في مصر .. كيف تنصرت منتقبة ؟!
23 ذو القعدة 1425

دائماً يصبح التعرض للمشكلة وإماطة اللثام عن أبعادها وتحليلها بشكل علمي غير متشنج وسبر أغوارها بكل حيادية وطرحها بكل شفافية أقصر الطرق نحو الحل عوضاً عن اللجاج ودفن الرؤوس في الرمال وتزيين الوجوه بمساحيق زائفة. <BR><BR>وإن من المستقر لدى الجميع من المتدينين أن الواجب يقتضي العدل مع القريب كما هو مع البعيد ؛ بيد أن ما يستقر نظرياً تنأى به المماحلة أحياناً عن أن يتخذ بعداً عملياً حين يتعلق الأمر بطريقة البناء التربوي الداخلي التي تتبعها بعض الفئات حيال منتسبيها، ويستبد به الاعتذار إذا ما تعلق الأمر بأخطاء تستدعي نوعاً من جلد الذات. <BR><BR>زينب اسم إسلامي جميل يستشف منه أن هذه الأسرة أرادت لمولودتها الجديدة أن تستهدي بنور القرآن وتتلمس الأسوة من حياة الصحابية الجليلة زينب بنت جحش _رضي الله عنها وأرضاها_ ومن كزينب بنت جحش بن رئاب (زوج النبي صلى الله عليه وسلم) التي زوجها الله لنبيه من فوق سبع سماوات ".. فلما قضى زيد منها وطراً زوجناكها لكيلا يكون على المؤمنين حرج .." [الأحزاب:37] ، ومن كأمنا زينب التي قالت عنها أم المؤمنين عائشة _رضي الله عنها_ : "كانت زينب بنت جحش تساميني في المنزلة عند رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ ما رأيت امرأة خيراً من زينب أتقى لله، وأصدق حديثاً وأوصل للرحم، وأعظم صدقة رضي الله عنها" [صحيح مسلم] ، وإذ ودعت الدنيا قالت عنها عائشة _رضي الله عنها_ : "وكانت زينب امرأة صناع اليدين فكانت تدبغ وتخرز وتتصدق به في سبيل الله.. لقد ذهبت حميدة متعبدة مفزع اليتامى والأرامل" ..<BR> تلكم أمنا العظيمة التي حارت نساء النبي _صلى الله عليه وسلم_ حين قال لهن :"أسرعكن لحاقاً بي أطولكن يداً.." فكن إذ اجتمعن بعده يمددن أيديهن رجاء أن يدركن المقصودة، ولم تكن _رضي الله عنها_ أطولهن يداً في الجسم لكنها حين كانت أول اللاحقات به _صلى الله عليه وسلم_ أدركن أن طول اليد هو الصدقة والإنفاق في سبيل الله. <BR><BR>لكن زينب اليوم ليست كزينب الأمس .. نعم قد تكونان متشابهتين في المظهر لكن المخبر شتان .. فارق كبير بين أن تبني نفساً وتزرع يقيناً وتحصد إيماناً ؛ وأن تسدل ثوباً. <BR>"يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباساً يواري سوءاتكم وريشاً ولباس التقوى ذلك خير ذلك من آيات الله لعلهم يذّكرون" [الأعراف : 26] قال زيد بن علي والسدي وقتادة وابن جريج:"ولباس التقوى: الإيمان" [تفسير ابن كثير] قال عبد الرحمن بن أسلم:"يتقي الله فيواري عورته، فذاك لباس التقوى". <BR><BR>وقال القرطبي :"والمعنى : "ولباس التقوى" المشار إليه الذي علمتموه خير لكم من لباس الثياب التي تواري سوآتكم، ومن الرياش الذي أنزلنا إليكم ؛ فالبسوه". <BR><BR>وقال أحد الحكماء : <BR>إِذَا الْمَرْء لَمْ يَلْبَس ثِيَابًا مِنْ التُّقَى تَقَلَّبَ عُرْيَانًا وَإِنْ كَانَ كَاسِيًا<BR>وَخَيْرُ لِبَاسِ الْمَرْءِ طَاعَةُ رَبِّهِ وَلَا خَيْرَ فِيمَنْ كَانَ لِلَّهِ عَاصِيًا <BR><BR>ويقول صاحب الظلال :" فهناك تلازم بين شرع الله اللباس لستر العورات والزينة وبين التقوى كلاهما لباس، هذا يستر عورات القلب ويزينه، وذاك يستر عورات الجسم ويزينه، وهما متلازمان، فعن شعور التقوى لله والحياء منه ينبثق الشعور باستقباح عري الجسد والحياء منه، ومن لا يستحي من الله ولا يتقيه لا يهمه أن يتعرى وأن يدعو إلى العري . . العري من الحياء والتقوى، والعري من اللباس وكشف السوأة !"<BR>ومع هذا التلازم يبقى لباس التقوى "خير" ويبقى هو الأصل ، ومنه ينبثق الالتزام بفروع الدين، وتبقى مسألة اللباس الشرعي وغيرها تابعة له ونتيجة منطقية للإيمان، ومن هنا كانت زينب اليوم مختلفة تماماً عن زينب الأمس. <BR>زينب عصام مصطفى التي تقول رواية جريدة الأسبوع المصرية أنها قد تنصرت بعدما "سقطت ضحية لعملية تنصير دنيئة (أبطالها) مصريون من الخارج والداخل من خلال موقع على الإنترنت، لقد استطاعوا (إغراءها) بكل السبل .. الأموال التي وعدوها بها والمنحة الدراسية إلى كندا، والحب الكاذب وفي المقابل تم تنصيرها وارتدت عن دين الحق؛ دين الإسلام، هكذا جهاراً نهاراً" [رسالة والد الفتاة للرئيس المصري بالجريدة بتاريخ 20 ديسمبر] زينب وفقاً لهذه القصة، تلك الفتاة المنتقبة في بلد ليست فيه المنتقبات موضع ترحيب من الجهات الرسمية، وبعضهن يمنعن من دخول بعض الأماكن والفنادق والنوادي ؛ بل لا يسمح لأي مذيعة محجبة أن تظهر على شاشة التلفزة المحلية والرسمية، ويشهد ماسبيرو (مبني الإذاعة والتليفزيون) الرسمي وقناة الإسكندرية المحلية على ذلك (في الأخيرة فقط 5 مذيعات محجبات على الأقل منعن من أداء وظيفتهن بسبب ارتداء الحجاب). <BR><BR>وفي بلد كهذا يفترض أن يصبح اختيار الملابس بشكل يصادم التوجهات الرسمية ـ خلافاً لدول عربية أخرى يتفق فيها الشرع مع العرف السائد ـ نوعاً من التحدي المؤسس على أسس عقدية سليمة، وألا يتوقف عند هذا النمط من الملابس التزام المرأة بدينها، بل تكون هذه اللحظة التي تقرر فيها الفتاة ارتداء هذه الملابس لحظة عابرة في تاريخ تدينها لا أن يختزل الإيمان فيها. <BR><BR>ولعل ما دعاني للإلحاح على هذه المسلّمة في هذا الوقت بالذات ليس وجود حالة شاذة لفتاة كانت في النور فاستحبت الكفر على الإيمان، وأدرك نعم أن كثيراً من المؤمنات الملتزمات بالظاهر من الأعمال هن كذلك في بواطنهن، إلا أنني مع ذلك أدرك أن قطاعاً ليس هيناً من أخواتنا المحجبات، بل والمنتقبات في مصر أو في غيرها تتوقف بهن عجلة "الالتزام" عند ارتداء الملابس الشرعية أياً كانت حدودها طبقاً لأقوال أهل العلم المتقاربة، وتظن بعضهن أنهن قد حُزن مجامع الإيمان ساعتئذ، وما يدرين أن "لباس التقوى ذلك خير" وهو الإيمان .. هو طلب العلم في مظانه .. هو تنقية القلوب من العبودية لغير الله مهما كانت طرائقها وتشعباتها. <BR><BR>زينب ربما أغراها حب زائف .. ربما جرت وراء المال .. ربما ابتزها المغرضون بشيء تريد ستره عن الناس .. ربما كان الإيمان في قلبها ضعيفاً للحد الذي جعلها فريسة لشبهات المغرضين حول الإسلام .. ربما، وربما... ، لكن يبقى أن المرء لابد أن يقف عند قصتها ـ على شذوذها بين المتدينات لجهة الارتداد عن الدين بالتأكيد؛ لأن الكثيرات والكثيرين أيضاً يتراءى لهن ولهم أنهم قد حازوا أصول الدين إذ أقاموا فروعه وانتصروا على قرنائهم من شياطين الإنس والجن إذ تمسكوا بالظواهر .. وما دروا أنهم إذ ذاك وضعوا فقط أطراف أصابعهم على بداية الطريق الصحيح .. ذلك الطريق الذي يعلي فيه المرء من شأنه حين يتنسم أريج العقيدة الصحيحة، وحين يثني ركبته متعلماً لله، وحين يطهر قلبه من شواغل الدنيا ويأخذ بخطام شهواته إلى حظيرة التوبة ، وحين يلهج لسانه بذكر الله، وحين يقرأ القرآن فيجاوز ترقوته إلى قلبه، وحين لا يعاني انفصاماً في شخصيته ؛ بين الظاهر الطاهر والباطن البائر. <BR><BR>إن ما دعاني إلى التطرق لموضوع زينب ليس حالتها الفردية لفتاة كانت مسلمة ارتدت لِبساً وقوراً ثم نزعته مع الإيمان (إن صحت القصة)، وإنما لأن الأسباب التي جعلتها تقع فريسة هذه المؤامرة ليست حالة منفردة ، فالمناخ هو المناخ الذي يهيئ لبعض الفتيات أن الدين يمكن اختزاله ـ إلى جوار بعض الشعائر ـ في لِبسٍ يرتدينه أو شعارٍ يرفعنه فتسقط هذه في حبائل المتآمرين، وتسقط الأخرى صريعة الصرعات الوافدة، وتسقط ثالثة في التسمر أما أغاني الفيديو كليب، وتجعل رابعة من أذنها صندوق نفايات لكل ما يقال عن دورها "الحقيقي" في المجتمع.<BR><BR>لا أشك في أن كثيراً من المتدينات بخير ، كما لا أشك أن كثيراً منهن يضعن كل الأمور في أنصبتها الصحيحة ؛ غير أن هذا اليقين لا يحول بيني وبين أن أدعو لعدم دفن الرؤوس في الرمال ، والعمل على نقل الكثير من الفتيات المتدينات من حالة اللاوعي إلى حالة الوعي، ومن حالة التدين الظاهري إلى الظاهري/الباطني. <BR><BR>ولنتذكر دوماً أن زينب بنت جحش حالة مغايرة تماماً لزينب بنت عصام وإن تشابهتا في مظهرهما ، ولابد أن نشيع بين المسلمات هذه الفكرة حتى يستقيم لكل مسلمة تدينها ولا تغتر بعباءة أو خمار ضربته على رأسها فتظن أن إلى هنا المنتهى، وأن تستشعر حداثة تجربتها فلا تتوقف عند نقطة البداية وأن تحس دوماً بفقرها إلى الله _سبحانه_ وحاجتها إليه ليطهر لها قلبها ويرفع لها شأنها ويقيلها من عثراتها. <BR><BR><BR>وقبل أن نغلق هذا الملف يحدوني أمل أن ينتبه المسؤولون المصريون إلى خطورة هذا المسلك الذي تنحاه منظمة أقباط الولايات المتحدة وتعديها الخطوط الحمراء في اختطاف الفتيات المسلمات والزج بهن في أتون الردة، ويدركوا أن هذا التطرف الذي تتبدى ملامحه من منتدى المنظمة على شبكة الإنترنت والقضايا الحساسة والخطيرة التي يثيرها ويدعيها على المسلمين عموماً، وعلى الرئيس المصري شخصياً كذلك ؛ ستفتح أبواباً للشر مغلقة لن تمس المسلمين وحدهم في مصر، وإنما ستطول الجميع بلظاها. <BR><BR><BR><br>