجزار، خرج شارون في الصحف المصرية ليخاطب رجل الشارع ويقول له: إنه رجل سلام، وإنه: "تم تصويري على أنني أريد الحروب والحقيقة غير ذلك"، والهدف الواضح من وراء التلميع هو التحضير للقاءات قمة مصرية وعربية أخرى مع شارون وتهيئة الرأي العام لقبول هذا والتشكيك بالتالي في الصورة التي رسمها له الإعلام العربي!<BR><BR>والسؤال هو لماذا تسارع الحكومات العربية من القاهرة إلى تونس لتسويق شارون عربياً وتلميع صورته والتبرع بغسل يديه من دماء آلاف الفلسطينيين الأبرياء؟ ولماذا يحدث هذا رغم أن شارون لم يقدم أي ثمن، بل وسارع لوقف كل "التحسن" الذي يتحدثون عنه وأعاد اعتقال وإغلاق المدن عقب عملية تل أبيب الاستشهادية؟<BR><BR>وماذا كسب الشعب الفلسطيني غير هدنة مؤقتة؟ وهل تم تعويضه عن آلاف القتلى والجرحى والأسرى الذي وقعوا بفعل العدوان الصهيوني؟ وهل يستحق الصهاينة كل هذا الكرم الذي أسبغه عليهم القادة العرب من تليمع صورة شارون وإظهاره كرجل إنساني، وإعادة العلاقات والسفراء معه ودعوته لزيارة البلاد العربية!؟<BR><br>