الصحافة وصناعة الكراهية
10 جمادى الأول 1425

تؤدي الصحافة في هذا العصر دوراً حيوياً في صناعة التفكير لدى الناس؛ لسهولة اللغة وبساطة العرض الذي يكون في مقالاتها وتحقيقاتها.<BR>وأي صحافة في أي بلد يجب أن تكون ممثلة للشعب ، تنطق بمصالحه ، وتعالج مشكلاته ، وتناقش قضاياه بأمانة وإنصاف وموضوعية.<BR><BR>ولكن المشكلة الكبرى إذا سيطرت على الصحافة مجموعة معينة ذات فكر محدد لا يمثل الشعب ، ولا يهمه من القضايا إلا ما يخدم فكره ويوصل إلى أهدافه الخاصة .<BR><BR>وهذا بالتحديد ما تعاني منه الصحافة في السعودية ،فقد سيطر عليها تحت جنح الظلام (مجموعة فكرية) معينة تهمش قضايا البلد المصلحيّة، وتجعل من القضايا الجانبية، بل والضارة في كثير من الأحيان أموراً مهمة لا لشيء إلا لأنها تخدم أفكارهم الخاصة .<BR><BR>إن المتابع للشأن الصحفي يفجأه هذا التناقض المريع بين صحافة بلادنا وأساس الشرعيّة الذي قامت عليه الدولة .<BR>فالفكر الأساسي الذي قامت عليه الدولة هو الفكر الإسلامي السلفي، وهذا ما يردده حكامها في كل مناسبة ،وهو ما يعرفه من درس نشأة الدولة وأساس الشرعية فيها.<BR><BR>فهذه الدولة لم تقم على سواعد العلمانيين ،ولم توحّد على أساس ليبرالي مناف لكمال هذا الدين وشموله ولا يشكل هؤلاء أغلبية في بلادنا، بل هم أقلية محدودة تريد أن تنقل الناس إلى وضع معين مخالف لحقيقة الإسلام وروحه، والحقيقة التاريخية يعرفها كل أحد وهي أن أرومة هذه البلاد هو دينها الذي لا يمكن التنازل على تحت أي سبب كائناً ما كان .<BR><BR>ومع ذلك تطالعنا الصحافة هذه الأيام بسيل جارف من المقالات التي تصف بالإرهاب وتفريخه كل عمل دعوي إسلامي، مثل: المناهج الدينيّة ، وحلقات التحفيظ ، والجمعيات الخيرية ، والمخيمات الدعوية ، والتسجيلات الإسلامية، وغيرها من الأنشطة الدعوية المباركة التي تملأ البلاد طولاً وعرضاً .<BR><BR>إن تصوير هذه المشاريع العظيمة التي انتفع الناس منها بأنها تولد الإرهاب وتغيّب البسمة وتصادم التحديث إلى آخر الهذيان في صحافتنا هو صناعة للكراهية وترسيخ للعداوة وبذر للفرقة ، وإفساد للقلوب وتشويه للنوايا .<BR>لقد أزعجنا هؤلاء الكتاب في الكلام حول موضوع الولاء للمؤمنين البراء من الكافرين، وأنه يصنع الكراهية مع (الآخر) ، وصوروا أنفسهم أنهم صحاب القلوب النظيفة من الحقد والكراهية ، وأنها طاهرة من البغضاء والعداوة مع الآخر ، ولكن المقالات الأخيرة وضحّت أ ن مطالبتهم بنبذ الكراهية هي في مجال التعامل مع الكفّار والمنافقين ، أما في مجال التعامل مع الدعاة إلى الله _تعالى_ ، والمصلحين ، والمجاهدين ، فقد ظهر بعض ما تخفي صدورهم من الكراهية .<BR><BR>إنني لا ألوم هؤلاء الكتاب؛ لأن كل إناء بما فيه ينضح ، وهو فكر دخيل معروف لدينا من قديم ، ولكنني ألوم العلماء وطلاب العلم على سكوتهم وعدم الوقوف بحزم مع هذه النماذج المنحرفة .<BR>أعتقد أنه لابد من مطالبة الدولة- على أقل تقدير –بالسماح لصحف إسلامية مستقلة توضح الحق وتبين فساد الباطل من باب تكافؤ الفرص .<BR>أما أن يبقى هؤلاء المنحرفون يكتبون ما يحلو لهم ويصورون للناس الباطل في صورة الحق فهذا مالا يجوز السكوت عليه .<BR><BR>ولو أن الدولة أجرت تحقيقاً مستقلاً ومنصفاً في توجه الصحافة ومدى خدمة القضايا الوطنية لتوصلت إلى أن التحيز لفكر معين سمة بارزة في عامة الصحافة، سواء في المقالات أو المقابلات أو التحقيقات الصحفية ، بل حتى في صياغة الأخبار المحلية وطريقة عرض الصور ، ومتابعة الشؤون الثقافية والفكرية .<BR>ولعل مؤتمر الحوار الوطني شاهد عيان في هذا الصدد ، عندما همشت قضايا المرأة الحقيقية والمصلحية، مثل: العنوسة ، والفقر ، و التحرش الجنسي ، وغيرها ، وأبرزت أخبار هامشية وضعت في غير سياقها لإعطاء انطباع معين حول المشاركين والتوصيات التي شعروا أنها لا تخدم فكرهم الخاص بشكل كبير .<BR> <BR><BR>فالصحافة تسير في اتجاه مناقض للهيئات الشرعية والعلمية الأكاديمية ، بل تسعى لإقناع المواطن بأن علماء البلاد وطلبة العلم وأساتذة الجامعات من الإسلاميين متشددون لا يصلحون للفتوى والتوجيه .<BR><BR>ولا يجوز لمتحذلق أن يقول : إن هذا من حرية الرأي والتعبير؛ لأن حرية الرأي مضبوطة بعدم الطعن والذم لمشاريع الآخرين بغرض التشويه ، وهذه الحرية مضبوطة بعدم الدخول في القضايا الشرعية بدون علم ، وأيضاً مضبوطة بعدم وجود أجندة خاصة وتكتل لتحقيق هذه الأجندة ، وأيضاً لابد في حرية الرأي من تكافؤ الفرص بالسماح لطلاب العلم بصحافة حرة تبين الحقيقة، والصحافة تجاوزت كل الضوابط والحدود المعروفة ، نعم هي حرية لكنها لطرف واحد يريد تشويه مقومات البلد الأساسية، وهي: الدعوة، والقضاء، والإفتاء، ومؤسسات العلم الشرعي، وغيرها ، ويريد تطبيق قائمة من الأفكار والأوضاع الاجتماعية ولو بتمزيق وحدته وصنع الكراهية فيه .<BR><BR>إن السكوت عن العبث الفكري الصحفي مصيبة كبيرة؛ لأن المتابعين لها كثير وما تغرسه في الشعور الباطن في الناس يشكل خطورة متناهية، ومن أبرز ما تغرسه الصحافة في مشاعر الناس الكراهية والبغضاء للصالحين، فهل يتكلم العلماء وطلاب العلم مع المسؤولين في هذه الأزمة بوضوح تام ؟ <BR><BR><BR><BR>*عضو مكتب الدعوة والإرشاد بجدة<BR><br>